مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 4/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الطهارة

تتمة فصل الأغسال

تتمة الأغسال الواجبة

تتمة غسل الميت
فصل في شرائط الغسل
اشارة

و هي أمور:

الأول: نية القربة

الأول: نية القربة (1) على ما مر في باب الوضوء.

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف خلقه محمّد و آله الطّيّبين الطّاهرين.

(فصل في شرائط الغسل)

(1) لا بدّ من البحث عن أمور:

الأول: لا ريب في اعتبار القصد و الإرادة في غسل الميت، لأنّه فعل اختياري متقوّم بالقصد و ليس مثل إزالة الخبث عن الثوب و البدن المتحقق بأيّ نحو اتفق و لو بلا شعور و لا التفات- كالوقوع غفلة في الماء المعتصم، أو نزول المطر عليه أو نحو ذلك- و يدل عليه ظواهر الأخبار و إجماع الإمامية، بل المسلمين، فإن كان مراد ما نسب إلى السيد و العلامة و بعض متأخري المتأخرين من نفي اعتبار النية و تحقق الغسل و لو بوقوع الميت في الماء غفلة و نزول المطر عليه فلا ريب في بطلانه، لكونه خلاف ظواهر الأدلة، بل الضرورة بين المسلمين.

و ما ورد عن الرضا (عليه السّلام): «إنّما أمر بغسل الميت لأنه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الآفة و الأذى فأحب أن يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة- الحديث-» (1).

إنّما هو من بعض الحكم لا العلة التامة المنحصرة كما يستفاد من سائر الأخبار، فليس غسل الميت كإزالة الخباثة المحضة بحيث يكفي بها بأيّ وجه اتفق.

ص: 5


1- الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

.....

______________________________

الثاني: ظاهرهم الإجماع على اعتبار القربة في غسل الميت، بل الأغسال مطلقا و يقتضيه صحيح ابن مسلم: «غسل الميت مثل غسل الجنب» (1).

فإنّ إطلاق المماثلة يقتضي اعتبار القربة في غسل الميت كاعتبارها في غسل الجنابة، و كذا ما ورد من: «أنّه ليس من ميت يموت إلّا خرجت منه الجنابة، فلذلك وجب الغسل» (2).

فلا إشكال في أصل اعتبارها في الجملة إنّما البحث في الأمر الآتي و هو:

الثالث: أنّ القربة المعتبرة فيه كالقربة المعتبرة في الصلاة و الصوم و الحج و نحوها من العبادات الخاصة أو إنّ قصد نفس حسنها و محبوبيتها الذاتية من جهة كونها نظافة خاصة يكفي في عباديتها و ترتب الثواب عليها لأنّها حسنة و مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (3).

و كذا الكلام في الصدقات واجبة كانت أو مندوبة، و السعي في قضاء حوائج المؤمن و نحو ذلك مما هو كثير و داخل تحت إطلاق قوله تعالى فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً (4).

و قوله تعالى وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ (5).

إلى غيرها من الآيات و الأخبار الواردة في سياق ذلك الظاهرة في أنّ إتيان ما هو حسن شرعا نحو تقرّب و موجب لترتب الثواب، و لا وجه للتمسك لاعتبارها بقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (6).

و قوله عليه السّلام «إنّما الأعمال بالنيّات» (7).

و قوله عليه السّلام: «إنّما لكلّ امرئ ما نوى» (8) لما تقدم مرارا في هذا

______________________________

(1)

(2)

(3)

(4)

(5)

(6)

(7)

(8)

ص: 6


1- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث 4.
3- سورة الأنعام: 160.
4- سورة النساء: 95.
5- سورة البقرة: 110.
6- سورة البينة: 5.
7- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7.
8- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.
الثاني: طهارة

الثاني: طهارةالماء (2).

الثالث: إزالة النجاسة عن كلّ عضو قبل الشروع في غسله

الثالث: إزالة النجاسة (3) عن كلّ عضو قبل الشروع في غسله، بل الأحوط إزالتها عن جميع الأعضاء قبل الشروع في أصل الغسل، كما مرّ سابقا.

______________________________

الكتاب. و أما الإجماع فقيامه على أزيد مما قلناه من كلّ جهة مشكل لو لم يكن ممنوعا و طريق الاحتياط قصد القربة زائدا على قصد ذات العمل كما في الصلاة و غيرها.

إن قلت: إذا كان قصد ما هو حسن من حيث هو كاف في التقرب به فليكن في الصلاة و الحج و الصوم و نحوها أيضا كذلك، لأنّها أيضا حسنة بذاتها بل أحسن من كلّ حسن.

قلت: الظاهر الصحة إن كان قصد حسنها قصدا إجماليا للتقرب بها إلى اللّه تعالى، لفرض حصول قصد التقرب بها حينئذ.

الرابع: يتقرب كلّ من الغاسل و الميت بهذا الغسل. أما الأول فلقول أبي جعفر عليه السّلام: «كان فيما ناجى اللّه به موسى ربه، قال: يا رب ما لمن غسّل الموتى؟ فقال تعالى: أغسله من ذنوبه كما ولدته أمّه» (1).

و أما الأخير فلقول الرضا عليه السّلام: «أن يكون طاهرا نظيفا متوجها به إلى اللّه عزّ و جلّ ليطلب وجهه و ليشفع له» (2).

و لا مانع من حصول التقرب للميت بعد موته عقلا و نقلا، كما ستأتي نصوص كثيرة دالة عليه في قضاء الصلاة إن شاء اللّه تعالى، و في الصدقات و الوقوف و غيرها.

(2) إجماعا محققا، و لقاعدة: أنّ المتنجس لا يطهر.

(3) راجع [المسألة 1] من الفصل السابق.

ص: 7


1- الوسائل باب: 7 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
الرابع: إزالة الحواجب و الموانع عن وصول الماء إلى البشرة

الرابع: إزالة الحواجب و الموانع (4) عن وصول الماء إلى البشرة، و تخليل الشعر و الفحص عن المانع إذا شك في وجوده (5).

الخامس: إباحة الماء

الخامس: إباحة الماء، و ظرفه، و مصبه، و مجرى غسالته، و محل الغسل، و السدة، و الفضاء الذي فيه جسد الميت، و إباحة السدر و الكافور (6)، و إذا جهل بغصبية أحد المذكورات أو نسيها و علم بعد الغسل لا تجب إعادته (7)، بخلاف الشروط السابقة فإنّ فقدها يوجب الإعادة و إن لم يكن عن علم و عمد (8).

مسألة 1: يجوز تغسيل الميت من وراء الثياب

(مسألة 1): يجوز تغسيل الميت من وراء الثياب و لو كان

______________________________

(4) لوجوب غسل البشرة فتجب إزالة الموانع مقدمة لذلك.

(5) لقاعدة الاشتغال مضافا إلى ظهور الإجماع عليه فيكون المقام خارجا عما أجمعوا عليه من عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

فرع: لو كانت عليه جبيرة و مات وجب رفع الجبيرة مع الإمكان. و أما مع عدمه لتناثر لحمه مع رفع الجبيرة يجزي الغسل معها، و الأحوط ضم التيمم أيضا.

(6) لعدم صحة التقرب بما يكون معصية و حراما، و جميع ما تقدم في الشرط الرابع من شرائط الوضوء يجري في المقام أيضا.

(7) لوقوع العمل صحيحا مع عدم فعلية النّهي، لأنّ شرطية الإباحة إحرازية لا واقعية.

(8) الفرق: أنّ شرطية إباحة ما ذكر علمية التفاتية إجماعا و باقي الشرائط واقعية، فلا فرق فيها بين العلم و الجهل و النسيان، لظهور الأدلة في ذلك من غير دليل على الخلاف.

الشرط السادس: إطلاق الماء، و قد تقدم في [المسألة 3] من الفصل السابق فراجع.

ص: 8

المغسل مماثلا، بل قيل: إنّه أفضل (9). و لكنّ الظاهر- كما قيل- أنّ الأفضل التجرد في غير العورة مع المماثلة.

مسألة 2: يجزئ غسل الميت عن الجنابة و الحيض

(مسألة 2): يجزئ غسل الميت عن الجنابة و الحيض، بمعنى: أنّه لو مات جنبا أو حائضا لا يحتاج إلى غسلهما بل يجب غسل

______________________________

(9) أما أصل الجواز فلأصالة البراءة عن اشتراط التجرد و أنّ المقصود وصول الماء إلى الجسد في كلّ من الغسلات و المفروض تحققه مع الثوب أيضا، كما يجوز ذلك في جميع الأغسال مع فرض وصول الماء إلى البشرة لما يأتي في جملة من الأخبار: «إنّ عليّا عليه السّلام غسّل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قميصه ثلاث غسلات» (1).

و قال الصادق عليه السّلام: «إن استطعت أن يكون عليه قميص فغسّله (غسّله) من تحته» (2).

و قال أبو الحسن عليه السّلام: «و لا يغسّل إلّا في قميص»(3).

و إنّما البحث في أنّ المستحب هو الغسل مجردا أو من وراء الثياب. نسب الثاني إلى ابن أبي عقيل، و الصدوق و اختاره بعض متأخري المتأخرين لما تقدم من الأخبار، و نسب إلى المشهور استحباب التجرد في غير العورة مع المماثلة، لأنّه أمكن في التطهير، و لأنّ غسل الحيّ مع التجرد، فيكون غسل الميت أيضا كذلك، و لمرسل يونس: «فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص و اجمع قميصه على عورته» (4).

و في الخلاف: «يستحب أن يغسّل الميت عريانا مستور العورة- إلى أن قال- دليلنا إجماع الفرقة و عملهم أنّه مخيّر بين الأمرين». و الكلّ قابل للخدشة و لكن الاستحباب مبني على المسامحة و يظهر منه و من المحقق الثاني التخيير، و يمكن الاختلاف بحسب الجهات الخارجية.

ص: 9


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 14.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

الميت فقط (10)، بل و لا رجحان في ذلك (11)، و إن حكي عن العلامة (رحمه اللّه) رجحانه (12).

مسألة 3: لا يشترط في غسل الميت أن يكون بعد برده

(مسألة 3): لا يشترط في غسل الميت أن يكون بعد برده و إن كان أحوط (13).

______________________________

(10) للأصل و الاتفاق، و إطلاق الأدلة في هذا الحكم العام البلوى مع كثرة موت الجنب و الحائض و النفساء، و صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ميت مات و هو جنب كيف يغسل و ما يجزيه من الماء؟ قال عليه السّلام: يغسّل غسلا واحدا يجزي ذلك للجنابة و لغسل الميت لأنّهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة» (1).

و من التعليل يستفاد التعميم، و في موثق عمار: «أنّه سئل عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسّل؟ قال عليه السّلام: مثل غسل الطاهرة، و كذلك الجنب إنّما يغسّل غسلا واحدا» (2).

و أما خبر العيص قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و هو جنب. قال: يغسّل من الجنابة ثمَّ يغسل بعد غسل الميت» (3).

فمطروح للمعارضة و الإعراض مع إمكان حمله على غسل الجنابة عن بدنه ثمَّ تغسيله غسل الميت.

(11) للأصل بعد أن نسب في المعتبر نفي الوجوب و الاستحباب إلى الأصحاب، فكيف يكون راجحا شرعيا مع دعوى الإجماع على عدم الاستحباب. نعم، يجوز الإتيان بقصد الرجاء.

(12) قاله في المنتهى و نسب احتماله إلى الشيخ في التهذيب أيضا، فإن كان نظرهم إلى مجرد الإتيان بقصد الرجاء فلا نزاع في البين، و إن كان نظرهم إلى ما تقدم من خبر العيص فتقدم ما فيه.

(13) أما عدم الاشتراط فللإطلاق و الأصل. و أما الاحتياط فللسيرة

ص: 10


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.
مسألة 4: النظر إلى عورة الميت حرام

(مسألة 4): النظر إلى عورة الميت حرام (14)، لكن لا يوجب بطلان الغسل إذا كان في حاله (15).

مسألة 5: إذا دفن الميت بلا غسل جاز بل وجب نبشه

(مسألة 5): إذا دفن الميت بلا غسل جاز بل وجب نبشه لتغسيله أو تيممه. و كذا إذا ترك بعض الأغسال و لو سهوا، أو تبيّن بطلانها، أو بطلان بعضها. و كذا إذا دفن بلا تكفين، أو مع الكفن الغصبيّ (16)، و أما إذا لم يصلّ عليه، أو تبيّن بطلانها فلا يجوز نبشه لأجلها، بل يصلّى على قبره (17).

______________________________

و استنكار المتعارف هذا النحو من التعجيل، مع احتمال كون وجود الحرارة من مراتب وجود الحياة.

(14) للأصل و الإطلاق، و للنص، و الإجماع. قال الصادق عليه السّلام في الصحيح: «فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها .. أو تنظر إلى عورته»(1).

و قريب منه غيره (2).

(15) لأنّه خارج عن حقيقة الغسل جزءا و شرطا، و قد تحقق أنّ النهي المتعلق بما هو خارج عن حقيقة العبادة لا يوجب البطلان كالنظر إلى الأجنبية بشهوة في أثناء الصلاة، و الطواف و السعي، و حين الوقوف بعرفات و المشعر.

(16) كل ذلك لأنّ الدفن الشرعيّ ما كان بعد الإتيان بما يجب قبله صحيحا جامعا للشرائط و مع عدم وقوعه، أو فساد ما وقع، فليس الدفن بشرعي حتّى يحرم النبش فلا موضوع لحرمة النبش أصلا. نعم، لا بدّ من تقييد ذلك بما إذا لم يستلزم النبش هتك الميت و لا إيذاء الناس من رائحته و يأتي أيضا في الأمر الثاني من مستثنيات حرمة النبش (فصل مكروهات الدفن) [المسألة 7].

(17) يأتي وجهه في [المسألة 17] من (فصل شرائط صلاة الميت).

ص: 11


1- الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 7.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2 و 10.
مسألة 6: لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميت

(مسألة 6): لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميت (18) بل لو كان داعيه على التغسيل أخذ الأجرة على وجه ينافي قصد القربة بطل الغسل أيضا (19). نعم، لو كان داعيه هو القربة و كان الداعي على الغسل بقصد القربة أخذ الأجرة صح الغسل (20)، لكن مع ذلك أخذ الأجرة حرام (21) إلّا إذا كان في قبال المقدمات غير الواجبة، فإنّه لا بأس به حينئذ (22).

______________________________

(18) لأنّ تغسيل الميت من الحقوق المجانية له على الأحياء، مضافا إلى الإجماع و لم يحك الخلاف إلّا عن المرتضى (رحمه اللّه)، و يمكن حمل كلامه على أخذ الأجرة لمقدمات الغسل لا الغسل الواجب. ثمَّ إنّهم قد ذكروا لعدم جواز أخذ الأجرة على الواجب وجوها كلّها مخدوشة تعرضنا لها في المكاسب المحرمة و في غيرها بالمناسبة.

(19) لما تقدم من اشتراطه بقصد القربة، و مع فقد الشرط ينتفي المشروط لا محالة.

(20) بناء على كفاية قصد القربة مطلقا و لو كان منشأ حصولها دواع أخر و هو الذي تقتضيه سهولة الشريعة المقدسة في الأمور العامة البلوى مع غلبة العوام بين الأنام الذين لا يلتفتون إلى مراتب الخلوص و الإخلاص و الذين تكون جل أعمالهم العبادية لأغراض دنيوية و يكتفون فيها بمجرد الإضافة إلى اللّه في الجملة.

(21) للإجماع، و لأنّه من المجانيات على ما هو المتسالم عليه بين الفقهاء بل المتشرعة.

(22) للأصل و إطلاق أدلة الإجارة و لقاعدة احترام العمل من غير تخصيص بالنسبة إليها و لا يختص ذلك بمقدمات الغسل المندوبة، بل يشمل جميع ما يتعلق بالميت حتّى لو كان مباحا، و السيرة الجارية- في البلاد الإسلامية من أخذ الأجرة على الغسل- محمولة على أخذها على المقدمات مطلقا.

فروع- (الأول): لو أخذ الغاسل الأجرة بلا توجه إلى خصوص الواجب أو الندب و حصل منه قصد القربة يصح الغسل و تحل الأجرة.

ص: 12

مسألة 7: إذا كان السدر أو الكافور قليلا جدّا

(مسألة 7): إذا كان السدر أو الكافور قليلا جدّا بأن لم يكن بقدر الكفاية- فالأحوط خلط المقدار الميسور (23) و عدم سقوطه بالمعسور.

مسألة 8: إذا تنجس بدن الميت بعد الغسل أو في أثنائه

(مسألة 8): إذا تنجس بدن الميت بعد الغسل أو في أثنائه بخروج نجاسة أو نجاسة خارجة لا يجب معه إعادة الغسل (24). بل

______________________________

(الثاني): لو أخذ الأجرة بعوض الغسل و حصل منه قصد القربة ثمَّ استجاز من المالك يصح الغسل و تحل الأجرة.

(الثالث): لو أخذ الأجرة بإزاء الغسل الواجب و جعلها في عوض المندوبات يصح الغسل و تحل الأجرة مع إحراز الرضا.

(23) لظهور التسالم على العمل بها في المقام فلا وجه للإشكال بأنّها لا تجري إلّا فيما عمل بها الأصحاب.

(24) للأصل، و إطلاقات أدلة الغسل، و ظهور الإجماع، و أخبار خاصة:

منها: قول الصادق عليه السّلام: «إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي ء بعد الغسل و أصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقراض» (1).

و نحوه غيره، و ظهوره في صحة الغسل و عدم لزوم الإعادة مما لا ينكر، و عنه عليه السّلام أيضا في الموثق: «إن بدا من الميت شي ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه و لا تعد الغسل» (2).

و عنه عليه السّلام أيضا: «عن الميت يخرج منه الشي ء بعد ما يفرغ من غسله. قال عليه السّلام: يغسل ذلك و لا يعاد عليه الغسل» (3).

و في مرفوع سهل: «إذا غسل الميت ثمَّ أحدث بعد الغسل فإنّه يغسل الحدث، و لا يعاد الغسل» (4).

ص: 13


1- الوسائل باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 4.
2- الوسائل باب 32 من أبواب غسل الميت حديث 1.
3- الوسائل باب 32 من أبواب غسل الميت حديث 2.
4- الوسائل باب 32 من أبواب غسل الميت حديث 5.

و كذا لو خرج منه بول أو منيّ (25)، و إن كان الأحوط في صورة كونهما في الأثناء إعادته، خصوصا إذا كان في أثناء الغسل بالقراح. نعم، يجب إزالة تلك النجاسة و لو كان بعد وضعه في القبر إذا أمكن بلا مشقة و لا هتك (26).

مسألة 9: اللوح أو السرير الذي يغسل الميت عليه

(مسألة 9): اللوح أو السرير الذي يغسل الميت عليه لا يجب

______________________________

و إطلاقها يشمل البول و المنيّ و غيرهما من الأحداث كبيرة كانت أو صغيرة، كما أنّ إطلاقها الوارد في مقام البيان يشمل ما خرج في الأثناء أيضا، مضافا إلى خبر يونس- فإنّه عليه السّلام بعد الأمر بتغسيله بالسدر- قال عليه السّلام:

«و امسح بطنه مسحا رقيقا فإن خرج منه شي ء فأنقه ثمَّ اغسل رأسه»(1).

و مثله موثق عمار (2) و لا ريب في ظهورهما في أنّ الحدث الخارج في الأثناء لا يوجب البطلان، و تقدم في [المسألة 8] و ما بعدها من (فصل مستحبات غسل الجنابة) ما ينفع المقام.

و الحاصل: إنّ تخلل مثل الحدث الذي يتطهر منه في الأثناء يوجب البطلان، و كذا تخلل العالي في أثناء التطهير من الداني كالجنابة في أثناء الوضوء، و الاستحاضة الكثيرة في أثناء المتوسطة- مثلا- و في غيرهما لا دليل على البطلان، فما نسب إلى ابن أبي عقيل من البطلان في الأثناء لا وجه له.

(25) لما تقدم من إطلاق الأخبار الشامل للجميع.

(26) أما الاحتياط فيما إذا كان الحدث في الأثناء، فللخروج عن مخالفة ابن أبي عقيل. و أما الخصوصية في القراح، فلاحتمال كونه هو المطهر الحقيقي دون الأولين، و أما وجوب إزالة النجاسة و لو بعد الوضع في القبر، فلإطلاق ما تقدم من الأدلة، و يأتي بعد ذلك. و أما عدم الوجوب مع المشقة و الهتك، فلقاعدة الحرج، و أنّ حفظ احترام ميت المؤمن أهم من إزالة النجاسة عنه.

______________________________

(1)

(2)

ص: 14


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

غسله بعد كلّ غسل من الأغسال الثلاثة (27). نعم، الأحوط غسله لميت آخر (28)، و إن كان الأقوى طهارته بالتبع (29). و كذا الحال في الخرقة الموضوعة عليه، فإنّها- أيضا- تطهر بالتبع، و الأحوط غسلها (30).

______________________________

(27) على المشهور، بل المجمع عليه، لإطلاقات أدلة التغسيل الواردة في مقام البيان و التفصيل مع عدم التعرض فيها لتطهير اللوح و السرير و الخرقة، مع كون المسألة ابتلائية خصوصا في الأعصار القديمة التي كان التغسيل فيها بالماء القليل، فتدل بالملازمة العرفية على طهارتها بطهارة الميت مطلقا، و تقدم في التاسع من المطهرات بعض الكلام فراجع.

(28) لاحتمال أن تكون الطهارة التبعية جهتية لا من كل جهة.

(29) لظهور الملازمة العرفية في الطهارة المطلقة لا الطهارة بخصوص ميت دون آخر.

(30) الكلام فيها عين الكلام في اللوح و السرير.

ص: 15

فصل في آداب غسل الميت
اشارة

(فصل في آداب غسل الميت) و هي أمور:

الأول: أن يجعل على مكان عال من سرير أو دكة أو غيرها

الأول: أن يجعل على مكان عال من سرير أو دكة أو غيرها (1).

و الأولى وضعه على ساجة (2)- و هي: السرير المتخذ من شجر مخصوص في الهند- و بعده مطلق السرير، و بعده المكان العالي مثل الدكة. و ينبغي أن يكون مكان رأسه أعلى من مكان رجليه (3).

الثاني: أن يوضع مستقبل القبلة

الثاني: أن يوضع مستقبل القبلة كحالة الاحتضار (4)، بل هو (فصل في آداب غسل الميت)

______________________________

(1) للسيرة، و عدم الخلاف و أقربيته إلى احترام الميت و يشير إليه ما في بعض الأخبار الآتية من الأمر بوضعه على المغتسل.

(2) لفتوى جمع به، و هو يكفي في الاستحباب بناء على المسامحة فيه.

(3) لفتوى جمع من الأجلاء و لئلا يجتمع تحته الماء.

(4) لقوله عليه السّلام: «إذا أردت غسل الميت، فضعه على المغتسل مستقبل القبلة» (1).

و عن الصادق عليه السّلام: «إذا غسّل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة، فيكون مستقبل باطن قدميه و وجهه إلى القبلة» (2).

ص: 16


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

أحوط (5).

الثالث: أن ينزع قميصه من طرف رجليه

الثالث: أن ينزع قميصه من طرف رجليه (6) و إن استلزم فتقه بشرط الإذن من البالغ الرشيد (7). و الأولى أن يجعل هذا ساترا لعورته (8).

الرابع: أن يكون تحت الظلال

الرابع: أن يكون تحت الظلال من سقف أو خيمة و الأولى الأول (9).

______________________________

و نحوه غيره المحمول على الندب، لصحيح ابن يقطين: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الميت كيف يوضع على المغتسل، موجها وجهه نحو القبلة، أو يوضع على يمينه و وجهه نحو القبلة؟ قال عليه السّلام:

يوضع كيف تيسّر- الحديث-»(1).

(5) خروجا عن خلاف من اختار الوجوب.

(6) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثمَّ يخرق القميص إذا فرغ من غسله و ينزع من طرف رجليه»(2).

و المحمول على الندب إجماعا. و لا بدّ من حمله على ما إذا استلزم الإخراج الخرق و إلّا فيخرج بلا خرق.

(7) لانتقال ماله إلى الورثة، فلا بدّ من الاستئذان منهم.

(8) لقوله عليه السّلام في خبر يونس: «فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص و اجمع قميصه على عورته» (3).

بدعوى: عدم الفرق بين قبل الغسل و بعده إلى أن يكفّن.

(9) لقول الصادق عليه السّلام: «إنّ أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت

ص: 17


1- الوسائل باب: 5 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
2- المعتبر ج: 1 ص 320 الطبعة القديمة.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
الخامس: أن يحفر حفيرة لغسالته

الخامس: أن يحفر حفيرة لغسالته (10).

السادس: أن يكون عاريا مستور العورة

السادس: أن يكون عاريا مستور العورة (11).

السابع: ستر عورته

السابع: ستر عورته (12) و إن كان الغاسل و الحاضرون ممن يجوز لهم النظر إليها.

الثامن: تليين أصابعه برفق

الثامن: تليين أصابعه برفق (13)، بل و كذا جميع مفاصله إن لم يتعسر، و إلا تركت بحالها (14).

______________________________

و بين السماء سترا- يعني إذا غسّل-» (1).

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الميت هل يغسل في الفضاء؟ قال عليه السّلام: لا بأس و إن ستر بستر فهو أحبّ إليّ» (2).

و لعلّ وجه أولوية الأول أنّه أقرب إلى تساوي الفقير و الغنيّ، و الوضيع و الشريف.

(10) تقدم وجهه في الأمر الثاني، و الظاهر كفاية كون الحفيرة لغسالة غسل الأموات، كما عليه السيرة في جميع بلاد المسلمين.

(11) نسب ذلك إلى المشهور و تقدم في [المسألة 1] من الفصل السابق بعض الكلام.

(12) لأنّه أقرب إلى احترام الميت، و تقدم في تغسيل الزوج الزوجة قوله عليه السّلام: «و لا ينظر إلى عورتها» (3).

و يأتي في الحادي عشر إطلاق يشمل المقام أيضا.

(13) لأنّه مذهب أهل البيت عليهم السّلام، كما في المعتبر.

(14) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثمَّ تليّن مفاصله، فإن امتنعت

ص: 18


1- الوسائل باب: 30 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 12.
التاسع: غسل يديه قبل التغسيل إلى نصف الذراع في كلّ غسل ثلاث مرّات

التاسع: غسل يديه قبل التغسيل إلى نصف الذراع في كلّ غسل ثلاث مرّات (15)، و الأولى أن يكون في الأول بماء السدر، و في الثاني بماء الكافور، و في الثالث بالقراح (16).

العاشر: غسل رأسه برغوة السدر أو الخطمي مع المحافظة على عدم دخوله في إذنه أو أنفه

العاشر: غسل رأسه برغوة السدر أو الخطمي مع المحافظة على عدم دخوله في إذنه أو أنفه (17).

الحادي عشر: غسل فرجيه بالسدر أو الأشنان ثلاث مرات

الحادي عشر: غسل فرجيه بالسدر أو الأشنان ثلاث مرات قبل التغسيل. و الأولى أن يلفّ الغاسل على يده اليسرى خرقة و يغسل فرجه (18).

______________________________

عليك فدعها» (1).

و الظاهر عدم اختصاص المفاصل بالأصابع، بل تشمل كلّ مفصل.

(15) لمرسل يونس: «ثمَّ اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع» (2).

المحمول على الندب إجماعا.

(16) لما في الفقه الرضوي (3).

(17) لقول الصادق عليه السّلام: «و إن غسّلت رأسه و لحيته بالخطمي فلا بأس»(4).

الظاهر في أنّ المراد، لا بأس به في إتيان الوظيفة المندوبة، و في المرسل: «ثمَّ اغسل رأسه بالرغوة و بالغ في ذلك و اجتهد أن لا يدخل الماء منخريه و مسامعه» (5).

(18) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض

ص: 19


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث 10.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث 3 و 2.
الثاني عشر: مسح بطنه برفق في الغسلين الأولين

الثاني عشر: مسح بطنه برفق في الغسلين الأولين إلا إذا كانت امرأة حاملا مات ولدها في بطنها (19).

الثالث عشر: أن يبدأ في كلّ من الأغسال الثلاثة بالطرف الأيمن من رأسه

الثالث عشر: أن يبدأ في كلّ من الأغسال الثلاثة بالطرف الأيمن من رأسه (20).

______________________________

فاغسله ثلاث غسلات» (1).

و الحرض الأشنان، و قال عليه السّلام أيضا: «فخذ خرقة نظيفة فلفّها على يدك اليسرى ثمَّ أدخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير أن ترى عورته»(2).

ثمَّ إنّ إطلاق قوله (رحمه اللّه) (و الأولى أن يلفّ الغاسل ..) مشكل بالنسبة إلى غير الزوجين، و إجراء حكم الجماد على العورة فيجوز مسها أشكل، فلا يترك الاحتياط باللف.

(19) أما في الغسلين الأولين: أي قبلهما، فللإجماع. و قوله عليه السّلام في خبر يونس، و الكاهلي: «و امسح يدك على بطنه مسحا رقيقا» (3).

بل يستحب الرفق بالميت في تمام الحالات مطلقا، لقوله عليه السّلام:

«إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به و لا تعصروه»(4).

و لا يستحب المسح قبل الثالثة اتفاقا. و أما بالنسبة إلى الحامل فلما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها، فليبدءوا ببطنها، فلتمسح مسحا رقيقا إن لم تكن حبلى، فإن كانت حبلى فلا تحركيها» (5).

و يشهد له الاعتبار أيضا.

(20) لدعوى الإجماع و مطلوبية التيامن مطلقا.

ص: 20


1- لوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث 7.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
الرابع عشر: أن يقف الغاسل إلى جانبه الأيمن

الرابع عشر: أن يقف الغاسل إلى جانبه الأيمن (21).

الخامس عشر: غسل الغاسل يديه إلى المرفقين بل إلى المنكبين ثلاث مرات

الخامس عشر: غسل الغاسل يديه إلى المرفقين بل إلى المنكبين ثلاث مرات في كلّ من الأغسال الثلاثة (22).

السادس عشر: أن يمسح بدنه عند التغسيل بيده

السادس عشر: أن يمسح بدنه عند التغسيل بيده لزيادة الاستظهار إلا أن يخاف سقوط شي ء من أجزاء بدنه فيكتفي بصب الماء عليه (23).

السابع عشر: أن يكون ماء غسله ست قرب

السابع عشر: أن يكون ماء غسله ست قرب (24).

الثامن عشر: تنشيفه بعد الفراغ بثوب نظيف أو نحوه

الثامن عشر: تنشيفه بعد الفراغ بثوب نظيف أو نحوه (25).

______________________________

(21) لما مر في سابقة بلا فرق.

(22) لمرسل يونس (1) و في صحيح ابن يقطين قال عليه السّلام: «ثمَّ يغسل الذي غسّله يده قبل أن يكفّنه إلى المنكبين ثلاث مرات» (2).

و في الرضوي: «فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك إلى المرفقين»(3).

(23) أما الأول، فلقوله عليه السّلام: «و ادلك بدنه دلكا رقيقا و كذلك ظهره و بطنه» (4) و أما الأخير، فلأنّ التحفظ على أجزائه أهمّ من الاستظهار.

(24) تقدم ما يتعلق به في [المسألة 4] من (فصل كيفية غسل الميت).

(25) لقوله عليه السّلام: «ثمَّ تجففه بثوب نظيف» (5).

و قوله عليه السّلام: «ثمَّ تنشفه بثوب طاهر»(6).

ص: 21


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.
3- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث 3.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث 10.
6- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
التاسع عشر: أن يوضأ قبل كلّ من الغسلين الأولين وضوء الصلاة

التاسع عشر: أن يوضأ قبل كلّ من الغسلين الأولين وضوء الصلاة مضافا إلى غسل يديه إلى نصف الذراع (26).

العشرون: أن يغسل كلّ عضو من الأعضاء الثلاثة

العشرون: أن يغسل كلّ عضو من الأعضاء الثلاثة في كلّ غسل من الأغسال الثلاث مرات (27).

الحادي و العشرون: إن كان الغاسل يباشر تكفينه فليغسل رجليه إلى الركبتين

الحادي و العشرون: إن كان الغاسل يباشر تكفينه فليغسل رجليه إلى الركبتين (28).

الثاني و العشرون: أن يكون الغاسل مشغولا بذكر اللّه و الاستغفار عند التغسيل

الثاني و العشرون: أن يكون الغاسل مشغولا بذكر اللّه و الاستغفار عند التغسيل. و الأولى أن يقول مكررا:

«ربّ عفوك عفوك»، أو يقول: «اللهم هذا بدن عبدك المؤمن و قد أخرجت روحه من بدنه و فرّقت بينهما فعفوك عفوك» خصوصا عند

______________________________

(26) تقدم ما يتعلق بوضوء الميت في [المسألة 3] من (فصل كيفية غسل الميت). و لا وجه للاختصاص بالأولين، بل إما أن يستحب قبل كلّ غسل، أو قبل الشروع في الأغسال الثلاثة.

(27) لقوله عليه السّلام في خبر الكاهلي: «ثمَّ اغسله من قرنه إلى قدميه، و امسح يدك على ظهره و بطنه ثلاث غسلات، ثمَّ رده على جانبه الأيمن ليبدو لك الأيسر فاغسله بماء من قرنه إلى قدميه، و امسح يدك على ظهره و بطنه ثلاث غسلات».

و مثله خبر يونس (1).

(28) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق عمار: «ثمَّ تغسل يديك إلى المرافق و رجليك إلى الركبتين ثمَّ تكفنه» (2).

ص: 22


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث 10.

تقليبه (29).

الثالث و العشرون: أن لا يظهر عيبا في بدنه إذا رآه

الثالث و العشرون: أن لا يظهر عيبا في بدنه إذا رآه (30).

______________________________

و مقتضى الجمود على الإطلاق عدم الفرق بين كون غسل الميت بالماء القليل أو المعتصم.

(29) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «أيّما مؤمن غسّل مؤمنا، فقال إذا قلبه: «اللهم إنّ هذا بدن عبدك .. إلّا غفر اللّه له ذنوب سنة إلّا الكبائر» (1).

و في صحيح إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ما من مؤمن يغسّل ميتا مؤمنا و يقول و هو يغسّله: يا ربّ عفوك عفوك- إلّا عفا اللّه عنه» (2).

و الظاهر أنّ وقت التقلّب من باب تعدد المطلوب، لمطلوبية الدعاء في جميع الأحوال مطلقا خصوصا في مثل هذه الحالات.

(30) قال أبو جعفر عليه السّلام: «من غسّل ميتا فأدى فيه الأمانة غفر له.

قلت: و كيف يؤدي فيه الأمانة؟ قال عليه السّلام: لا يخبر بما رأى» (3).

تنبيه: هذه الأخبار و إن كان ظاهرها الوجوب إلّا أنّها محمولة على الندب بقرائن داخلية أو خارجية.

ص: 23


1- الوسائل باب: 7 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
فصل في مكروهات الغسل
اشارة

(فصل في مكروهات الغسل) الأول: إقعاده حال الغسل (1).

الثاني: جعل الغاسل إياه بين رجليه (2).

الثالث: حلق رأسه أو عانته.

الرابع: نتف شعر إبطيه.

الخامس: قص شاربه.

السادس: قص أظفاره (3)، بل الأحوط تركه و ترك الثلاثة (فصل في مكروهات الغسل)

______________________________

(1) نصّا، و إجماعا، ففي خبر الكاهلي: «و إياك أن تقعده» (1).

و في الدعائم: «و لا تجلسه لأنّه إذا اجلس اندق ظهره» (2).

(2) لخبر عمار: «و لا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من جانبه» (3).

و هو محمول على الكراهة بقرينة خبر علاء بن سيابة.

(3) لجملة من الأخبار منها خبر غياث: «كره أمير المؤمنين عليه السّلام أن يحلق عانة الميت إذا غسل أو يقلّم له ظفر، أو يجزّ له شعر» (4).

و في خبر ابن أبي عمير: «لا يمس من الميت شعر و لا ظفر و إن سقط منه

ص: 24


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
2- دعائم الإسلام ج: 1 صفحة: 234 الطبعة الثالثة.
3- التهذيب ج: 1 صفحة: 298.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

قبله (4).

السابع: ترجيل شعره (5).

الثامن: تخليل ظفره.

التاسع: غسله بالماء الحار بالنار أو مطلقا إلا مع الاضطرار (6).

______________________________

شي ء فاجعله في كفنه»(1).

و في الرضوي: «و لا تقلمنّ أظافيره و لا تقص شاربه و لا شيئا من شعره فإن سقط منه شي ء فاجعله في أكفانه» (2).

و في خبر أبي الجارود: «عن الرجل يتوفى أ يقلّم أظافيره و تنتف إبطاه و تحلق عانته إن طالت به من المرض؟ قال عليه السّلام: لا» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار و عن ابني سعيد و حمزة الحرمة مدّعيا عليها الإجماع، و ظهور الأخبار فيها و لكن الإجماع موهون، و الأخبار بين ما هو قاصر سندا أو معرض عن ظاهره الأصحاب، فلا وجه للحرمة.

(4) خروجا عن خلاف ابني سعيد و حمزة.

(5) يدل على كراهية ترجيل الشعر، الإجماع، و إطلاق قوله عليه السّلام: «و لا يمسّ عن الميت شعر»(4).

و على كراهة تخليل الظفر قوله عليه السّلام في خبر الكاهلي: «و لا تخلل أظافيره»، مضافا إلى دعوى الإجماع عن الشيخ.

(6): لقول أبي جعفر عليه السّلام: «لا يسخن الماء للميت» (5).

ص: 25


1- الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

العاشر: التخطّي عليه حين التغسيل (7).

الحادي عشر: إرسال غسالته إلى بيت الخلاء، بل إلى البالوعة، بل يستحب أن يحفر لها بالخصوص حفيرة كما مر (8).

الثاني عشر: مسح بطنه إذا كانت حاملا (9).

مسألة 1: إذا سقط من بدن الميت شي ء من جلد أو شعر أو سنّ يجعل معه في كفنه و يدفن

(مسألة 1): إذا سقط من بدن الميت شي ء من جلد أو شعر أو سنّ يجعل معه في كفنه و يدفن (10)، بل يستفاد من بعض الأخبار

______________________________

و عن الصادق عليه السّلام: «لا يقرب الميت ماء حميما» (1).

و عن أبي جعفر عليه السّلام: «إلّا أن يكون شتاء باردا، فتوقي الميت مما توقي منه نفسك» (2).

(7) للإجماع، و لأنّه خلاف الاحترام، و ترتفع الكراهة مع المصلحة الراجحة.

(8) تقدم في الخامس من المندوبات، و في مكاتبة الصفار إلى أبي محمد عليه السّلام: «هل يجوز أن يغسل الميت و ماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع عليه السّلام يكون ذلك في بلاليع»(3).

(9) لما مر من النبوي: «و إن كانت حبلى فلا تحركيها»(4).

ثمَّ إنّ ظاهر ما تقدم من الأخبار و إن كان هو الحرمة إلّا أنّه محمول على الكراهة لقرائن داخلية، أو خارجية.

(10) لقول الصادق عليه السّلام في خبر ابن أبي عمير: «لا يمس عن الميت شعر و لا ظفر و إن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه» (5).

ص: 26


1- الوسائل باب: 10 من أبواب غسل الميت حديث 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب غسل الميت حديث 5.
3- الوسائل باب: 29 أبواب غسل الميت حديث: 1.
4- تقدم آنفا في صفحة: 20.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

استحباب حفظ السن الساقط ليدفن معه، كالخبر الذي ورد: أن سنّا من أسنان الباقر عليه السلام سقط فأخذه و قال: الحمد للّه، ثمَّ أعطاه للصادق عليه السلام و قال: ادفنه معي في قبري.

مسألة 2: إذا كان الميت غير مختون لا يجوز أن يختن بعد موته

(مسألة 2): إذا كان الميت غير مختون لا يجوز أن يختن بعد موته (11).

______________________________

(11) قال في المستند: «و أما اختتانه لو لم يكن مختونا فالظاهر تحريمه، لما نصّ عليه في المنتهى مدعيا عليه الإجماع، لأصالة عدم جواز قطع عضو خرج الحيّ بالدليل فيبقى الباقي».

ثمَّ إنّه ينبغي الإشارة إلى القاعدة التي تمسك بها كثيرا في الفقه و هي:

«حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا».

و البحث فيها تارة في مدركها، و أخرى في مقدار دلالتها، و ثالثة في الفروع المتفرعة عليها.

أما الأولى فيدل عليها مضافا إلى الأصل و الإجماع في الجملة نصوص كثيرة:

منها: ما عن الصادق عليه السّلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

«حرمة المسلم ميتا كحرمته و هو حيّ سواء» (1).

و منها: قول أبي جعفر عليه السّلام: «إنّ اللّه حرم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء» (2).

و منها: قول الصادق عليه السّلام: «قطع رأس الميت أشد من قطع رأس الحيّ» (3).

و قوله عليه السّلام أيضا: «حرمة الميت كحرمة الحيّ» (4).

و قوله عليه السّلام: «أبى اللّه أن يظن بالمؤمن إلّا خيرا و كسرك عظامه حيا و ميتا سواء» (5).

ص: 27


1- الوسائل باب: 25 من أبواب ديات الأعضاء.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب ديات الأعضاء.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب ديات الأعضاء.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب ديات الأعضاء.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب ديات الأعضاء.
مسألة 3: لا يجوز تحنيط المحرم بالكافور

(مسألة 3): لا يجوز تحنيط المحرم بالكافور، و لا جعله في ماء غسله كما مر، إلا أن يكون موته بعد الطواف للحج أو العمرة.

______________________________

و عنه عليه السّلام أيضا: «حرمة المؤمن ميتا أعظم من حرمته و هو حيّ» (1).

و تقتضيه سيرة الناس مطلقا في أمواتهم، فإنّ لكلّ ميت في كلّ مذهب و ملّة حرمته عند أهل ذلك المذهب و الملّة. و لا بدّ من حمل مطلقات الأخبار على مقيدها، و المراد من المجموع إنّما هو المؤمن، كما أنّه لا بدّ من حمل قوله عليه السّلام: «أعظم من حرمته و هو حيّ» على الأعظمية من بعض الجهات لا مطلقا، و يشهد لها العرف فإنّهم يرون الظلم على الميت أقبح من الظلم على الحيّ و يرون احترامه أوقع من احترامه لانقطاعه عن الدنيا.

و أما الثانية فمقتضى عموم التنزيل تنزيله منزلة الحيّ من كلّ جهة إلّا ما خرج بالدليل فيحرم بالنسبة إليه جميع ما كان محرّما في زمان حياته من إيذائه و هتكه و إهانته بل و غيبته و نحو ذلك من الحقوق، و كذا الحقوق المجاملية إن بقي لها موضوع عرفا فيدور بقاء تلك الحقوق و الأحكام مدار صحة الصدق العرفي و بقاء الموضوع بنظر المتعارف.

و أما الثالثة فهي كثيرة تذكر في أحكام الأموات و في الدّيات و سائر الأبواب بحسب المناسبات.

ص: 28


1- الوسائل باب: 25 من أبواب ديات الأعضاء.
فصل في تكفين الميت
اشارة

(فصل في تكفين الميت) يجب تكفينه (1) بالوجوب الكفائي (2) رجلا كان، أو امرأة، أو خنثى، أو صغيرا (3) بثلاث قطعات (4): (فصل في تكفين الميت)

______________________________

(1) بضرورة من الدّين، و نصوص متواترة يأتي بعضها.

(2) لما تقدم في (فصل الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيزات الميت).

(3) للإطلاق و الاتفاق، بل الضرورة.

(4) لإجماع الإمامية و نصوصهم المستفيضة المشتملة على لفظ الثلاثة.

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الميت يكفن في ثلاثة أثواب سوى العمامة»(1).

و في موثق سماعة: «سألته عما يكفن الميت. قال: ثلاثة أثواب، و إنّما كفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب- إلى أن قال- و كفن أبو جعفر عليه السّلام في ثلاثة أثواب» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يواري فيه جسده كلّه» (3). ففيه أولا: أنّه مضبوط في بعض نسخ التهذيب: «إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام»، و استظهر في الحدائق أنّه موافق لما كتب بخط الشيخ (رحمه اللّه). و ضبطه في الكافي: «إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام».

ص: 29


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 12.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 6.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 1.

الأولى: المئزر (5)، ..

______________________________

و عن الشيخ البهائي (رحمه اللّه) إنّ بعض نسخ التهذيب موافق للكافي.

و أما ثانيا فلاحتمال صدوره للتقية، لذهاب الجمهور إلى الاجتزاء بالواحد.

هذا مع إمكان حمله على حالتي الاختيار و الاضطرار، فيجزي الواحد في الثانية دون الأولى، فلا وجه لما نسب إلى سلار من الاكتفاء بالثوب الواحد اختيارا، للأصل و هذا الصحيح. إذ الأصل محكوم بالدليل، و الصحيح مضطرب المتن مخالف للمشهور، و موافق للجمهور، مع أنّ فتوى سلار مسبوقة بالإجماع على خلافه، و ملحوق بها أيضا.

(5) لم أجد لفظ المئزر في النصوص غير ما ورد في الفقه الرضوي:

«و يكفن الميت بثلاث قطع و خمس و سبع فأما الثلاثة فمئزر و عمامة و لفافة و الخمس مئزر و قميص و عمامة و لفافتان .. إلى أن قال: و يكفن بثلاثة أثواب لفافة و قميص و إزار» (1). و لكن ورد الإزار في الأخبار، كما يأتي. و المئزر في العرف و اللغة يستعمل في الإزار استعمالا شائعا في محاوراتهم و يدل عليه ما ورد في باب الإحرام (2)، و أحكام الحائض (3)الوسائل باب: 26 من أبواب الحيض.(4)، و آداب الحمام (5) و نصوص المقام فلا إشكال من هذه الجهة.

و إنّما البحث في جواز الاجتزاء بالمئزر و عدمه، فعن صاحب المدارك و من تبعه عدم جواز الاجتزاء به و وجوب التكفين بثوبين شاملين و قميص أو بثلاث شاملات مخيّرا بينهما و هو استبداد منه في الرأي- كما هو دأبه (رحمه اللّه)- و البحث في المسألة تارة: بحسب الأصل، و أخرى: بحسب الإطلاقات، و ثالثة: بحسب القرائن المستفادة من الأخبار و غيرها. و أما الكلمات فهي مضطربة و لا وجه للتعرض لها مع استقرار المذهب على خلافها منذ أعصار كثيرة

ص: 30


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الكفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الإحرام حديث: 2.
3-
4-
5- الوسائل باب: 9 من أبواب آداب الحمام.

.....

______________________________

بين أهل الفتوى و المتشرعة.

أما الأولى فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر، إذ الشك يرجع إلى أنّه هل يجزي قدر المئزر و لو لم يكن شاملا، أو لا بدّ و أن يكون شاملا؟ و مقتضى الأصل هو الأول إلّا أن يدل دليل على الخلاف و هو مفقود، كما يأتي.

و أما الثانية: فالإطلاقات المشتملة على التكفين في ثلاثة أثواب كثيرة و هي مستند صاحب المدارك حيث ادعى أنّها ظاهرة في الأثواب الشاملة.

و فيه: أنّ مقتضى إطلاقها الاجتزاء و لو لم يكن الجميع شاملا، فيصح أن يقال: لبس زيد ثلاثة أثواب- و ذهب إلى المدرسة- القميص و السراويل و السترة- مثلا- و هذا استعمال صحيح و حسن عرفا، فالحمل على الإطلاق يقتضي الأعم من كون كلّ واحد من الثلاثة شاملا أو لا. و اعتبار كون اللفافة شاملا إنّما هو لدليل خارجي، لا لظهور لفظ ثلاثة أثواب في ذلك مع أنّ الأثواب الثلاثة منصرفة عرفا إلى القميص و المئزر و ما هو كالرداء في زمان الحياة. و في خبر الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «كتب أبي في وصيته: أن أكفنه بثلاثة أثواب: أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيه يوم الجمعة، و ثوب آخر و قميص» (1).

فالمنساق من الأثواب الثلاثة بالنسبة إلى الأحياء هذه الثلاثة- أي الرداء، و القميص، و المئزر- في الأزمنة القديمة فكذا بالنسبة إلى الأموات، فيكفينا نفس الإطلاق بعد هذا الانسباق.

و أما الأخيرة ففي الأخبار قرائن ظاهرة في وجوب المئزر و كونه معهودا عند الناس:

منها: صحيح ابن سنان: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف أصنع بالكفن؟ قال عليه السّلام: تؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته و رجليه، قلت:

فالإزار؟ قال: لا، إنّها لا تعد شيئا- الحديث-» (2).

فإنّه ظاهر في أنّ الإزار كان معهودا و لازما، فقال عليه السّلام: إنّها لا تفيد

ص: 31


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 10.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8.

و يجب أن يكون من السرة إلى الركبة (6) و الأفضل من الصدر إلى القدم (7).

الثانية: القميص (8). و يجب أن يكون من المنكبين إلى نصف

______________________________

فائدة الخرقة. و المنساق من الإزار هنا ما يشد على الوسط حتّى يمكن توهم أنّه يفيد فائدة ما يشدّ على المقعدة.

و منها: قوله عليه السّلام في خبر ابن وهب: «يكفّن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزرّ عليه، و إزار، و خرقة يعصّب بها وسطه، و برد يلف فيه، و عمامة يعتم بها و يلقى فضلها على صدره (1).

فإنّه كلّما ذكر الإزار في مقابل القميص يراد به المئزر.

و منه يظهر وجه دلالة قولهم عليهم السّلام في مرسل يونس: «ابسط الحبرة بسطا، ثمَّ ابسط عليها الإزار، ثمَّ ابسط القميص عليه» (2).

و قول الصادق عليه السّلام في موثق عمار: «فتبسط اللفافة طولا، ثمَّ تذرّ عليها من الذريرة، ثمَّ الإزار طولا حتّى يغطّي الصدر و الرجلين» (3).

فإنّه صريح في عدم لزوم كونه شاملا فملاحظة مجموع الأخبار و فتاوى الفقهاء و السيرة مما يوجب القطع بالحكم.

(6) لا يخفى أنّ المئزر من الأمور التشكيكية طولا و عرضا و يكفي فيه مجرد الصدق العرفي، و المرجع فيما زاد عليه البراءة، لأنّ المسألة من موارد الأقل و الأكثر. و نسب إلى الأصحاب أنّه من السرة إلى الركبة فإن كان ذلك إجماعا فيعتمد عليه، و كذا إن كان هو المتعارف منه بحيث يكون ذلك قرينة على تنزيل الأدلة عليه. و إلّا فالمرجع- في الزائد على المسمّى- البراءة.

(7) لما مر في موثق عمار بعد حمله على مجرد الأفضلية.

(8) نصا و إجماعا. قال الصادق عليه السّلام في حسنة حمران: «ثمَّ

ص: 32


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 13.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

الساق (9)، و الأفضل إلى القدم (10).

الثالثة: الإزار (11) ..

______________________________

يكفّن بقميص و لفافة و برد يجمع فيه الكفن» (1).

و ما تقدم في خبر ابن وهب و مرسل يونس و اشتمال بعضها على المندوبات لا يضرّ بالاستدلال بعد كون استفادة الندب بقرينة خارجية.

و ذهب جمع منهم المحقق في المعتبر و الشهيد الثاني إلى التخيير بينه و بين ثوب شامل، لخبر ابن سهيل قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الثياب التي يصلي فيها الرجل و يصوم أ يكفّن فيها؟ قال عليه السّلام: أحبّ ذلك الكفن يعني: قميصا.

قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال عليه السّلام: لا بأس به، و القميص أحبّ إليّ» (2).

و لكنّه مردود، لقصور السند، و وهنه بالإعراض، و ثبوت السيرة العملية و الفتوائية على خلافه.

(9) مقتضى الأصل و الإطلاق كفاية كلّ ما يسمّى قميصا إلّا أن يكون ما تعرف في الأزمنة القديمة من كون القميص إلى نصف الساق من القرينة المحفوفة بالمطلقات بحيث يمنع عن التمسك بإطلاقها.

(10) لا دليل على أصل الجواز فضلا عن الأفضلية، لانطباق عنوان الإسراف عليه، و لأنّه تصرّف في مال الورثة. نعم، لو كان بإذنهم أو كانت في البين وصية نافذة فلا إشكال في الجواز حينئذ. و كذا لو قلنا إنّ الكفن بجميع ما يمكن أن يجوز فيه يخرج من الأصل فلا يحتاج إلى الإذن حينئذ.

(11) و هو الثوب الشامل للبدن، كما عن جمع من اللغويين، و في المعتبر: «إنّ الفقهاء اتفقوا على التعبير باللفّافة الشاملة بالإزار»، و في الجواهر في معنى الإزار: «أي ثوب يشمل جميع بدنه طولا و عرضا بلا خلاف أجده،

ص: 33


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 5.

و يجب أن يغطّي تمام البدن (12)، و الأحوط أن يكون في الطول بحيث يمكن أن يشد طرفاه، و في العرض بحيث يوضع أحد جانبيه على الآخر (13). و الأحوط أن لا يحسب الزائد على القدر الواجب على الصغار من الورثة (14)، و إن أوصى به أن يحسب من الثلث. و إن لم يتمكن من ثلاث قطعات يكتفى بالمقدور (15). و إن دار الأمر بين واحدة من الثلاث تجعل إزارا، و إن لم يمكن فثوبا، و إن لم يمكن إلا مقدار ستر العورة تعيّن، و إن دار بين القبل و الدبر يقدم الأول (16).

______________________________

و في السنّة ما يغني عن الاستدلال بغيرها عليه».

(12) للسيرة الفتوائية و العملية خلفا عن سلف، و يدل عليه ظواهر النصوص المشتملة على أنّه يكفّن في ثلاثة أثواب التي اعتمد عليها صاحب المدارك، لكفاية ثلاثة أثواب شاملة، و تقدمت المناقشة فيه.

(13) لدعوى: أنّه المنصرف من الأدلة، و لذا ذهب جمع إلى الوجوب و فيه: أنّ الانصراف بدوي، فالمرجع إطلاق صدق اللفّافة و الإزار عليه سواء أمكن وضع أحد الطرفين على الآخر بنفسه أو بخيط و نحوه.

(14) بناء على أنّ ما يخرج من الأصل أو الثلث مع عدم الوصية بالخصوص إنّما هو المتيقن من الواجب فقط، و لكن يمكن أن يقال: إنّ الأدلة منزلة على المتعارف مطلقا، فلا وجه لتعيين خصوص المتيقن، فالكفن بما هو المتعارف يخرج من الأصل أو الثلث، و يأتي في [المسألة 20] نظير المقام.

(15) لظهور الإجماع، و قاعدة الميسور، بل المتفاهم من النصوص عرفا أنّ تعدد القطعات من باب تعدد المطلوب، لا الشرطية الواقعية.

(16) أما تعيين الإزار في الأول، فلأنّه المتعيّن عرفا و عند المتشرعة لأنّه بمنزلة تمام الأثواب حينئذ. و أما تعيين القميص في الثاني فلأهميته و لا أقلّ من احتمال الأهمية فيتعيّن. و أما تعيين ستر العورة في الثالث، فلوجوبه على كلّ حال

ص: 34

مسألة 1: لا يعتبر في التكفين قصد القربة

(مسألة 1): لا يعتبر في التكفين قصد القربة (17). و إن كان أحوط (18).

مسألة 2: الأحوط في كلّ من القطعات أن يكون وحده ساترا لما تحته

(مسألة 2): الأحوط في كلّ من القطعات أن يكون وحده ساترا لما تحته (19)، فلا يكتفى بما يكون حاكيا له و إن حصل الستر بالمجموع. نعم، لا يبعد كفاية ما يكون ساترا من جهة طليه بالنشاء

______________________________

و أما الأخير، فلأنّ الدبر مستور بالأليتين كما في الخبر (1).

(17) لأصالة البراءة، و ظهور الإجماع.

(18) خروجا عن خلاف من أوجبه، ثمَّ إنّه يمكن القول بحصول الثواب حتّى مع عدم قصد القربة، لما مر من عدم تقوّم الثواب به، و عن الأردبيلي حصول الثواب حتّى مع قصد عدم القربة و استوجهه في الجواهر، فراجع.

(19) استدل عليه تارة: بأنّه المنساق من الأدلة. و فيه: أنّ منشأه غلبة الوجود، و ثبت في محلّه أنّه لا يضر بالإطلاق.

و أخرى: بالإجماع على أنّه يعتبر في الكفن ما يعتبر في لباس المصلّي.

و فيه: أنّه يكفي في لباس المصلّي حصول الستر بالمجموع و لو لم يكن البعض ساترا، و يشهد له إطلاق خبر ابن شاذان عن الرضا عليه السّلام: «إنّما أمر أن يكفن الميت ليلقى ربه عزّ و جلّ طاهر الجسد، و لئلا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه و لئلا ينظر (يظهر) الناس على بعض حاله و قبح منظره، و لئلا يقسو القلب بالنظر إلى مثل ذلك للعاهة و الفساد، و ليكون أطيب لأنفس الأحياء و لئلا يبغضه حميمه فيلغي ذكره و مودته فلا يحفظه فيما خلف و أوصاه به و أمره به و أحب» (2).

و كذا إطلاق قوله في صحيح زرارة: «يواري فيه جسده كلّه» (3).

ص: 35


1- الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب التكفين.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 1.

و نحوه (20) لا بنفسه، و إن كان الأحوط كونه كذلك بنفسه (21).

مسألة 3: لا يجوز التكفين بجلد الميتة

(مسألة 3): لا يجوز التكفين بجلد الميتة (22)، و لا بالمغصوب (23)، و لو في حال الاضطرار (24). و لو كفّن بالمغصوب وجب نزعه بعد الدفن أيضا (25).

______________________________

و لصدق المواراة بالمجموع أيضا.

(20) لحصول الستر بذلك كلّه فيشمله الإطلاق و الاتفاق.

(21) جمودا على الأكفان المتعارفة و تنزيل الإطلاقات عليها.

(22) إجماعا، بل ضرورة من الفقه مع أنّه نجس و يعتبر في الكفن الطهارة، كما يأتي.

(23) للإجماع، كما في المستند، و للقطع بعدم رضاء الشارع بذلك فلا يتحقق الكفن الشرعي فإنّه و إن لم يكن عبادة حتّى تنافيها الغصبية و لكنّه لا بدّ و أن يقع على الوجه المأذون شرعا، و لم يأذن الشارع في المغصوب فيكون كالعدم و كأنّه لم يكفن، مضافا إلى ما يأتي من قاعدة: (كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه اختيارا لا يصح التكفين فيه كذلك).

(24) لسقوط وجوب التكفين عند انحصاره في مال الغير لأهميّة مراعاة حق الغير من مثل هذا الوجوب، مع أنّه لا خلاف فيه من أحد و كذا بالنسبة إلى جلد الميتة، لاستنكار المتشرعة مثل هذا التكفين و عدم إقدامهم عليه، سواء قلنا بجواز الانتفاع بالميتة مطلقا إلّا ما خرج بالدليل أم لا.

(25) إن لم يرض المالك ببقائه عليه، لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم و وجوب ردها إليهم، و هذا من إحدى موارد الاستثناء عن حرمة النبش كما يأتي، و لكن وجوب النزع و النبش يختص بالمباشر للتكفين، و أمّا سائر الناس فمقتضى الأصل عدم وجوبها عليهم. نعم، لو كان هناك كفن مباح موجود يجب كفاية على الناس تكفينه به فيجب النبش مقدمة لذلك، لأنّ الكفن المغصوب كالعدم.

ص: 36

مسألة 4: لا يجوز اختيارا التكفين بالنجس

(مسألة 4): لا يجوز اختيارا التكفين بالنجس (26) حتّى لو كانت النجاسة بما عفى عنها في الصلاة على الأحوط (27) و لا بالحرير الخالص (28).

______________________________

(26) للإجماع، و النص الدال على وجوب إزالة النجاسة عن الكفن المستفاد منه عرفا أنّ نجاسته مبغوضة عند الشارع حدوثا و بقاء كما يأتي.

(27) لإطلاق النص و الفتوى و لا مقيد لهما إلّا احتمال مساواة حكم الكفن مع لباس المصلّي في كلّ ما يجوز الصلاة فيه يصح التكفين به أيضا و مجرد الاحتمال لا يصلح للاستدلال، و يشهد لعدم المساواة عدم جواز تكفين المرأة أيضا في الحرير الخالص مع جواز صلاتها فيه، فلا وجه لعدم جزمه (رحمه اللّه) بالفتوى.

(28) للإجماع، و النصوص منها ما ورد في النهي عن التكفين في كسوة الكعبة بناء على أنّ علة المنع كونها من الحرير لا من حيث سوادها. و منها خبر ابن راشد: «سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب (القصب) اليماني من قز و قطن، هل يصلح أن يكفّن فيها الموتى؟ قال عليه السّلام: إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس» (1).

بناء على حمل الأكثرية على مجرد الرجحان و إلّا فهو متروك الظاهر من هذه الجهة.

و منها: خبر الدعائم: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يكفّن الرجال في ثياب الحرير» (2).

و في الرضوي: «لا تكفنه في كتان و لا ثوب إبريسم» (3) و هذه الأخبار و إن أمكنت المناقشة فيها سندا و دلالة، لكنّها تصلح لحصول الاطمئنان بالحكم بضميمة الإجماع المتكرر في الكلمات.

______________________________

(1)

(2)

(3)

ص: 37


1- الوسائل باب: 23 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 2.

و إن كان الميت طفلا أو امرأة (29)، و لا بالمذهّب، و لا بما لا يؤكل لحمه جلدا كان أو شعرا أو وبرا (30)، و الأحوط أن لا يكون من جلد

______________________________

و أما خبر السكوني قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «نعم الكفن الحلة» (1).

فيمكن أن يراد بها البرد اليماني لا الحرير، و إلّا فلا بدّ من طرحه.

(29) لإطلاق النصوص، و معاقد الإجماعات الشامل لهما. و نسب إلى العلّامة (رحمه اللّه) جواز تكفين المرأة بالحرير، لانصراف الأدلة إلى الرجال و ذكره بالخصوص في ما مر من خبر الدعائم، مع ما ورد من أنّ الميت بمنزلة المحرم و يجوز للنساء لبس الحرير في الإحرام.

و الجميع مخدوش، إذ لا وجه للانصراف، و ذكر الرجال في خبر الدعائم ليس من باب التخصيص و لا مفهوم له مع أنّه مهجور عند الأصحاب من حيث الاختصاص و تنزيل الميت منزلة المحرم ليس من كلّ جهة. بل هو في الجملة، مع أنّ لبس المحرمة للحرير محلّ بحث، كما يأتي في محلّه.

(30) لظهور الإجماع على ذلك كلّه، و لما يأتي من القاعدة. و أما قول علي عليه السّلام في خبر ابن مسلم: «لا تجمروا الأكفان و لا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور: فإنّ الميت بمنزلة المحرم» (2) بضميمة ما دل على أنّه لا يجوز الإحرام فيما لا تجوز الصلاة فيه، فليس لبيان القاعدة الكليّة بأنّه يحرم على الميت جميع ما يحرم على المحرم، لعدم القول به من أحد و إنّما هو لبيان التنزيل في الجملة، مع أنّه محمول على الكراهة في مورده أيضا مضافا إلى قصور سنده و معارضته بما يأتي من صحيح ابن مسلم.

(قاعدة كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه اختيارا لا يصح التكفين فيه).

و الكلام تارة في مدركها، و أخرى في مفادها، و ثالثة في موارد تخصيصها.

ص: 38


1- الوسائل باب: 23 من أبواب التكفين حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5.

.....

______________________________

أما الأول فاستدل له أولا: بقاعدة الاحتياط. و يرد عليه: بأنّ المرجع في الشك في الشرطية البراءة- كما ثبت في محلّه- مع أنّ إطلاقات التكفين تصلح لنفي شرطية شي ء عند الشك فيها.

و ثانيا: بقول الصادق عليه السّلام: في خبر ابن مسلم: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا تجمّروا الأكفان و لا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور، فإنّ الميت بمنزلة المحرم»، فإن انضم إليه ما ورد في الإحرام من وجوب كون ما يحرم فيه من جنس ما يصلّى فيه كخبر حريز: «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» (1).

دل على وجوب كون الكفن مما تجوز الصلاة فيه.

و فيه: ما مر من عدم ثبوت عموم المنزلة، و عدم فهم الأصحاب ذلك منها. و لم يتوهم متوهم تعميم تروك الإحرام و أفعاله بالنسبة إلى الميت لأجل هذه الرواية، بل ربما يستفاد من المستفيضة عدم الاعتبار بهذا التنزيل، ففي صحيح ابن مسلم فيمن مات محرما: «يغطّى وجهه و يصنع به ما يصنع بالمحلّ، غير أنّه لا يقربه طيبا» (2).

فيستفاد منه عدم كون الميت بمنزلة المحرم.

و ثالثا: بالإجماع المتكرر في كلماتهم- و هو العمدة.

و أما الثاني فالمتفاهم من الكلمات أنّ ما هو القاعدة و مورد الإجماع: كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه لا يجوز التكفين فيه. و أما أنّ كلّ ما جازت الصلاة فيه يجوز التكفين به فليس هو مورد الإجماع، إلّا أن يستفاد ذلك بالملازمة و هو مشكل.

و أما الأخير ففي موارد:

منها: ما عفى عنه في الصلاة فإنّه لا يعفى في الكفن، كما مر.

و منها: الطفل و المرأة حيث لا يجوز تكفينهما بالحرير مع جواز صلاتهما فيه.

و منها: جواز الصلاة مع الستر بالورق و الحشيش، و مثل القطن و الصوف

ص: 39


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الإحرام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

المأكول (31)، و أما من وبره و شعره فلا بأس (32) و إن كان الأحوط

______________________________

غير المندوفين و عدم صحة التكفين بذلك كلّه.

و منها: صحة الصلاة مع الستر بالكاغذ و الفلزات و عدم إجزاء التكفين به على الظاهر.

فروع- (الأول): لو وقعت شعرة مما لا يؤكل لحمه على ثوب المصلّي تبطل صلاته مع العلم، فهل يكون بالنسبة إلى الكفن أيضا كذلك، أو لا؟ بل الممنوع هو أن لا يكون جنس الكفن مما لا يؤكل لحمه، و أما مثل الشعرة فلا بأس به؟ وجهان أحوطهما الأول، و كذا الكلام في جزء من الميتة.

(الثاني): لا فرق في الغصب بين أن يكون عين الكفن للغير أو كان متعلقا لحق الغير، كغير المخمّس و المزكّى. و لو كفّن به فأجاز المالك في المغصوب أو الحاكم الشرعي في مورد الخمس و الزكاة بعد الدفن لا يجب التبديل.

(الثالث): إذا أذن المالك بالتكفين في ماله، فهل يجوز له الرجوع بعد الدفن أو لا؟ يأتي حكمه في [المسألة 11] من فصل مكروهات الدفن.

(31): نسب ذلك إلى جماعة منهم المحققان في المعتبر و جامع المقاصد و الشهيدان في الدروس و المسالك، لأنّ المعهود من الكفن غير الجلد، فينزل إطلاق الأدلة عليه، و كذا ما في خبر الفضل- من أنّ المقصود من التكفين الستر و المواراة (1)- منزل على المتعارف أيضا، و على فرض سقوط الأدلة اللفظية عن المرجعية، فالمرجع هو الأصل العملي، و المقام من صغريات التعيين و التخيير، و المشهور فيه الاحتياط.

و عن الشهيدين في الدروس و الروضة الجواز جمودا على الإطلاقات و قد تقدمت الخدشة، فيه، و لم تثبت قاعدة: (إنّ كلّ ما تصح الصلاة فيه للرجال اختيارا يصح التكفين به) حتّى يصح الاستناد إليها.

(32) لإطلاق الأدلة الشامل لهما، مضافا إلى ظهور الإجماع.

ص: 40


1- تقدم في صفحة: 35.

فيهما- أيضا- المنع (33). و أما في حال الاضطرار فيجوز بالجميع (34).

مسألة 5: إذا دار الأمر في حال الاضطرار بين جلد المأكول و أحد المذكورات

(مسألة 5): إذا دار الأمر في حال الاضطرار بين جلد المأكول و أحد المذكورات يقدم الجلد على الجميع (35). و إذا دار بين النجس و الحرير، أو بينه و بين أجزاء غير المأكول لا يبعد تقديم النجس (36) و إن كان لا يخلو عن إشكال (37). و إذا دار بين الحرير و غير المأكول يقدم

______________________________

(33) للخروج عن خلاف الإسكافي، و الجمود على موثق عمار: «الكفن يكون بردا و إن لم يكن بردا فاجعله كلّه قطنا» (1).

المحمول على مطلق الرجحان إجماعا، فيكون ما ذهب إليه الإسكافي من عدم الجواز في الوبر و الشعر، بلا دليل، و إن كان موافقا للاحتياط.

(34) لأنّ المتيقن من الإجماع الدال على المنع عن التكفين بما ذكر، مضافا إلى قاعدة الميسور الجارية في المقام بحسب نظر المتشرعة، و قوله عليه السّلام: «ما من شي ء حرّمه اللّه إلّا و قد أحله لمن اضطر إليه» (2) الشامل للحرمة النفسية و الغيرية.

(35): لما تقدم من أنّه لم يرد النهي عن التكفين به بالخصوص، و إنّما هو لدعوى الانصراف و لا وجه للانصراف مع النهي عن التكفين بغيره. هذا مع تعينه بحسب أنظار المتشرعة أيضا.

(36) لأنّ المانع فيه عرضيّ، و المانع في غيره ذاتيّ، و المانع العرضي أخف بنظر العرف و المتشرعة عن المانع الذاتي عند الدوران مع التفاتهم إليهما، و لا أقل من احتمال تقديمه على غيره، فيكون مقدما، فلا يبقى موضوع للتخيير مع احتمال تقديمه، و يأتي في لباس المصلّي تقديمه عند الدوران أيضا.

(37) لدعوى ثبوت ملاك المنع في الجميع، و الترجيح يحتاج إلى دليل

ص: 41


1- الوسائل باب: 13 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.

الحرير (38)، و إن كان لا يخلو عن إشكال في صورة الدوران بين الحرير و جلد غير المأكول (39) و إذا دار الأمر بين جلد غير المأكول و سائر أجزائه يقدم سائر الأجزاء (40).

مسألة 6: يجوز التكفين بالحرير غير الخالص

(مسألة 6): يجوز التكفين بالحرير غير الخالص (41) بشرط أن

______________________________

و هو مفقود، فلا بدّ من التخيير. و فيه: أنّ احتمال التقديم يكفي في الترجيح، و منشأ الاحتمال ما ارتكز في أذهان المتشرعة، فلا وجه لإشكاله (رحمه اللّه) هنا مع الجزم بالتقديم في [المسألة 39] من لباس المصلّي.

(38) لأنّ صحة التكفين بالحرير غير الخالص اختيارا توجب احتمال تقديم الحرير الخالص عند الاضطرار على غيره. و إن قيل: بأنّ هذا الاحتمال معارض بأنّ جواز لبس غير المأكول تكليفا يوجب احتمال تقديمه أيضا و يتساقط الاحتمالان، فيتخير. يقال: بأنّه لا وجه لملاحظة هذا الحكم التكليفي بالنسبة إلى الميت، فيبقى الاحتمال في الحرير باقيا بلا معارض. ثمَّ إنّه (رحمه اللّه) جزم بتقديم غير المأكول على الحرير في [المسألة 39] من لباس المصلّي.

(39) وجه الإشكال ما تقدم مع جوابه. و لكن الظاهر تقديم الحرير لأنّ المنع فيه من جهة واحدة، و في جلد غير المأكول من جهتين الجلدية و غير المأكولية، و لعلّ الحق في النسخة أن تكون هكذا (و إذا دار بين الحرير و جلد غير المأكول يقدم الحرير و لا يخلو عن إشكال في صورة الدوران بين الحرير و الشعر و وبر غير المأكول).

(40) لأنّ المنع في سائر الأجزاء من جهة واحدة و هو غير المأكول فقط، و في الجلد من جهتين غير المأكولية و الجلدية، فيقدم ما فيه المنع من جهة واحدة لا محالة. هذا كلّه بناء على عدم وجوب الاحتياط بالجمع في التكفين بين الجميع على ما هو المتسالم بينهم، و إلّا وجب الاحتياط بالجمع.

(41) للنص (1) و الإجماع.

ص: 42


1- راجع الوسائل باب: 23 من أبواب التكفين.

يكون الخليط أزيد من الإبريسم على الأحوط (42).

مسألة 7: إذا تنجس الكفن بنجاسة خارجة

(مسألة 7): إذا تنجس الكفن بنجاسة خارجة، أو بالخروج من

______________________________

(42) لا دليل على هذا الشرط، بل مقتضى الأصل و الإطلاق، و قولهم- كلّ ما جاز الصلاة فيه جاز التكفين به- هو الجواز مع عدم صدق الخلوص المحض مطلقا، كما يأتي في السادس من شرائط لباس المصلّي. نعم، ما تقدم في خبر حسن بن راشد من قوله عليه السّلام: «إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس به» (1).

اعتبار أكثرية الخليط و لكن عدم عمل الأصحاب باعتبار الأكثرية أسقطه عن الاعتبار من هذه الجهة، مع أنّ إطلاق ما دل على الأمر بجودة الأكفان و المغالاة فيها: «و أنّ الموتى يتباهون بأكفانهم» (2).

تشمل أكثرية الإبريسم عن غيره، بل لا تكون الجودة و المغالاة في الأكفان إلّا بذلك غالبا خرج الحرير المحض و بقي الباقي. نعم، خبر ابن راشد يصلح لرجحان الاحتياط مع أنّه حسن على كلّ حال.

فروع- (الأول): لا بأس بالتكفين بالثياب المصنوعة في هذه الأعصار من (النايلون) المنسوج الذي تجعل منه الثياب المتعارفة، و ما لم يكن منسوجا فالاحتياط في الترك.

(الثاني): يصح التبعيض في قطعات الكفن بأن يكون بعضها قطنا، و بعضها كتانا، و بعضها حريرا مخلوطا بشي ء مما يصح التكفين به.

(الثالث): يعتبر في كلّ من القطعات أن لا يكون حريرا محضا، فلا يجزئ أن يكون الإزار قطنا و القميص- مثلا- حريرا محضا. نعم، لو كان نصف الإزار حريرا محضا و نصفه قطنا- مثلا- فلا بأس، لعدم صدق الحرير المحض.

ص: 43


1- الوسائل باب: 23 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 1.

الميت وجب إزالتها (43) و لو بعد الوضع في القبر يغسل، أو يقرض إذا لم يفسد الكفن (44)، و إذا لم يمكن وجب تبديله مع الإمكان (45).

______________________________

(43): نصّا، و إجماعا. قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في موثق عبد الرحيم: «إن بدا من الميت شي ء بعد غسله، فاغسل الذي بدا منه و لا تعد الغسل» (1).

و عنه عليه السّلام في الصحيح: «إذا خرج من الميت شي ء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض منه» (2).

و نحوهما غيرهما من الأخبار، و كذا ما ورد في حكمة تطهير الميت- من أنّه يلقى الملائكة و يباشر أهل الآخرة و يماسهم، فلا بدّ و أن يكون طاهرا و نظيفا (3)- فإنّ إطلاقها يشمل إزالة النجاسة عنه مطلقا، كما أنّ إطلاق ذلك يشمل قبل الدفن و بعده. و ذكر القرض من باب المثال لا لخصوصية فيه، فيشمل الغسل و التبديل أيضا إن أمكن.

(44) الفساد على قسمين:

الأول: ما إذا كان القرض- مثلا- موجبا لزوال صدق الكفن عليه عرفا و لا ريب في وجوب التبديل حينئذ.

الثاني: ما إذا بقي الصدق العرفي، و لكن حدث فيه عيب و ثقبة مثلا، و لا يجب التبديل في هذه الحالة، للأصل.

فرع: مقتضى الأصل جواز تبديل الكفن اختيارا ما لم يستلزم محرما من نبش أو غيره.

(45) لانحصار التكفين الشرعي حينئذ بالتبديل.

ص: 44


1- الوسائل باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
مسألة 8: كفن الزوجة على زوجها

(مسألة 8): كفن الزوجة على زوجها (46)، و لو مع يسارها،

______________________________

(46) للإجماع و السيرة، و قول عليّ عليه السّلام: «على الزوج كفن امرأته إذا ماتت» (1).

و قول الصادق عليه السّلام: «كفن المرأة على زوجها» (2). فيقيد بذلك كلّه إطلاق ما دل على أنّ الكفن يخرج من أصل المال.

ثمَّ إنّ قول عليّ عليه السّلام و قول الصادق عليه السّلام يحتمل وجوها:

الأول: أن يكون المراد بكلمة (على) مجرد الثبوت الأعم من الندب و الوجوب التكليفي.

الثاني: أن يراد به مجرد الوجوب التكليفي التعبدي.

الثالث: الوضعي الذمي فقط، مثل الدّين الثابت في الذمة.

الرابع: أن يراد به الذمي الأعم من التكليفي و الوضعي في الجملة، كما هو كذلك في جملة من موارد الحقوق.

و يرد الأول ظهور السياق في الإلزام. و الثاني أنّه خلاف سياق مثل هذه التعبيرات. و الثالث أنّه لا وجه لمجرد الأشغال الذمي بلا إلزام مولوي في البين، فيتعين الأخير كما في سنخ الاستعمالات الشائعة بالنسبة إلى الحقوق. نعم، يصح أن يكون بمعنى مجرد الإلزام إذا كان بالنسبة إلى اللّه تعالى، كما في قوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ.

فهو نحو حق على الزوج كسائر الحقوق التي تجب عليه في زمان حياة زوجته، هذا بالنسبة إليه. و أما بالنسبة إلى الزوجة فأصل الاستحقاق و الانتفاع و الاختصاص ثابت و الزائد عليه مشكوك فيرجع فيه إلى الأصل، فيكون الكفن مثل الكسوة في حال الحياة و الفراش و الغطاء و سائر ما ينتفع به مع بقاء عينها، فإنّها كلّها باقية على ملك الزوج تنتفع بها الزوجة فله استردادها مع زوال الاستحقاق أو الموضوع إلّا مع التصريح بإنشاء التمليك لها، و يأتي في أحكام النفقات في

ص: 45


1- الوسائل باب: 32 من أبواب التكفين حديث: 2.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب التكفين حديث: 1.

من غير فرق بين كونها كبيرة أو صغيرة، أو مجنونة أو عاقلة، حرة أو أمة، مدخولة أو غير مدخولة، دائمة أو منقطعة، مطيعة أو ناشزة، بل و كذا المطلّقة الرجعية (47) دون البائنة. و كذا في الزوج لا فرق بين الصغير و الكبير، و العاقل و المجنون، فيعطي الوليّ من مال المولّى عليه.

مسألة 9: يشترط في كون كفن الزوجة على الزوج أمور
اشارة

(مسألة 9): يشترط في كون كفن الزوجة على الزوج أمور:

أحدها: يساره

أحدها: يساره (48)، بأن يكون له ما يفي به أو ببعضه زائدا عن

______________________________

النكاح تمام الكلام إن شاء اللّه تعالى. و لكن مع ذلك كلّه كون الكفن من المال الثابت في ذمة الزوج للزوجة مشكل، بل ممنوع و مقتضى الأصل عدمه و كونه نحو حق لها عليه أعم من المال الثابت في الذمة.

(47) كلّ ذلك للإطلاق الشامل للجميع، و لظهور الأدلة في أنّه حق وضعي لا يدور مدار التكليف و لا ريب في خروج البائنة، لانقطاع الزوجية بالطلاق بخلاف الرجعية فإنّها زوجة. و لا يبعد خروج المنقطعة القصيرة المدة كساعة- مثلا- بدعوى انصراف الأدلة عنها.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ كفن الزوجة من سنخ الإنفاقات الواجبة على الزوج في زمان الحياة، فكونه نحو حق أقرب عرفا من أن يكون من مجرد الحكم التكليفي التعبدي الشرعي و إن كانا متلازمين في مثل هذه التعبيرات، كما مر. فكما أنّ من حقوق الزوجة على زوجها كونه أولى بها حتّى يضعها في قبرها كذلك من حقوقها عليه أن يكفّنها و لا يدع تكفينها إلى الغير، بل الظاهر استنكار العرف ذلك مع وجود الزوج.

(48) لأنّه المتيقن من الإجماع و المنساق من الأخبار فيكون المرجع في غيره أصالة البراءة. نعم، لو ثبت أنّ كفن الزوجة من الأموال الثابتة في ذمة الزوج- كنفقتها في زمان حياتها بحيث يجوز لورثتها مطالبة الزوج بذلك- وجب عليه الأداء و لو بالاستقراض مع التمكن منه، و لكن الشك في كونه منه يكفي في العدم، لعدم صحة التمسك بالدليل حينئذ مع الشك فيكون المرجع البراءة.

ص: 46

مستثنيات الدّين (49)، و إلّا فهو أو البعض الباقي في مالها (50).

الثاني: عدم تقارن موتهما

الثاني: عدم تقارن موتهما (51).

الثالث: عدم محجورية الزوج قبل موتها بسبب الفلس

الثالث: عدم محجورية الزوج قبل موتها بسبب الفلس (52).

______________________________

(49) لأنّه لو فرض كونه من المال الثابت في ذمة الزوج لا تصرف مستثنيات الدّين فيه، لقول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «لا تباع الدار و لا الجارية في الدّين، و ذلك لأنّه لا بدّ للرجل من ظل يسكنه و خادم يخدمه» (1).

مع أنّ كونه من الدّين مشكوك، كما مر.

(50) لعموم ما دل على أنّ الكفن يخرج من أصل المال من غير ما يصلح للتخصيص. و لا يصح التمسك بما دل على أنّ كفن الزوجة على الزوج، لأنّه إن كان بلحاظ وجوبه الفعلي فالمفروض عدم قدرته عليه، و إن كان من حيث ثبوت المال في الذمة فالمفروض أنّه مشكوك من أصله، فلا وجه لما عن صاحب الجواهر من أنّها تدفن بلا كفن.

ثمَّ إنّ وجوب بعض الكفن على الزوج مع عدم تمكنه من تمامه مبنيّ على جريان قاعدة الميسور فيه و الظاهر الجريان.

(51) لأنّ المتفاهم من الأدلة موتها عن زوج حيّ، فلا تشمل صورة التقارن، و لا فرق في هذا الشرط بين كون التكفين حقا من الحقوق أو واجبا تعبديا.

(52) لعدم قدرته حينئذ عليه، و هذا الشرط مبنيّ على كونه من الواجب التعبدي، و إلّا فينفذه الحاكم الشرعي من ماله ما لم يقسم بين الغرماء، و يجب عليه تحصيله كما كان كذلك في زمان حياتها، و كذا الكلام في الشرط الرابع من غير فرق.

ص: 47


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الدين حديث: 1.
الرابع: أن لا يتعلق به حق الغير من رهن أو غيره

الرابع: أن لا يتعلق به حق الغير من رهن أو غيره.

الخامس: عدم تعيينها الكفن بالوصية

الخامس: عدم تعيينها الكفن بالوصية (53).

مسألة 10: كفن المحلّلة على سيدها لا المحلّل له

(مسألة 10): كفن المحلّلة على سيدها لا المحلّل له (54).

مسألة 11: إذا مات الزوج بعد الزوجة و كان له ما يساوي كفن أحدهما قدم عليها

(مسألة 11): إذا مات الزوج بعد الزوجة و كان له ما يساوي كفن أحدهما قدم عليها (55) حتّى لو كان وضع عليها فينزع منها إلّا إذا كان بعد الدفن.

مسألة 12: إذا تبرّع بكفنها متبرّع سقط عن الزوج

(مسألة 12): إذا تبرّع بكفنها متبرّع سقط عن الزوج (56).

مسألة 13: كفن غير الزوجة من أقارب الشخص ليس عليه

(مسألة 13): كفن غير الزوجة من أقارب الشخص ليس

______________________________

(53) المدار كلّه على تحقق التكفين خارجا بالتبرع أو الوصية، فلا يجب على الزوج لعدم الموضوع له. و أما السقوط بنفس الوصية و لو لم يعلم بها فلا وجه له.

(54) أما كونه على المحلّل فيأتي وجهه في [المسألة 18]. و أما عدم كونه على المحلّل له، فللأصل بعد عدم الدليل عليه.

(55) لأنّ أول ما يبدأ به من مال الميت الكفن، و المفروض أنّه لا مال له إلّا كفنه و لا فرق فيه بين كونه واجبا تعبديا أو حقّا من الحقوق و كذا الكلام في زمان الحياة، فلو كان للزوج ماء بقدر رفع العطش و كان هو و زوجته عطشانا فنفسه مقدم على زوجته، و هل يجوز الإيثار أو لا؟ وجهان، هذا كلّه إذا كان قبل الدفن.

و أما إذا كان بعده فيصدق عرفا أنّ الزوج بلا كفن حينئذ، فيكفن من سهم سبيل اللّه، أو يدفن عاريا. نعم، لو فرض خروج الزوجة عن القبر لسيل أو نحوه يؤخذ الكفن عنها و يكفّن به الزوج، لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع.

(56) لانتفاء موضوع الوجوب مع تحقق التكفين، و لا يسقط بمجرد التبرع ما لم تكفن، كما تقدم في الوصية به.

ص: 48

عليه (57)، و إن كان ممّن يجب نفقته عليه، بل في مال الميت. و إن لم يكن له مال يدفن عاريا (58).

مسألة 14: لا يخرج الكفن عن ملك الزوج بتكفين المرأة

(مسألة 14): لا يخرج الكفن عن ملك الزوج بتكفين المرأة، فلو أكلها السبع أو ذهب بها السيل و بقي الكفن رجع إليه و لو كان بعد دفنها (59).

مسألة 15: إذا كان الزوج معسرا كان كفنها في تركتها

(مسألة 15): إذا كان الزوج معسرا كان كفنها في تركتها (60) فلو أيسر بعد ذلك ليس للورثة مطالبة قيمته (61).

مسألة 16: إذا كفّنها الزوج فسرقه سارق وجب عليه مرة أخرى

(مسألة 16): إذا كفّنها الزوج فسرقه سارق وجب عليه مرة أخرى (62)، ..

______________________________

(57) للأصل و الإجماع و إطلاق قوله عليه السّلام: «أول شي ء يبدأ به من مال الميت الكفن» (1).

(58) لشمول الأصل و الإجماع لهذه الصورة أيضا، و لكن حيث يحتمل أنّ تكفينه حينئذ من الإنفاق الواجب فالأحوط له تكفينه.

(59) لأصالة بقائه على ملكه مثل الكسوة حال الحياة.

(60) لما تقدم في الشرط الأول.

(61) لأنّ لها حق الإمتاع و الانتفاع فقط كما في كسوتها حال الحياة و هذا الحق يختص بها و لا يكون موروثا حتّى ترثه الورثة، و يأتي في النفقات إن شاء اللّه تعالى ما ينفع المقام. و لو شك في أنّه موروث فالمرجع هو الأصل، و لا يصح التمسك بأدلة الإرث، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(62) لأنّ الواجب إنّما هو دفنها مع الكفن لا مجرد لبس الكفن فقط و إن انفصل عنها بعد ذلك بسرقة و نحوها.

ص: 49


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصية.

بل و كذا إذا كان بعد الدفن على الأحوط (63).

مسألة 17: ما عدا الكفن من مؤن تجهيز الزوجة ليس على الزوج على الأقوى

(مسألة 17): ما عدا الكفن من مؤن تجهيز الزوجة ليس على الزوج على الأقوى (64) و إن كان أحوط (65).

مسألة 18: كفن المملوك على سيده

(مسألة 18): كفن المملوك على سيده و كذا سائر مؤن تجهيزه، إلّا إذا كانت مملوكة مزوجة فعلى زوجها كما مر (66)، و لا فرق بين أقسام المملوك، و في المبعّض يبعّض و في المشترك يشترك (67).

______________________________

(63) منشأ التردد استصحاب الوجوب فيجب، و من أنّ الواجب هو الدفن مكفنا و قد حصل فيشكل جريان الاستصحاب، لعدم الموضوع له حينئذ. إلّا أن يقال: الواجب هو الكفن مكفنا على ما هو المعهود من بقاء الكفن عليه إلى أن يفسد فيجب التكفين، و كذا في كفن غير الزوجة من سائر الموتى.

(64) للأصل، و اختصاص الدليل بخصوص الكفن، و نسب إلى الأكثر بل في الجواهر عدم وجدان الخلاف في أنّها على الزوج أيضا، إما لأجل أنّها أيضا من الإنفاقات اللازمة، أو لأجل أنّ ذكر الكفن في الأخبار من باب المثال لجميع التجهيزات، أو لأجل الإجماع، أو لأجل أنّ مئونة تجهيز المملوك على سيده، فكذا في الزوجة، أو لأجل الاستصحاب.

و الكل مردود، إذ الأولان عين الدعوى، و الثالث لم يبلغ مرتبة الاعتبار، و الأخير قياس، فيبقى الأصل سالما.

(65) لأنّ ما ذكر و إن لم يصلح للجزم بالحكم لكنّه صالح للاحتياط.

(66) أما الأول فدليله منحصر بدعوى الإجماع. و أما الثاني فلأنّ المتيقن من الإجماع غير المزوجة لكن بالنسبة إلى خصوص الكفن دون غيره من سائر مؤن التجهيز.

(67) لصدق المالك على الجميع فيشمله الدليل لا محالة.

ص: 50

مسألة 19: القدر الواجب من الكفن يؤخذ من أصل التركة

(مسألة 19): القدر الواجب من الكفن يؤخذ من أصل التركة في غير الزوجة و المملوك- مقدّما على الديون و الوصايا، و كذا القدر الواجب من سائر المؤن من السدر و الكافور و ماء الغسل و قيمة الأرض، بل و ما يؤخذ من الدفن في الأرض المباحة، و أجرة الحمّال و الحفّار و نحوها في صورة الحاجة إلى المال (68).

و أما الزائد عن القدر الواجب في جميع ذلك فموقوف على إجازة الكبار من الورثة في حصتهم (69)، إلّا مع وصية الميت بالزائد مع خروجه من الثلث، أو وصيته بالثلث من دون تعيين المصرف كلّا أو بعضا، فيجوز صرفه في الزائد من القدر الواجب (70).

مسألة 20: الأحوط الاقتصار في القدر الواجب

(مسألة 20): الأحوط الاقتصار في القدر الواجب على ما هو

______________________________

(68) نصّا في الكفن، و إجماعا و لسيرة المتشرعة في غيره. قال الصادق عليه السّلام: «ثمن الكفن من جميع المال»(1).

و قال عليه السّلام أيضا: «أول شي ء يبدأ به من المال الكفن، ثمَّ الدّين، ثمَّ الوصية ثمَّ الميراث» (2).

و يمكن حمل ذكر الكفن على المثال لسائر ما يجب صرفه في التجهيزات، فيكون قرينة على التعميم، مع أنّ في الإجماع و السيرة على التعميم غنى و كفاية و إطلاق معقده يشمل جميع ما ذكره الماتن.

(69) لانتقال التركة إليهم، فلا بدّ من إجازتهم في حصتهم، و لا يحسب ذلك على القصر و ليس للولي الإجارة إلّا مع المصلحة.

(70) فيجب إنفاذها حينئذ، لوجود المقتضي و فقد المانع فتشملها العمومات الدالة على وجوب العمل بالوصية.

ص: 51


1- الوسائل باب: 31 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصايا حديث: 1.

أقلّ قيمة (71) فلو أرادوا ما هو أغلى قيمة يحتاج الزائد إلى إمضاء الكبار في حصتهم. و كذا في سائر المؤن، فلو كان هناك مكان مباح لا يحتاج إلى بذل مال أو يحتاج إلى قليل لا يجوز اختيار الأرض التي مصرفها أزيد إلّا بإمضائهم، إلّا أن يكون ما هو الأقلّ قيمة أو مصرفا هتكا لحرمة الميت فحينئذ لا يبعد خروجه من أصل التركة.

و كذا بالنسبة إلى مستحبات الكفن، فلو فرضنا أنّ الاقتصار على أقلّ الواجب هتك لحرمة الميت تؤخذ المستحبات- أيضا- من أصل التركة.

مسألة 21: إذا كان تركة الميت متعلقا لحق الغير

(مسألة 21): إذا كان تركة الميت متعلقا لحق الغير مثل حق الغرماء في الفلس، و حق الرهانة، و حق الجناية- ففي تقديمه أو تقديم الكفن إشكال (72)، فلا يترك مراعاة الاحتياط.

______________________________

(71) بدعوى: أنّه المتيقن من السيرة و الإجماع. و لكن الظاهر جواز العمل بالمتعارف بالنسبة إلى الميت إلّا إذا كان زيادة القيمة على خلاف المتعارف فيحتاج إلى الإمضاء.

(72) حق الغرماء و حق الرهانة متحدان في تعلقهما بمالية المال لا بعينه فالعين باقية على ملك مالكها، بل لهما حق بيع العين و استيفاء دينهما من قيمة المال. و أما حق الجناية فهو متعلق بعين الجاني، فللمجنيّ عليه أو وليّه استرقاق الجاني أو أخذ الدية بلا فرق بين الجناية العمدية و الخطئية. نعم، في الثانية يكون لمولى الجاني فكه عن الاسترقاق.

ثمَّ إنّ تقديم الكفن- نصّا و إجماعا- على الدّين يدل بالملازمة على تقديمه على ما يصح استيفاء الدّين من قيمته أيضا، فيكون الكفن مقدما على حقّي الغرماء و الرهانة، فلا وجه للتسالم على تقديم الكفن على حق الغرماء و الاختلاف في تقديمه على حق الرهانة، إلّا أن يخدش في الملازمة، إذ لم يدل عليها دليل عقلي أو شرعي.

ص: 52

مسألة 22: إذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن

(مسألة 22): إذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن فالظاهر عدم وجوبه على المسلمين، لأنّ الواجب الكفائي هو التكفين لا إعطاء الكفن (73)، لكنّه أحوط (74). و إذا كان هناك من سهم سبيل اللّه من الزكاة فالأحوط صرفه فيه (75) ..

______________________________

و لكن الخدشة باطلة، لثبوت الملازمة العرفية التي عليها المدار في مثل هذه الأمور، و الأدلة منزلة عليها. نعم، حيث إنّ الجاني بنفسه مورد تعلق حق الغير فلا وجه لتقديم الكفن عليه. إلّا أن يقال: إنّ تعلق حق المجنيّ عليه بعين الجاني تعليقيّ لا أن يكون تنجيزيا من كلّ جهة حتّى مع فقد الكفن للمولى.

و يمكن أن يقال: إنّ هذا البحث ساقط من أصله، للعلم العادي بأنّ الغرماء و المرتهن و غيرهما من ذوي الحقوق راضون بتكفين الغارم و لو لم يرض أحدهم يستنكر ذلك منه و يوبخ عليه عند الناس، فهذه المناقشات علمية لا أن تكون بالنسبة إلى عمل الناس خارجا.

(73) للأصل و النص و الإجماع. ففي صحيح سعد: «من كفن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة» (1).

و ظهوره في الاستحباب مما لا ينكر و قريب منه خبر الفضل الآتي. ثمَّ إنّ حكم سائر مؤن التجهيز حكم الكفن، نعم، في الدفن لا يبعد وجوب تهيئة القبر كفاية إن لم يمكن تهيئته من بيت المال.

(74) لأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال مع احتمال أن يراد من الأدلة البذل و الإعطاء أيضا و إن كان ضعيفا.

(75) مقتضى الأصل و الإطلاق عدم تعين ذلك على مالك الزكاة، إلّا أن يدل دليل عليه، و ذهب جمع منهم الفاضل في المنتهى، و الشهيد في الذكرى، و المحقق في جامع المقاصد إلى الوجوب، لخبر فضل بن يونس قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت له: ما ترى في رجل من أصحابنا يموت و لم يترك

ص: 53


1- الوسائل باب: 26 من أبواب التكفين حديث: 1.

و الأولى بل الأحوط أن يعطى لورثته (76) حتّى يكفّنوه من مالهم إذا كان تكفين الغير لميتهم صعبا عليهم.

مسألة 23: تكفين المحرم كغيره

(مسألة 23): تكفين المحرم كغيره فلا بأس بتغطية رأسه و وجهه، فليس حالهما حال الطيب في حرمة تقريبه إلى الميت المحرم (77).

______________________________

ما يكفن به، أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال: أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الذين يجهزونه. قلت: فإن لم يكن له ولد و لا أحد يقوم بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ قال: كان أبي يقول: إنّ حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيّا، فوار بدنه و عورته و جهزه و كفنه و حنطه، و احتسب بذلك من الزكاة، و شيع جنازته. قلت: فإن اتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر و كان عليه دين أ يكفن بواحد و يقضى دينه بالآخر؟ قال: لا، ليس هذا ميراثا تركه، إنّما هذا شي ء صار إليه بعد وفاته، فليكفنوه بالذي اتجر عليه، و يكون الآخر لهم يصلحون به شأنهم» (1).

و فيه: أنّ سياقه سياق المندوبات. و لا يستفاد منه الوجوب، مع أنّ ظاهرهم عدم وجوب كسوة الحي من الزكاة، فلا فارق بين الموت و الحياة.

(76) جمودا على ما تقدم من الخبر، و تحفظا على رفع المهانة عنهم. ثمَّ إنّ الإعطاء للورثة إما أن يكون للصرف على الميت بحيث تكون الورثة وكلاء عن المالك في الصرف. و إما أن يكون تمليكا لهم، فيعتبر فيهم استحقاقهم للزكاة دون الأول.

(77) نصّا و إجماعا، ففي موثق سماعة: «المحرم يموت قال عليه السّلام: يغسل و يكفن بالثياب كلّها، و يغطّى وجهه و يصنع به كما يصنع بالمحل، غير أنّه لا يمسّ الطيب» (2).

ص: 54


1- الوسائل باب: 33 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

.....

______________________________

و نحوه غيره، و أما قوله عليه السّلام: «من مات محرما بعثه اللّه ملبيا» (1).

فهو بالنسبة إلى الثواب لا بالنسبة إلى الأحكام الشرعية الدنيوية، كما أنّ قوله عليه السّلام: «لا تخمروا رأسه»(2).

محمول على الندب، لمعارضته بغيره، و إعراض الأصحاب عن ظاهره، فلا وجه لما نسب إلى السيد و ابن عقيل و غيرهما من حرمة تغطية وجهه.

ص: 55


1- الوسائل باب: 13 من أبواب غسل الميت حديث: 6.
2- مستدرك الوسائل باب: 13 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
فصل في مستحبات الكفن
اشارة

(فصل في مستحبات الكفن) و هي أمور:

أحدها: العمامة للرجال

أحدها: العمامة للرجال (1). و يكفي فيها المسمّى (2) طولا و عرضا. و الأولى أن تكون بمقدار يدار على رأسه و يجعل طرفاها تحت حنكه على صدره، الأيمن على الأيسر، و الأيسر على الأيمن من الصدر (3).

الثاني: المقنعة للامرأة بدل العمامة

الثاني: المقنعة للامرأة بدل العمامة. و يكفي فيها- أيضا- المسمّى (4).

(فصل في مستحبات الكفن)

______________________________

(1) لقول الصادق عليه السّلام: «الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب و العمامة، و الخرقة سنّة»(1).

(2) لإطلاق الأدلة الشاملة للمسمى أيضا.

(3) لخبر يونس: «ثمَّ يعمّم يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير، ثمَّ يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر و الأيسر على الأيمن، ثمَّ يمد على صدره» (2).

(4) لخبر عبد الرحمن عن الصادق عليه السّلام: «في كم تكفن المرأة؟

قال عليه السّلام: تكفن في خمسة أثواب: أحدها الخمار»(3).

ص: 56


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 7.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 18.
الثالث: لفافة لثدييها يشدان بها إلى ظهرها

الثالث: لفافة لثدييها يشدان بها إلى ظهرها (5).

الرابع: خرقة يعصّب بها وسطه رجلا كان أو امرأة

الرابع: خرقة يعصّب بها وسطه رجلا كان أو امرأة (6).

الخامس: خرقة أخرى للفخذين تلفّ عليهما

الخامس: خرقة أخرى للفخذين تلفّ عليهما. و الأولى أن يكون طولها ثلاثة أذرع و نصفا و عرضها شبرا أو أزيد، تشد من الحقوين، ثمَّ تلفّ على فخذيه لفا شديدا على وجه لا يظهر منهما شي ء إلى الركبتين، ثمَّ يخرج رأسها من تحت رجليه إلى جانب الأيمن (7).

______________________________

المحمول على الندب جمعا و إجماعا. و أما كفاية المسمّى، فللإطلاق، و الاتفاق.

(5) لمضمر سهل المعمول به عند المشهور في الندب: «سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال عليه السّلام: كما يكفن الرجل غير أنّها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر و تشد على ظهرها» (1).

و احتمال أنّ هذا إسراف للمال مدفوع: بأنّ الإسراف ما لم يكن فيه غرض عرفي شرعي، و لا وجه له بعد النص المعمول به.

(6) لإطلاق قول الصادق عليه السّلام: «يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا يزر عليه، و إزار، و خرقة يعصّب بها وسطه» (2).

المحمول على الندب إجماعا، و الأولى في هذه الخرقة قصد الرجاء، لاحتمال أن يكون المراد بها ما يأتي في الخامس.

(7) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الميت يكفّن في ثلاثة سوى العمامة و الخرقة يشد بها وركيه، لكيلا يبدو منه شي ء. و الخرقة، و العمامة لا بدّ منهما و ليستا من الكفن» (3).

و قال عليه السّلام أيضا: «و يجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع و نصفا،

ص: 57


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 16.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 13.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 12.
السادس: لفافة أخرى فوق اللفافة الواجبة

السادس: لفافة أخرى فوق اللفافة الواجبة (8). و الأولى كونها بردا يمانيّا (9)، بل يستحب لفافة ثالثة أيضا، خصوصا في الامرأة (10).

السابع: أن يجعل شي ء من القطن أو نحوه بين رجليه

السابع: أن يجعل شي ء من القطن أو نحوه بين رجليه بحيث يستر العورتين، و يوضع عليه شي ء من الحنوط. و إن خيف خروج شي ء من دبره يجعل فيه شي ء من القطن. و كذا لو خيف خروج الدم من

______________________________

و عرضها شبرا و نصفا» (1).

و في خبر يونس: «فشدها من حقويه و ضم فخذيه ضما شديدا و لفها في فخذيه ثمَّ أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، و اغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة» (2).

(8) لقول أبي الحسن عليه السّلام: «إنّي كفنت أبي في ثوبين شطويين (3)كان يحرم فيهما، و في قميص من قمصه و عمامة كانت لعليّ بن الحسين عليه السّلام و في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينارا» (4).

(9) للسيرة و قول أبي جعفر عليه السّلام: «كفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين و ثوب يمنية عبرية أو أظفار» (5).

و الظفر بالكسر، و الصحار محلان باليمن.

(10) للرضوي: «يكفن بثلاث قطع، و خمس، و سبع»(6).

بحمل السبع على المئزر و القميص و الإزار و الخرقة و العمامة و اللفافتين، و في صحيح ابن مسلم: «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب و المرأة إذا كانت عظيمة

ص: 58


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
3- الشطا: و هي قرية بناحية مصر.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 15.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 4.
6- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب التكفين حديث: 1.

منخريه. و كذا بالنسبة إلى قبل الامرأة و كذا ما أشبه ذلك (11).

______________________________

في خمسة أثواب: درع، و منطق، و خمار، و لفافتين» (1).

فتكونا مع الإزار ثلاثة.

(11) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و اعمد إلى قطن فذر عليه شيئا من حنوط وضعه على فرجه قبلا و دبرا» (2).

و المراد بقوله (رحمه اللّه): بين رجليه يعني إليتيه، و في خبر عمار:

«و تجعل على مقعدته شيئا من القطن و ذريرة» (3).

و قد ورد في تكفين المرأة: «و يضع لها القطن أكثر مما يضع للرجال و يحشى القبل و الدبر بالقطن و الحنوط»(4).

و يستفاد من ذلك كلّه احتشاء جميع مظان خروج النجاسة من دم أو غيره بالقطن، كالمنخرين و نحوهما، كما لا موضوعية للقطن و تحصل بكلّ ما تفيد هذه الإفادة.

ص: 59


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 9.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 16.
فصل في بقية المستحبات
اشارة

(فصل في بقية المستحبات) و هي- أيضا- أمور:

الأول: إجادة الكفن

الأول: إجادة الكفن، فإنّ الأموات يتباهون يوم القيامة بأكفانهم و يحشرون بها، و قد كفّن موسى بن جعفر عليه السلام بكفن قيمته ألفا دينار، و كان تمام القرآن مكتوبا عليه (1).

الثاني: أن يكون من القطن

الثاني: أن يكون من القطن (2).

(فصل في بقية المستحبات)

______________________________

(1) و في خبر آخر: «أجيدوا أكفان موتاكم فإنّها زينتهم» (1). و عن الصادق عليه السّلام: «تنوقوا في الأكفان فإنّكم تبعثون بها» (2).

أقول: مثل هذه الأخبار ناصة في أنّ الأكفان ترجع كالأجساد بعد انعدام صورها، و يدل عليه صحيح هشام سأل الزنديق أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال:

«أخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة؟ قال عليه السّلام: بل يحشرون في أكفانهم. قال: أنّى لهم بالأكفان. و قد بليت؟ قال: إنّ الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم. قال: من مات بلا كفن؟ قال عليه السّلام: يستر اللّه عورته بما شاء من عنده. قال: يعرضون صفوفا؟ قال: نعم هم يومئذ عشرون و مائة صف في عرض الأرض» (3).

(2) لقول الصادق عليه السّلام: «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به،

ص: 60


1- الوسائل باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 3.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 4.
3- الاحتجاج ج: 2 ص: 98 من طبعة النجف.
الثالث: أن يكون أبيض

الثالث: أن يكون أبيض (3)، بل يكره المصبوغ ما عدا الحبرة (4)، ففي بعض الأخبار: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كفّن في حبرة حمراء.

الرابع: أن يكون من خالص المال و طهوره

الرابع: أن يكون من خالص المال و طهوره لا من

______________________________

و القطن لأمة محمد صلّى اللّه عليه و آله» (1).

(3) لقول الصادق عليه السّلام: «البسوا البياض، فإنّه أطيب و أطهر، و كفنوا فيه موتاكم» (2).

(4) أما السواد فلقول الصادق عليه السّلام: «لا يكفن الميت في السواد» (3).

المحمول على الكراهة إجماعا. و أما كراهة مطلق الصبغ فنسب إلى المشهور و لم نقف على دليله. و أما الأخير فقد: «كفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب برد أحمر حبرة» (4).

و أنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام: «كفن أسامة بن زيد ببرد أحمر حبرة، و أنّ عليّا عليه السّلام كفّن سهل بن حنيف ببرد أحمر حبرة» (5).

فائدة: إنّ نسخ الوسائل كلّها مشتملة على أنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام هو المكفّن لأسامة. و قال في البحار من غير تردد: إنّ الحسين بن عليّ عليهما السّلام هو المكفن لأسامة، لأنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام توفي سنة خمسين، و أسامة مات سنة أربع و خمسين.

ص: 61


1- الوسائل باب: 20 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب التكفين حديث: 1.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب التكفين حديث: 1.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 3.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب التكفين حديث: 2.

المشتبهات (5).

الخامس: أن يكون من الثوب الذي أحرم فيه

الخامس: أن يكون من الثوب الذي أحرم فيه أو صلّى فيه (6).

السادس: أن يلقى عليه شي ء من الكافور و الذريرة

السادس: أن يلقى عليه شي ء من الكافور و الذريرة (7). و هي-

______________________________

(5) لقول الكاظم عليه السّلام: «إنّا أهل بيت حج صرورتنا، و مهور نسائنا، و أكفاننا من طهور مالنا» (1).

(6) لما تقدم من قول أبي الحسن عليه السّلام: «إنّي كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما» (2).

و عن الباقر عليه السّلام: «فإن استطعت أن يكون في كفنه ثوب كان يصلّي فيه نظيف فافعل، فإنّ ذلك يستحب أن يكفن فيما كان يصلّي فيه» (3).

(7) لقول الصادق عليه السّلام: «إذا كفنت الميت فذر على كلّ ثوب شيئا من ذريرة و كافور» (4).

ثمَّ إنّهم اختلفوا في موضوع الذريرة، فقيل إنّها الطيب المسحوق، و قيل إنّها كلّما يذر على الشي ء، و قيل: إنّها نوع خاص من الطيب كان معروفا، و قيل: إنّها الورس- و هو يطلق على الزعفران و الذريرة- و قيل غير ذلك، و نقل الطريحي في مجمع البحرين أمرا غريبا في الذريرة.

و الكلّ لا دليل له يصح الاعتماد عليه، و لذا قال في ذخيرة العباد: إنّ حقيقته غير معلومة. و الظاهر أنّ له أهل خبرة فلا بدّ من الرجوع إليهم، قال الأنطاكي في تذكرته: «قصب ذريرة: سمّي بذلك لوقوعه في الأطياب و الذرائر، و هو نبت كالقش عقد محشو بشي ء أبيض. و أجوده المتقارب العقد، الياقوتي،

ص: 62


1- الوسائل باب: 34 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب التكفين حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب التكفين حديث: 1.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب التكفين حديث: 1.

على ما قيل- حب يشبه حب الحنطة له ريح طيب إذا دق- و تسمّى الآن قمحة- و لعلّها كانت تسمّى بالذريرة سابقا و لا يبعد استحباب التبرك بتربة قبر الحسين عليه السلام و مسحه بالضريح المقدس أو بضرائح سائر الأئمّة عليهم السلام بعد غسله بماء الفرات أو بماء زمزم (8).

السابع: أن يجعل الطرف الأيمن من اللفافة على أيسر الميت

السابع: أن يجعل الطرف الأيمن من اللفافة على أيسر الميت و الأيسر منها على أيمنه (9).

الثامن: أن يخاط الكفن بخيوطه

الثامن: أن يخاط الكفن بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة (10).

التاسع: أن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث

التاسع: أن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث (11).

و إن كان هو الغاسل له، فيستحب أن يغسل يديه إلى المرفقين بل

______________________________

الضارب إلى الصفرة، القابض المر. و منه نوع رزين يتشظّى كالخيوط ردي ء جدّا» (1).

و المستفاد من الأدلة: أنّ مورد استعمالها الكفن فقط، و مقتضى بعض الإطلاقات مرجوحية تطيبه بطيب غير الكافور، و ما ثبت أنّه الذريرة المعهودة في الأزمنة القديمة. و الأولى ترك استعمال الذريرة التي لا يعلم أنّها الذريرة المعهودة، لما دل على مرجوحية كلّ طيب كما سيأتي.

(8) كلّ ذلك لجريان سيرة المؤمنين و لم يرد الردع، مع أنّه من طرق التوسل إلى اللّه تعالى بما يرجى التوسل به إليه تعالى، و أنّ الغريق يتشبث بكلّ ما فيه احتمال النجاة.

(9) للسيرة، و دعوى الإجماع، و يمكن الاستشهاد له بما تقدم من خبر يونس في العمامة.

(10) لفتوى جمع من الأصحاب به و لا مدرك له غير ذلك، و يكفي ذلك بناء على قاعدة التسامح.

(11) للمشهور بين الأصحاب، و يكفي ذلك في الاستحباب.

ص: 63


1- تذكرة داود الأنطاكي مادة: قصب الذريرة ص: 238، ج: 1.

المنكبين ثلاث مرّات، و يغسل رجليه إلى الركبتين (12). و الأولى أن يغسل كلّ ما تنجس من بدنه، و أن يغتسل غسل المسّ قبل التكفين (13).

______________________________

(12) لخبر عمار: «ثمَّ تغسل يدك إلى المرافق و رجليك إلى الركبتين ثمَّ تكفنه»(1).

و في صحيح ابن يقطين: «ثمَّ يغسل الذي غسّله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات» (2).

و في صحيح ابن مسلم: «ثمَّ يغسل يده إلى العاتق» (3).

و الكل محمول على مراتب الفضل إجماعا، و يمكن أن يكون حكمة غسل هذه المواضع لأجل كونها مظنة وصول النجاسة، فيكون الأولى حينئذ أن يغسل كلّ ما تنجس من بدنه.

(13) نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب، و في الجواهر: «لم أقف على مستنده».

أقول: و يظهر من بعض الأخبار تأخير الغسل عن التكفين ففي صحيح ابن يقطين: «ثمَّ إذا كفنه اغتسل»(4).

و مثله صحيح ابن مسلم، و يمكن حملهما على أنّه غسل مندوب مستقل، كما يأتي في الأغسال الفعلية عند قوله: الثامن غسل من مسّ ميتا بعد ما غسله.

(14) أما كتابة الشهادة فلخبر ابن شعيب: «قال حضرت موت إسماعيل و أبو عبد اللّه عليه السّلام جالس عنده- إلى أن قال: فلما فرغ من أمره دعا بكفنه فكتب عليه السّلام في حاشية الكفن: إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا اللّه- الحديث» (5).

ص: 64


1- الوسائل باب: 35 من أبواب التكفين حديث: 3.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب التكفين حديث: 2.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب التكفين حديث: 1.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب التكفين حديث: 2.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب التكفين حديث: 1.
العاشر: أن يكتب على حاشية جميع قطع الكفن من الواجب و المستحب

العاشر: أن يكتب على حاشية جميع قطع الكفن من الواجب و المستحب حتّى العمامة اسمه و اسم أبيه، بأن يكتب: فلان ابن فلان يشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و أنّ عليّا، و الحسن، و الحسين، و عليّا، و محمدا، و جعفرا، و موسى، و عليّا، و محمدا، و عليّا، و الحسن، و الحجّة القائم أولياء اللّه و أوصياء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أئمتي، و أنّ البعث و الثواب و العقاب حق (14).

الحادي عشر: أن يكتب على كفنه تمام القرآن

الحادي عشر: أن يكتب على كفنه تمام القرآن (15) و دعاء الجوشن الصغير و الكبير، و يستحب كتابة الأخير في جام بكافور أو مسك ثمَّ غسله ورشه على الكفن (16)، فعن أبي عبد اللّه الحسين

______________________________

و الدليل على البقية. دعوى الإجماع عن الخلاف و الغنية، و السيرة العملية من المتشرعة، و أنّ ذلك كلّه من طرق التوسل و استجلاب الخير و البركة، مع البناء على المسامحة في الاستحباب، كما عليه الأصحاب و نعم ما قال الشهيد:

«و زاد الأصحاب كتابة و مكتوبا عليه و مكتوبا به»، لأنّه خير محض.

(15) أمّا كتابة القرآن، فلما روي: «أنّ موسى بن جعفر عليه السّلام كفّن بكفن فيه حبرة عليها القرآن كلّه» (1).

و يمكن أن يستشهد لرجحانه مما ورد في التكفين في ثوب الإحرام، و فيما كان يصلّي فيه (2)، إذ يستفاد منها صحة التبرك بكلّ ما يرجى فيه الخير. مع أنّه من أقرب التوسلات عند المتشرعة.

(16) لما روي عن السجاد عليه السّلام عن أبيه عن جده: «و من كتبه على كفنه استحى اللّه أن يعذبه بالنار- إلى أن قال: قال الحسين:- و أوصاني بحفظ

ص: 65


1- الوسائل باب: 30 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 4 و 5 من أبواب التكفين.

صلوات اللّه عليه:

«أوصاني أبي بحفظ هذا الدعاء و تعظيمه و أن أكتبه على كفنه، و أن أعلّمه أهلي».

و يستحب- أيضا- أن يكتب عليه البيتان اللذان كتبهما أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام على كفن سلمان رضي اللّه عنه و هما:

وفدت على الكريم بغير زاد من الحسنات و القلب السليم

و حمل الزاد أقبح كلّ شي ء إذا كان الوفود على الكريم

______________________________

هذا الدعاء و تعظيمه و أن أكتبه على كفنه» (1).

و أما الصغير، فقد ذكر فضائله السيد ابن طاوس (رحمه اللّه) بعين ما ذكره للكبير، و عن المجلسي (رحمه اللّه) في البحار استظهار وقوع الاشتباه بين الكبير و الصغير، فالأولى قصد الرجاء فيه، كما أنّ الأحوط مراعاة أن لا يكتب في المحال التي تنافي الاحترام.

و أما الأخير فلما روي في البلد الأمين عنه عليه السّلام أيضا «و من كتب في جام بكافور أو مسك ثمَّ غسله و رشه على كفن ميت أنزل اللّه تعالى في قبره ألف نور و آمنه من هول منكر و نكير» (2).

أقول: و لعلّ الأولى ذلك لأنّ نفس الأسماء المقدسة لو كتبت يمكن أن توضع في محلّ ينافي الاحترام، و الظاهر عدم الفرق بين الجام و غيره من الظروف، كما لا يعتبر أن يكون ذلك في ظرف واحد و يصح أن يكون في ظروف متعددة خصوصا إذا لم يسع الواحد لكتابة تمامه.

فرع: الظاهر أنّه يجزي أن يرش على أكفان متعددة إذا كان المكتوب و المغسول تمام الدعاء.

ص: 66


1- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب التكفين حديث: 1.

و يناسب أيضا كتابة السند المعروف المسمّى ب «سلسلة الذهب» (17) و هو:

______________________________

(17) في الجواهر عن كشف الغمة: «إنّ بعض أمراء السامانية كتب الحديث- إلى أن قال- و أمر بأن يدفن معه، فلما مات رؤي في المنام فقال غفر اللّه لي بتلفظي بلا إله إلّا اللّه، و تصديقي بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و أنّي كتبت هذا الحديث تعظيما و احتراما» و بعد ذلك قال في الجواهر: «كثيرا ما أكتبه (أي حديث سلسلة الذهب) في كأس و أمحوه بماء و أضع عليه شيئا من تربة الحسين عليه السّلام فأرى تأثيره سريعا و الحمد للّه، ولي فيه رؤيا عن أمير المؤمنين عليه السّلام يصدق ذلك كلّه لكنّها مشروطة بالصدقة بخمسة قروش و نسأل اللّه التوفيق».

ثمَّ إنّه قد وقع في هذا الحديث النقل عن اللوح و القلم. و اللوح عبارة عن كتاب خاص فيه تمام ما يقع في العالم بأجزائها و جزئياتها و سائر جهاتها قال تعالى وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (1) و قال تعالى فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (2).

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عظمة هذا الكتاب و كمال العناية به و يصح النقل عنه لمثل إسرافيل و من يقدر على النظر فيه من الملائكة المقربين.

و أما القلم فهو ما به يكتب في اللوح و يصح النقل عنه بالعناية. و أما بناء على ما عن الصدوق في اعتقاداته من قوله: «اعتقادنا في اللوح و القلم أنّهما ملكان» (3)، فيكون النقل عنه حقيقيا لا بالعناية، و لكن قال الشيخ المفيد:

«اللوح كتاب اللّه كتب فيه ما يكون إلى يوم القيامة، و هو قوله تعالى وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ فاللوح هو الذكر و القلم هو الشي ء أحدث اللّه به الكتابة في اللوح و جعل اللوح أصلا لتعرف الملائكة منه

ص: 67


1- سورة ق الآية: 4.
2- سورة البروج الآية: 22.
3- شرح عقائد الصدوق للمفيد طبع النجف صفحة: 220.

حدّثنا محمد بن موسى المتوكّل، قال: حدثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن يوسف بن عقيل، عن إسحاق بن راهويه قال: لما وافى أبو الحسن الرّضا عليه السلام نيشابور و أراد أن يرتحل إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا:

يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله تدخل علينا و لا تحدثنا بحديث فنستفيده منك- و قد كان قعد في العمارية- فأطلع رأسه فقال عليه السلام: سمعت أبي موسى بن جعفر عليهما السلام يقول:

سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما السّلام يقول: سمعت أبي محمد بن عليّ عليهما السّلام يقول: سمعت أبي عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول: سمعت أبي الحسين بن علي عليهما السّلام يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين عليّا بن أبي طالب عليه السّلام يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: سمعت جبرئيل عليه السّلام يقول: سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول:

(لا إله إلّا اللّه حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي).

فلمّا مرّت الراحلة نادى: أما بشروطها و أنا من شروطها.

و إن كتب السند الآخر- أيضا- فأحسن و هو: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال: حدّثنا عبد الكريم بن محمد الحسيني قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم الرازي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يحيى الأهوازي، قال: حدّثني أبو الحسن عليّ بن عمرو، قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن جمهور، قال: حدّثني علي بن بلال عن عليّ بن موسى الرضا عليهما السّلام عن موسى بن جعفر عليهما السّلام عن جعفر بن محمد عليهما السّلام عن محمد بن عليّ عليهما السّلام عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام عن الحسين بن عليّ عليهما السّلام عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن جبرئيل

ص: 68

عن ميكائيل عن إسرافيل عليهم السّلام عن اللوح و القلم، قال: يقول اللّه عزّ و جلّ:

(ولاية عليِّ بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من ناري). و إذا كتب على فص الخاتم العقيق الشهادتان و أسماء الأئمة عليهم السّلام و الإقرار بإمامتهم كان حسنا، بل يحسن كتابة كلّ ما يرجى منه النفع من غير أن يقصد الورود. و الأولى أن تكتب الأدعية بتربة قبر الحسين عليه السّلام (18) أو يجعل في المداد شي ء منها، أو

______________________________

ما يكون فإذا أراد اللّه تعالى أن يطلع الملائكة على غيب له أو يرسلهم إلى الأنبياء بذلك أمرهم بالاطلاع في اللوح، فحفظوا منه ما يؤدونه إلى من أرسلوا إليه و عرفوا منه ما يعملون و قد جاءت بذلك آثار عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عن الأئمة، فأما من ذهب إلى أنّ اللوح و القلم ملكان فقد أبعد بذلك و نآى عن الحق إذ الملائكة لا تسمّى ألواحا و لا أقلاما، و لا يعرف في اللغة اسم ملك و لا بشر لوح و لا قلم» (1). و قال المجلسي في البحار: «الصدوق تبع فيما ذكره الرواية بلا اعتراض عليه مع أنّه لا تنافي بين ما ذكره المفيد و بين ذلك إذ يمكن كونهما ملكين و مع ذلك أحدهما آلة النقش و الآخر منقوشا فيه».

أقول: يظهر من الروايات المستفيضة أنّ لهما نحو حياة و إدراك و لا محذور فيه من عقل أو نقل قال الصادق عليه السّلام: «أول ما خلق اللّه القلم فقال له:

اكتب. قال: و ما أكتب يا رب؟ قال: أكتب ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة. فكتب القلم» (2).

و نحوه غيره و هو ظاهر في علمه و التفاته و إحاطته بما علّمه اللّه تعالى.

(18) لأنّها مما يرجى فيها الحفظ، و الأمان و هي أمان من كلّ خوف كما في

ص: 69


1- شرح عقائد الصدوق للمفيد صفحة: 220 طبع النجف.
2- راجع تفسير القمي ج: 2 صفحة: 379.

بتربة سائر الأئمة، و يجوز أن تكتب بالطين و بالماء، بل بالإصبع من غير مداد.

الثاني عشر: أن يهيّئ كفنه قبل موته

الثاني عشر: أن يهيّئ كفنه قبل موته، و كذا السدر و الكافور، ففي الحديث:

«من هيّأ كفنه لم يكتب من الغافلين و كلّ ما نظر إليه كتبت له حسنة» (19).

الثالث عشر: أن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة

الثالث عشر: أن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة مثل حال الاحتضار أو بنحو حال الصلاة (20).

تتمّة: إذا لم تكتب الأدعية المذكورة و القرآن على الكفن بل على وصلة أخرى

(تتمّة): إذا لم تكتب الأدعية المذكورة و القرآن على الكفن بل على وصلة أخرى و جعلت على صدره أو فوق رأسه للأمن من التلويث كان أحسن (21).

______________________________

الحديث (1). ثمَّ إنّ الكتابة بالإصبع من غير مداد نسبت إلى المشهور.

(19) و قد جرت عليه سيرة الأخيار أيضا، بل قد نقل عن محمد بن عثمان وكيل الناحية المقدسة تهيئة القبر لنفسه أيضا.

(20) لحسن الاستقبال في كلّ حال خصوصا في مثل هذه الأحوال.

(21) و يمكن أن يقال بعدم التنجس و التلوث، لكونه من الباطن حينئذ و النجاسة ما إذا كانت في الخارج و من الخارج، كما تقدم في محلّه، و لا أقل من الشك و مقتضى الأصل الطهارة. لأنّ الميت صار طاهرا بالغسل.

ص: 70


1- مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 1.
فصل في مكروهات الكفن

(فصل في مكروهات الكفن) و هي أمور:

(أحدها): قطعه بالحديد (1).

(الثاني): عمل الأكمام و الزرور له إذا كان جديدا، و لو كفن في قميصه الملبوس له حال حياته قطع أزراره، و لا بأس بأكمامه (2).

(الثالث): بلّ الخيوط التي يخاط بها بريقه (3).

(الرابع): تبخره بدخان الأشياء الطيبة الريح، بل تطيبه و لو بغير البخور (4). نعم يستحب تطيبه بالكافور و الذريرة، كما مرّ.

(فصل في مكروهات الكفن)

______________________________

(1) لقول الشيخ في التهذيب: «سمعناه مذاكرة من الشيوخ و كان عليه عملهم». و يكفي ذلك في الكراهة للتسامح فيها.

(2) لخبر ابن سنان: «قلت للصادق عليه السّلام: الرجل يكون له القميص أ يكفّن فيه؟ فقال عليه السّلام: اقطع أزراره، قلت: و كمه؟ قال عليه السّلام: لا إنّما ذلك إذا قطع له و هو جديد لم يجعل له كما، و أما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلّا الأزرار»(1).

(3) للشهرة الفتوائية و العملية بين الأصحاب، و هي تكفي للكراهة.

(4) لقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا تجمروا الأكفان و لا تمسحوا

ص: 71


1- الوسائل باب: 28 من أبواب التكفين حديث: 2.

(الخامس): كونه أسود (5).

(السادس): أن يكتب عليه بالسواد (6).

(السابع): كونه من الكتان و لو ممزوجا (7).

(الثامن): كونه ممزوجا بالإبريسم (8)، بل الأحوط تركه إلّا أن يكون خليطه أكثر.

(التاسع): المماكسة في شرائه (9).

______________________________

موتاكم بالطيب، فإنّ الميت بمنزلة المحرم» (1).

و تقدم ما عن بلد الأمين من كتابة الجوشن بالكافور، أو المسك.

(5) لقول الصادق عليه السّلام: «لا يكفن الميت في السواد» (2).

و ظاهرهم الإجماع على الكراهة.

(6) نسب ذلك إلى المشهور، و لا دليل له غير ذلك.

(7) لإطلاق قول الصادق عليه السّلام: «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به و القطن لأمة محمد» (3).

الشامل للكتان المحض و الممزوج.

(8) لا دليل عليه إلّا فتوى جمع من الفقهاء بالكراهة.

(9) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «لا تماكس في أربعة أشياء: في الأضحية، و الكفن، و ثمن النسمة، و الكراء إلى مكة»(4).

المحمول على الكراهة إجماعا.

ص: 72


1- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب التكفين حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب التكفين حديث: 1.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب التكفين حديث: 2.

(العاشر): جعل عمامته بلا حنك (10).

(الحادي عشر): كونه وسخا غير نظيف (11).

(الثاني عشر): كونه مخيطا، بل يستحب كون كلّ قطعة منه وصلة واحدة بلا خياطة (12) على ما ذكره العلماء و لا بأس به.

______________________________

(10) لقول الصادق عليه السّلام: «و إذا عمّمته، فلا تعمّمه عمامة الأعرابي» (1).

و فسّرت بما لا حنك فيها.

(11) لكراهة الوساخة في كلّ حال، و استحباب النظافة في جميع الأحوال.

(12) للشهرة و السيرة. ثمَّ إنّ بعض ما تقدم من الأخبار و إن كان ظاهرا في الحرمة، لكنّه محمول على الكراهة، جمعا و إجماعا.

ص: 73


1- الوسائل باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 2.
فصل في الحنوط
اشارة

(فصل في الحنوط) و هو مسح الكافور على بدن الميت يجب مسحه (2) على المساجد (فصل في الحنوط)

______________________________

(1) الحنوط اسم للطيب المخصوص، و التحنيط ما يعمل بالميت، و يدل على أصل وجوبه في الجملة الإجماع و ما يأتي من النصوص، فإنّها و إن اشتملت على المندوبات، و لكن استفادة الندب منها بالقرائن الخارجية، و إلّا فالأمر ظاهر في الوجوب ما لم يدل دليل على الخلاف.

(2) لأنّه المنساق في المقام، مضافا إلى دعوى الإجماع عليه و إن عبّر بعض بالوضع، و آخر بالإمساس، لكن المراد بهما المسح أيضا حملا للمطلق على المقيد، مع أنّه لا وجه للوضع، لزواله بنقل الميت و إدخاله القبر. و أما الأخبار فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «فامسح به آثار السجود» (1).

و في موثق سماعة: «و يجعل شيئا من الحنوط على مسامعه، و مساجده»(2).

و في خبر حمران: «يوضع في منخره و موضع سجوده و مفاصله» (3).

و في موثق عبد الرحمن: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحنوط

ص: 74


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب التكفين حديث: 2.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5.

السبعة (3) و هي: الجبهة، و اليدان، و الركبتان، و إبهاما الرجلين.

و يستحب إضافة طرف الأنف إليها أيضا (4). بل هو الأحوط. و الأحوط أن يكون المسح باليد، بل بالراحة (5).

______________________________

للميت. فقال: اجعله في مساجده» (1).

و المراد بالجعل و الوضع هنا عرفا هو المسح يقال: وضع فلان الطيب على رأسه، أو جعله في لباسه أي: مسحهما به.

(3) نصا كما مر (2) و إجماعا.

(4) لدعوى: شمول إطلاق المساجد له أيضا، بل ذكر بالخصوص في خبر الدعائم (3)، و حكي القول بالوجوب عن جمع، و لكن الدعوى- كخبر الدعائم- ضعيف، بل عن الخلاف الإجماع على أنّه لا يترك على أنفه، و لا أذنه، و لا فيه، فالمرجع في الوجوب أصالة البراءة، و إن كان الاستحباب قابلا للمسامحة، بل هو الأحوط خروجا عن خلاف من أوجبه.

(5) بدعوى أنّ ذلك كان متعارفا، فينزل إطلاق الأدلة عليه.

ثمَّ إنّ نصوص المقام أقسام:

الأول: «ما عبّر فيه بآثار السجود و مفاصله كلّها، و رأسه، و لحيته، و على صدره» (4).

الثاني: «على موضع المساجد، و على اللبة، و باطن القدمين، و موضع الشراك من القدمين، و على الركبتين، و الجبهة» (5).

ص: 75


1- الوسائل باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 14 و 16 من أبواب التكفين.
3- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 2.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 1.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 5.

.....

______________________________

الثالث: «في منخره و موضع سجوده، و مفاصله» (1).

الرابع: «في مسامعه و أثر السجود منه و فيه» (2).

الخامس: «في فمه و مسامعه و آثار السجود من وجهه و يديه و ركبتيه» (3).

السادس: «آثار السجود، و مفاصله كلّها و اجعل في فيه و مسامعه، و رأسه و لحيته من الحنوط و على صدره و فرجه» (4).

السابع: «و امسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدميه، و في رأسه و في عنقه، و منكبيه، و مرافقه، و في كلّ مفصل من مفاصله من اليدين و الرجلين و في وسط راحتيه» (5).

الثامن: «تجعل شيئا من الحنوط على مسامعه، و مساجده، و شيئا على ظهر الكفين» (6).

فلو لوحظت هذه الأخبار في حد نفسها لا بدّ من حملها على الندب، للاختلاف في مضامينها و هي من شواهد الاستحباب. و إن لوحظ المقام بحسب الصناعة فالمقام من موارد الأقل و الأكثر، فالمساجد هي المتيقن من الوجوب و المرجع في وجوب البقية البراءة. و إن لوحظت الأخبار بحسب القرائن الخارجية، فإعراض الأصحاب عن غير المساجد أسقطها عن الاعتبار، مع معارضتها في الجملة بغيرها، ففي المرسل: «و لا تجعل في منخريه و لا بصره و مسامعه و لا على وجهه قطنا و لا كافورا» (7).

و في الصحيح: «لا تجعل في مسامع الميت حنوطا» (8).

و في خبر حمران: «و لا تقربوا أذنيه شيئا من الكافور»(9).

ص: 76


1- الوسائل باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 5.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 4.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 63.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 6.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.
6- الوسائل باب: 15 من أبواب التكفين حديث: 2.
7- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.
8- الوسائل باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 4.
9- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5.

و لا يبعد استحباب مسح إبطيه، و لبته، و مغابنه، و مفاصله، و باطن قدميه، و كفيه، بل كلّ موضع من بدنه فيه رائحة كريهة (6) و يشترط أن يكون بعد الغسل (7) أو التيمم، فلا يجوز قبله.

نعم، يجوز قبل التكفين و بعده و في أثنائه (8). و الأولى أن يكون قبله.

و يشترط في الكافور أن يكون طاهرا مباحا جديدا فلا يجزي العتيق الذي زال ريحه، و أن يكون مسحوقا (9).

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار المعارضة المعتضدة بالأصل و عمل الأصحاب، مع إمكان حمل ما هو خلاف المشهور على التقية، مضافا إلى قصور السند في جملة منها.

(6) بناء على استفادة ذلك كلّه مما تقدم من الأخبار، و عدم حملها على التقية. و إلّا فلا وجه للاستحباب. و اللبة: المنحر، و مغابن البدن: المرافق، و الآباط، و محل أصول الفخذين، و ما اجتمع فيه الوسخ. ثمَّ إنّ المراد بقوله (رحمه اللّه) «و كفيه» أي ظاهرهما. و إلّا فالباطن يجب مسحهما لأنّه من المساجد.

(7) لظواهر الأدلة، و سيرة المتشرعة، و ظهور الإجماع.

(8) للأصل، و الإطلاق، و حصول المقصود بأيّ نحو تحقق، و ما في بعض الأخبار- من الأمر به بعد التجفيف، أو قبل التكفين، أو بعد بسط الكفن- لا يصلح للتقييد، لأنّ الجميع من باب الغالب و حيث إنّ الغالب هو التحنيط قبل التكفين، فالأولى العمل به.

(9) أما اعتبار الأولين، فللإجماع، و مرتكزات المتشرعة. و أما الثالث، فلأنّه طيب الميت و لا وجه للتطيب مع زوال الرائحة. و أما اعتبار كونه مسحوقا فلظهور الإجماع و السيرة، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في مرسل يونس: «ثمَّ اعمد إلى كافور مسحوق» (1).

ص: 77


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.
مسألة 1: لا فرق في وجوب الحنوط بين الصغير و الكبير

(مسألة 1): لا فرق في وجوب الحنوط بين الصغير و الكبير، و الأنثى و الخنثى و الذكر، و الحر و العبد (10). نعم، لا يجوز تحنيط المحرم قبل إتيانه بالطواف كما مرّ. و لا يلحق به التي في العدة.

و لا المعتكف و إن كان يحرم عليهما استعمال الطيب حال الحياة (11).

مسألة 2: لا يعتبر في التحنيط قصد القربة

(مسألة 2): لا يعتبر في التحنيط قصد القربة، فيجوز أن يباشره الصبيّ المميز أيضا (12).

مسألة 3: يكفي في مقدار كافور الحنوط المسمّى

(مسألة 3): يكفي في مقدار كافور الحنوط المسمّى (13)

______________________________

(10) كلّ ذلك، للإطلاق، و الاتفاق، و قول الصادق عليه السّلام:

«حنوط الرجل و المرأة سواء» (1).

و قد تقدم حكم المحرم في [المسألة 9] من (فصل كيفية غسل الميت).

(11) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و لأنّ المحرّم عليهما إنّما هو طيب الأحياء لا ما يختص بالأموات.

(12) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و كذا يحصل لو أثاره الريح على مواضع تحنيط الميت.

(13) على المشهور، لإطلاق الأدلة من غير ما يصلح للتقييد. و أما مرسل ابن أبي نجران عن الصادق عليه السّلام «أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال و نصف» (2). و خبر الكاهلي عنه عليه السّلام- أيضا- «و القصد من الكافور أربعة مثاقيل» (3)، و مرفوع ابن هاشم «السنّة في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلث أكثره»(4)، و قريب منه غيره، فالكل قاصر عن تقييد المطلقات، لقصور السند، و إعراض الأصحاب عن استفادة الإيجاب، مع أنّ الاختلاف في التحديد من

ص: 78


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 5.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 3.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 1.

و الأفضل أن يكون ثلاثة عشر درهما و ثلثا (14)، تصير بحسب المثاقيل الصيرفية سبعة مثاقيل و حمصتين إلّا خمس الحمصة (15). و الأقوى أنّ هذا المقدار لخصوص الحنوط (16) لا له و للغسل و أقل الفضل مثقال شرعي، و الأفضل منه أربعة دراهم، و الأفضل منه أربعة مثاقيل شرعية (17).

______________________________

شواهد الندب، هذا حال الأخبار.

و أما كلمات أصحابنا الأخيار، فقال في الذكرى: «اختلف الأصحاب في تقديره، فالشيخان و الصدوق: أقله مثقال، و أوسطه أربعة دراهم. و الجعفي:

أقله مثقال و ثلث- إلى أن قال- و ابن الجنيد: أقله مثقال» و صريح الأكثر أنّ الاختلاف في أقل الفضل.

(14) لما تقدم في خبر ابن هاشم، و في خبر آخر: «إنّ جبرئيل أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأوقية كافور من الجنة، و الأوقية أربعون درهما، فجعلها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثلاثة أثلاث. ثلثا له، و ثلثا لعليّ عليه السّلام، و ثلثا لفاطمة عليها السّلام» (1).

(15) بل سبعة مثاقيل تماما، لأنّ كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية و كلّ مثقال شرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، فتصير الثلاثة عشر درهما و ثلث:

تسعة مثاقيل شرعية و ثلثا، و سبعة مثاقيل صيرفية فقط.

(16) على المشهور، بل عن المعتبر لا نعلم فيه خلافا و يدل عليه ما تقدم من مرفوع ابن هاشم، و لكن نسب في السرائر مشاركة الغسل مع الحنوط- في ثلاثة عشر درهما و نصف- إلى بعض الأصحاب، و مال إليه في الوافي تمسكا بالإطلاق و استبعاد تغسيل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بغير ما نزل به جبرئيل و لكن الإطلاق مقيد و الاستبعاد موهون، فالعمل بالمشهور متعيّن.

(17) كلّ ذلك لما تقدم من الأخبار المحمولة على الفضل و الأفضلية.

ص: 79


1- الوسائل باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 6.
مسألة 4: إذا لم يتمكن من الكافور سقط وجوب الحنوط و لا يقوم مقامه طيب آخر

(مسألة 4): إذا لم يتمكن من الكافور سقط وجوب الحنوط و لا يقوم مقامه طيب آخر (18).

نعم، يجوز تطييبه بالذريرة (19). لكنّها ليست من الحنوط (20)، و أما تطييبه بالمسك و العنبر و العود و نحوها و لو بمزجها بالكافور فمكروه، بل الأحوط تركه (21).

______________________________

(18) أما سقوط الحنوط، فلعدم الموضوع لتقومه بالكافور. و أما عدم قيام طيب آخر مقامه، فلعدم الدليل و لا وجه لقاعدة الميسور، إذ لم يعمل بها أحد في المقام.

(19) قد تقدم معنى الذريرة و استحبابها في السادس من (فصل بقية مستحبات الكفن).

(20) لقول الصادق عليه السّلام في صحيح داود بن سرحان: «إنّ الحنوط هو الكافور» (1).

و في خبر عبد اللّه بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «الكافور هو الحنوط» (2).

(21) يشهد للكراهة مضافا إلى دعوى الإجماع أنّها مقتضى الجمع بين النصوص، فقد قال الصادق عليه السّلام في خبر ابن مسلم: «لا تجمّروا الأكفان و لا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور» (3).

و عنه عليه السّلام أيضا: «و لا يحنّط بمسك» (4).

و في مرسل الفقيه: «هل يقرب من الميت المسك و البخور؟ قال:

نعم» (5).

و حكي: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حنط بمثقال مسك سوى الكافور» (6).

ص: 80


1- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 8.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 4.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 6.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 9.
6- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 10.
مسألة 5: يكره إدخال الكافور في عين الميت

(مسألة 5): يكره إدخال الكافور في عين الميت أو أنفه أو إذنه (22).

مسألة 6: إذا زاد الكافور يوضع على صدره

(مسألة 6): إذا زاد الكافور يوضع على صدره (23).

مسألة 7: يستحب سحق الكافور باليد لا بالهاون

(مسألة 7): يستحب سحق الكافور باليد لا بالهاون (24).

مسألة 8: يكره وضع الكافور على النعش

(مسألة 8): يكره وضع الكافور على النعش (25).

______________________________

و لكن قصور سند الأولين عن إفادة الحرمة مع إعراض الأصحاب عن ظاهرهما، بل دعوى الإجماع على الخلاف مما يشهد للكراهة، فما يظهر من المحقق، و العلامة، و الشهيد من عدم الجواز و من الغنية من دعوى الإجماع عليه ضعيف. نعم، الأحوط تركه خروجا عن خلاف من حرّمه.

(22) لمرسل يونس: «و لا تجعل في منخريه و لا في بصره و لا في مسامعه، و لا على وجهه قطنا و لا كافورا» (1).

المحمول على الكراهة إجماعا، و ما يظهر منه الخلاف (2) محمول على التقية. و كان ينبغي له (رحمه اللّه) ذكر الوجه أيضا كما في المرسل.

(23) على المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، و في الفقه الرضوي:

«تبدأ بجبهته و تمسح مفاصله كلّها به و تلقي ما بقي على صدره» (3).

و ظاهره إلقاء ما بقي بعد مسح المفاصل. و ظاهر المشهور ذلك بعد مسح المساجد، و يمكن ترجيح المشهور، لأنّ الصدر مسجد في سجدة الشكر حيث يستحب إلصاقه بالأرض فيقدم و إن بقي منه شي ء يمسح به المفاصل.

(24) نسب إلى الشيخين و أتباعهما و لم يوجد خبر يدل عليه، و الاستحباب الشرعي فيه مبنيّ على المسامحة فيه حتّى بالنسبة إلى فتوى الفقيه، و ربما علّل ذلك بأنّه أحفظ من الضياع.

(25) لقول الصادق عليه السّلام: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن

________________________________________

ص: 81


1- لوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4 و 5.
3- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 1.
مسألة 9: يستحب خلط الكافور بشي ء من تربة قبر الحسين عليه السّلام

(مسألة 9): يستحب خلط الكافور بشي ء من تربة قبر الحسين عليه السّلام (26) لكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام (27).

مسألة 10: يكره اتباع النعش بالمجمرة، و كذا في حال الغسل

(مسألة 10): يكره اتباع النعش بالمجمرة، و كذا في حال الغسل (28).

مسألة 11: يبدأ في التحنيط بالجبهة

(مسألة 11): يبدأ في التحنيط بالجبهة و في سائر المساجد مخير (29).

______________________________

يوضع على النعش الحنوط» (1).

و في خبر غياث عنه عليه السّلام عن أبيه: «و ربما جعل على النعش الحنوط و ربما لم يجعله» (2).

و المستفاد من الجميع الكراهة.

(26) لأنّها مما يرجى فيه الأمان، و في التوقيع: «في طين القبر يوضع مع الميت في قبره و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه»(3).

(27) لأنّه الموافق لمرتكزات المتشرعة.

(28) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «لا تقربوا موتاكم النار، يعني الدخنة» (4).

المحمول على الكراهة إجماعا، و إطلاقه يشمل حال الغسل و اتباع النعش، و في خبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن تتبع جنازة بمجمرة» (5).

و قوله عليه السّلام: «و أكره أن يتبع بمجمرة» (6).

(29) أما الابتداء بالجبهة، فلأنّ بها قوام السجود، فتكون مقدمة على

ص: 82


1- الوسائل باب: 17 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب التكفين حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 1.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 12.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 3.
6- الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 1.
مسألة 12: إذا دار الأمر بين وضع الكافور في ماء الغسل أو يصرف في التحنيط يقدم الأول

(مسألة 12): إذا دار الأمر بين وضع الكافور في ماء الغسل أو يصرف في التحنيط يقدم الأول. و إذا دار في الحنوط بين الجبهة و سائر المواضع تقدم الجبهة (30).

______________________________

غيرها من المساجد، و في الرضوي: «يبدأ بجبهته و يمسح»(1).

و أما التخيير في البقية، فلعدم مرجح في البين، بل و لا محتمل الترجيح.

(30): أما تقديم الصرف في الغسل، فلاحتمال أهميته، و أما تقديم الجبهة، فلأهميتها بالنسبة إلى سائر المساجد.

ص: 83


1- تقدم آنفا ذكر موضعه.
فصل في الجريدتين
اشارة

(فصل في الجريدتين) من المستحبات الأكيدة عند الشيعة (1) وضعهما مع الميت صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، محسنا أو مسيئا، كان ممّن يخاف عليه عذاب القبر أو لا (2) ففي الخبر:

«إنّ الجريدة تنفع المؤمن و الكافر، و المحسن و المسي ء، و ما دامت رطبة يرفع عن الميت عذاب القبر». و في آخر:

«إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرّ على قبر يعذّب صاحبه فطلب جريدة فشقّها نصفين فوضع أحدهما فوق رأسه و الأخرى عند رجليه، (فصل في الجريدتين)

______________________________

(1) و أخبار هم فيهما مستفيضة، بل متواترة، بل قد ورد ذلك في أخبار العامة أيضا، ففي الصحيحين عن ابن عباس: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مر بقبرين يعذبان، فقال: إنّهما ليعذبان و ما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، و أما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثمَّ أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين ثمَّ غرز في كلّ قبر واحدة فقالوا: يا رسول اللّه لم صنعت هذا؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: لعلّه يخفف عنهما ما لم ييبسا» (1).

(2) لأنّ رفع العذاب من قبيل الحكمة لا أن يكون من العلة، و يمكن أن يراد برفع العذاب المعنى الأعم من الوحشة. و هي تعم الجميع من المعصومين عليهم السّلام و غيرهم، و يشهد له وصية آدم بوضعهما في كفنه لأنسه (2).

ص: 84


1- صحيح البخاري ج: 2 باب الجريدة على القبر صفحة: 119.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 10.

و قال: يخفف عنه العذاب ما داما رطبين».

و في بعض الأخبار إنّ آدم عليه السّلام أوصى بوضع جريدتين في كفنه لأنسه، و كان هذا معمولا بين الأنبياء و ترك في زمان الجاهلية فأحياه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

مسألة 1: الأولى أن تكونا من النخل

(مسألة 1): الأولى أن تكونا من النخل (3). و إن لم يتيسر فمن السدر (4)، و إلّا فمن الخلاف أو الرمّان (5)، و إلّا فكل عود رطب (6).

مسألة 2: الجريدة اليابسة لا تكفي

(مسألة 2): الجريدة اليابسة لا تكفي (7).

______________________________

(3) على المشهور نصّا و فتوى، ففي مكاتبة ابن بلال إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام: «الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة بشي ء من الشجر غير النخل؟- إلى أن قال- فأجاب عليه السّلام يجوز من شجر آخر رطب» (1).

و يستفاد منه مفروغية تقدم النخل على غيره.

(4) لمضمر سهل: «قلنا له: جعلنا اللّه فداك إن لم نقدر على الجريدة فقال عليه السّلام: عود السدر. قيل: فإن لم نقدر على السدر؟ فقال عليه السّلام: عود الخلاف» (2).

و يقيد به إطلاق ما تقدم من المكاتبة و غيرها. و عن المفيد و غيره تقديم الخلاف على السدر و لم يعلم له وجه.

(5) لمرسل عليّ بن إبراهيم. قال: «يجعل بدلها عود الرمان» (3).

(6) لإطلاق المكاتبة بعد فقد ما يصح للتقييد.

(7) للإجماع و النص. قال أبو الحسن عليه السّلام: «لا يجوز اليابس» (4).

ص: 85


1- الوسائل باب: 8 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب التكفين حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب التكفين حديث: 4.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب التكفين حديث: 1.
مسألة 3: الأولى أن تكون في الطول بمقدار ذراع

(مسألة 3): الأولى أن تكون في الطول بمقدار ذراع (8) و إن كان يجزئ الأقل و الأكثر (9). و في الغلظ كلّما كان أغلظ أحسن من حيث بطء يبسه (10).

______________________________

و عن الصادق عليه السّلام: «يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة»(1).

مع أنّ الرطوبة مأخوذة في الجريدة- كما عن بعض أهل اللغة- و في حديث يحيى بن عبادة ورد «التخضير» (2) و هو لا يكون إلّا مع الرطوبة.

(8) الأخبار في المقام على أقسام:

منها: المطلقات الدالة على الإجزاء بما يسمّى جريدة فيشمل الأقل و الأكثر.

و منها: مرسل يونس: «و يجعل له قطعتين من جريدة النخل قدر ذراع»(3).

و هو مردد بين كونها بقدر الذراع أو بقدر عظمه، و المشهور بل ادعي عليه الإجماع هو الأخير، و في الفقه الرضوي صرح: «بقدر عظم الذراع» (4).

و في كشف اللثام «إنّ الذراع حقيقة في عظمها».

و منها: خبر جميل: «إنّ الجريدة قدر شبر» (5).

و مقتضى الصناعة الحمل على مراتب الفضل لا سيما في المندوبات المبنية على التسامح.

(9) للإطلاقات و عدم بناء الفقهاء على تقييدها في المندوبات ما لم تكن قرينة خارجية عليه.

(10) لما ورد في الأخبار من إيجابهما رفع العذاب ما دامت رطبة (6).

ص: 86


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 7.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 5.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 5.
4- مستدرك الوسائل باب: 8 من أبواب التكفين حديث: 1.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 2.
6- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب التكفين.
مسألة 4: الأولى في كيفية وضعهما أن يوضع إحداهما في جانبه الأيمن من عند الترقوة

(مسألة 4): الأولى في كيفية وضعهما أن يوضع إحداهما في جانبه الأيمن من عند الترقوة إلى ما بلغت ملصقة ببدنه، و الأخرى في جانبه الأيسر من عند الترقوة فوق القميص تحت اللفافة إلى ما بلغت (11). و في بعض الأخبار (12): أن يوضع إحداهما تحت إبطه الأيمن، و الأخرى بين ركبتيه بحيث يكون نصفها يصل إلى الساق و نصفها إلى الفخذ. و في بعض آخر (13): يوضع كلتاهما في جنبه الأيمن. و الظاهر تحقق الاستحباب بمطلق الوضع معه في قبره (14).

______________________________

(11) و هو المشهور، لصحيح جميل بن دراج قال عليه السّلام: «توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت ما يلي الجلد، و الأخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص» (1).

(12) و هو مرسل يونس قال عليه السّلام: «يجعل له واحدة بين ركبتيه:

نصف فيما يلي الساق، و نصف فيما يلي الفخذ، و يجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن» (2).

(13) و هو صحيح آخر لجميل بن دراج، و يمكن استظهار كفاية جريدة واحدة منه أيضا. قال: «سألته عليه السّلام عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها، قال عليه السّلام: فوق القميص و دون الخاصرة فسألته عليه السّلام من أيّ جانب؟ فقال عليه السّلام: من الجانب الأيمن» (3).

و يمكن إرادة الجنس حتّى لا ينافي التعدد، و لكن المشهور عملوا بصحيحه الأول و عليه المعوّل.

(14) لأنّ المستفاد من النصوص أنّ الأثر مترتب على كونها مع الميت و إطلاقها يشمل مطلق المعية بأيّ وجه تحققت و هو المناسب للتسهيل، و المسامحة في رفع العذاب الذي جرت عليه عادة اللّه تعالى في عباده، مع أنّه

ص: 87


1- الوسائل باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 5.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 3.
مسألة 5: لو تركت الجريدة لنسيان و نحوه جعلت فوق قبره

(مسألة 5): لو تركت الجريدة لنسيان و نحوه جعلت فوق قبره (15).

مسألة 6: لو لم تكن إلّا واحدة جعلت في جانبه الأيمن

(مسألة 6): لو لم تكن إلّا واحدة جعلت في جانبه الأيمن (16).

مسألة 7: الأولى أن يكتب عليهما اسم الميت و اسم أبيه

(مسألة 7): الأولى أن يكتب عليهما اسم الميت و اسم أبيه و أنّه يشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنّ الأئمة من بعده أوصياؤه صلّى اللّه عليه و آله، و يذكر أسماءهم واحدا بعد واحد (17).

______________________________

منصوص بالخصوص في خبر سماعة قال عليه السّلام: «يستحب أن يدخل معه في قبره جريدة رطبة» (1).

(15) لما ورد في الحديث: «مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على قبر يعذب صاحبه فدعا بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه و الأخرى عند رجليه قيل له صلّى اللّه عليه و آله لم وضعتهما؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: إنّه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين» (2).

(16) لأنّ مقتضى الإطلاقات عدم سقوط أصل الوضع مع القطع بأنّ تعددها من باب تعدد المطلوب لا من باب التقييد، و الوحدة، و اختصاص الأيمن لأفضليته بالنسبة إلى الأيسر هذا إذا لم يكن شقها نصفين. و إلّا يشقها لوضع الجريدتين.

(17) نسب ذلك إلى الشهرة العظيمة و لا ريب في أنّه من طرق التبرك و التوسل في مثل هذه الحالة.

فروع- (الأول): لا فرق في الرطوبة المعتبرة في الجريدتين بين كونها بالذات أو بالعلاج كما إذا وضعها في محلّ مرطوب لئلا تيبس، للإطلاق الشامل

ص: 88


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 8.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب التكفين حديث: 4.

.....

______________________________

لهما. نعم، لو يبست ثمَّ عولجت لتحصيل الرطوبة بأن وضعت في الماء- مثلا- فالظاهر عدم شمول الأدلة لها.

(الثاني): في مثل السرداب الذي يوضع فيه أموات متعددة، لا يبعد كفاية وضع جريدة واحدة للجميع، للإطلاق وسعة فضل اللّه تعالى.

(الثالث): مقتضى الأصل عدم اعتبار قصد القربة في الجريدة و لا في التحنيط، كما أنّ مقتضاه عدم اعتبار طهارة الجريدة. نعم، الأدلة منصرفة عن الجريدة المغصوبة فلا يجوز وضعها، و لو وضع يشكل ترتب الأثر لها إلّا مع العذر من نسيان أو جهل بالغصبية.

(الرابع): عذاب القبر ليس منحصرا في صنف واحد، بل له أصناف كثيرة، كما أنّ نعمه أيضا كذلك، فقول أبي جعفر عليه السّلام: «يتجافى عنه العذاب أو الحساب ما دام العود رطبا، إنّما العذاب و الحساب كلّه في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر و يرجع القوم» (1).

إنّما هو صنف خاص من العذاب و هو خصوص الوحشة لا مطلق العذاب.

(الخامس): قال الصادق عليه السّلام: «الجريدة تنفع المؤمن و الكافر» (2). و قال عليه السّلام- أيضا-: «إنّ الجريدة تنفع المحسن و المسي ء و أما المحسن فتؤنسه في قبره، و أما المسي ء فتدرأ عنه العذاب ما دامت رطبة، و للّه بعد ذلك فيه المشيئة» (3).

و يستفاد من مثل هذه الأخبار أنّ لمطلق فعل الخير أثر خير بالنسبة إلى الأموات و لو كانوا كافرين، و لا يختص انتفاع الميت بفعل الخير بخصوص المؤمنين، و يأتي بعض الكلام فيما يناسب المقام.

(السادس): لو وقعت الجريدة على القبر بإثارة الريح- مثلا- أو دفن الميت تحت نخلة، أو شجر الخلاف، أو السدر أو الرمان، فالظاهر ترتب الأثر على ذلك أيضا.

ص: 89


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 3.
فصل في التشييع
اشاره

(فصل في التشييع) يستحب لأولياء الميت إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليحضروا جنازته، و الصلاة عليه، و الاستغفار له (1)، و يستحب للمؤمنين المبادرة إلى ذلك، و في الخبر:

«إنّه لو دعي إلى وليمة و إلى حضور جنازة قدم حضورها، لأنّه مذكّر للآخرة، كما أنّ الوليمة مذّكرة للدنيا» (2). ليس للتشييع حد معيّن (3). و الأخبار في فضله كثيرة ففي بعضها: «أوّل تحفة للمؤمن في (فصل في التشييع)

______________________________

(1) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته و يصلّون عليه و يستغفرون له، فيكتب لهم الأجر و يكتب للميت الاستغفار و يكتسب هو الأجر فيهم و فيما اكتسب له من الاستغفار»(1).

(2) لقول الصادق عليه السّلام: «إذا دعيتم إلى العرسات فأبطئوا فإنّها تذكر الدنيا و إذا دعيتم إلى الجنائز فأسرعوا فإنّها تذكر الآخرة» (2).

(3) للإطلاقات المرغبة فيه، و ما ذكر في بعض الأخبار من التحديد إلى الصلاة أو الدفن من بيان مراتب الفضل لا التحديد الحقيقي و لا فرق في ذلك بين أن يأذن وليّ الميت في الانصراف أو لم يأذن فيثاب مع التشييع حتّى لو أذن له

ص: 90


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الصلاة على الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

قبره غفرانه و غفران من شيعه».

و في بعضها: «من شيع مؤمنا كان لكلّ قدم يكتب له مائة ألف حسنة، و يمحى عنه مائة ألف سيئة، و يرفع له مائة ألف درجة، و إن صلّى عليه يشيعه حين موته مائة ألف ملك يستغفرون له إلى أن يبعث».

و في آخر: «من مشى مع جنازة حتّى صلّى عليها له قيراط من الأجر، و إن صبر إلى دفنه له قيراطان، و القيراط مقدار جبل أحد».

و في بعض الأخبار: يؤجر بمقدار ما مشى معها.

و أما آدابه فهي أمور
اشارة

و أما آدابه فهي أمور:

أحدها: أن يقول إذا نظر إلى الجنازة: «إنا للّه و إنا إليه راجعون

أحدها: أن يقول إذا نظر إلى الجنازة: «إنا للّه و إنا إليه راجعون، اللّه أكبر، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله، اللهم زدنا إيمانا و تسليما، الحمد للّه الذي تعزّز بالقدرة و قهر العباد بالموت».

و هذا لا يختص بالمشيع، بل يستحب لكلّ من نظر إلى الجنازة، كما أنّه يستحب له مطلقا أن يقول: «الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم» (4).

الثاني: أن يقول حين حمل الجنازة:

الثاني: أن يقول حين حمل الجنازة: «بسم اللّه و باللّه و صلّى اللّه

______________________________

الولي في الانصراف و خالف و شيع.

(4) الأول منقول عن الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله (1) و الثاني عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام (2)، «و السواد المخترم» الشخص الهالك.

ص: 91


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الدفن حديث: 1.

على محمد و آل محمد اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات» (5).

الثالث: أن يمشي، بل يكره الركوب إلّا لعذر

الثالث: أن يمشي (6)، بل يكره الركوب (7) إلّا لعذر. نعم، لا يكره في الرجوع (8).

الرابع: أن يحملوها على أكتافهم

الرابع: أن يحملوها على أكتافهم (9) لا على الحيوان إلّا لعذر كبعد المسافة.

الخامس: أن يكون المشيّع خاشعا

الخامس: أن يكون المشيّع خاشعا متفكرا متصوّرا أنّه هو

______________________________

(5) رواه عمار الساباطي عن الصادق عليه السّلام(1).

(6) للأخبار المشتملة على لفظ المشي، و للسيرة، و الإجماع.

(7) لما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّي لأكره أن أركب و الملائكة يمشون» (2).

(8) لما عن عليّ عليه السّلام: «أنّه كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدائه إلّا من عذر و قال عليه السّلام: يركب إذا رجع» (3).

(9) للسيرة، و قول الصادق عليه السّلام: «من أخذ بقائمة السرير غفر اللّه له خمسا و عشرين كبيرة، فإذا ربّع خرج من الذنوب» (4).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ المؤمن يبشر عند موته: أنّ اللّه غفر لك و لمن يحملك إلى قبرك» (5).

و تشهد له الروايات المشتملة على حمل الجنازة و ذكر الثواب له و قد حمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جنازة سعد بن معاذ، و لم يزل الأسلاف الصالحين كذلك، و المتعارف من الأخذ و الحمل في الجنائز هو الحمل على الأكتاف و الأخذ عليها و قد جرت السيرة في الحمل على المركب مع بعد المسافة، كما يأتي.

ص: 92


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الدفن حديث: 4.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الدفن حديث: 2.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الدفن حديث: 8.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب الدفن حديث: 5.

المحمول و يسأل الرجوع إلى الدنيا فأجيب (10).

السادس: أن يمشي خلف الجنازة أو طرفيها (11) و لا يمشي قدامها. و الأول أفضل من الثاني (12). و الظاهر كراهة الثالث (13) خصوصا في جنازة غير المؤمن (14).

السابع: أن يلقى عليها ثوب غير مزين (15).

______________________________

(10) كما في خبر عجلان بن أبي صالح عن الصادق عليه السّلام (1)، و في وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر: «يا أبا ذر إذا اتبعت جنازة فليكن عملك فيها التفكر و الخشوع و اعلم أنّك لاحق به» (2).

(11) نصّا، و إجماعا، ففي موثق إسحاق بن عمار: «المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها» (3).

و نحوه غيره الدال على جواز المشي قدام الجنازة، و في خبر سدير: «من أحبّ أن يمشي ممشى الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير» (4).

(12) تأسيا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله حيث مشى خلف الجنازة، و لسيرة الصالحين.

(13) على المشهور بين الأصحاب، و يظهر من الروض دعوى الإجماع عليها، فيحمل مثل موثق عمار على أصل الجواز.

(14) فإنّ اللعنة تستقبله كما في بعض الروايات (5) أو «ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان العذاب» كما في خبر السكوني (6)و غيره.

(15) أما أصل إلقاء الثوب، فللسيرة، و لأنّه نحو احترام للميت. و أما عدم

ص: 93


1- الوسائل باب: 59 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 50 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب الدفن حديث: 3.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب الدفن حديث: 3.
6- الوسائل باب: 5 من أبواب الدفن حديث: 7.
الثامن: أن يكون حاملوها أربعة

الثامن: أن يكون حاملوها أربعة (16).

التاسع: تربيع الشخص الواحد بمعنى حمله على جوانبها الأربعة

التاسع: تربيع الشخص الواحد بمعنى حمله على جوانبها الأربعة (17) ..

______________________________

كونه مزينا، فلما روي عن عليّ عليه السّلام: «إنّه نظر إلى نعش ابسطت عليه حلتان حمراء و صفراء زين بهما، فأمر عليه السّلام بهما فنزعتا و قال عليه السّلام:

سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: أول عدل الآخرة القبور لا يعرف وضيع من شريف» (1).

إن قيل: قد مرّ استحباب المغالاة في الأكفان و هو نحو تفرقة بين الغني و الفقير فكيف تكون القبور أول عدل الآخرة. يقال: إنّ التكفين من بقايا الدنيا لا من القبور. فتأمل.

(16) للإجماع، و لأنّه نحو احترام، و إطلاق قول أبي جعفر عليه السّلام:

«السنّة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع» (2).

و يجزي فيه الحمل من أيّ جانب من جوانب السرير اتفق.

(17) إجماعا في الجملة، و نصوصا كثيرة. قال أبو جعفر عليه السّلام:

«من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر اللّه له أربعين كبيرة» (3).

و قوله عليه السّلام- أيضا-: «السنّة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع، و ما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع» (4).

و مقتضى الإطلاق حصول الاستحباب بأيّ نحو تحقق، و يشهد له صحيح ابن سعيد قال: «كتب إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله عن سرير الميت يحمل له جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربعة، أو ما خف على الرجل

ص: 94


1- مستدرك الوسائل باب: 79 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الدفن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الدفن حديث: 2.

و الأولى (18) الابتداء بيمين الميت يضعه على عاتقه الأيمن، ثمَّ مؤخرها الأيمن على عاتقه الأيمن، ثمَّ مؤخرها الأيسر على عاتقه الأيسر، ثمَّ ينتقل إلى المقدم الأيسر واضعا له على العاتق الأيسر يدور عليها.

العاشر: أن يكون صاحب المصيبة حافيا واضعا رداءه

العاشر: أن يكون صاحب المصيبة حافيا واضعا رداءه أو يغيّر زيّه على وجه آخر بحيث يعلم أنّه صاحب المصيبة (19).

______________________________

يحمل من أيّ الجوانب شاء؟ فكتب من أيّها شاء» (1).

(18) ذكر هذا الطريق في خبر فضل بن يونس قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن تربيع الجنازة؟ قال: إذا كنت في موضع تقية فابدأ باليد اليمنى، ثمَّ بالرجل اليمنى، ثمَّ ارجع من مكانك إلى ميامن الميت لا تمر خلف رجليه البتة حتّى تستقبل الجنازة فتأخذ بيده اليسرى ثمَّ رجله اليسرى، ثمَّ ارجع من مكانك لا تمر خلف الجنازة البتة حتّى تستقبلها تفعل كما فعلت أولا، فإن لم تكن تتقي فيه فإنّ تربيع الجنازة الذي جرت به السنّة أن تبدأ باليد اليمنى، ثمَّ بالرجل اليمنى ثمَّ بالرجل اليسرى، ثمَّ باليد اليسرى حتّى تدور حولها» (2).

(19) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتّى يعلم الناس أنّه صاحب المصيبة» (3).

و قد عمل بذلك عليه السّلام أيضا حين مات ابنه إسماعيل «فتقدم السرير بلا حذاء و لا رداء» كما في خبر ابن عثمان (4)، و مقتضى العلة المنصوصة تغيير الهيئة بما يعرف أنّه صاحب المصيبة بأيّ وجه حصل، و يختلف ذلك باختلاف العادات و الأشخاص و المحال، و إذا عرف صاحب المصيبة بقرائن خارجية، فالظاهر عدم الاستحباب.

ص: 95


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الدفن حديث: 3.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب الاحتضار حديث 8.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب الاحتضار حديث 3.
و يكره أمور
اشارة

و يكره أمور:

أحدها: الضحك

أحدها: الضحك و اللعب و اللهو (20).

الثاني: وضع الرداء من غير صاحب المصيبة

الثاني: وضع الرداء من غير صاحب المصيبة (21).

الثالث: الكلام بغير الذكر و الدعاء و الاستغفار

الثالث: الكلام بغير الذكر و الدعاء و الاستغفار (22). حتّى ورد

______________________________

(20) لما عن عليّ عليه السّلام: «إنّه تبع جنازة فسمع رجلا يضحك، فقال عليه السّلام: كأنّ الموت على غيرنا كتب» (1).

و عن الصادق عليه السّلام: «عجبا لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثمَّ نودي فيهم بالرحيل و هم يلعبون» (2).

(21) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ملعون ملعون من وضع رداءه في مصيبة غيره» (3).

و الظاهر شموله لسائر شعائر المصيبة، كما أنّ الظاهر عدم الكراهة لجنازة العلماء العاملين و الأخيار المتقين تأسيا بخاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله حيث مشى في جنازة سعد بن معاذ بلا حذاء و لا رداء، فسئل عن ذلك فقال صلّى اللّه عليه و آله: «إنّي رأيت الملائكة يمشون بلا حذاء و لا رداء» (4).

مع أنّ في موت أعاظم الدين يكون صاحب المصيبة جميع المؤمنين.

(22) لقول الصادق عليه السّلام: «كان رسول اللّه إذا اتبع جنازة غلبته كآبة و أكثر حديث النفس و أقلّ الكلام» (5).

ص: 96


1- نهج البلاغة القسم الثالث ص: 179.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب الاحتضار حديث: 5.
5- مستدرك الوسائل باب: 50 من أبواب الدفن حديث: 2.

المنع عن السلام على المشيع (23).

الرابع: تشييع النساء الجنازة

الرابع: تشييع النساء الجنازة و إن كانت للنساء (24).

الخامس: الإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميت

الخامس: الإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميت، و لا سيما إذا كان بالعدو، بل ينبغي الوسط في المشي (25).

______________________________

(23) لما في مرفوعة محمد بن الحسين قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«ثلاثة لا يسلمون: الماشي مع الجنازة، و الماشي إلى الجمعة، و في بيت حمام» (1).

(24) لما رواه الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام: «أنّه نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن الرنة عند المصيبة، و نهى عن النياحة و الاستماع إليها. و نهى عن اتباع النساء الجنائز» (2).

و إطلاقه يشمل ما إذا كانت الجنازة للنساء. و أما قوله عليه السّلام: «ليس ينبغي للمرأة الشابة تخرج إلى الجنازة تصلّي عليها إلّا أن تكون امرأة قد دخلت في السن» (3).

فمحمول على خفة الكراهة بالنسبة إلى المسنّة.

(25) لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «عليكم بالسكينة، عليكم بالقصد في المشي بجنازتكم»(4).

مضافا إلى العمومات الدالة على استحباب الرفق في جميع الأمور (5).

ص: 97


1- الوسائل باب: 42 من أبواب العشرة حديث: 18.
2- الوسائل باب: 69 و 83 من أبواب الدفن حديث: 3.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 64 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب جهاد النفس.
السادس: ضرب اليد على الفخذ أو على الأخرى

السادس: ضرب اليد على الفخذ أو على الأخرى (26).

السابع: أن يقول المصاب أو غيره: «ارفقوا به، أو استغفروا له، أو ترحموا عليه»

السابع: أن يقول المصاب أو غيره: «ارفقوا به، أو استغفروا له، أو ترحموا عليه». و كذا قول: «قفوا به» (27).

الثامن: إتباعها بالنار

الثامن: إتباعها بالنار و لو مجمرة إلّا في الليل فلا يكره المصباح (28).

______________________________

(26) لقول الصادق عليه السّلام: «من ضرب يده على فخذه عند مصيبة حبط أجره»(1).

و الظاهر أنّ ذكر الفخذين من باب المثال، فيشمل الضرب على اليد الأخرى، بل اللطم أيضا، و في النبوي: «مهما يكن من العين و القلب فمن اللّه تعالى و من الرحمة، و مهما يكن من اليد، و اللسان فمن الشيطان» (2).

و لا ريب في شمول الإطلاق للجميع.

(27) لقول الصادق عليه السّلام: «ثلاثة لا أدري أيّهم أعظم جرما الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة غيره بغير رداء، و الذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة، و الذي يقول ارفقوا به و ترحموا عليه يرحمكم اللّه» (3).

و في خبر آخر: «و الذي يقول استغفروا له غفر اللّه لكم»(4).

(28) أما الأول، فللإجماع، و قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا تقربوا موتاكم النار يعني الدخنة» (5).

و أما الأخير، فللسيرة، و لأنّ ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أخرجت جنازتها ليلا و معها مصابيح و كان ذلك بمنظر من عليّ عليه السّلام (6).

ص: 98


1- الوسائل باب: 81 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 74 من أبواب الدفن حديث: 21.
3- الوسائل باب: 47 من أبواب الاحتضار: 3.
4- الوسائل باب: 47 من أبواب الاحتضار: 2.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب الدفن حديث: 1.
6- الوسائل باب: 10 من أبواب الدفن حديث: 4.
التاسع: القيام عند مرورها إن كان جالسا

التاسع: القيام عند مرورها إن كان جالسا (29) إلّا إذا كان الميت كافرا لئلا يعلو على الإسلام (30).

العاشر: قيل: ينبغي أن يمنع الكافر و المنافق و الفاسق من التشييع

العاشر: قيل: ينبغي أن يمنع الكافر و المنافق و الفاسق من التشييع (31).

______________________________

و عنه عليه السّلام أيضا في وفاة فاطمة عليها السّلام: «فلما قضت نحبها و هم في جوف الليل أخذ عليّ عليه السّلام في جهازها من ساعته و أشعل النار في جريد النخل، و مشى مع الجنازة بالنار حتّى صلّى عليها و دفنها ليلا» (1).

و يمكن الجمع بينه و بين ما تقدم من أنّ المصابيح كانت في بعض الطريق و النار في بعضها الآخر.

(29) لقول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «و لا قام لها أحد منا أهل البيت قط» (2).

(30) لموثق الحناط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان الحسين بن عليّ عليه السّلام جالسا فمرت عليه جنازة فقام الناس حين طلعت الجنازة، فقال الحسين عليه السّلام: مرت جنازة يهودي و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله جالسا فكره أن يعلو رأسه جنازة يهودي فقام لذلك» (3).

(31) لئلا يتنفر الملائكة عن الحضور و تأسيا بالصديقة الطاهرة عليها السّلام.

و من المكروهات: حمل ميتين على سرير واحد خصوصا مع الاختلاف في الذكورة و الأنوثة لمكاتبة الصفار قال: «كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام: أ يجوز أن يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة و قلة الناس، و إن كان الميتان رجلا و امرأة يحملان على سرير واحد و يصلّى عليهما؟ فوقع

ص: 99


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الدفن حديث: 6.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب الدفن حديث: 2.

.....

______________________________

عليه السّلام: لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد»(1).

و منها: جلوس المشيع قبل وضع الجنازة في لحده، لقوله عليه السّلام:

«ينبغي لمن شيّع جنازة أن لا يجلس حتّى يوضع في لحده، فإذا وضع في لحده فلا بأس بالجلوس» (2).

و منها: رجوعه قبل الدفن، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «ليس لمن تبع جنازة أن يرجع حتّى يدفن أو يؤذن له» (3).

ص: 100


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الدفن حديث: 6.
فصل في الصلاة على الميت
اشارة

(فصل في الصلاة على الميت) يجب الصلاة على كل مسلم من غير فرق بين العادل و الفاسق و الشهيد و غيرهم، حتّى المرتكب للكبائر، بل و لو قتل نفسه عمدا (1).

(فصل في الصلاة على الميت)

______________________________

(1) كلّ ذلك لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «صلّوا على المرجوم من أمتي، و على القاتل نفسه من أمتي لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة» (1)، و قول الصادق عن أبيه عليهما السّلام في خبر طلحة بن زيد: «صلّ على من مات من أهل القبلة و حسابه على اللّه»(2).

و في صحيح ابن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له:

شارب الخمر و الزاني و السارق يصلّى عليهم إذا ماتوا؟ فقال: نعم» (3).

و أما قول عليّ عليه السّلام: «إنّ الأغلف لا يصلّى عليه إلّا أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه»(4).

فلا بدّ و أن يحمل على عدم رغبة الناس في الاجتماع للصلاة عليه لا على ترك أصل الصلاة عليه، أو يحمل على ما إذا ترك الختان مع الإنكار بحيث صار بذلك كافرا.

فكيف كان فقد صارت الصلاة على الميت المسلم مطلقا من ضروريات الدين بحيث يعرفها سائر الملل و الأديان أنّها من شعائر المسلمين.

و ما عن بعض من عدم وجوبها على ولد الزنا، و ما عن جمع من الاقتصار

ص: 101


1- الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

و لا يجوز على الكافر بأقسامه حتّى المرتد فطريا أو مليا مات بلا توبة (2) و لا تجب على أطفال المسلمين إلّا إذا بلغوا ست سنين (3). نعم،

______________________________

على المؤمن، و ما نسب إلى آخر من عدم وجوبها على مرتكب الكبائر، فإنّما هو لأجل ذهابهم إلى كفر ولد الزنا و غير المؤمن و مرتكب الكبائر، و قد أثبتنا في محلّه بطلانه. كما أنّ ما في ذيل موثق عمار: «لم يغسل عمار بن ياسر و لا هاشم بن عتبة المرقال و دفنهما في ثيابهما و لم يصلّ عليهما» (1).

فلا بدّ من طرحه أو حمله لمخالفته للنصوص و الفتاوى.

(2) لقوله تعالى وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (2). و يدل عليه الإجماع، بل الضرورة. و أما مع التوبة فإن كان ملّيا وجبت الصلاة عليه لأنّه مسلم بعد التوبة، و كذا الفطري- بناء على ما تقدم من قبول توبته- فيصير مسلما و تشمله الأدلة.

(3) على المشهور، بل المجمع عليه، لعموم ما دلّ على وجوب الصلاة على جميع الأمة و على المسلمين خرج منهم من لم يبلغ ست سنين نصّا و إجماعا و بقي الباقي.

و أما الأخبار الخاصة فهي على أقسام أربعة:

الأول: صحيح زرارة قال: «سئل الصادق عليه السّلام عن الصلاة على الصبيّ متى يصلّى عليه؟ فقال عليه السّلام: إذا عقل الصلاة. قلت متى تجب الصلاة عليه؟ قال عليه السّلام: إذا كان ابن ست سنين، و الصيام إذا أطاقه» (3).

و قد جعل لوجوب الصلاة على جنازة الصبيّ- و وجوب الفرائض اليومية عليه- حدا تقريبيا و هو تعقله للصلاة، ثمَّ بيّن ذلك بقوله: «إذا كان ابن ست

ص: 102


1- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 4.
2- سورة التوبة: 84.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

.....

______________________________

سنين» و لا بدّ من حمل وجوب الفرائض اليومية و الصوم عليه على مجرد الثبوت و التشريع و لو تمرينا، لما دلّ على تحديده بالبلوغ، و يبقى وجوب الصلاة على جنازته مع إكماله الست سنين بلا محذور. و أما توهم- أنّ هذا الصحيح ورد في خصوص الفرائض اليومية و لا ربط لها بالمقام- مردود: لأنّ السؤال ظاهر، بل نص في صلاة الجنازة، و السائل- حيث إنّه من فضلاء الأصحاب و فقهائهم- كيف يخفى عليه حد وجوب الصلوات اليومية على الصبيّ فيحمل قوله عليه السّلام بالنسبة إلى الصلاة اليومية و الصوم على مطلق الثبوت. فهذا الصحيح مبيّن و مفصّل و شارح لجميع محتملات أخبار الباب، فهو من محكمات الأخبار لا بدّ من رد غيره إليه، أو طرحه. و لا منافاة بينه و بين صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «عن الصبيّ أ يصلّى عليه إذا مات و هو ابن خمس سنين؟ قال عليه السّلام: إذا عقل الصلاة صلّي عليه» (1).

فإنّه مجمل يفسره صحيح زرارة.

الثاني: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يصلّى على المنفوس و هو المولود الذي لم يستهل و لم يصح، و لم يورث من الدية و لا من غيرها و إذا استهل فصلّ عليه و ورثه»(2).

و صحيح عليّ بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام: لكم يصلّى على الصبي إذا بلغ من السنين و الشهور؟ قال عليه السّلام: يصلّى عليه على كلّ حال إلّا أن يسقط لغير تمام» (3).

و نحوه غيره الدال على وجوب الصلاة عليه ما لم يسقط ميتا.

و يرد عليه أولا: وهنها بإعراض الأصحاب.

ثانيا: معارضتها بغيرها مما مرّ و يأتي المعمول بها عند الأصحاب.

و ثالثا: موافقتها للتقية، و يشكل حينئذ استفادة الاستحباب أيضا إلّا بناء على المسامحة فيه حتّى من هذه الجهة.

ص: 103


1- الوسائل باب: 13 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

..........

______________________________

الثالث: قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة- في قضية فوت ابن لأبي عبد اللّه عليه السّلام و صلاة أبي جعفر عليه السّلام عليه-: «إنّه لم يكن يصلّى على الأطفال، إنّما كان أمير المؤمنين عليه السّلام يأمر بهم، فيدفنون من وراء و لا يصلّي عليهم، و إنّما صلّيت عليه من أجل أهل المدينة، كراهية أن يقولوا: لا يصلون على أطفالهم» (1).

و هو نص في صدور القسم الثاني تقية، و لا منافاة بينه و بين القسم الأول، لكونهما كالشارح و المشروح.

الرابع: ما نقله أبو الحسن عليه السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في قضية موت ابنه إبراهيم: «و لكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات، و جعل لموتاكم من كلّ صلاة تكبيرة، و أمرني أن لا أصلّي إلّا على من صلّى» (2).

و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق عمار: «سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلّى عليه؟ قال: لا، إنّما الصلاة على الرجل و المرأة إذا جرى عليهما القلم» (3).

و قوله عليه السّلام أيضا في خبر هشام: «و لا يصلّى على من لم تجب عليه الصلاة و لا الحدود» (4).

و فيه: أنّ الأخير قاصر سندا، فلا يصلح للاعتماد عليه، مع أنّه يمكن أن يراد بالوجوب مطلق الثبوت الحاصل لمن بلغ ست سنين، و الحد يطلق على التعزير أيضا، و يمكن أن يراد بجريان القلم ذلك أيضا و لا ينافي ذكر الرجل و المرأة، لصحة إطلاقهما على من بلغ ست سنين عرفا. و أما قضية إبراهيم عليه السّلام، فالأخبار مختلفة فيها، ففي بعضها أنّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى عليه (5)

ص: 104


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

تستحب (4) على من كان عمره أقل من ست سنين، و إن كان مات حين تولده بشرط أن يتولد حيّا، و إن تولد ميتا فلا تستحب أيضا. و يلحق بالمسلم في وجوب الصلاة عليه من وجد ميتا في بلاد المسلمين، و كذا لقيط دار الإسلام بل دار الكفر إذا وجد فيها مسلم يحتمل كونه منه (5).

مسألة 1: يشترط في صحة الصلاة أن يكون المصلّي مؤمنا

(مسألة 1): يشترط في صحة الصلاة أن يكون المصلّي مؤمنا (6)، و أن يكون مأذونا من الوليّ على التفصيل الذي مرّ سابقا، فلا تصح من غير إذنه (7) جماعة كانت أو فرادى (8).

مسألة 2: الأقوى صحة صلاة الصبيّ المميّز

(مسألة 2): الأقوى صحة صلاة الصبيّ المميّز، لكن في إجزائها عن المكلّفين البالغين إشكال (9).

______________________________

و في هذا الخبر إنّه «لم يصلّ» و يمكن حمل قوله صلّى اللّه عليه و آله «إلّا على من صلّى»- على الصلاة الشأنية- أي كان يصلح بأن يصلّي و هو يحصل ببلوغ ست سنين. هذا مع أنّ إعراض الأصحاب عن جميع هذه الأخبار أوهنها فلا تصلح لمعارضة ما تقدم في القسم الأول.

(4) على المشهور، و قد ظهر الوجه في ذلك كلّه مما تقدم من الأخبار لو لا حملها على التقية فيشكل استفادة الاستحباب حينئذ، لما نسب إلى العامة من وجوب الصلاة عليه إذا استهل، و لكن الاستحباب قابل للمسامحة. هذا و لو ولد ميتا فلا تستحب الصلاة عليه، للأصل و صحيح ابن سنان المتقدم.

(5) تقدم حكم ذلك كلّه في أول (فصل تغسيل الميت).

(6) لاعتبار الإيمان في صحة العبادة.

(7) تقدم في فصل الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيز الميت.

(8) لإطلاق الدليل الشامل لهما، فما عن الروض- من اعتبار إذن الوليّ في الجماعة دون الفرادى، لوجوب أصل الصلاة كفاية فلا وجه لاعتبار الإذن- مردود، لما تقدم من عدم المنافاة بين الوجوب و اشتراط الإذن.

(9) أمّا أصل الصحة، فللإطلاقات الشاملة للصبيّ أيضا. و حديث رفع

ص: 105

مسألة 3: يشترط أن تكون بعد الغسل و التكفين

(مسألة 3): يشترط أن تكون بعد الغسل و التكفين (10) فلا تجزئ قبلهما و لو في أثناء التكفين (11)، عمدا كان أو جهلا أو سهوا (12). نعم، لو تعذر الغسل و التيمم أو التكفين أو كلاهما لا تسقط الصلاة (13). فإن كان مستور العورة فيصلّى عليه، و إلّا يوضع في القبر

______________________________

القلم (1) إنّما يرفع العقاب عند المخالفة دون أصل الصحة. و أما الإشكال، فلاحتمال انصراف الأدلة عنه، و قد تقدم منه (رحمه اللّه) في [المسألة 5] من (فصل تجب المماثلة بين الغاسل و الميت) عدم استبعاده الإجزاء و لا فرق بين المسألتين.

(10) للإجماع و السيرة، و يقتضيه ظاهر النصوص أيضا منها قول أبي جعفر عليه السّلام في موثق ابن سويد: «يغسّل، و يكفّن، و يصلّى عليه، و يدفن» (2).

و مثله صحيح ابن جعفر (3) مع أنّ المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير و المشهور فيه هو الأول.

(11) لظواهر الأدلة الظاهرة على أنّها بعد تمامية الغسل و التكفين. مضافا إلى سيرة المتشرعة و لولاهما لكان مقتضى الأصل عدم الاعتبار فتصح في أثناء التكفين أيضا بعد ستر العورة.

(12) لفقد المشروط عند فقد شرطه إلّا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه، إلّا احتمال أنّ المتيقن من الإجماع صورة العمد. و فيه: أنّ ظاهر الكلمات هو الإطلاق، أو احتمال التمسك بحديث الرفع. و فيه: أنّه لا يجري مع وجود إطلاق مورد الإجماع على اشتراط كون الصلاة بعدهما.

(13) لظهور الإطلاق، و الاتفاق على أنّ اشتراط كونها بعد الغسل و التكفين إنّما هو مع فرض التمكن منهما.

ص: 106


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

و تغطّى عورته بشي ء من التراب أو غيره و يصلّى عليه (14). و وضعه في القبر على نحو وضعه خارجه للصلاة (15)، ثمَّ بعد الصلاة يوضع على كيفية الدفن.

______________________________

(14) لأنّه يشترط في صحة الصلاة على الميت ستر عورته نصّا، و إجماعا. قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الموثق: «و لا يصلّى عليه و هو عريان حتّى توارى عورته» (1).

و حينئذ، فإن كان مكفّنا يجزي كفنه عن ستر عورته و إلّا فلا بدّ من مواراة عورته، و مقتضى إطلاق الخبر إجزاء المواراة بأيّ وجه اتفق، سواء كانت بوضع لبنة على عورته، أو إلقاء التراب، أو وضع الحشيش عليها، أو حفر حفيرة و وضعه فيها، أو غير ذلك مما يوجب حصول المقصود، إذ لا يعتبر في ستر العورة ساتر خاص و لكن عن الصادق عليه السّلام في موثق عمار في عراة وجدوا ميتا عاريا. قال عليه السّلام: «يحفر له و يوضع في لحده و يوضع اللبن على عورته فيستر عورته باللبن و الحجر ثمَّ يصلّى عليه ثمَّ يدفن. قلت: فلا يصلّى عليه إذا دفن. فقال عليه السّلام: لا يصلّى على الميت بعد ما يدفن و لا يصلّى عليه و هو عريان حتّى توارى عورته» (2).

و المنساق منه عرفا أنّه حيث لا بدّ من حفر قبر له و إقباره على أيّ تقدير يفعل ذلك تسهيلا على المكلّف فيستر عليه لا أن يكون ذلك من شرائط صحة الصلاة.

نعم، لا ريب في كون ما قاله عليه السّلام أنسب إلى احترام الميت و أقرب إلى الستر الكفني، و لكن الكلام في أنّ ذلك واجب أم لا؟ و الجمود على ظاهر النص يقتضي الأول و إن كانت المرتكزات تأبى عن ذلك بعد العلم بأنّ المناط كلّه استتار العورة بأيّ وجه حصل.

(15) لإطلاق دليل وجوب الوضع بهذه الكيفية للصلاة مع الإمكان و لا يمكن التمسك بإطلاق موثق عمار على خلافها، لعدم كونه في مقام البيان لهذه الجهات.

ص: 107


1- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
مسألة 4: إذا لم يمكن الدفن لا يسقط سائر الواجبات

(مسألة 4): إذا لم يمكن الدفن لا يسقط سائر الواجبات من الغسل و التكفين و الصلاة- و الحاصل كلّ ما يتعذر يسقط و كلّ ما يمكن يثبت (16)، فلو وجد في الفلاة ميت و لم يمكن غسله و لا تكفينه و لا دفنه يصلّى عليه و يخلّى، و إن أمكن دفنه يدفن.

مسألة 5: يجوز أن يصلّي على الميت أشخاص متعددون فرادى في زمان واحد

(مسألة 5): يجوز أن يصلّي على الميت أشخاص متعددون فرادى في زمان واحد. و كذا يجوز تعدد الجماعة (17)، و ينوي كلّ منهم الوجوب ما لم يفرغ منها أحد، و إلّا نوى بالبقية الاستحباب، و لكن لا يلزم قصد الوجوب و الاستحباب، بل يكفي قصد القربة مطلقا (18).

مسألة 6: قد مرّ- سابقا أنّه إذا وجد بعض الميت

(مسألة 6): قد مرّ- سابقا (19) أنّه إذا وجد بعض الميت فإن

______________________________

(16) لظهور الاتفاق، و بناء المتشرعة، و المستفاد من مجموع النصوص الواردة في التجهيزات من البدء إلى الختام، و تقتضيه قاعدة الميسور، و استصحاب الوجوب فيما كان التعذر لاحقا، و يتم في العذر السابق لعدم الفصل.

(17) لإطلاق دليل وجوبها كفاية، الشامل للواحد و المتعدد جماعة كانت أو فرادى، و صحة كونه داعيا للجميع فينطبق المأمور به على المأتيّ به قهرا واحدا كان أو متعددا، إماما أو مأموما، و هما معا أو فرادى.

(18) أما صحة قصد الوجوب، فلعدم سقوط التكليف بعد. و أما قصد الندب بعد فراغ أحد منها، فهو مبني على مشروعية التكرار كما يأتي في [المسألة 16] من (فصل شرائط صلاة الميت). و أما عدم اعتبار قصد الوجوب و الاستحباب مطلقا، فللأصل و الإطلاق بعد عدم دليل على اعتبارهما، و قد تكررت هذه المسألة مرارا.

(19) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة في [المسألة 12] من (فصل تغسيل الميت).

ص: 108

كان مشتملا على الصدر أو كان الصدر وحده، بل أو كان بعض الصدر المشتمل على القلب، أو كان عظم الصدر بلا لحم وجب الصلاة عليه، و إلّا فلا. نعم، الأحوط الصلاة على العضو التام من الميت و إن كان عظما كاليد و الرّجل و نحوهما، و إن كان الأقوى خلافه (20). و على هذا فإن وجد عضوا تاما و صلّى عليه ثمَّ وجد آخر فالظاهر الاحتياط بالصلاة عليه (21)- أيضا- إن كان غير الصدر، أو بعضه مع القلب و إلّا وجبت (22).

______________________________

(20) لأنّ منشأ احتمال الوجوب مرسل البرقي عن الصادق عليه السّلام:

«إذا وجد الرجل قتيلا، فإن وجد له عضو تام صلّي عليه و دفن، و إن لم يوجد له عضو تام لم يصلّ عليه و دفن» (1).

و لكنّه موهون بقصور السند، و إعراض الأصحاب، و الابتلاء بمعارض أقوى كما يأتي.

(21) لأنّ الصلاة على العضو التام- على فرض وجوبها- يحتمل أن تكون هي الصلاة الواجبة على الميت المجتمع الأجزاء، و يحتمل أن تكون لكلّ عضو تام صلاة، فلا بدّ من الاحتياط، و لا يجري هذا الاحتمال في الصلاة على الصدر فيما لو وجد عضو تام آخر، لأنّ ظاهر الأخبار و الكلمات أنّ الصلاة على الصدر مجزية و لو وجد جزء آخر بعد ذلك.

(22) لقوله عليه السّلام في خبر القلانسي و غيره: «صلّ على النصف الذي فيه القلب (2) و قوله عليه السّلام في مرفوعة البزنطي: «يصلّى على العضو الذي فيه القلب» (3).

و المراد به الصدر، كما تقدم.

ص: 109


1- الوسائل باب 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 9.
2- الوسائل باب 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 11.
3- الوسائل باب 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 12.
مسألة 7: يجب أن تكون الصلاة قبل الدفن

(مسألة 7): يجب أن تكون الصلاة قبل الدفن (23).

مسألة 8: إذا تعدد الأولياء في مرتبة واحدة وجب الاستئذان من الجميع على الأحوط

(مسألة 8): إذا تعدد الأولياء في مرتبة واحدة وجب الاستئذان من الجميع على الأحوط (24)، و يجوز لكلّ منهم الصلاة من غير الاستئذان من الآخرين، بل يجوز أن يقتدى بكلّ واحد منهم مع فرض أهليتهم جماعة.

مسألة 9: إذا كان الوليّ امرأة يجوز لها المباشرة

(مسألة 9): إذا كان الوليّ امرأة يجوز لها المباشرة من غير فرق بين أن يكون الميت رجلا أو امرأة، و يجوز لها الإذن للغير كالرجل من غير فرق (25).

______________________________

(23) للإجماع، و السيرة، و ما تقدم من موثق عمار و خبر محمد بن أسلم في الصلاة على العاري.

(24) يحتمل في هذا الحق أن يكون لكلّ واحد منهم مستقلا في عرض الآخر، فمن بادر و أعمل حقه لا يبقى موضوع لحق آخر، و يحتمل أن يكون حقا واحدا قائما بالمجموع، فلا أثر لإعمال واحد منهم حقه بدون إذن الآخر، و يحتمل التبعيض. و الأول و الأخير خلاف المتفاهم العرفي في نظائر المقام، فيتعيّن الوسط، و هو الموافق لقانون العدل و الإنصاف، و إطلاق أدلة ثبوت الولاية، و قد اختاره (رحمه اللّه) في [المسألة 6] من (فصل مراتب الأولياء)، و لا فرق بينها و بين المقام. و على هذا يشكل الصلاة من كلّ واحد منهم مع عدم الاستئذان من الآخر، كما يشكل الاقتداء بكلّ واحد منهم مع عدم كون صلاة الإمام مأذونا بها من الآخرين.

(25) كلّ ذلك، للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و نصوص خاصة:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت: المرأة تؤم النساء؟ قال: لا، إلّا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهنّ في الصف معهنّ فتكبّر و يكبّرن» (1).

ص: 110


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
مسألة 10: إذا أوصى الميت بأن يصلّي عليه شخص معيّن

(مسألة 10): إذا أوصى الميت بأن يصلّي عليه شخص معيّن (26) فالظاهر وجوب إذن الوليّ، و الأحوط له الاستئذان من الوليّ، و لا يسقط اعتبار إذنه بسبب الوصية و إن قلنا بنفوذها و وجوب العمل بها.

______________________________

و قوله عليه السّلام: «إذا لم يكن أولى منها».

ليس شرطا لصحة جماعتها، بل هو شرط لصحة أصل صلاتها، لما تقدم من أنّه يعتبر في صحة التجهيزات الواجبة أن تكون إما من الوليّ، أو بإذنه. و أما خبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا لم يحضر الرجل تقدمت امرأة وسطهنّ، و قام النساء عن يمينها و شمالها و هي وسطهنّ تكبّر حتّى تفرغ من الصلاة» (1).

الذي استدل به على اشتراط صلاتهنّ لعدم الرجال، فمخدوش بقصور السند، و إعراض الأصحاب، و وهن الدلالة، لاحتمال أن يكون المراد بعدم حضور الرجل عدم الحضور عند النساء لا عدم الحضور عند الميت أصلا.

ثمَّ إنّه يجوز للولي أن يأذن للمرأة أن تصلّي على الميت بلا فرق بين كونه ذكرا أو أنثى، لعدم اعتبار الذكورة في من يصلّي على الميت كما يجوز للولية أن تأذن للرجل للصلاة عليه أو تأذن لامرأة أخرى.

(26) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة في [المسألة 7] من (فصل مراتب الأولياء) و قد احتاط (رحمه اللّه) هناك في إذنهما معا و ظاهره (رحمه اللّه) هنا الجزم بوجوب إذن الوليّ له، و الجزم بعدم سقوط اعتبار إذنه، فيكون منافيا لما تقدم، و يمكن أن يكون مراده في المقام الوجوب و عدم السقوط في الإتيان في الجملة حتّى لا ينافي ما ذكره من الوجوب الاحتياطي و عدم السقوط كذلك فيما تقدم.

ص: 111


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة حديث 4.
مسألة 11: يستحب إتيان الصلاة جماعة

(مسألة 11): يستحب إتيان الصلاة جماعة (27). و الأحوط بل الأظهر اعتبار اجتماع شرائط الإمامة فيه (28). من البلوغ، و العقل، و الإيمان، و العدالة، و كونه رجلا للرجال، و أن لا يكون ولد زنا. بل الأحوط اجتماع شرائط الجماعة أيضا (29) من عدم الحائل، و عدم علو

______________________________

(27) للإجماع، و السيرة قديما و حديثا، و الأخبار الواردة لبيان أحكام الجماعة في صلاة الميت و هي كثيرة، بل متواترة (1)، و يظهر منها المفروغية عن رجحانها في صلاة الميت أيضا، مضافا إلى ما ورد في الترغيب إلى الجماعة الشامل بعمومها لكلّ صلاة ما لم يدل دليل على عدم جوازها فيها.

(28) لأنّ الظاهر أنّ تلك الشرائط لطبيعة صلاة الجماعة مطلقا أينما تحققت من دون اختصاص لها بخصوص الفرائض. و احتمال- أن تكون الجماعة في صلاة الميت من مجرد الاجتماع كيفما تحققت، كالاجتماع للدعاء من دون أن تكون من الجماعة المعهودة في الشريعة- لا وجه له، كما أنّ انتفاء بعض أحكامها في جماعة الميت لدليل خاص لا يدل على انتفاء بقية الشرائط، فينفى ما نفي من الشرائط بالدليل الخاص و يبقى الباقي.

و بالجملة المعهود عند المسلمين أنّ الجماعة فيها هي الجماعة في الفرائض من غير فرق إلّا مع الدليل عليه، كما يأتي.

ثمَّ إنّه لا تعتبر الجماعة في صحة الصلاة على الميت، للإطلاق و الاتفاق و خبر اليسع سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي على جنازة وحده؟

قال عليه السّلام: نعم. قلت: فاثنان يصليان عليها؟ قال عليه السّلام: نعم، و لكن يقوم الآخر خلف الآخر و لا يقوم بجنبه» (2).

(29) لما تقدم في سابقة، و لا وجه للتفكيك بينها و بين شرائط الإمامة بجعل الأول أظهر دون الأخير.

ص: 112


1- راجع الوسائل باب: 11 و 16 و 17 من أبواب صلاة الميت.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

مكان الإمام، و عدم كونه جالسا مع قيام المأمومين، و عدم البعد بين المأمومين و الإمام بعضهم مع بعض.

مسألة 12: لا يتحمل الإمام في الصلاة على الميت

(مسألة 12): لا يتحمل الإمام في الصلاة على الميت شيئا عن المأمومين (30).

مسألة 13: يجوز في الجماعة أن يقصد الإمام و كلّ واحد من المأمومين الوجوب

(مسألة 13): يجوز في الجماعة أن يقصد الإمام و كلّ واحد من المأمومين الوجوب، لعدم سقوطه ما لم يتم واحد منهم (31).

مسألة 14: يجوز أن تؤم المرأة جماعة النساء

(مسألة 14): يجوز أن تؤم المرأة جماعة النساء. و الأولى بل الأحوط أن تقوم في صفهنّ و لا تتقدم عليهنّ (32).

______________________________

ثمَّ إنّه لو فقدت شرائط الإمامة أو الجماعة من الابتداء أو في الأثناء تسقط الصلاة على الميت عن البقية، لفرض صحة صلاة الإمام فلا يبقى الموضوع للوجوب على البقية.

(30) لأنّ موضوع التحمل إنّما هو القراءة فقط و لا قراءة في صلاة الأموات حتّى يتحملها الإمام و حينئذ فمقتضى إطلاق ما دلّ على اعتبار التكبيرات و الدعاء وجوب الإتيان بها على المأمومين أيضا، مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم السقوط.

(31) لانطباق طبيعة صلاة الميت على صلاة الجميع، فتتصف بالوجوب لا محالة ما لم يسقط الأمر.

(32) قد تقدم ما يدل على ذلك في [المسألة 9]، و ظاهر ما تقدم من صحيح زرارة و غيره و إن كان وجوب قيامها وسطهنّ و عدم التقدم عليهنّ و لكن لم ينقل التصريح به عن أحد و إن نسبه في محكيّ كاشف اللثام- إلى ظاهر الأكثر- فكأنّ الفقهاء (رحمهم اللّه) لم يفهموا من التوسط الوارد في مثل صحيح زرارة الحكم الإلزامي بقرينة المطلقات الآبية عن التقييد. نعم، عدم التقدم موافق لما اهتم به الشرع من عدم تبرز النساء مطلقا و ذلك يصلح للكراهة دون الحرمة إلّا أن يدل دليل معتبر عليها، و منه يظهر وجه الاحتياط.

ص: 113

مسألة 15: يجوز صلاة العراة على الميت فرادى و جماعة

(مسألة 15): يجوز صلاة العراة على الميت فرادى و جماعة (33) و مع الجماعة يقوم الإمام في الصف كما في جماعة النساء، فلا يتقدم و لا يتبرز (34) و يجب عليهم ستر عورتهم، و لو بأيديهم (35) و إذا لم يمكن يصلّون جلوسا (36).

______________________________

(33) لظهور الإطلاق و الاتفاق الشاملين للعراة و غيرهم.

(34) للتحفظ على عورته من أن يراها غيره.

(35) لوجوب سترها عن النظر نصّا و إجماعا بل ضرورة من الدّين، و إن لم يجب اعتبار ستر العورة في أصل صلاة الميت، كما يأتي، و على هذا لو فرض الأمن من النظر لا يجب الستر.

(36) لأهمية رعاية حفظ العورة عن النظر الذي لا بدل له عن القيام الصّلاتي الذي يكون له البدل. و خلاصة القول: إنّه لا يعتبر ستر العورة في الصلاة على الميت من حيث الصلاتية- كما يأتي- و إنّما يجب حفظها عن النظر فقط، و حينئذ فمقتضى القاعدة أنّه لو أمكن للعاري الصلاة على الميت مع الأمن من المطلع فرادى أو جماعة بأن كان في ظلام لا يرى بعضهم بعضا تصح الصلاة جماعة كانت أو فرادى، و إن لم يمكن الحفظ بنحو الجماعة و أمكن بالفرادى تعيّن الأخير. و إن لم يمكن الحفظ بكلّ واحد منهما تعيّن الجلوس، لأنّ حفظ العورة عن النظر أهمّ من القيام بلا فرق بين الفرادى و الجماعة و حيث لا نصّ في خصوص المقام، فلا بدّ من العمل على طبق القاعدة.

نعم، وردت النصوص في كيفية صلاة العراة في اليومية، من أنّهم يجلسون جميعا في صف واحد و يتقدمهم الإمام و لو بركبتيه و يومي للركوع و السجود على ما يأتي من التفصيل، و لا ربط لها بصلاة الأموات التي ليس لها ركوع و لا سجود.

و أما كلمات الأصحاب، فنسب إليهم إطلاق القول: بأنّ جماعة الرجال العراة في صلاة الميت كجماعة الرجال في اليومية في أنّهم يقفون في صف واحد

ص: 114

مسألة 16: في الجماعة من غير النساء و العراة الأولى أن يتقدم الإمام و يكون المأمومون خلفه

(مسألة 16): في الجماعة من غير النساء و العراة الأولى أن يتقدم الإمام و يكون المأمومون خلفه (37)، بل يكره وقوفهم إلى جنبه و لو كان المأموم واحدا (38).

مسألة 17: إذا اقتدت المرأة بالرجل يستحب أن تقف خلفه

(مسألة 17): إذا اقتدت المرأة بالرجل يستحب أن تقف خلفه (39)، و إذا كان هناك صفوف الرجال وقفت خلفهم (40) و إذا كانت

______________________________

و لا يتقدمهم الإمام، و لكن لا بدّ من تنزيل إطلاق كلماتهم الشريفة على ما قلناه، و يأتي في [المسألة 45] في فصل شرائط لباس المصلّي ما يتعلق بصلاة العراة.

(37) إجماعا و يأتي التفصيل في (فصل مندوبات صلاة الجماعة).

(38) لخبر اليسع قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي على جنازة وحده؟ قال: نعم. قلت: فاثنان يصليان عليها؟ قال: نعم، و لكن يقوم الآخر خلف الآخر و لا يقوم بجنبه» (1).

و هذا أحد موارد الخلاف بين صلاة الجماعة في صلاة الميت و الجماعة في الفرائض حيث إنّه يستحب أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا واحدا، و في المقام يقف خلفه و إن كان رجلا واحدا و الفارق النص.

(39) لما تقدم في المسألة السابقة فإنّه يشمل المرأة أيضا، لقاعدة الاشتراك.

(40) للإجماع، و لما يأتي في (فصل مندوبات الجماعة)، و لخبر السكوني عن الصادق عليه السّلام: «قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: خير الصفوف في الصلاة المقدم و خير الصفوف في الجنائز المؤخر. قيل:

يا رسول اللّه و لم؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: صار سترة للنساء» (2).

و يعني أنّ تأخرهنّ عن الرجال في صلاة الجنائز سترة لهنّ، و ما عن

ص: 115


1- تقدم آنفا في صفحة: 112.
2- الوسائل باب:؟؟ 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

حائضا بين النساء وقفت في صف وحدها (41).

مسألة 18: يجوز في صلاة الميت العدول من إمام إلى إمام في الأثناء

(مسألة 18): يجوز في صلاة الميت العدول من إمام إلى إمام في الأثناء، و يجوز قطعها أيضا اختيارا، كما يجوز العدول عن الجماعة إلى الانفراد (42)، لكن بشرط أن لا يكون بعيدا عن الجنازة بما

______________________________

المجلسي (رحمه اللّه)- من أنّ المراد بالجنائز نفسها لا الصلاة عليها- لا يناسب التعليل.

(41) لصحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تصلّي على الجنازة؟ قال: نعم، و لا تصف (تقف) معهم».

و في رواية الشيخ: «و لا تصف (تقف) معهم تقف مفردة» (1).

و مثله خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (2). و قوله عليه السّلام في موثق سماعة: «تقوم وحدها بارزة عن الصف» (3).

و غيرها من الأخبار.

(42) كلّ ذلك للأصل بعد عدم دليل على المنع. و ما يقال: من أنّ مقتضى أصالة عدم الانعقاد، عدم صحة العدول من إمام إلى إمام آخر.

مخدوش: لأنّها معارضة بأصالة بقاء هيئة الجماعة و قصدها- و هي مقدمة عليها- و على فرض التساقط، فالمرجع أصالة الجواز، مع أنّ ما دلّ على عدم جواز العدول من إمام إلى آخر اختيارا إنّما هو في الجماعة التي يتحمل فيها الإمام عن المأموم لا مثل المقام الذي لا تحمل فيه لشي ء أبدا- و هذا أيضا أحد موارد الفرق بين هذه الجماعة و الجماعة في الفرائض- و لكن مع ذلك فالأحوط أن لا يعدل من إمام إلى آخر، إلّا إذا عرض للإمام الأول عارض لا يقدر على الإتمام، كما في الجماعة اليومية على ما يأتي تفصيله في [المسألة 14] من فصل صلاة الجماعة. و على أيّ تقدير لو عدل تصح صلاته لو استجمعت الشرائط، لوجود

ص: 116


1- الوسائل باب: 22 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

يضرّ، و لا يكون بينه و بينها حائل و لا يخرج عن المحاذاة لها (43).

مسألة 19: إذا كبّر قبل الإمام في التكبير الأول له أن ينفرد و له أن يقطع

(مسألة 19): إذا كبّر قبل الإمام في التكبير الأول له أن ينفرد و له أن يقطع و يجدده مع الإمام (44)، و إذا كبّر قبله فيما عدا الأول له أن ينوي الانفراد و أن يصبر حتّى يكبّر الإمام فيقرأ معه الدعاء (45)، لكن

______________________________

المقتضي للصحة و فقد المانع، فتشملها الأدلة، و كذا في الصلاة اليومية لو عدل و لم يخل بوظيفة المنفرد.

ثمَّ إنّ ما يمكن أن يقال وجها لعدم جواز قطعها اختيارا إنّما هو الإجماع على عدم جواز قطع الصلاة، و الآية الكريمة لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (1) و هما مخدوشان: بأنّ المتيقن من الإجماع على عدم جواز قطع الصلاة- على فرض الثبوت- اليومية، و المقصود من الآية إنّما هو الإحباط لا إبطال كلّ عمل، و إلّا لزم تخصيص الأكثر.

(43) كلّ ذلك لبطلان المشروط بفقد الشرط إلّا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه، و يأتي ما يدل على اشتراط المحاذاة و عدم الحائل.

(44) أما صحة الانفراد فلفرض أنّه لم يدخل في الجماعة بعد، لأنّه كبّر قبل الإمام فيصح له البقاء، للإطلاق و الاتفاق و الأصل و منه يظهر أن تسمية ذلك بالانفراد مسامحة، لفرض أنّه كان منفردا من الابتداء.

و أما جواز القطع فلما تقدم في المسألة السابقة من جواز القطع اختيارا.

و يحتمل وجه ثالث: و هو اللحوق بالإمام في بقية التكبيرات بناء على أنّ عدم جواز الايتمام في أثناء الصلاة يختص بخصوص اليومية كما لا يبعد.

(45) أما جواز الانفراد هنا، فللأصل، و لجوازه في اليومية، فيكون في صلاة الأموات- التي لا تستحق إطلاق اسم الصلاة عليها إلّا بالعناية- بالأولى.

و أما الصبر و اللحوق مع الإمام فمقتضى الأصل و الإطلاق جوازه مطلقا إلّا

ص: 117


1- سورة محمد: 33.

الأحوط إعادة التكبير بعد ما كبّر الإمام، لأنّه لا يبعد (46) اشتراط تأخر

______________________________

مع ورود دليل على المنع و لا دليل كذلك ما دامت هيئة الجماعة باقية. نعم، لو زالت الهيئة فتبقى الجماعة بلا موضوع حينئذ، و يأتي في فصل أحكام الجماعة في [المسألة 8] من التقدم على الإمام في الجملة لا يوجب بطلان القدوة و إن أثم مع العمد، فيصح اللحوق مطلقا.

(46) لدعوى: أنّ كلّ واحدة من تلك التكبيرات كتكبيرة الإحرام في الصلوات اليومية، فكما لا يجوز فيها تقديم المأموم على الإمام- على ما يأتي تفصيله في [المسألة 13] من (فصل أحكام الجماعة)- فكذا في المقام. هذا و لكنّه من مجرد الدعوى و لا دليل على صحتها، بل مقتضى ظواهر الأدلة خلافه، مع أنّه مبنيّ على صحة اللحوق بالجماعة في أثناء هذه الصلاة. و هو مخدوش عند بعض و إن لم نستبعد صحته في هذه الصلاة.

ثمَّ إنّ التقدم على الإمام إما أن يكون سهوا، أو ظنا، أو عن عمد و لم يستشكل في استحباب الإعادة- في الأولين- أحد لدرك فضيلة الجماعة أو لما يأتي من الرواية، أو للإلحاق باليومية في الجملة كما يأتي في [المسألة 9] من (فصل أحكام الجماعة).

و أما في الأخير، فاستشكلوا عليه بأنّ الإعادة من الزيادة العمدية و هي توجب البطلان.

و فيه: أنّ دليل مبطلية الزيادة العمدية- على فرض شموله لصلوات الأموات- لا يشمل مثل هذه الزيادة التي يؤتى بها لدرك متابعة الإمام و فضيلة الجماعة و لا أقل من الشك في ذلك، فلا يصح التمسك بالعموم حينئذ، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالمرجع استصحاب الصحة.

ثمَّ إنّه قد استدل على استحباب الإعادة مطلقا، برواية الحميري عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يصلّي له أن يكبّر قبل الإمام؟ قال عليه السّلام: لا يكبّر إلّا مع الإمام، فإن كبّر قبله أعاد التكبير» (1).

ص: 118


1- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

المأموم عن الإمام في كلّ تكبيرة. أو مقارنته معه و بطلان الجماعة مع التقدم و إن لم تبطل الصلاة (47).

مسألة 20: إذا حضر الشخص في أثناء صلاة الإمام له أن يدخل في الجماعة

(مسألة 20): إذا حضر الشخص في أثناء صلاة الإمام له أن يدخل (48) في الجماعة فيكبّر بعد تكبير الإمام الثاني أو الثالث- مثلا- و يجعله أول صلاته و أول تكبيراته فيأتي بعده بالشهادتين و هكذا على الترتيب بعد كلّ تكبيرة من الإمام يكبّر و يأتي بوظيفته من الدعاء، و إذا فرغ الإمام يأتي بالبقية فرادى و إن كان مخففا (49). و إن لم يمهلوه أتى

______________________________

و لكن لا دلالة له على حكم المقام، إلّا أنّ الحميري ذكره في باب صلاة الجنازة، و لو شمل التسامح في المندوبات هذا النحو من التسامح أيضا، لكان دليلا له مضافا إلى فتوى جمع من الفقهاء منهم المحقق (رحمه اللّه) بالاستحباب مطلقا.

(47) لفرض أنّه أتى بها جامعة للشرائط، و لا ملازمة بين بطلان الجماعة و بطلان الصلاة إلّا مع الإخلال بشي ء منها.

(48) لظهور تسالم الفقهاء عليها، بل عن الخلاف دعوى الإجماع، و يمكن دعوى دلالة النصوص الآتية عليه بالملازمة العرفية.

(49) لإطلاقات الأدلة، مضافا إلى الإجماع، و نصوص خاصة، ففي صحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة. قال عليه السّلام: يتمم ما بقي» (1).

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يدرك تكبيرة أو تكبيرتين على ميت كيف يصنع؟ قال عليه السّلام: يتم ما بقي من تكبيرة و يبادر رفعه، و يخفف» (2).

ص: 119


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.

ببقية التكبيرات ولاء من غير دعاء (50). و يجوز إتمامها خلف الجنازة (51) إن أمكن الاستقبال و سائر الشرائط.

______________________________

و في خبر جابر: «قلت: أرأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر؟ قال عليه السّلام: تقضي ما فاتك»(1).

و في خبر الشحام قال عليه السّلام: «يكبر ما فاته» (2).

و هذه الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض لا تنافي المطلقات أيضا.

و أما قول الصادق عليه السّلام في خبر إسحاق: «إنّ عليا عليه السّلام كان يقول: لا يقضى ما سبق من تكبير الجنائز» (3).

فموهون بإعراض الأصحاب، و موافقة العامة، مع إمكان حمله على القضاء بنحو آخر غير ما تقدم في النصوص و لا ريب في ظهورها- غير صحيح ابن جعفر- في الإتيان بالتكبيرات و الدعوات بعد فراغ الإمام مع الإمهال. إنّما الكلام في صحّة إتيان التكبيرات متتابعا و ولاء حتّى مع الإمهال و عدمها، مقتضى صريح جمع و ظاهر آخرين منهم المحقق (رحمه اللّه) هو الأول: لصحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «إذا أدرك الرجل التكبيرة أو التكبيرتين من الصلاة على الميت، فليقض ما بقي متتابعا» (4).

و قريب منه ما تقدم من خبر عليّ بن جعفر، بحملهما على أصل الصحة و الجواز و حمل ما يظهر منه الإتيان بالدعوات على الأفضلية كما هو المشهور فيما ورد في المندوبات. و ذهب جمع- بل نسب إلى الأكثر- إلى الثاني، لحمل مثل صحيح الحلبي على مورد عدم الإمهال و هو الأحوط، فيأتي بالدعوات مع الاختصار على أقلّ المجزي إن لم ترفع الجنازة و تحقق سائر الشرائط.

(50) بلا إشكال فيه من أحد، و هو المتيقن مما تقدم من صحيح الحلبي.

(51) لمرسل القلانسي عن أبي جعفر عليه السّلام: «في الرجل يدرك مع

ص: 120


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

.....

______________________________

الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين، فقال عليه السّلام: يتم التكبيرة و هو يمشي معها فإذا لم يدرك التكبير كبّر عند القبر فإن كان أدركهم و قد دفن كبّر على القبر» (1).

و مقتضى إطلاقه استحباب ذلك حتّى مع فقد الشرائط، كما هو الغالب بعد رفع الجنازة.

ص: 121


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.
فصل في كيفيّة الصلاة على الميت
اشارة

(فصل في كيفيّة الصلاة على الميت) و هي أن يأتي بخمس تكبيرات (1) يأتي بالشهادتين بعد الأولى و الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعد الثانية، و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات بعد الثالثة و الدعاء للميت بعد الرابعة ثمَّ يكبّر الخامسة و ينصرف (2).

(فصل في كيفية الصلاة على الميت)

______________________________

(1) بإجماع من المسلمين في أصل وجوب التكبير في الجملة، و إجماع الإمامية، و نصوصهم المتواترة في تعيّن الخمس. قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «لما مات آدم فبلغ إلى الصلاة عليه، فقال هبة اللّه لجبرئيل: تقدم يا رسول اللّه فصلّ على نبيّ اللّه، فقال جبرئيل: إنّ اللّه أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدم أبرار ولده، و أنت من أبرّهم فتقدم فكبّر عليه خمسا عدة الصلوات التي فرضها اللّه تعالى على أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله، و هي السنة الجارية في ولده إلى يوم القيامة» (1).

و في صحيح أبي ولاد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التكبير على الميت، فقال: خمسا» (2).

و في صحيح الفضلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكبر على قوم خمسا، و على قوم آخرين أربعا، فإذا كبّر على رجل أربعا اتهم، يعني بالنفاق» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار.

(2) لا بدّ من البحث في جهتين:

ص: 122


1- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 13.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

.....

______________________________

الأولى: في أصل وجوب الدعاء في الجملة.

الثانية: في تعيينه بهذه الكيفية.

أما الأولى: فيدل عليه الإجماع محصّله و منقوله، كما في الجواهر، و نصوص كثيرة تأتي الإشارة إليها، و لم يخالف في ذلك أحد إلّا المحقق في الشرائع، للأصل و إطلاق ما دلّ على أنّها خمس تكبيرات، و اختلاف ما ورد في كيفية الأدعية، و هو دليل الاستحباب.

و فيه: أنّ الأصل مقطوع بالأدلة، و ما دل على أنّها خمس تكبيرات يدل على اعتبار هذا العدد من التكبير فقط، لا أنّ تمام ماهيتها خصوص هذا العدد من التكبير حتّى ينافي اعتبار الدعاء أيضا. و الاختلاف يدل على استحباب الخصوصيات في الأذكار و الدعاء لا أصل الوجوب في الجملة.

و يدل على تقوّمها بالدعاء في الجملة قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام:

«إنّما هي دعاء و مسألة» (1).

و قوله عليه السّلام أيضا: «إنّما أمروا بالصلاة على الميت ليشفعوا له و ليدعوا له بالمغفرة، لأنّه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه و الطلب و الاستغفار من تلك الساعة» (2).

و عن الصادق عليه السّلام في خبر أبي بصير حيث سأله رجل عن التكبير على الجنازة، فقال: «خمس تكبيرات، و سأله آخر عن الصلاة على الجنائز فقال عليه السّلام: أربع صلوات، فقال له الأول جعلت فداك: سألتك فقلت خمسا، و سألك هذا فقلت: أربعا، فقال: إنّك سألتني عن التكبير، و سألني هذا عن الصلاة، ثمَّ قال إنّها خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات» (3).

و قوله عليه السّلام في موثق يونس: «إنّما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل» (4).

ص: 123


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 21.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 12.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

.....

______________________________

و في الجواهر: «لا ريب في إمكان دعوى تواتر الأخبار بوجوب الزائد على التكبيرات».

ثمَّ إنّه لو كنا نحن و أخبار الذكر و الدعاء في مثل هذه الحالة لاخترنا الشهادتين و الصلاة على النبيّ و آله صلّى اللّه عليه و آله، لكون هذه الحالة من سنخ سائر حالات التلقين، ثمَّ اخترنا الدعاء للمؤمنين و الدعاء للميت، و لقدّمنا الشهادتين ثمَّ الصلاة على النبيّ و آله تيمنا و تبركا، لأنّهما من موجبات استجابة الدعاء، كما في جملة من الأخبار (1)، ثمَّ قدمنا الدعاء للمؤمنين أيضا، لأنّه أيضا من موجبات استجابة الدعاء الخاص، كما في بعض الأخبار (2).

و هذا هو نظم الدعاء على ما ورد من المعصوم بطرق متواترة كما لا يخفى على من راجع ما ورد في آداب الدعاء، فما هو المشهور في كيفية صلاة الميت مطابق لكليات ما ورد في كيفية الدعاء.

و أما الجهة الثانية فالبحث فيها تارة بحسب الأصل. و أخرى بحسب الكلمات. و ثالثة بحسب الأخبار.

و أما الأولى فالمسألة من موارد البراءة، لأنّ الشك فيها في أصل ثبوت الجزئية فالمرجع في عدم الوجوب، البراءة العقلية و النقلية، مضافا إلى إطلاق:

أنّها خمس تكبيرات. و لكن لا مجال للتمسك بها و لا بالإطلاقات، لأنّ المستفيضة الدالة على أنّ فيما بين التكبيرات شي ء في الجملة حاكمة على الجميع.

و أما الثانية فعن الذكرى: «إنّ الأصحاب أجمعهم يذكرون ذلك- أي الدعاء- في كيفية الصلاة» و عن الفخر: «إنّ الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله واجبة بإجماع الإمامية»، و يقتضي الوجوب التزام الإمامية بالإتيان بالدعاء و الصلوات نحو التزامهم بالواجبات- بل هو كذلك بين العامة أيضا- عملا و فتوى، فلا وقع للأقوال النادرة التي منشؤها الأخذ ببعض النصوص مع الإغماض عن البقية.

ص: 124


1- راجع الوسائل باب: 31 من أبواب الدعاء.
2- الوسائل باب: 42 و 43 من أبواب الدعاء.

.....

______________________________

و أما الأخير فالأخبار مختلفة فيه غاية الاختلاف كما لا يخفى على من راجعها، و مقتضى الصناعة الأخذ بمحكماتها و رد غيرها إليها إن أمكن ذلك، و إلّا فيحكم بالتخيير مع عدم محتمل التعيين في البين، و إلّا فهو المتعيّن. و الأخبار الخاصة الواردة على أقسام:

الأول: خبر ابن مهاجر، عن أمّه أم سلمة قالت: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى على ميت كبّر و تشهد، ثمَّ كبّر و صلّى على الأنبياء و دعا، ثمَّ كبّر و دعا للمؤمنين (و استغفر للمؤمنين و المؤمنات)، ثمَّ كبّر الرابعة و دعا للميت، ثمَّ كبّر الخامسة و انصرف- الحديث-» (1).

و المراد بقولها: «و تشهد» أي الشهادة بالوحدانية و الرسالة، كما أنّ المراد بالصلاة الصلاة على نفسه ثمَّ عليهم أيضا. و نسب هذا إلى المشهور، و عن بعض دعوى الإجماع عليه، و عن فخر الإسلام دعوى إجماع الإمامية على خصوص الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. ثمَّ إن هذا الصحيح مفصّل و مبيّن و يظهر منه استمراره صلّى اللّه عليه و آله، فلا بدّ و أن يكون مقدّما على جميع مجملات أخبار الباب، و أما ما كان متباينا معه فالحكم هو التخيير لو لا احتمال التعيّن في هذا الخبر الذي عبّر عنه في الجواهر بالصحيح و رجاله كلّهم ثقات معتمد عليهم، و قد وثق في التعليقة أم سلمة- و هي غير زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- فلا غمز في سند الحديث، مضافا إلى اعتماد المشهور عليه، و يوافقه صحيح إسماعيل بن همام (2) و موثق يونس أيضا (3).

الثاني: صحيحة أبي ولاد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التكبير على الميت، فقال: خمس، تقول في أولهنّ: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، اللهم صلّ على محمد و آل محمد، ثمَّ تقول: اللهم إنّ هذا المسجّى قدّامنا عبدك و ابن عبدك، و قد قبضت روحه إليك و قد احتاج إلى رحمتك و أنت غنيّ من (عن) عذابه، اللهم إنّا لا نعلم من ظاهره إلا خيرا،

ص: 125


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 10.

.....

______________________________

و أنت أعلم بسريرته اللهم إن كان محسنا (فزد في إحسانه) فضاعف حسناته، و إن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، ثمَّ تكبّر الثانية و تفعل ذلك في كلّ تكبيرة»(1).

فهي و إن كانت أخص من صحيح ابن مهاجر فلا بدّ و أن تكون هي المتعينة، و نسب إلى بعض القدماء الالتزام بالعمل بها، و لكنّها لم تذكر فيها الشهادة بالرسالة و إن أمكن أن يكون تركها للملازمة بين الشهادتين عند المسلمين غالبا بقرينة ذكرها في موثقة سماعة و غيرها و لم يذكر فيها الدعاء للمؤمنين أيضا، و يمكن دعوى الشهرة على عدم تعينها فيبقى احتمال التعيّن في صحيح ابن مهاجر بلا مزاحم، مع أنّه يمكن الجمع العرفي بينه و بين صحيح ابن مهاجر بحمل صحيح أبي ولاد على أفضلية جميع ما ورد في صحيح ابن مهاجر بعد كلّ تكبير فلا تعارض في البين بعد ذلك.

الثالث: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تكبّر، ثمَّ تشهد، ثمَّ تقول: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، الحمد للّه ربّ العالمين ربّ الموت و الحياة صلّ على محمد و أهل بيته، جزى اللّه عنا محمدا خير الجزاء بما صنع بأمته، و بما بلّغ من رسالات ربه، ثمَّ تقول: اللهم عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك ناصيته بيدك خلا من الدنيا و احتاج إلى رحمتك، و أنت غنيّ عن عذابه، اللهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا، و أنت أعلم به (منّا)، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه و تقبل منه، و إن كان مسيئا فاغفر له ذنبه و ارحمه و تجاوز عنه برحمتك، اللهم ألحقه بنبيك و ثبّته بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة، اللهم اسلك بنا و به سبيل الهدى، و اهدنا و إيّاه صراطك المستقيم، اللهم عفوك عفوك، ثمَّ تكبّر الثانية و تقول ما قلت حتّى تفرغ من خمس تكبيرات» (2).

و لكن يمكن حمل التشهد على الشهادتين، و حمل التكرار بعد كلّ تكبيرة على مجرد الأفضلية و الرجحان، و هذا جمع شائع في الفقه، و يحمل ذيله «حتّى تفرغ من خمس تكبيرات» على مجرد الرجحان لا الوجوب.

ص: 126


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

.....

______________________________

الرابع: صحيح زرارة عن الصادق عليه السّلام في الصلاة على الميت «تكبّر، ثمَّ تصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، ثمَّ تقول: اللهم عبدك، ابن عبدك ابن أمتك لا أعلم منه إلّا خيرا و أنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه (حسناته) و تقبل منه، و إن كان مسيئا فاغفر له ذنبه و افسح له في قبره، و اجعله من رفقاء محمد صلّى اللّه عليه و آله، ثمَّ تكبّر الثانية و تقول: اللهم إن كان زاكيا فزكه، و إن كان خاطئا فاغفر له، ثمَّ تكبّر الثالثة و تقول: اللهم لا تحرمنا أجره و لا تفتنا بعده، ثمَّ تكبّر الرابعة و تقول: اللهم اكتبه عندك في عليين، و اخلف على عقبه في الغابرين، و اجعله من رفقاء محمد صلّى اللّه عليه و آله، ثمَّ تكبّر الخامسة و انصرف» (1).

و فيه: أنّ إعراض المشهور عنه و مخالفة نظمه للمأثورات عن المعصومين عليهم السّلام خصوصا في مثل المقام- الذي يبدأ فيها بالثناء على اللّه تعالى- أسقطه عن الاعتبار.

الخامس: موثق سماعة- على ما في التهذيب- قال: «سألته عن الصلاة على الميت، فقال: خمس تكبيرات، تقول إذا كبّرت: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، اللهم صلّ على محمد و آل محمد و على أئمة الهدى، و اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلّا للذين آمنوا، ربنا إنّك رؤوف رحيم، اللهم اغفر لأحيائنا و أمواتنا من المؤمنين و المؤمنات و ألّف بين قلوبنا على قلوب أخيارنا، و اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، فإن قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرّك تقول: اللهم هذا عبدك و ابن عبدك، و ابن أمتك، أنت أعلم به افتقر إلى رحمتك و استغنيت عنه، اللهم فتجاوز عن سيئاته و زد في حسناته و اغفر له و ارحمه، و نوّر له في قبره، و لقنه حجته، و ألحقه بنبيه صلّى اللّه عليه و آله، و لا تحرمنا أجره، و لا تفتنا بعده، قل هذا حتّى تفرغ من خمس تكبيرات، و إذا فرغت سلّمت عن يمينك» (2).

ص: 127


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

.....

______________________________

و في الكافي نحوه إلّا أنّه أسقط من آخره: «و إذا فرغت سلّمت عن يمينك»: و لكنّه محمول على الندب و أفضل أفراد صلاة الميت جمعا بين الأخبار، فلا تعارض بينه و بين صحيح ابن مهاجر. ثمَّ إنّ قوله عليه السّلام فيه:

«فإن قطع عليك التكبيرة الثانية ..» محمول على المأموم فلا إشكال فيه من هذه الجهة.

السادس: موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الصلاة على الميت، فقال: تكبّر، ثمَّ تقول: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً، اللهم صلّ على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد كما صلّيت و باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهم صلّ على محمد و على أئمة المسلمين، اللهم صلّ على محمد و على إمام المسلمين، اللهم عبدك فلان و أنت أعلم به، اللهم ألحقه بنبيه محمد و افسح له في قبره و نوّر له فيه، و صعّد روحه، و لقنه حجته، و اجعل ما عندك خيرا له، و أرجعه إلى خير مما كان فيه، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره و لا تفتنّا بعده، اللهم عفوك، اللهم عفوك، تقول هذا في الثانية و الثالثة و الرابعة، فإذا كبّرت الخامسة فقل: اللهم صلّ على محمد و على آل محمد، اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و ألّف بين قلوبهم، و توفني على ملة رسولك، اللهم اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، و لا تجعل في قلوبنا غلّا للذين آمنوا، ربنا إنّك رؤوف رحيم، اللهم عفوك اللهم عفوك، و تسلّم» (1). و هو تام لو لا وهنه بإعراض المشهور، و موافقته للعامة، فاحتمال التعيين يتحقق في صحيح ابن مهاجر دونه و لو لا ذلك لقلنا بالتخيير بينهما.

السابع: ما اشتمل على قراءة الفاتحة فيها، كخبر عليّ بن سويد عن الرضا عليه السّلام (2)، و خبر القداح عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام «إنّ عليّا عليه السّلام كان إذا صلّى على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب و يصلّي على النبيّ صلّى

ص: 128


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 8.

..........

______________________________

اللّه عليه و آله (1) و فيه: أنّ موافقتهما للتقية و مخالفتهما للمشهور أسقطهما عن الاعتبار.

الثامن: ما ورد من أنّه ليس في الصلاة على الميت دعاء موقت، كقول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح الفضلاء: «ليس في الصلاة على الميت قراءة و لا دعاء موقت، تدعو بما بدا لك و أحق الموتى أن يدعى له المؤمن، و أن يبدأ بالصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).

و قد عدّ عليه السّلام المواطن التي ليس فيها دعاء موقت: الصلاة على الجنازة، و القنوت، و المستجار، و الصفا و المروة، و الوقوف بعرفات، و ركعتا الطواف (3).

و فيه: أنّه لا يدل على عدم النظم فيما بين التكبيرات من الشهادة و الصلوات و الدعاء. نعم، يدل على أنّه ليس في الدعاء في الصلاة على الميت بحسب مراتب الكمية و الكيفية تحديد خاص، فتصح الزيادة على ما ورد بأيّ نحو شاء و أراد.

و أما ما يقال: من أنّ اختلاف النصوص أمارة الندب و عدم الوجوب، فلا وجه له، أولا: لأنّه ليس كلّ اختلاف أمارة الندب، و إلّا لاختل نظام جملة من الواجبات لاختلاف الأخبار في كثير منها.

و ثانيا: أنّه يمكن الجمع بينها، كما مر.

و ثالثا: أنّ أصل اعتبار شي ء فيما بين التكبيرات واجب بالإجماع- كما عن جمع- و لذا استغربوا على المحقق حيث صرّح في الشرائع أنّه لا يجب شي ء بين التكبيرات.

و تلخيص المقال في أمور: أولا: إتيان التكبيرات ولاء على الميت غير معهود بين المسلمين، بل هو مستنكر عندهم.

ص: 129


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب القنوت حديث: 5.

فيجزي (3) أن يقول بعد نية القربة و تعيين الميت- و لو إجمالا-:

______________________________

ثانيا: صحيح ابن مهاجر القدر المشترك و الجامع بين تمام أخبار الباب بعد رد بعضها إلى بعض فهو المتعيّن الذي يلزم الأخذ به، و الزائد عليه مشكوك الوجوب و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم الوجوب، و الحمل على مراتب الأفضلية من أحسن أنواع الجمع.

ثالثا: مقتضى الأصل و الإطلاق جواز تكرر كلّ ما ذكر في صحيح ابن مهاجر بعد كلّ تكبيرة، و يدل عليه بعض ما تقدم من الأخبار، و إطلاق قوله عليه السّلام: «ليس فيها شي ء مؤقت».

رابعا: جرت عادة الشارع على تحديد الموضوعات التي لها دخل في حكمه القابلة للتشكيك و التوسعة و التضييق فكيف يجوز له إهمال عادته في هذا الأمر العام البلوى بين أمته.

خامسا: عن الخلاف الإجماع على وجوب الشهادتين بعد التكبيرة الأولى و الصلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليه و آله بعد الثانية و الدعاء للمؤمنين بعد الثالثة، و للميت بعد الرابعة. و لا ريب في أنّه أيضا مؤيد لخبر ابن مهاجر.

سادسا: لا وجه لطرح ما مرّ من الأخبار مع إمكان الجمع بينها و بين خبر ابن مهاجر صحيحا محاوريا، كما لا وجه للتخيير، لأنّ الترجيح معه لما تقدم من عمل المشهور به و من إجماع الخلاف على مدلوله.

سابعا: لعلّ السر في اختلاف الأخبار الإشارة إلى التوسعة و التفنّن في الدعاء مع مراعاة النظم المذكور في خبر ابن مهاجر، لأنّ المقام من مظان استجابة الدعاء و الانقطاع إلى اللّه تعالى.

ثامنا: لا بأس بقراءة فاتحة الكتاب في صلاة الميت من حيث اشتمالها على التحميد و الثناء و الدعاء. و أما من جهة الموضوعية فيها بالخصوص فلا وجه لرجحانها بعد حمل ما تقدم من خبر ابن سويد و غيره على التقية.

(3) على المشهور المجمع عليه بينهم و هو موافق لصحيح ابن مهاجر كما تقدم.

ص: 130

«اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه. اللّه أكبر، اللهم صلّ على محمد و آل محمد، اللّه أكبر. اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات، اللّه أكبر. اللهم اغفر لهذا الميت، اللّه أكبر».

و الأولى أن يقول بعد التكبيرة الأولى (1):

«أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، إلها واحدا أحدا فردا صمدا حيّا قيوما دائما أبدا، لم يتخذ صاحبة و لا ولدا. و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، أرسله بالهدي و دين الحق ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون».

و بعد الثانية:

«اللهم صلّ على محمد و آل محمد، أفضل ما صلّيت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، و صلّ على جميع الأنبياء و المرسلين».

و بعد الثالثة:

«اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات، الأحياء منهم و الأموات، تابع اللهم بيننا و بينهم بالخيرات، إنّك على كلّ شي ء قدير».

و بعد الرابعة:

«اللهم إنّ هذا المسجّى قدامنا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك نزل بك و أنت خير منزول به اللهم إنّك قبضت روحه إليك و قد احتاج إلى رحمتك و أنت غنيّ عن عذابه، اللهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا و أنت أعلم به منا. اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته و إن كان مسيئا فتجاوز

ص: 131


1- لأنّه أجمع في الجملة، مع ورود مضمونه في الروايات المتفرقة.

عن سيئاته، و اغفر لنا و له. اللهم احشره مع من يتولاه و يحبه، و أبعده ممن يتبرأ منه و يبغضه. اللهم ألحقه بنبيك، و عرّف بينه و بينه، و ارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين. اللهم اكتبه عندك في أعلى علّيّين، و أخلف على عقبه في الغابرين، و اجعله من رفقاء محمد و آله الطاهرين، و ارحمه و إيانا برحمتك يا أرحم الراحمين».

و الأولى أن يقول بعد الفراغ من الصلاة (5):

«رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَ قِنا عَذابَ النّارِ».

و إن كان الميت امرأة يقول بدل قوله: «هذا المسجّى .. إلى آخره»: «هذه المسجاة قدامنا أمتك و ابنة عبدك و ابنة أمتك» و أتى بسائر الضمائر مؤنثة.

و إن كان الميت مستضعفا يقول بعد التكبيرة الرابعة (6):

«اللهم اغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم.

ربنا و أدخلهم جنّات عدن التي وعدتهم و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم إنّك أنت العزيز الحكيم».

و إن كان مجهول الحال (7)، يقول:

______________________________

(5) ورد ذلك في الفقه الرضوي (1).

(6) ورد ذلك في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (2)، و سيأتي في كتاب الزكاة معنى المستضعف.

(7) ورد ذلك في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام (3).

ص: 132


1- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

«اللهم إن كان يحب الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه».

و إن كان طفلا يقول:

«اللهم اجعله لأبويه و لنا سلفا و فرطا و أجرا» (8).

مسألة 1: لا يجوز أقل من خمس تكبيرات إلّا للتقية أو كون الميت منافقا

(مسألة 1): لا يجوز أقل من خمس تكبيرات إلّا للتقية (9) أو كون الميت منافقا (10).

______________________________

(8) رواه زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام (1).

(9) أما اعتبار خمس تكبيرات لا أقلّ فلنصوص متواترة تقدم بعضها و الإجماع، بل الضرورة من مذهب الإمامية. و أما الاكتفاء بالأقل للتقية فلعمومات التقية مثل قوله عليه السّلام: «التقية في كل شي ء، يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه إليه» (2).

مع إمكان استفادته من بعض الأخبار الخاصة، كخبر ابن بزيع قال: «سئل جعفر عليه السّلام عن التكبير على الجنائز، فقال: ذلك إلى أهل الميت ما شاؤوا كبّروا، فقيل: إنّهم يكبرون أربعا، فقال: ذلك إليهم» (3).

(10) نصّا و إجماعا. قال الصادق عليه السّلام في صحيح الفضلاء: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يكبّر على قوم خمسا، و على قوم آخرين أربعا، فإذا كبّر على رجل أربعا اتهم، يعني بالنفاق» (4).

و المنساق من المنافق من أبطن الكفر و أظهر الإسلام، كما كانوا في أول البعثة. و عن جمع إنّ المراد به مطلق المخالف و تمسك لجواز الاكتفاء بأربع تكبيرات بالنسبة إليه بقاعدة الإلزام. و عن جمع أنّ الصلاة على مطلق المخالف-

ص: 133


1- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 2.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 18.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

و إن نقص سهوا بطلت و وجب الإعادة إذا فاتت الموالاة، و إلّا أتّمها (11).

مسألة 2: لا يلزم الاقتصار في الأدعية بين التكبيرات على المأثور

(مسألة 2): لا يلزم الاقتصار في الأدعية بين التكبيرات على المأثور، بل يجوز كلّ دعاء بشرط اشتمال الأول على الشهادتين،

______________________________

غير المنافق- خمس تكبيرات، للإطلاقات و العمومات بعد الشك في شمول قاعدة الإلزام للمقام. و هذا هو المتعيّن، لأنّ التمسك بقاعدة الإلزام يحتاج إلى الانجبار بالعلم و هو غير معلوم، و قد تقدم في الغسل أنّه يجب أن يكون غسل كلّ مسلم بطريق المذهب الاثني عشري، و لا فرق بين الغسل و الصلاة. و ما ورد (1) من أنّ التكبيرة الخامسة في مقابل الولاية و هم لا يعترفون بها، معارض أولا بما دلّ على أنّ التكبيرات في مقابل الفرائض اليومية (2). و ثانيا: أنّه إنّما ورد في عملهم بالنسبة إلى أنفسهم لا عملنا بالنسبة إليهم.

(11) أما الأول فلقاعدة انتفاء الكلّ بانتفاء الجزء ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا دليل كذلك في المقام، مع أنّ صحيح ابن شاذان ظاهر في البطلان، قال الرضا عليه السّلام: «و الصلاة على الميت خمس تكبيرات، فمن نقص فقد خالف السنّة» (3).

و المراد بالسنّة الحكم الإلزامي الثابت بغير الكتاب، و هو يشمل العمد و غيره، و إطلاقه يشمل صورة عدم فوت الموالاة أيضا، لكنّه مردود بالإجماع على خلافه.

و أما الأخير فلوجود المقتضي و فقد المانع، فيجزي الإتمام لا محالة. و لو استأنف مع عدم فوت الموالاة أجزأ أيضا.

و الظاهر أنّ الزيادة السهوية لا توجب البطلان، لأصالة الصحة بعد عدم دليل على البطلان، بل العمدية أيضا كذلك ما لم توجب خللا من جهة أخرى.

ص: 134


1- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
2- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 17.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 20.

و الثاني على الصلاة على محمد و آله، و الثالث على الدعاء للمؤمنين و المؤمنات بالغفران، و في الرابع على الدعاء للميت. و يجوز قراءة آيات القرآن، و الأدعية الأخر ما دامت صورة الصلاة محفوظة (12).

مسألة 3: يجب العربية في الأدعية بالقدر الواجب

(مسألة 3): يجب العربية (13) في الأدعية بالقدر الواجب و فيما زاد عليه يجوز الدعاء بالفارسية و نحوها (14).

مسألة 4: ليس في صلاة الميت أذان و لا إقامة، و لا قراءة الفاتحة

(مسألة 4): ليس في صلاة الميت أذان و لا إقامة، و لا قراءة الفاتحة، و لا الركوع و السجود و القنوت و التشهد و السلام، و لا التكبيرات الافتتاحية و أدعيتها (15)، و إن أتى بشي ء من ذلك بعنوان

______________________________

(12) للأصل و الإجماع و النص. قال أبو جعفر عليه السّلام: «ليس في الصلاة على الميت قراءة و لا دعاء مؤقت، تدعو بما بدا لك و أحق الموتى أن يدعى له المؤمن، و أن يبدأ بالصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» (1).

و قد ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله «سبعة مواطن ليس فيها دعاء موقت:

الصلاة على الجنائز، و القنوت، و المستجار، و الصفا و المروة، و الوقوف بعرفات، و ركعتا الطوائف» (2).

(13) لظهور الإجماع و سيرة علماء المسلمين على الالتزام بها.

(14) للأصل و لإطلاق قوله عليه السّلام: «تدعو بما بدا لك» بناء على شموله لغير العربية أيضا. و لكنّه مشكل.

(15) كلّ ذلك للأصل، و الإجماع، و النص مثل قولهم عليهم السّلام:

«إنّها ليست بصلاة ركوع و سجود» (3).

و قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: «ليس في الصلاة على الميت تسليم»(4).

ص: 135


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القنوت حديث: 5.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

التشريع كان بدعة و حراما (16).

مسألة 5: إذا لم يعلم أنّ الميت رجل أو امرأة يجوز أن يأتي بالضمائر مذكرة بلحاظ الشخص و النعش و البدن

(مسألة 5): إذا لم يعلم أنّ الميت رجل أو امرأة يجوز أن يأتي بالضمائر مذكرة بلحاظ الشخص و النعش و البدن، و أن يأتي بها مؤنثة بلحاظ الجثة و الجنازة، بل مع المعلومية أيضا يجوز ذلك و لو أتى بالضمائر على الخلاف جهلا أو نسيانا لا باللحاظين المذكورين فالظاهر عدم بطلان الصلاة (17).

مسألة 6: إذا شك في التكبيرات بين الأقل و الأكثر بنى على الأقل

(مسألة 6): إذا شك في التكبيرات بين الأقل و الأكثر بنى على الأقل. نعم، لو كان مشغولا بالدعاء بعد الثانية، أو بعد الثالثة فشك في إتيان الأولى في الأول أو الثانية في الثاني بنى على الإتيان (18)، و إن كان الاحتياط أولى.

مسألة 7: يجوز أن يقرأ الأدعية في الكتاب، خصوصا إذا لم يكن حافظا لها

(مسألة 7): يجوز أن يقرأ الأدعية في الكتاب، خصوصا إذا لم يكن حافظا لها (19).

______________________________

و لأنّه إذا لم يعتبر فيها الطهارة- كما يأتي في [المسألة 1] من الفصل الآتي- فعدم اعتبار هذه الأمور أولى.

(16) للأدلة الأربعة الدالة على حرمة التشريع. و لكن لا يوجب ذلك بطلان الصلاة ما لم يوجب فوت الموالاة، أو خللا فيها من جهة أخرى.

(17) لأنّ المدار في الصحة و عدمها في الكلام على إمكان التصحيح عند المحاورة العرفية و عدمه، قصد ذلك أم لا، فمهما أمكن التصحيح المحاوري يصح و إلّا فلا.

(18) أما البناء على الأقل فلأصالة عدم الإتيان بالأكثر. و أما البناء على الإتيان بعد الدخول في الغير فلقاعدة التجاوز- بناء على وجوب الترتب في الأدعية- و إلّا فلا مجرى لها. و من ذلك يعلم وجه الاحتياط.

(19) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

ص: 136

فصل في شرائط صلاة الميت
اشارة

(فصل في شرائط صلاة الميت) و هي أمور:

(الأول): أن يوضع الميت مستلقيا (1).

(الثاني): أن يكون رأسه إلى يمين المصلّي و رجلاه إلى يساره (2).

(فصل في شرائط صلاة الميت)

______________________________

(1) إجماعا و تقتضيه السيرة المستمرة بين المسلمين في جميع الأعصار و الأمصار و التزامهم به نحو الالتزام بالواجبات.

(2) لتسالم الأصحاب عليه فتوى و عملا. و في موثق عمار عن الصادق عليه السّلام: «أنّه سئل عمن صلّي عليه فلمّا سلّم الإمام فإذا الميت مقلوب رجلاه إلى موضع رأسه، قال عليه السّلام: يسوّى و تعاد الصلاة عليه، و إن كان قد حمل ما لم يدفن، فإن دفن فقد مضت الصلاة عليه، و لا يصلّى عليه و هو مدفون» (1).

و لكن المعهود المتعارف بين المتشرعة في وضع الجنازة حال الصلاة عليها هو كون رأسه إلى المغرب و رجليه إلى المشرق، و هذا هو المتيقن من مفاد النص و الإجماع و أما كون رأس الميت عن يمين المصلّي بحيث يكون موقفه محاذيا لما يلي الرأس، كما هو ظاهر التعبيرات، و يقتضيه استثناء المأموم- كما في الروضة و المدارك و غيرهما- فالأدلة قاصرة عن إثباته بل قاضية بخلافه، كما اعترف به

ص: 137


1- الوسائل باب: 19 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(الثالث): أن يكون المصلّي خلفه محاذيا له (3)، لا أن يكون في أحد طرفيه إلّا إذا طال صف المأمومين (4).

(الرابع): أن يكون الميت حاضرا (5)، فلا تصح على الغائب و إن كان حاضرا في البلد.

______________________________

جمع، لتعبير بعض المجمعين بكون رأسه إلى المغرب و رجليه إلى المشرق، فلا اعتماد لدعوى الإجماع على خصوص تعبير الفقهاء، فيستفاد منه و من المعهود المتعارف أنّ الوضع بهذه الكيفية وصف بحال ذات الميت لا أن يكون بلحاظ قيام المصلي.

ثمَّ إنّ وضع الميت هكذا، هل يكون له موضوعية خاصة، باعتبار لحاظ يمين المصلّي، أو إنّه طريق إلى الاستقبال في الواقع بحيث لو اضطجع الميت على يمينه لكان مستقبل القبلة؟ يظهر ممن عبّر بكون رأسه على يمين المصلّي الأول، و لكن تقدم أنّ استفادته من الأدلة مشكل. و يمكن أن يكون مراد الجميع هو الأخير، و إن قصرت العبارات عن بيانه.

(3) للإجماع و استمرار العمل عليه من زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى الآن و يشهد له التأسي أيضا.

(4) للسيرة المستمرة خلفا عن سلف بلا إنكار من أحد عليها. و لو عبّروا بكون الميت قدام المصلّي عرفا لما احتاجوا إلى الاستثناء.

(5) عند علمائنا أجمع- كما في الجواهر- و عن المحقق الثاني الإجماع على أنّه لا يصلّى على البعيد بما يعتد به عرفا- و ما وقع من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالنسبة إلى النجاشي(1) قضية في واقعة. مع أنّ في مضمرة زرارة ما يدل على أنّها كانت دعاء لا صلاة معهودة قال: «الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء. قال: قلت: فالنجاشي لم يصلّ عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله!!

ص: 138


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 10.

(الخامس): أن لا يكون بينهما حائل- كستر أو جدار- و لا يضر كون الميت في التابوت و نحوه (6).

(السادس): أن لا يكون بينهما بعد مفرط على وجه لا يصدق الوقوف عنده إلّا في المأموم مع اتصال الصفوف.

(السابع): أن لا يكون أحدهما أعلى من الآخر علوّا مفرطا.

(الثامن): استقبال المصلّي القبلة (7).

______________________________

فقال: لا، إنّما دعا له» (1).

فتكون مثل صلاة الصادق عليه السّلام على عبد اللّه بن أعين ففي خبر ابن عيسى قال: «قدم أبو عبد اللّه عليه السّلام مكة فسألني عن عبد اللّه بن أعين، فقلت له: مات، قال: مات؟!! قلت: نعم، قال: فانطلق بنا إلى قبره نصلّي عليه، قلت: نعم، فقال: لا و لكن نصلّي عليه هاهنا، فرفع يديه يدعو و اجتهد في الدعاء و ترحم عليه»(2).

(6) للإجماع فيه، و كذا في الشرط السادس و السابع، و استمرار العمل من الصدر الأول في كلّ طبقة، و التزامهم بوجود هذه الشروط نحو الالتزام بالواجبات، مضافا إلى ظواهر الأخبار المشتملة على الأدعية مثل قولهم عليهم السّلام: «اللهم إنّ هذا المسجى قدامنا أو (بين أيدينا)» (3) أو نحو ذلك مما لا يصح إلّا بالنسبة إلى من استجمع هذه الشرائط.

(7) للإجماع المتكرر نقله، و السيرة المستمرة في كلّ عصر، و استنكار إتيانها إلى غير القبلة عند المتشرعة، بل تظهر مسلّمية الحكم في عصر الأئمة عليهم السّلام من بعض الروايات، كخبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام:

«قال: قلت: أرأيت إن فاتني تكبيرة أو أكثر، قال: تقضي ما فاتك. قلت:

ص: 139


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
3- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب الصلاة على الميت حديث: 5.

(التاسع): أن يكون قائما (8).

(العاشر): تعيين الميت على وجه يرفع الإبهام، و لو بأن ينوي الميت الحاضر، أو ما عينه الإمام (9).

(الحادي عشر): قصد القربة (10).

(الثاني عشر): إباحة المكان (11).

(الثالث عشر): الموالاة بين التكبيرات و الأدعية على وجه لا تمحى صورة الصلاة (12).

(الرابع عشر): الاستقرار بمعنى عدم الاضطراب على وجه لا يصدق معه القيام (13)، بل الأحوط كونه بمعنى ما يعتبر في قيام

______________________________

أستقبل القبلة؟ قال: و أنت تتبع الجنازة» (1).

(8) للإجماع و السيرة، و اشتمال بعض الأخبار على لفظ القيام و الوقوف، كما يأتي.

(9) لأنّ مقتضى ظواهر الأدلة وقوع الصلاة على الميت الخاص و لا يحصل ذلك إلّا بالقصد و هو لا يتعلق بالمبهم من حيث هو مبهم، فلا بدّ من التعيين، الإجمالي، لأصالة البراءة عن اعتبار الزائد عليه.

(10) لأنّها عبادة إجماعا و كلّ عبادة متقوّمة بقصد القربة بالضرورة.

(11) لما تسالموا عليه من بطلان العبادة في المكان المغصوب، و يأتي التفصيل في مكان المصلّي.

(12) لأنّها عمل واحد له وحدة عرفية، و المنساق من الأدلة المحافظة على حفظ وحدة صورتها، و تقتضيها السيرة، و ظهور التسالم من الفقهاء.

(13) فيرجع دليل اعتبار هذا الشرط إلى دليل اعتبار القيام.

ص: 140


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الصلاة على الميت حديث: 4.

الصلوات الأخر (14).

(الخامس عشر): أن تكون الصلاة بعد التغسيل و التكفين و الحنوط، كما مرّ سابقا (15).

(السادس عشر): أن يكون مستور العورة إن تعذّر الكفن و لو بنحو حجر أو لبنة (16).

(السابع عشر): إذن الوليّ (17).

مسألة 1: لا يعتبر في صلاة الميت الطهارة من الحدث

(مسألة 1): لا يعتبر في صلاة الميت الطهارة من الحدث (18)

______________________________

(14) أي الانتصاب و الاستقلال بدعوى: أنّ المنساق من القيام في المقام إنّما هو القيام المعتبر في الصلاة بجميع ما يعتبر فيه. و إثبات هذه الدعوى بالدليل مشكل، و لكنّه يكفي للاحتياط.

(15) تقدم في [المسألة 3] من الفصل السابق.

(16) كما هو مقتضى موثق عمار، و مرسل محمد بن أسلم (1)، و تقدم الكلام فيه في المسألة الثالثة من الفصل السابق أيضا.

(17) تقدم حكمه في [المسألة 1] من الفصل السابق.

(18) نصّا و إجماعا، فعن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في خبر ابن شاذان قال: «إنّما جوّزنا الصلاة على الميت بغير وضوء، لأنّه ليس فيها ركوع و لا سجود، و إنّما هي دعاء و مسألة، و قد يجوز أن تدعو اللّه و تسأله على أيّ حال كنت، و إنّما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع و سجود»(2).

و في خبر يونس قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنازة أصلّي عليها على غير وضوء؟ فقال: نعم، إنّما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل» (3).

ص: 141


1- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

و الخبث (19)، و إباحة اللباس (20)، و ستر العورة (21). و إن كان الأحوط اعتبار جميع شرائط الصلاة (22)، حتّى صفات الساتر من عدم كونه حريرا أو ذهبا أو من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و كذا الأحوط مراعاة ترك الموانع للصلاة، كالتكلم و الضحك و الالتفات عن القبلة (23).

مسألة 2: إذا لم يتمكن من الصلاة قائما أصلا يجوز أن يصلّي جالسا

(مسألة 2): إذا لم يتمكن من الصلاة قائما أصلا يجوز أن يصلّي جالسا (24)، و إذا دار الأمر بين القيام بلا استقرار و الجلوس مع الاستقرار يقدم القيام (25)، و إذا دار الأمر بين الصلاة ماشيا أو جالسا يقدّم الجلوس (26) إن خيف على الميت من الفساد مثلا، و إلّا فالأحوط

______________________________

(19) للإجماع، و لما مر من إطلاق قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام:

«و قد يجوز أن تدعو اللّه و تسأله على أيّ حال كنت».

(20) للإجماع، و لعدم اعتبار ستر العورة فيها حتّى يتعلق النهي بها من هذه الجهة، و ليست فيها حركة ركوعية و لا سجودية حتّى تتحد العبادة مع المنهيّ عنه فتبطل، و رفع اليد للتكبيرات مندوب و خارج عنها، فبطلانه لا يضر ببطلان الصلاة، فالنّهي عن التصرف في اللباس المغصوب خارج عن المأمور به جزءا و شرطا، فلا يوجب البطلان، كما ثبت في محلّه.

(21) للأصل و الإطلاق، و الاتفاق.

(22) جمودا على إطلاق الصلاة عليها، و لأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال، و خروجا عن خلاف من أوجب بعض ذلك بلا دليل ظاهر عليه.

(23) لما تقدم من وجه الاحتياط في سابقة.

(24) لقاعدة الميسور، و لأنّه إذا صح في الفريضة فهنا بالأولى.

(25) لعدم تعذر القيام عرفا حتّى ينتقل إلى بدله الذي هو الجلوس، إذ الاستقرار شرط في حال التمكن منه إجماعا لا أن يكون شرطا.

(26) لاحتمال كون الجلوس حينئذ أهم من القيام في ضمن المشي

ص: 142

الجمع (27).

مسألة 3: إذا لم يمكن الاستقبال أصلا سقط

(مسألة 3): إذا لم يمكن الاستقبال أصلا سقط (28). و إن اشتبه صلّى إلى أربع جهات، إلّا إذا خيف عليه الفساد فيتخيّر. و إن كان بعض الجهات مظنونا صلّى إليه، و إن كان الأحوط الأربع (29).

مسألة 4: إذا كان الميت في مكان مغصوب و المصلّي في مكان مباح صحت الصلاة

(مسألة 4): إذا كان الميت في مكان مغصوب و المصلّي في مكان مباح صحت الصلاة (30).

مسألة 5: إذا صلّى على ميتين بصلاة واحدة و كان مأذونا من وليّ أحدهما دون الآخر أجزأ بالنسبة إلى المأذون فيه دون الآخر

(مسألة 5): إذا صلّى على ميتين بصلاة واحدة و كان مأذونا من وليّ أحدهما دون الآخر أجزأ بالنسبة إلى المأذون فيه دون الآخر (31).

مسألة 6: إذا تبيّن بعد الصلاة أنّ الميت كان مكبوبا

(مسألة 6): إذا تبيّن بعد الصلاة أنّ الميت كان مكبوبا وجب

______________________________

فلا موضوع للتخيير، لاحتمال أهمية الجلوس، و لا الجمع، لفرض خوف فساد الميت.

(27) لقاعدة الاشتغال، و التمكن من الاحتياط بلا محذور في البين.

(28) لانتفاء التكليف مع عدم القدرة على متعلقه.

(29) لقاعدة الاشتغال مع ما ورد في الفريضة، و مع عدم التمكن من الصلاة إلى أربع جهات يصلّي بقدر ما يمكن، لقاعدة الميسور. و مع عدم التمكن إلّا من صلاة واحدة يختار المظنون، لأنّه راجح فلا يتحقق موضوع التخيير، و إلّا فيتخيّر قهرا بعد فقد وجود المرجح.

(30) للأصل بعد عدم دليل على اشتراط إباحة مكان الميت، و عدم دليل على اشتراط صحة الصلاة بإباحة مكان الميت.

(31) لتحقق الشرط بالنسبة إلى المأذون دون غيره، فتنطبق الصحة بالنسبة إليه قهرا بعد وجود المقتضي و فقد المانع، و قصد التشريك لا يكون مانعا، للأصل و الإطلاق.

ص: 143

الإعادة (32) بعد جعله مستلقيا على قفاه.

مسألة 7: إذا لم يصلّ على الميت حتّى دفن يصلّى على قبره

(مسألة 7): إذا لم يصلّ على الميت حتّى دفن يصلّى على قبره (33).

و كذا إذا تبيّن بعد الدفن بطلان الصلاة من جهة من الجهات (34).

______________________________

(32) لبطلان الصلاة مع فقد الشرط، و قد تقدم في موثق عمار أيضا (1)، فراجع.

(33) للإطلاقات الدالة على وجوبها، و ظهور الاتفاق، و الاستصحاب أيضا، و لصحيح ابن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس أن يصلّي الرجل على الميت بعد ما يدفن» (2).

و في خبر ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا فاتتك الصلاة على الميت حتّى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه و قد دفن» (3).

و ما يظهر منه سقوط الصلاة بعد الدفن مثل قول الصادق عليه السّلام في موثق عمار: «و لا يصلّى عليه و هو مدفون»(4).

و في خبر يونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه قال:

«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يصلّى على قبر، أو يقعد عليه، أو يبنى عليه» (5). محمول على عدم جواز تأخير الصلاة عمدا إلى الدفن، لا أن يدل على عدم مشروعية الصلاة بعد الدفن حتّى لو تركت لعذر، و يأتي في [المسألة 17] تتمة الكلام.

(34) لأنّ ما وقعت كأن لم تكن فتجب الصلاة عليه للعمومات، و حيث إنّه دفن فيصلّى على قبره.

ص: 144


1- تقدم في صفحة: 107.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث 7.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث 6.
مسألة 8: إذا صلّي على القبر ثمَّ خرج الميت من قبره بوجه من الوجوه

(مسألة 8): إذا صلّي على القبر ثمَّ خرج الميت من قبره بوجه من الوجوه فالأحوط إعادة الصلاة عليه (35).

مسألة 9: يجوز التيمم لصلاة الجنازة و إن تمكن من الماء

(مسألة 9): يجوز التيمم لصلاة الجنازة و إن تمكن من الماء، و إن كان الأحوط الاقتصار على صورة عدم التمكن من الوضوء أو الغسل أو صورة خوف فوت الصلاة منه (36).

مسألة 10: الأحوط ترك التكلم في أثناء الصلاة على الميت

(مسألة 10): الأحوط ترك التكلم في أثناء الصلاة على الميت، و إن كان لا يبعد عدم البطلان به (37).

مسألة 11: مع وجود من يقدر على الصلاة قائما، في إجزاء صلاة العاجز عن القيام جالسا إشكال

(مسألة 11): مع وجود من يقدر على الصلاة قائما، في إجزاء صلاة العاجز عن القيام جالسا إشكال، بل صحتها أيضا محلّ

______________________________

(35) لأنّه لا يبعد أن يكون إجزاء الصلاة على القبر ما داميا لا دائميا.

(36) أما الأول فلإطلاق خبر سماعة: «سألته عن رجل مرت به جنازة و هو على غير وضوء، كيف يصنع؟ قال: يضرب بيديه على حائط اللبن فليتيمم به»(1).

و أما الاحتياط فلخبر الحلبي: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل تدركه الجنازة و هو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة. قال عليه السّلام: يتيمم و يصلّي» (2).

و ثبت في محله عدم التقييد في المندوبات، بل تحمل القيود على مراتب الفضل، كما جرت عليه سيرة الفقهاء.

(37) جمودا على إطلاق لفظ الصلاة عليها، و لالتزام المتشرعة خلفا عن سلف، و هو يكفي للاحتياط و إن لم يكف للإيجاب، مع إمكان أن يقال: إنّ المستفاد من الأدلة أنّ لها وحدة اتصالية عرفية تنقطع بالتكلم في الأثناء.

ص: 145


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

إشكال (38).

مسألة 12: إذا صلّى عليه العاجز عن القيام جالسا باعتقاد عدم وجود من يتمكن من القيام ثمَّ تبيّن وجوده

(مسألة 12): إذا صلّى عليه العاجز عن القيام جالسا باعتقاد عدم وجود من يتمكن من القيام ثمَّ تبيّن وجوده، فالظاهر وجوب الإعادة، بل و كذا إذا لم يكن موجودا من الأول لكن وجد بعد الفراغ من الصلاة (39). و كذا إذا عجز القادر القائم في أثناء الصلاة فتمّمها جالسا فإنّها لا تجزي عن القادر، فيجب عليه الإتيان بها قائما (40).

مسألة 13: إذا شك في أنّ غيره صلّى عليه أم لا بنى على عدمها

(مسألة 13): إذا شك في أنّ غيره صلّى عليه أم لا بنى على عدمها، و إن علم بها و شك في صحتها و عدمها حمل على الصحة، و إن كان من صلّى عليه فاسقا (41). نعم، لو علم بفسادها وجب الإعادة و إن كان المصلّي معتقدا للصحة و قاطعا بها (42).

______________________________

(38) للشك في شمول التكليف الكفائي للعاجز مع وجود القادر على التكليف الاختياري فعلا، إذ يحتمل أن يكون التكليف الكفائي كالتكليف التخييري في أنّه مع العجز عن أحد الطرفين يتعيّن الطرف الآخر إلّا أنّه في التكليف التخييري يكون التخيير في المكلّف به وهنا في المكلّف. و منه يظهر الإشكال في صحتها، إذ لا أمر بالنسبة إليها حينئذ للعاجز حتّى تصح.

(39) لما تقدم في المسألة السابقة، و جزمه (رحمه اللّه) هنا بالإعادة مع إشكاله في المسألة السابقة لا يخلو من تهافت.

(40) لأنّ العجز المعتبر في انقلاب التكليف الاختياري إلى الاضطراري إنّما هو العجز الثابت المستقر لا الزائل حتّى مع التمكن من الإتيان بالمأمور به جامعا للشرائط.

(41) أما الأول فلأصالة عدم الإتيان. و أما الثاني فلقاعدة الصحة، و لا تعتبر في مجريها العدالة، لشمول أدلتها لكلّ مسلم.

(42) لاختصاص حجية قطع كلّ أحد بالنسبة إلى نفسه دون غيره إلّا إذا كان الغير مقلّدا له فيكون حجة له أيضا من جهة التقليد.

ص: 146

مسألة 14: إذا صلّى أحد عليه معتقدا بصحتها بحسب تقليده أو اجتهاده لا يجب على من يعتقد فسادها بحسب تقليده

(مسألة 14): إذا صلّى أحد عليه معتقدا بصحتها بحسب تقليده أو اجتهاده لا يجب على من يعتقد فسادها بحسب تقليده أو اجتهاده (43). نعم، لو علم علما قطعيا ببلاطنها وجب عليه إتيانها و إن كان المصلّي أيضا قاطعا بصحتها (44).

مسألة 15: المصلوب بحكم الشرع لا يصلّى عليه قبل الإنزال

(مسألة 15): المصلوب بحكم الشرع لا يصلّى عليه قبل الإنزال (45)، بل يصلّى عليه بعد ثلاثة أيام بعد ما ينزل، و كذا إذا لم يكن بحكم الشرع، لكن يجب إنزاله فورا و الصلاة عليه (46) و لو لم يمكن إنزاله يصلّى عليه و هو مصلوب مع مراعاة الشرائط بقدر الإمكان (47).

______________________________

(43) لوقوع العمل صحيحا بحسب الحكم الشرعي فيجزي قهرا، و لا وجه لشمول أدلة الوجوب لمن يعتقد بالفساد، لعدم الموضوع لها بعد حكم الشارع بالصحة، و لو شك في شمولها بالنسبة إليه فلا وجه للتمسك بها لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كما لا وجه لاستصحاب الوجوب بعد سقوط الموضوع بالإجزاء القهري فيكون المرجع أصالة البراءة و لكن الأحوط له الإتيان.

(44) تقدم حكمه في المسألة السابقة.

(45) لقول الصادق عليه السّلام في رواية السكوني: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام ثمَّ أنزله في اليوم الرابع فصلّى عليه و دفنه» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا: «المصلوب ينزل من الخشبة بعد ثلاثة أيام و يغسّل و يدفن، و لا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام» (2).

(46) لأنّ وجوب إنزاله فورا يكون مقدمة لتغسيله و الصلاة عليه و دفنه، إذ لم يرد فيه تحديد بثلاثة أيام، لأنّه في المصلوب الشرعي، كما هو واضح.

(47) لأنّ الميسور لا يسقط بالمسعور، و عن أبي الحسن الرضا

ص: 147


1- الوسائل باب: 5 من أبواب حد المحارب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب حد المحارب حديث: 2.
مسألة 16: يجوز تكرار الصلاة على الميت

(مسألة 16): يجوز تكرار الصلاة على الميت، سواء اتحد المصلّي أو تعدد (48) لكنّه مكروه (49)، إلّا إذا كان الميت من أهل العلم

______________________________

عليه السّلام في خبر أبي هاشم في الصلاة على المصلوب: «إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن، و إن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر، فإنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، و إن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن، و إن كان منكبه الأيمن إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر، و كيف كان منحرفا فلا تزايلنّ مناكبه- الحديث-» (1).

و هو يدل على مراعاة منكب المصلوب في الصلاة عليه، و مراعاة القبلة الاختيارية مع الإمكان، و إلّا فالقبلة الاضطرارية و هي ما بين المشرق و المغرب لا تحتاج إلى هذه الكلفة.

(48) لأصالة الجواز، و ظهور الاتفاق، و الإطلاق خصوصا قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الموثق: «الميت يصلّى عليه ما لم يوار في التراب و إن كان قد صلّي عليه» (2).

و في موثق يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الجنازة لم أدركها حتّى بلغت القبر أصلّي عليها؟ قال: إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصلّ عليها»(3).

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لما توفي قام عليّ عليه السّلام على الباب فصلّى عليه، ثمَّ أمر الناس عشرة عشرة يصلّون عليه ثمَّ يخرجون»(4).

و نحو ذلك غيرها من الروايات.

(49) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا يصلّى على جنازة مرتين» (5)،

ص: 148


1- الوسائل باب: 35 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 19
3- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 20
4- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2
5- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 24

و الشرف و التقوى (50).

مسألة 17: يجب أن تكون الصلاة قبل الدفن

(مسألة 17): يجب أن تكون الصلاة قبل الدفن (51)، فلا يجوز التأخير إلى ما بعده (52). نعم، لو دفن قبل الصلاة- عصيانا أو نسيانا، أو لعذر آخر- أو تبيّن كونها فاسدة- و لو لكونه حال الصلاة

______________________________

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ الجنازة لا يصلّى عليها مرتين، ادعوا لها و قولوا:

خيرا» (1).

المحمول على الكراهة جمعا و إجماعا.

و عن بعض عدم الكراهة في التكرار مطلقا، حملا لما دل على النهي عنه على التقية مع قصور السند، بل عن بعض استحباب التكرار مطلقا لأنّها ليست إلّا الدعاء و التحميد و الشهادة و الثناء و كلّ ذلك مطلوب و مرغوب و الإطلاق و العموم يقتضيه، و العرف و العادة يرتضيه.

(50) تأسيا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله حيث كرر الصلاة على حمزة و فاطمة بنت أسد، و إنّ عليا عليه السّلام كررها على سهل بن حنيف (2).

(51) للإجماع، و السيرة، و التأسي، و ظواهر الأدلة مثل قول الصادق عليه السّلام في موثق عمار: «و لا يصلى عليه و هو مدفون» (3).

المحمول على عدم جواز التأخير تكليفا- لا عدم الصحة لو أخر- بقرينة غيره، كما يأتي.

(52) لأنّه لا معنى لوجوب شي ء إلّا أنّ تركه حرام، لكنّها حرمة نفسية محضة لا أن تكون غيرية، و في الجواهر: «لا خلاف في عدم جواز التأخير إلى الدفن اختيارا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل كاد يكون ضرورة».

ص: 149


1- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 23.
2- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.

عليه مقلوبا- لا يجوز نبشه (53) لأجل الصلاة، بل يصلّى على قبره (54)

______________________________

(53) لما يأتي في [المسألة 6] من فصل مكروهات الدفن.

(54) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق و النص، كقول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سالم: «لا بأس أن يصلّي الرجل على الميت بعد ما يدفن» (1).

و قوله عليه السّلام أيضا: «إذا فاتتك الصلاة على الميت حتّى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه و قد دفن» (2).

و عنه عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلّى على قبره» (3).

و بإزاء هذه الأخبار ما يظهر منه المنع، كخبر يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه قال: «نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يصلّى على قبر، أو يقعد عليه أو يبنى عليه»(4).

و فيه:- مضافا إلى قصور سنده- إجمال متنه، إذ يحتمل أن يراد منه غير صلاة الجنازة، مع أنّه يحمل على مطلق المرجوحية و مرسل ابن أسلم قال:

«قلت للرضا عليه السّلام: يصلّى على المدفون بعد ما يدفن؟ قال: لا، لو جاز لأحد لجاز لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: بل لا يصلّى على المدفون بعد ما يدفن، و لا على العريان» (5).

و فيه:- مضافا إلى قصور السند- إمكان حمله على مطلق المرجوحية و أقلية الثواب و كصحيح ابن مسلم قال: «الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء قال: قلت: فالنجاشي لم يصلّ عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟ فقال: لا، إنّما دعا له» (6).

و خبر جعفر بن عيسى قال: قدم أبو عبد اللّه عليه السّلام مكة فسألني عن

ص: 150


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 8.
6- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

مراعيا للشرائط من الاستقبال و غيره، و إن كان بعد يوم و ليلة، بل و أزيد أيضا (55)، إلّا أن يكون بعد ما تلاشى و لم يصدق عليه الشخص الميت، فحينئذ يسقط الوجوب، و إذا برز بعد الصلاة عليه بنبش أو

______________________________

عبد اللّه بن أعين، فقلت: مات، قال: مات؟!! قلت: نعم، قال: فانطلق بنا إلى قبره حتّى نصلّي عليه، قلت: نعم، فقال: لا و لكن نصلّي عليه هاهنا، فرفع يديه يدعو و اجتهد في الدعاء و ترحم عليه»(1).

و موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و لا يصلّى عليه و هو مدفون» (2).

و فيه: أنّ الأخبار السابقة كالنص في جواز الصلاة المعهودة على القبر، و جوازها يلزم الوجوب لو لم يصلّ عليه. و بعض الأخبار ظاهر في أنّها بمعنى مطلق الدعاء، و الترجيح مع تلك الأخبار للنصوصية و عمل المشهور بحيث تعد هذه الأخبار من الشواذ، و تحمل بقية الأخبار على مطلق أقلية الثواب جمعا و إجماعا، على أنّ مثل هذه الأخبار إرشاد إلى الاهتمام بحضور صلاة الجنازة قبل الدفن، فعلى هذا يشكل استفادة المرجوحية المطلقة بعد الدفن أيضا.

و الحاصل: أنّ الصلاة المعهودة مشروعة بعد الدفن بالنسبة إلى من صلّي عليه فضلا عمن لم يصلّ عليه فإنّها واجبة عليه، هذا حكم من لم يصلّ عليه.

و أما من صلّي عليه فيأتي في المسألة التالية.

(55) لأنّه لم يرد تحديد بيوم و ليلة، أو إلى ثلاثة أيام، أو ما لم يتغير في شي ء من النصوص فمقتضى الأصل و الإطلاق جوازها مطلقا إلّا مع عدم صدق الصلاة على الميت عرفا، أو صحة دعوى الانصراف- كما ادعي عمن مضت عليه يوم و ليلة- و هو من مجرد الدعوى. فما نسب إلى الشيخين بل المشهور من التحديد باليوم و الليلة، و إلى سلار من ثلاثة أيام، و إلى ابن الجنيد بما لا يتغيّر كلّها بلا دليل إلّا إذا صح الانصراف المستقر المحاوري.

ص: 151


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.

غيره فالأحوط إعادة الصلاة عليه.

مسألة 18: الميت المصلّى عليه قبل الدفن يجوز الصلاة على قبره أيضا

(مسألة 18): الميت المصلّى عليه قبل الدفن يجوز الصلاة على قبره أيضا (56) ما لم يمض أزيد من يوم و ليلة، و إذا مضى أزيد من ذلك فالأحوط الترك (57).

مسألة 19: يجوز الصلاة على الميت في جميع الأوقات بلا كراهة

(مسألة 19): يجوز الصلاة على الميت في جميع الأوقات بلا كراهة، حتّى في الأوقات التي يكره النافلة فيها عند المشهور، من غير فرق بين أن تكون الصلاة على الميت واجبة أو مستحبة (58).

مسألة 20: يستحب المبادرة إلى الصلاة على الميت

(مسألة 20): يستحب المبادرة إلى الصلاة على الميت و إن

______________________________

(56) للعمومات الدالة على أنّها دعاء و مسألة و استغفار للميت، و إطلاق ما تقدم من الأخبار مثل قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا فاتتك الصلاة على الميت حتّى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه و قد دفن» (1).

(57) خروجا عن خلاف المشهور حيث نسب إليهم التحديد باليوم و الليلة، و تقدم أنّه لا دليل لهم عليه، و الأحوط الإتيان بعنوان الرجاء.

(58) لإطلاق النص و الإجماع، قال أبو جعفر عليه السّلام في صحيح ابن مسلم: «يصلّى على الجنازة في كلّ ساعة، إنّها ليست بصلاة ركوع و سجود» (2).

و قول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس و حين تطلع، إنّما هي استغفار» (3).

و قول الرضا عليه السّلام: «الصلاة على الميت إنّما هي حق يؤدّى، و جائز أن تؤدّى الحقوق في أيّ وقت كان إذا لم يكن الحق مؤقتا» (4).

ص: 152


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجنازة حديث 1.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجنازة حديث 4.

كان في وقت فضيلة الفريضة (59)، و لكن لا يبعد ترجيح تقديم وقت الفضيلة مع ضيقه (60). كما أنّ الأولى تقديمها على النافلة و على قضاء الفريضة (61). و يجب تقديمها على الفريضة- فضلا عن النافلة- في سعة الوقت إذا خيف على الميت من الفساد (62) و يجب تأخيرها عن

______________________________

(59) لخبر جابر قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيّهما أبدأ؟ فقال عليه السّلام: عجل الميت إلى قبره، إلّا أن تخاف أن يفوت وقت الفريضة، و لا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس و لا غروبها» (1).

و هو موافق لقاعدة تقديم الأهم أو محتمل الأهمية.

(60) لأنّ الوقت لها بالأصالة و لأهميتها بالنسبة إلى صلاة الجنازة، و لإطلاق ما تقدم من قوله عليه السّلام: «إلّا أن تخاف أن تفوت وقت الفريضة» الشامل لفوت وقت فضيلتها أيضا، و لقول الصادق عليه السّلام: «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت، إلّا أن يكون الميت مبطونا أو نفساء أو نحو ذلك» (2).

المحمول على فوت وقت الفضيلة جمعا بينه و بين ما تقدم من خبر جابر، بل يدل عليه ظاهر صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه قال عليه السّلام: «إذا وجبت الشمس فصلّ المغرب ثمَّ صلّ على الجنائز» (3).

(61) لأنّها إذا قدمت على الفريضة فيكون تقديمها على النافلة و على القضاء بالأولى، و يقتضيه ما ورد من الأمر بالتعجيل بالنسبة إلى الأموات.

(62) لكون صلاة الجنازة حينئذ مضيقة بالنسبة إليهما، و لا ريب في تقديم المضيق على غيره عند الدوران، و لقاعدة تقديم الأهم في المتزاحمين.

ص: 153


1- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

الفريضة مع ضيق وقتها و عدم الخوف على الميت (63)، و إذا خيف عليه مع ضيق وقت الفريضة تقدم الفريضة، و يصلّى عليه بعد الدفن (64).

و إذا خيف عليه من تأخير الدفن مع ضيق وقت الفريضة يقدم الدفن (65) و تقضى الفريضة و إن أمكن أن يصلّي الفريضة مؤميا صلّى، و لكن لا يترك القضاء أيضا.

مسألة 21: لا يجوز على الأحوط إتيان صلاة الميت في أثناء الفريضة

(مسألة 21): لا يجوز على الأحوط إتيان صلاة الميت في أثناء الفريضة و إن لم تكن ماحية لصورتها، كما إذا اقتصر على التكبيرات و أقلّ الواجبات من الأدعية في حال القنوت مثلا (66).

مسألة 22: إذا كان هناك ميتان

(مسألة 22): إذا كان هناك ميتان يجوز أن يصلّى على كلّ

______________________________

(63) لأهمية مراعاة الفريضة حينئذ عن الصلاة على الجنازة فتؤخر الصلاة على نفس الجنازة مع الإمكان و تقدم الفريضة عليها لقاعدة تقديم الأهم على المهم عند الدوران.

(64) لأنّ مراعاة وقت الفريضة أهم من مراعاة الصلاة على نفس الجنازة فيصلّي على قبره حينئذ.

(65) كما عن المحقق الثاني و صاحب الجواهر (قدّس سرّهما) لاحتمال أهميته من جهة اشتماله على حق الناس و حق اللّه تعالى معا، بخلاف الصلاة فإنّها من حق اللّه تعالى فقط فيقدم ما فيه جهتان من الترجيح على ما فيه جهة واحدة.

(66) وجه المنع أنّ ذلك خلاف المأنوس بين المتشرعة. و قال في الجواهر: «إنّي لم أجد نصّا لأحد من أصحابنا، بل يمكن دعوى ظهور النصوص و الفتاوى في عدم اجتماعهما» فتأمل جيدا.

و وجه الجواز إطلاق ما دل على أنّها دعاء و استغفار و لا ريب في جوازهما في الصلاة مطلقا خصوصا إن قلنا بجواز الدعاء مع مخاطبة الغير و يأتي في [المسألة 13] من فصل مبطلات الصلاة و طريق الاحتياط واضح.

ص: 154

واحد منهما منفردا، و يجوز التشريك (67) بينهما في الصلاة فيصلّي صلاة واحدة عليهما، و إن كانا مختلفين في الوجوب و الاستحباب (68)، و بعد التكبير الرابع يأتي بضمير التثنية، هذا إذا لم يخف عليهما أو على أحدهما من الفساد، و إلّا وجب التشريك، أو تقديم من يخاف فساده (69).

مسألة 23: إذا حضر في أثناء الصلاة على الميت ميت آخر يتخيّر المصلّي بين وجوه

(مسألة 23): إذا حضر في أثناء الصلاة على الميت ميت آخر يتخيّر المصلّي بين وجوه (70):

______________________________

(67) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق، و ما ورد من التسهيل في صلاة الميت- كما يأتي- و لإطلاق ما دل على أنّها دعاء و مسألة و استغفار، و لا ريب في جواز التشريك فيها بين الأحياء و الأموات أو بالاختلاف و لما يأتي من النصوص في المسألة اللاحقة.

(68) لعدم اعتبار قصدهما، و على فرض الاعتبار يصح اتصاف شي ء واحد بهما من جهتين، كما مر في مباحث الوضوء.

(69) لكون المقام من المتزاحمين اللذين يكون الترجيح في أحدهما، و قد يكون في التشريك، و ربما يكون التقديم بحسب الخصوصيات الخارجية التي ليست هي منضبطة بضابط خاص.

(70) منشؤها الأصل و الإطلاقات المستفاد منها أنّ الأمر بالصلاة على الأموات إنّما هو لإيجاد طبيعتها على جنس الميت اتحد أو تعدد، كان الصنف متحدا أو لا، و أصالة جواز قطع صلاة الميت مطلقا و تبديلها كيفما شاء، و خصوص صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «في قوم كبّروا على جنازة تكبيرة أو اثنتين و وضعت معها أخرى، كيف يصنعون؟ قال عليه السّلام:

إن شاؤوا تركوا الأولى حتّى يفرغوا من التكبير على الأخيرة، و إن شاؤوا رفعوا الأولى و أتموا ما بقي على الأخيرة، كلّ ذلك لا بأس به» (1).

ص: 155


1- الوسائل باب: 34 من أبواب الصلاة على الميت حديث: 1.

(الأوّل): أن يتم الصلاة على الأول، ثمَّ يأتي بالصلاة على الثاني.

(الثاني): قطع الصلاة و استئنافها بنحو التشريك.

(الثالث): التشريك في التكبيرات الباقية، و إتيان الدعاء لكلّ منهما بما يخصه، و الإتيان ببقية الصلاة للثاني بعد تمام صلاة الأول.

مثلا: إذا حضر قبل التكبير الثالث يكبّر و يأتي بوظيفة صلاة الأول- و هي الدعاء للمؤمنين و المؤمنات- و بالشهادتين لصلاة الميت الثاني، و بعد التكبير الرابع يأتي بالدعاء للميت الأوّل و بالصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للميت الثاني، و بعد الخامسة تتم صلاة الأول و يأتي للثاني بوظيفة التكبير الثالث، و هكذا يتم بقية صلاته.

و يتخير في تقديم (71) وظيفة الميت الأول أو الثاني بعد كلّ تكبير مشترك. هذا مع عدم الخوف على واحد منهما، و أما إذا خيف على الأول يتعيّن الوجه الأول، و إذا خيف على الثاني يتعيّن الوجه الثاني أو تقديم الصلاة على الثاني بعد القطع، و إذا خيف عليهما معا يلاحظ قلّة الزمان في القطع و التشريك بالنسبة إليهما إن أمكن، و إلّا فالأحوط عدم القطع.

______________________________

و المراد بالجملة الأولى استئناف صلاة مستقلة عليهما، كما أنّ المراد بالجملة الأخيرة إتمام الصلاة على الأولى ثمَّ إتيان الصلاة على الأخيرة. و يستفاد من قوله عليه السّلام: «كلّ ذلك لا بأس به» بقرينة ما ذكرناه من الأصل و الإطلاق أنّ ذكره عليه السّلام للصورتين إنّما هو من باب المثال لا الخصوصية. فيصح التشريك في بقية التكبيرات، للأصل و الإطلاقات الدالة على أنّها دعاء و مسألة، و لو لم تكن هذه الصحيحة لكنا نقول بمفادها بحسب الأصل و الإطلاق، و القاعدة. هذا مع عدم جهة خارجية في البين توجب تعين نحو خاص، و إلّا فهو المتبع قهرا.

(71) هذا التخيير عقلي بعد فقد المرجح.

ص: 156

فصل في آداب الصلاة على الميت
اشارة

(فصل في آداب الصلاة على الميت) و هي أمور:

الأول: أن يكون المصلّي على طهارة

الأول: أن يكون المصلّي على طهارة (1) من الوضوء أو الغسل أو التيمم. و قد مرّ جواز التيمم مع وجدان الماء أيضا إن خاف فوت الصلاة لو أراد الوضوء، بل مطلقا.

الثاني: أن يقف الإمام و المنفرد عند وسط الرجل

الثاني: أن يقف الإمام و المنفرد عند وسط الرجل، بل مطلق الذكر، و عند صدر المرأة بل مطلق الأنثى (2)، ..

(فصل في آداب الصلاة على الميت)

______________________________

(1) نصّا و إجماعا. قال أبو الحسن عليه السّلام في صحيح ابن سعد:

«تكون على طهر أحبّ إليّ» (1).

و في خبر آخر: «أنّه يتيمم إن أحب» (2). و في موثق سماعة: «سألته عن رجل مرت به جنازة و هو على غير وضوء. كيف يصنع؟ قال: يضرب بيديه على حائط اللبن فليتيمم» (3).

(2) لإطلاق قول عليّ عليه السّلام: «من صلّى على امرأة فلا يقوم في وسطها، و يكون مما يلي صدرها. و إذا صلّى على الرجل فليقم في وسطه»(4).

المحمول على الندب إجماعا. و لكنه محمول على التخيير في الندب بقرينة خبر موسى بن بكر، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: إذا صلّيت على المرأة فقم

ص: 157


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

و يتخير في الخنثى (3). و لو شرك بين الذكر و الأنثى في الصلاة جعل وسط الرجل في قبال صدر المرأة ليدرك الاستحباب بالنسبة إلى كل منهما.

الثالث: أن يكون المصلّي حافيا

الثالث: أن يكون المصلّي حافيا (4)، بل يكره الصلاة بالحذاء دون مثل الخف و الجورب (5).

الرابع: رفع اليدين عند التكبير الأول

الرابع: رفع اليدين عند التكبير الأول، بل عند الجميع على الأقوى (6).

______________________________

عند رأسها، و إذا صلّيت على الرجل فقم عند صدره» (1).

و خبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقوم من الرجال بحيال السرّة، و من النساء من دون ذلك قبل الصدر» (2).

(3) هذا التخيير عقليّ لفقد مرجح الذكر و الأنثى.

(4) للإجماع، و لأنّه أقرب إلى الخضوع و الاستكانة.

(5) لقول الصادق عليه السّلام: «لا يصلّى على جنازة بحذاء، و لا بأس بالخف» (3).

المحمول على الكراهة، للإجماع. و الخف ما يستر ظهر القدمين، سواء كان له ساق أم لا، فيشمل الجورب أيضا.

(6) على المشهور بين المتأخرين، لأنّ رفع اليد هيئة التكبير مطلقا، كما في الخبر (4)، و لصحيح عبد الرحمن: «صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام على جنازة فكبّر خمسا يرفع يديه في كلّ تكبيرة» (5).

و في موثق يونس عن الرضا قال عليه السّلام: «ارفع يدك في كلّ تكبيرة» (6).

ص: 158


1- الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
الخامس: أن يقف قريبا من الجنازة

الخامس: أن يقف قريبا من الجنازة، بحيث لو هبت ريح وصل ثوبه إليها (7).

السادس: أن يرفع الإمام صوته بالتكبيرات

السادس: أن يرفع الإمام صوته بالتكبيرات، بل الأدعية أيضا، و أن يسر المأموم (8).

السابع: اختيار المواضع المعتادة للصلاة

السابع: اختيار المواضع المعتادة للصلاة التي هي مظان الاجتماع و كثرة المصلّين (9).

______________________________

و عن أبي جعفر عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يرفع يده في أول التكبير على الجنازة ثمَّ لا يعود حتّى ينصرف» (1).

و يمكن حمله على التقية مع وهنه بإعراض المشهور.

(7) لما قاله في الفقيه، و الدليل منحصر فيه، و هو يكفي في الاستحباب بناء على المسامحة فيه حتّى بهذا المقدار.

(8) لفتوى جمع من الفقهاء به تنزيلا لهذه الجماعة منزلة الجماعة في الفريضة، و هو يكفي في الاستحباب بناء على المسامحة فيه، و يمكن أن يستفاد الجهر للإمام مما ورد في كيفية الصلاة على المخالف (2). و أما المنفرد فهو مخيّر بينهما.

(9) لأقربية دعاء الجمع إلى الإجابة، و احتمال وجود مجاب الدعوة فيهم، و لإطلاق قول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا: اللهم إنا لا نعلم منه إلّا خيرا و أنت أعلم به منا. قال اللّه تبارك و تعالى: قد أجزت شهادتكم و غفرت له ما علمت مما لا تعلمون» (3).

ص: 159


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 90 من أبواب الدفن حديث: 1.
الثامن: أن لا توقع في المساجد

الثامن: أن لا توقع في المساجد، فإنّه مكروه عدا المسجد الحرام (10).

التاسع: أن تكون بالجماعة

التاسع: أن تكون بالجماعة (11) و إن كان يكفي المتفرد و لو امرأة (12).

العاشر: أن يقف المأموم خلف الإمام و إن كان واحدا

العاشر: أن يقف المأموم خلف الإمام و إن كان واحدا، بخلاف اليومية، حيث يستحب وقوفه إن كان واحدا إلى جنبه (13).

الحادي عشر: الاجتهاد في الدعاء للميت و للمؤمنين

الحادي عشر: الاجتهاد في الدعاء للميت و للمؤمنين (14).

______________________________

(10) لقول أبي الحسن عليه السّلام: «إنّ الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد» (1).

المحمول على الكراهة جمعا بينه و بين خبر الفضل عن الصادق عليه السّلام: «هل يصلّى على الميت في المسجد؟ قال عليه السّلام:

نعم» (2).

و أما استثناء المسجد الحرام عن الكراهة فلا دليل عليه إلّا الشهرة، و عن الإسكافي تخصيص الكراهة بالمساجد الصغار دون الجوامع، و لعلّه لأجل أنّ المسجد الحرام و الجوامع أقرب إلى احتمال استجابة الدعاء.

(11) لما تقدم في [المسألة 11] من «فصل في الصلاة على الميت».

(12) للإطلاق، و الاتفاق، و أصالة عدم اعتبار الجماعة و خصوصية شخص خاص.

(13) لما تقدم في [المسألة 16] من «فصل في الصلاة على الميت».

(14) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «إذا صلّيت على المؤمن فادع له و اجتهد له في الدعاء»(3).

ص: 160


1- الوسائل باب: 30 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2 و 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
الثاني عشر: أن يقول قبل الصلاة

الثاني عشر: أن يقول قبل الصلاة: «الصلاة» ثلاث مرات (15).

الثالث عشر: أن تقف الحائض إذا كانت مع الجماعة في صف وحدها

الثالث عشر: أن تقف الحائض إذا كانت مع الجماعة في صف وحدها (16).

الرابع عشر: رفع اليدين عند الدعاء على الميت بعد التكبير الرابع، على قول بعض العلماء
اشارة

الرابع عشر: رفع اليدين عند الدعاء على الميت بعد التكبير الرابع، على قول بعض العلماء (17). لكنّه مشكل إن كان بقصد الخصوصية و الورود.

مسألة 1: إذا اجتمعت جنازات فالأولى الصلاة على كلّ واحد منفردا

(مسألة 1): إذا اجتمعت جنازات فالأولى الصلاة على

______________________________

و يمكن أن يستفاد ذلك من سائر الأخبار أيضا.

(15) لخبر الجعفي عن الصادق عليه السّلام: «أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة؟ قال عليه السّلام: ليس فيهما أذان و لا إقامة، و لكن ينادى الصلاة ثلاث مرات» (1).

بدعوى إلقاء خصوصية المورد فيشمل جميع الصلوات المطلوبة فيها الاجتماع حتّى صلاة الميت، لكن الأولى الإتيان بها بعنوان الرجاء.

(16) تقدم الوجه فيه في [المسألة 17] من «فصل في الصلاة على الميت» فراجع.

(17) لم يستبعده صاحب المدارك، لإطلاق الأمر برفع اليدين في الدعاء الشامل للمقام أيضا، و وجه الإشكال أنّه خلاف المعهود في صلاة الأموات و إثبات الاستحباب به مسامحة في مسامحة.

الخامس عشر: أن لا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، لأنّ عليا عليه السّلام «كان إذا صلّى على جنازة لم يبرح من مصلاه حتّى يراها على أيدي

ص: 161


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.

كلّ واحد منفردا (18)، و إن أراد التشريك فهو على وجهين:

الأول: أن يوضع الجميع قدام المصلّي مع المحاذاة (19)، و الأولى مع اجتماع الرجل و المرأة جعل الرجل أقرب إلى المصلّي (20)، حرّا كان أو عبدا، كما أنّه لو اجتمع الحر و العبد جعل

______________________________

الرجال» (1)، و في خبر يونس: «و لا يبرح حتّى يحمل السرير من بين يديه» (2).

(18) لأنّ ذلك أقرب إلى احترام الميت عرفا و الاهتمام بشأنه و التحفظ على سائر جهاته، و يجوز التشريك لما مر و يأتي.

(19) للأصل و الإطلاق و عدم الخلاف، و قول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «لا بأس أن يقدم الرجل و تؤخر المرأة، و يؤخر الرجل و تقدم المرأة، يعني في الصلاة على الميت» (3).

و هذا الخبر صحيح سندا و ظاهر بل نصّ دلالة، فلا بدّ من حمل ما يخالفه على مجرد الأولوية جمعا بينهما.

(20) لصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «سألته عن الرجال و النساء كيف يصلّى عليهم؟ قال عليه السّلام: الرجل أمام النساء مما يلي الإمام تصف بعضهم على أثر بعض» (4).

و في خبر ابن بكير عن الصادق عليه السّلام في جنائز الرجال و النساء و الصبيان «قال عليه السّلام: يضع النساء مما يلي القبلة و الصبيان دونهم، و الرجال دون ذلك، و يقوم الإمام مما يلي الرجال» (5).

و موثق سماعة قال: «سألته عن جنائز الرجال و النساء إذا اجتمعت، فقال:

ص: 162


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

الحر أقرب إليه (21). و لو اجتمع الطفل مع المرأة جعل الطفل أقرب إليه إذا كان ابن ست سنين و كان حرّا. و لو كانا متساويين في الصفات

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 4، ص: 163

______________________________

يقدم الرجل قدام المرأة قليلا، و توضع المرأة أسفل من ذلك قليلا عند رجليه، و يقوم الإمام عند رأس الميت فيصلّي عليهما جميعا» (1).

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الرجل و المرأة كيف يصلّى عليهما؟ فقال: يجعل الرجل وراء المرأة، و يكون الرجل مما يلي الإمام» (2).

و ما يأتي من خبر الساباطي. و لا بدّ من حمل ذلك كلّه على مجرد الأولوية لما تقدم من صحيح ابن سالم، و يمكن أن يستفاد منه استحباب الوضع مما يلي الإمام لكلّ من له مزية و فضيلة شرعية و يدل عليه خبر طلحة بن زيد الآتي، و ما رواه الشيخ عن عمار بن ياسر قال: «أخرجت جنازة أم كلثوم بنت عليّ و ابنها زيد بن عمر، و في الجنازة الحسن و الحسين و عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن عباس و أبو هريرة، فوضعوا جنازة الغلام مما يلي الإمام و المرأة وراءه، و قالوا: هذا هو السنّة» (3).

فيصح قول الماتن في جميع ما قاله.

(21) لخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان إذا صلّى على المرأة و الرجل قدم المرأة و أخر الرجل، و إذا صلّى على العبد و الحر قدم العبد و أخّر الحر، و إذا صلّى على الصغير و الكبير قدم الصغير و أخّر الكبير» (4).

و المراد بقوله عليه السّلام: «أخر الرجل» أي: عن المرأة بالنسبة إلى ناحية الإمام، و كذا قوله عليه السّلام: «قدم العبد» فيتفق مفاد جميع الأخبار من هذه الجهة.

ص: 163


1- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 10.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 11.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

لا بأس بالترجيح بالفضيلة (22) و نحوها من الصفات الدينية، و مع التساوي فالقرعة (23) و كلّ هذا على الأولوية لا الوجوب، فيجوز بأيّ وجه اتفق (24).

الثاني: أن يجعل الجميع صفا واحدا، و يقوم المصلّي وسط الصف، بأن يجعل رأس كلّ واحد عند إلية الآخر شبه الدّرج (25)، و يراعي في الدعاء لهم بعد التكبير الرابع تثنية الضمير أو جمعه و تذكيره و تأنيثه، و يجوز التذكير في الجميع بلحاظ لفظ الميت، كما أنّه يجوز التأنيث بلحاظ الجنازة.

______________________________

(22) للعلم العادي بأنّ ما ذكر من الأخبار من تقديم الرجل و الحر من باب مطلق الفضل فيصح انطباقه على كلّ ذي فضل ديني.

(23) لإطلاق دليلها الشامل لمثل هذه الأمور أيضا.

(24) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة، و ظهور الاتفاق و سياق الأخبار في أنّه من مجرد الآداب.

(25) لقول الصادق عليه السّلام في موثق عمار: «يضع ميتا واحدا ثمَّ يجعل الآخر إلى إلية الأول، ثمَّ يجعل (رأس) الثالث إلى إلية الثاني شبه المدرج، حتّى يفرغ منهم كلّهم ما كانوا، فإذا سواهم هكذا قام في الوسط فكبّر خمس تكبيرات، يفعل كما يفعل إذا صلّى على ميت واحد، سئل فإن كان الموتى رجالا و نساء؟ قال: يبدأ بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى إلية الأول حتّى يفرغ من الرجال كلّهم، ثمَّ يجعل رأس المرأة إلى إلية الرجل الأخير، ثمَّ يجعل رأس المرأة الأخرى إلى ألية المرأة الأولى حتّى يفرغ منهم كلّهم، فإذا سوّى هكذا قام في الوسط وسط الرجال فكبّر و صلّى عليهم كما يصلي على ميت واحد» (1).

ص: 164


1- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

.....

______________________________

و قد عمل به جماعة و لكنه مشكل، لاستلزامه خروج بعض الجنائز عن محاذاة الإمام إن كانت كثيرة و لذا جعل الحكم بعضهم كتراص البناء للتحفظ على المحاذاة، و لكن استفادته مما بأيدينا من الأخبار مشكل، و حيث إنّ أصل الحكم استحبابي لا بأس فيه بالمسامحة بمثل ذلك. إلّا أن يقال: إنّها ما دامت متصلة بعضها مع بعض فهي بحكم جنازة واحدة، فتكفي محاذاة البعض عن محاذاة الكل جمودا على الموثق، و في صحيح الحلبي: «فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره» (1).

و في موثق سماعة: «و توضع المرأة أسفل من ذلك قليلا عند رجليه، و يقوم الإمام عند رأس الميت فيصلّي عليهما جميعا»(2).

و هذا الاختلاف من شواهد كون الحكم ندبيا.

ص: 165


1- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 8.
فصل في الدفن
اشارة

(فصل في الدفن) يجب كفاية دفن الميت (1)، بمعنى مواراته في الأرض، بحيث يؤمن على جسده من السباع، و من إيذاء ريحه للناس (2)، و لا يجوز (فصل في الدفن)

______________________________

(1) بضرورة من الدين، و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في صحيح الفضل: «إنّما أمر بدفن الميت لئلا يظهر الناس على فساد جسده، و قبح منظره، و تغيير رائحته، و لا يتأذى الأحياء بريحه و ما يدخل عليه من الآفة و الفساد، و ليكون مستورا عن الأولياء و الأعداء فلا يشمت عدوه و لا يحزن صديقه»(1).

ثمَّ إنّه يرد على الماتن أنّه قيد وجوب الغسل بخصوص المسلم، و صرّح بعدم جواز تغسيل الكافر، و لم يتعرض في التكفين و في المقام له، و لا بدّ من تقييده. نعم، لو فرض انطباق عنوان خارجي على دفن غير المسلم وجب لذلك.

(2) لأنّ هذا هو المعهود في كلّ ملة يدفنون موتاهم في الأرض من المسلمين و غيرهم، و لا تنزل الأدلة من الإجماع و غيره إلّا إلى ما هو المعهود بين الناس. إنّما الكلام في أنّ لهذه الكيفية موضوعية خاصة. فلا يجزي غيرها و إن ترتب عليه هذا الأثر، أو كان أحسن و أقوى، أو أنّ لهذه الكيفية طريقة لحفظ الجسد عن الحادثة، و حفظ الناس عن الرائحة، فيحصل بكلّ ما أفاد هذه الفائدة، وجهان، بل قولان: أحوطهما الأول جمودا على سيرة المتشرعة، بل

ص: 166


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الدفن حديث: 1.

وضعه في بناء أو في تابوت- و لو من حجر- بحيث يؤمن من الأمرين مع القدرة على الدفن تحت الأرض (3). نعم، مع عدم الإمكان لا بأس بهما (4). و الأقوى كفاية مجرد المواراة في الأرض بحيث يؤمن من الأمرين من جهة عدم وجود السباع، أو عدم وجود الإنسان هناك (5)، لكن الأحوط كون الحفيرة على الوجه المذكور و إن كان الأمن حاصلا بدونه (6).

مسألة 1: يجب كون الدفن مستقبل القبلة، على جنبه الأيمن

(مسألة 1): يجب كون الدفن مستقبل القبلة (7)، على جنبه الأيمن (8)، ..

______________________________

كلّ ملة تدفن موتاها، هذا إذا كان ذلك دفنا حقيقة. و أما إذا كان ذلك إيداعا حتّى يدفن بعد ذلك فيأتي حكمه في الحادي و العشرين من مكروهات الدفن.

(3) لعدم صدق الدفن المعهود على ذلك كلّه.

(4) فيجب ذلك بلا خلاف فيه من أحد، و تقتضيه قاعدة الميسور.

(5) لتحقق المواراة، و ثبوت حكمة الدفن فيتحقق الامتثال لا محالة.

(6) جمودا على كلمات الفقهاء، و تنزل الأدلة على المعهود المتعارف مهما أمكن.

(7) للنص و الإجماع، بل الضرورة من المذهب. قال الصادق عليه السّلام في الصحيح: «كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بمكة و إنّه حضره الموت و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و المسلمون يصلّون إلى بيت المقدس، فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجهه تلقاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلى القبلة، فجرت به السنّة» (1).

و المراد بالسنّة هنا الوجوب الثابت بغير الكتاب بقرينة الإجماع على الوجوب، و خبر الدعائم الآتي.

(8) لخبر الدعائم عن عليّ عليه السّلام: «شهد رسول اللّه صلى اللّه عليه

ص: 167


1- الوسائل باب: 61 من أبواب الدفن حديث: 1. و راجع في باب: 10 من الوصية.

بحيث يكون رأسه إلى المغرب، و رجلاه إلى المشرق (9).

و كذا في الجسد بلا رأس، بل في الرأس بلا جسد، بل في الصدر وحده، بل في كلّ جزء يمكن فيه ذلك (10).

مسألة 2: إذا مات ميت في السفينة

(مسألة 2): إذا مات ميت في السفينة فإن أمكن التأخير ليدفن في الأرض بلا عسر وجب ذلك (11)، و إن لم يمكن- لخوف فساده، أو لمنع مانع- يغسّل و يكفّن و يحنّط و يصلّى عليه و يوضع في خابية و يوكأ

______________________________

و آله جنازة رجل من بني عبد المطلب فلما أنزلوه في قبره، قال عليه السّلام:

أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة و لا تكبوه لوجهه، و لا تلقوه لظهره» (1).

و في الرضوي قال عليه السّلام: «ثمَّ ضعه على يمينه مستقبل القبلة» (2).

مضافا إلى الإجماع. و من عبّر بالسنّة- كما عن ابن الجنيد- يمكن أن يكون مراده ما ثبت بغير الكتاب.

(9) لا دليل له إلّا ظهور الإجماع، و دعوى أولوية هذه الكيفية في حال الدفن عن حال الصلاة عليه.

فرع: إذا اشتبهت الرؤوس و الأبدان و لم يعلم التعيين، فالأحوط دفن كلّ رأس مع كلّ بدن رجاء، لاحتمال أن يكون الرأس من هذا البدن. و كذا في سائر الأعضاء.

(10) لقاعدة الميسور خصوصا في هذا الحال التي تشتد الحاجة فيها للتوسل إلى كلّ ما يرجى فيه النفع و الثواب.

(11) مقدمة لدفنه الواجب مع الإمكان، و انصراف ما دل على الإلقاء في البحر عن صورة إمكان الوصول إلى البر.

ص: 168


1- مستدرك الوسائل باب: 51 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 51 من أبواب الدفن حديث: 2.

رأسها و يلقى في البحر (12) مستقبلا القبلة على الأحوط، و إن كان الأقوى عدم وجوب الاستقبال (13). أو يثقل الميت بحجر أو نحوه بوضعه في رجله و يلقى في البحر كذلك (14). و الأحوط مع الإمكان اختيار الوجه الأول (15) و كذا إذا خيف على الميت من نبش العدو قبره

______________________________

(12) إجماعا، و نصّا مستفيضا، و لأنّه لا يمكن حفظ حرمته و عدم انتهاكه بغير ذلك، فعن الصادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا مات الميت في البحر غسّل و كفّن و حنّط ثمَّ يصلّى عليه، ثمَّ يوثق في رجله حجر و يرمى به في الماء» (1).

و في الصحيح، سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل مات و هو في السفينة في البحر، كيف يصنع به؟ قال عليه السّلام: يوضع في خابية و يوكى رأسها و تطرح في الماء» (2).

و في مرسل أبان في الرجل يموت مع القوم في البحر، فقال: «يغسل و يكفّن و يصلّى عليه و يثقّل و يرمى به في البحر»(3).

(13) منشأ احتمال الوجوب تنزيل ذلك منزلة الوضع في القبر، و قاعدة الميسور. و لكنّه بعيد عن الأذهان العرفية مع خلو أدلة المقام عن التعرض له، فالمرجع إطلاق أدلة الإلقاء في البحر و أصالة البراءة.

(14) لأنّ الظاهر أنّه ليس للوضع في الخابية خصوصية خاصة و إنّما هو من إحدى طرق الإلقاء في البحر و الوصول إلى داخل الماء و عدم الوقوف في سطحه، و كلّما أفاد هذه الفائدة يصح إعماله. و قال الصادق عليه السّلام في عمه زيد:

«أ فلا أوقرتموه حديدا و قذفتموه في الفرات و كان أفضل» (4).

(15) لأنّه أحفظ للميت عن الحيوانات و أقرب إلى حفظ حرمته و منعه عن الآفات.

ص: 169


1- الوسائل باب: 40 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب الدفن حديث: 3.
4- الوسائل باب: 41 من أبواب الدفن حديث: 1.

و تمثيله (16).

مسألة 3: إذا ماتت كافرة كتابية أو غير كتابية و مات في بطنها ولد من مسلم

(مسألة 3): إذا ماتت كافرة كتابية أو غير كتابية و مات في بطنها ولد من مسلم بنكاح أو شبهة، أو ملك يمين- تدفن مستدبرة للقبلة على جانبها الأيسر، على وجه يكون الولد في بطنها مستقبلا (17).

و الأحوط العمل بذلك في مطلق الجنين و لو لم تلج الروح فيه، بل

______________________________

(16) لخبر سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال: «كيف صنعتم بعمّي زيد؟ قلت: إنّهم كانوا يحرسونه فلما شف الناس أخذنا جثته فدفناه في جرف على شاطئ الفرات فلما أصبحوا جالت الخيول يطلبونه فوجدوه، فأحرقوه. فقال عليه السّلام: «أ فلا أوقرتموه حديدا و ألقيتموه في الفرات، صلّى اللّه عليه و لعن قاتله» (1).

إن قلت: في إلقائه في البحر أيضا يخاف عليه من الحيوانات البحرية.

قلت: الخوف منها كالخوف من حيوانات القبر، فيكون مدار الإلقاء في البحر هو الخوف من التمثيل و التنكيل في ظاهر الأرض و سطحه لا ما يفعل بالميت في داخل القبر و الماء من الحيوانات.

(17) لوجوب دفن المسلم مطلقا مستقبل القبلة و لا يحصل إلّا بذلك، و لا دليل على شق البطن و إخراج الجنين، بل مقتضى الأصل و المرتكزات عدم جوازه مع إمكان تحصيل الاستقبال بهذا النحو و يدل على عدم جواز شق البطن خبر يونس قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يكون له الجارية اليهودية و النصرانية فيواقعها فتحمل ثمَّ يدعوها إلى أن تسلم فتأبى عليه فدنا ولادتها فماتت و هي تطلق و الولد في بطنها و مات الولد، أ يدفن معها على النصرانية، أو يخرج منها و يدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب: يدفن معها» (2).

ص: 170


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الدفن حديث: 2.

لا يخلو عن قوة (18).

مسألة 4: لا يعتبر في الدفن قصد القربة

(مسألة 4): لا يعتبر في الدفن قصد القربة (19)، بل يكفي دفن الصبيّ إذا علم أنّه أتى به بشرائطه و لو علم أنّه ما قصد القربة.

مسألة 5: إذا خيف عى الميت من إخراج السبع إياه وجب إحكام القبر بما يوجب حفظه

(مسألة 5): إذا خيف على الميت من إخراج السبع إياه وجب إحكام القبر بما يوجب حفظه- من القير و الآجر و نحو ذلك- كما أنّ في السفينة إذا أريد إلقاؤه في البحر لا بدّ من اختيار مكان مأمون من بلع حيوانات البحر إياه بمجرد الإلقاء (20).

مسألة 6: مئونة الإلقاء في البحر

(مسألة 6): مئونة الإلقاء في البحر من الحجر، أو الحديد الذي يثقّل به، أو الخابية التي يوضع فيها- تخرج من أصل التركة،

______________________________

لكنّه لا بدّ من تقييد إطلاقه بما مر من لزوم تحصيل الاستقبال بالنسبة إلى الجنين.

(18) لتغليب جانب الإسلام مهما أمكن.

فرع: لو ماتت المرأة المسلمة مع جنينها في بطنها، فلا إشكال في وجوب دفن المرأة مستقبلة القبلة، و هل يجب تقليب الجنين مع الإمكان عرفا مقدمة لاستقباله، أو يجب إخراجه إن أمكن بسهولة، أو يدفن مع كونه في رحم أمه و لو كان مستدبر القبلة؟ الظاهر هو الأول مع عدم المحذور مقدمة لتحصيل الاستقبال بالنسبة إلى الجنين أيضا.

(19) للأصل و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، بل يكفي حصوله بمثل الريح أيضا مع تحقق الشرائط.

(20) كلّ ذلك تحفظا على الغرض من الدفن مهما أمكن و هو عدم العرضة للفساد حتّى المقدور.

ص: 171

و كذا في الآجر و القير و الساروج في موضع الحاجة إليها (21).

مسألة 7: يشترط في الدفن أيضا إذن الولي

(مسألة 7): يشترط في الدفن أيضا إذن الولي كالصلاة و غيرها (22).

مسألة 8: إذا اشتبهت القبلة يعمل بالظن

(مسألة 8): إذا اشتبهت القبلة يعمل بالظن (23)، و مع عدمه أيضا يسقط وجوب الاستقبال (24)، إن لم يمكن تحصيل العلم و لو بالتأخير على وجه لا يضر بالميت و لا بالمباشرين.

مسألة 9: الأحوط إجراء أحكام المسلم على الطفل المتولد من الزنا من الطرفين

(مسألة 9): الأحوط إجراء أحكام المسلم على الطفل المتولد من الزنا من الطرفين إذا كانا مسلمين، أو كان أحدهما مسلما (25). و أما إذا كان الزنا من أحد الطرفين و كان الطرف الآخر مسلما فلا إشكال في

______________________________

(21) لما تقدم في [المسألة 19] من فصل التكفين فراجع، إذ المقام متحد معها.

(22) إجماعا و نصّا (1) تقدم في فصل الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيز الميت.

(23) لانحصار طريق الامتثال فيه عرفا، فيجب قهرا.

(24) لعدم التمكن من امتثال الاستقبال، فيسقط التكليف به، و مع إمكان التأخير وجب ذلك، لإطلاق الأدلة.

(25) لعدم ثبوت كفر ولد الزنا. و ما دل على نفي التبعية (2) إنّما هو بالنسبة إلى الإرث فقط لا سائر الجهات، و قد تقدم في [المسألة 1] من نجاسة الكافر فراجع. و يمكن أن يقال: إنّ التبعية الدينية من فروع التبعية التكوينية لا الإرثية الشرعية، و يشهد له تغليب الفقهاء حكم الإسلام مهما أمكنهم ذلك.

ص: 172


1- تقدم في الجزء الثالث ص: 382.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة.

جريان أحكام المسلم عليه (26).

مسألة 10: لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكفار

(مسألة 10): لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكفار، كما لا يجوز العكس أيضا (27). نعم، إذا اشتبه المسلم و الكافر. يجوز دفنهما في مقبرة المسلمين (28)، و إذا دفن أحدهما في مقبرة الآخرين يجوز النبش، أما الكافر فلعدم الحرمة له، و أما المسلم فلأنّ مقتضى احترامه عدم كونه مع الكفار.

مسألة 11: لا يجوز دفن المسلم في مثل المزبلة و البالوعة و نحوهما مما هو هتك لحرمته

(مسألة 11): لا يجوز دفن المسلم في مثل المزبلة و البالوعة و نحوهما مما هو هتك لحرمته (29).

مسألة 12: لا يجوز الدفن في المكان المغصوب

(مسألة 12): لا يجوز الدفن في المكان المغصوب (30)، و كذا في الأراضي الموقوفة لغير الدفن فلا يجوز الدفن في المساجد و المدارس و نحوهما، كما لا يجوز الدفن في قبر الغير قبل اندراس ميته (31).

______________________________

(26) لثبوت التبعية الشرعية و التكوينية بالنسبة إلى غير الزاني فتشمله أحكام الإسلام لا محالة.

(27) إجماعا في الصورتين مع أنّه هتك بالنسبة إلى المسلم، مضافا إلى أنّه معرض لوحشة المسلم لما ينزل على الكافر من العذاب.

(28) لظهور الاتفاق، و هذا من إحدى موارد تغليب جانب الإسلام.

(29) للإجماع، و ما دل على أنّ حرمة المسلم ميتا كحرمته حيّا، و قد تقدم (1).

(30) بضرورة من المذهب بل الدين، و لو عصى و دفن فيه يجب النبش، كما يأتي.

(31) كلّ ذلك لعدم جواز التصرف فيما يتعلق بالغير عينا أو منفعة أو

ص: 173


1- راجع ص: 27.
مسألة 13: يجب دفن الأجزاء المبانة من الميت

(مسألة 13): يجب دفن الأجزاء المبانة من الميت (32) حتّى الشعر و السنّ و الظفر (33). و أما السنّ أو الظفر من الحيّ فلا يجب

______________________________

حقا، مضافا إلى سيرة المتشرعة- خلفا عن سلف- على عدم الدفن في المساجد و المدارس و نحوهما، و عدم الدفن في قبر الغير قبل الاندراس و المرجع في الاندراس العرف، و الظاهر اختلافه باختلاف الأمكنة و سائر الجهات، و لو شك فيه فمقتضى الأصل عدمه فلا يجوز الدفن في مشكوك الاندراس، و يأتي بقية الكلام في أحكام النبش. و ما ورد في دفن الأنبياء بين الركن و المقام، و دفن إسماعيل بناته في الحجر(1) يمكن أن يكون قبل عروض المسجدية لما حول الكعبة المشرفة و يشهد له بعض الأخبار (2).

(32): إجماعا و نصّا، قال أبو جعفر في موثق عمار: «إنّ عليا وجد قطعا من ميت فجمعت ثمَّ صلّى عليها، ثمَّ دفنت» (3).

و كذا يدل عليه ما دل على وجوب دفن الشعر و الظفر إما بالمطابقة أو بالفحوى.

و خلاصة الكلام: إنّ الأجزاء المبانة إما تبان من الحيّ أو تبان بالموت- كما إذا قتل بتقطيع أجزائه- أو تبان بعد الموت، ففي الأخيرين يجب الدفن و سائر التجهيزات على ما تقدم تفصيله في [المسألة 12] من غسل الميت و [المسألة 6] من الصلاة على الميت. و أما الأول فالأحوط- أيضا- إجراء أحكام القسمين الأخيرين عليه، و نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأكثر، و يظهر من بعضهم الملازمة بين وجوب الغسل بمسه و بين ترتيب أحكام الميت عليه، و لكن ظاهر الأكثر ليس بإجماع معتبر، و حجية الملازمة أول الدعوى و لذا يظهر عن جمع منهم المحقق في الشرائع عدم الوجوب. و عدم تعرض المصنف (رحمه اللّه) له في المقام و في تغسيل الميت لم يظهر له وجه.

(33) نصّا و إجماعا. قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في مرسل ابن

ص: 174


1- راجع الوسائل باب: 30 من أبواب الطواف.
2- راجع الوسائل باب: 30 من أبواب الطواف.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

دفنهما (34) و إن كان معهما شي ء يسير من اللحم. نعم، يستحب دفنهما، بل يستحب حفظهما حتّى يدفنا معه، كما يظهر من وصية مولانا الباقر للصادق عليهما السّلام. و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:

أنّ النبيّ صلوات اللّه عليه و آله أمر بدفن أربعة: الشعر و السن و الظفر و الدم. و عن عائشة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أنّه أمر بدفن سبعة أشياء: الأربعة المذكورة و الحيض و المشيمة و العلقة.

مسألة 14: إذا مات شخص في البئر و لم يمكن إخراجه يجب أن يسدّ و يجعل قبرا له

(مسألة 14): إذا مات شخص في البئر و لم يمكن إخراجه يجب أن يسدّ و يجعل قبرا له (35).

مسألة 15: إذا مات الجنين في بطن الحامل و خيف عليها من بقائه وجب التوصل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق

(مسألة 15): إذا مات الجنين في بطن الحامل و خيف عليها من بقائه وجب التوصل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق و لو بتقطيعه قطعة

______________________________

أبي عمير: «لا يمس عن الميت شعر و لا ظفر، و إن سقط منه فاجعله في كفنه» (1).

و تقدم ذلك في [المسألة 1] من فصل مكروهات الغسل أيضا، فراجع.

و عن المعتبر دعوى الإجماع على وجوب غسله أيضا.

(34) للأصل و ظهور الإجماع.

(35) إذ لا طريق لحفظ حرمته و عدم انتهاكه حينئذ إلّا بذلك، و عن علاء بن سيابة عن الصادق عليه السّلام: «في بئر محرج وقع فيه رجل فمات فلم يمكن إخراجه من البئر، أ يتوضأ من تلك البئر؟ قال: لا يتوضأ فيه، يعطّل و يجعل قبرا، و إن أمكن إخراجه أخرج و غسّل و دفن. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: حرمة المسلم ميتا كحرمته و هو حيّ سواء» (2).

ص: 175


1- الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب الدفن حديث: 1.

قطعة (36). و يجب أن يكون المباشر النساء (37) أو زوجها، و مع عدمهما فالمحارم من الرجال (38) فإن تعذر فالأجانب حفظا لنفسها المحترمة. و لو ماتت الحامل و كان الجنين حيّا وجب إخراجه و لو بشق بطنها (39)، ..

______________________________

(36) للإجماع، و الاعتبار القطعي، و إطلاق قول عليّ عليه السّلام: «في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوّف عليها، قال عليه السّلام: لا بأس بأن يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه» (1).

المحمول على ما ذكر من التفصيل إجماعا.

فرع: لو أمكن إخراج الطفل الميت سالما بشق بطن الحامل و خياطتها مع العلم بسلامتها، هل يجوز ذلك أو لا؟ وجهان، لا يبعد الجواز مقدمة لعدم تقطيع الطفل مهما أمكن.

(37) لأصالة عدم جواز مسّ العورة و النظر إليها إلّا فيما جوزه الشارع، و منه يعلم أنّ الزوج مقدم على النساء. إلّا أن يقال: إنّ ذلك عادة جارية لم يردع عنها الشارع عند الحاجة العرفية.

(38) لأنّ الأمر يدور بين ارتكاب محظورين أو محظور واحد، و في المحارم لا محظور في المسّ بالنسبة إليهم، و إنّما هو النظر إلى العورة فقط، فيقدم ذو المحظور الواحد على غيره.

(39) لقول أبي الحسن عليه السّلام في خبر عليّ بن يقطين: «عن المرأة تموت و ولدها في بطنها، قال: يشق بطنها و يخرج ولدها» (2).

و في موثق ابن بكير قال أبو جعفر عليه السّلام: «يشق بطن الميت و يستخرج الولد» (3). و نحوهما من الأخبار، و يدل عليه قاعدة المقدمية أيضا.

و لا بدّ و أن يكون ذلك فورا تحفظا على حياة الولد مهما أمكن فلا يجوز التأخير.

ص: 176


1- الوسائل باب: 46 من أبواب الاحتضار حديث: 3.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب الاحتضار حديث: 8.

فيشق جنبها الأيسر (40) و يخرج الطفل، ثمَّ يخاط و تدفن (41)، و لا فرق في ذلك بين رجاء حياة الطفل بعد الإخراج و عدمه (42). و لو خيف مع حياتهما على كلّ منهما انتظر حتّى يقضي (43).

______________________________

(40) لما هو المعروف بين الأصحاب و يشهد له الاعتبار، و في الرضوي قال عليه السّلام: «و إذا ماتت المرأة و هي حامل و ولدها يتحرك في بطنها شق بطنها من الجانب الأيسر» (1).

(41) لقول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن أبي عمير: «في المرأة تموت و يتحرك الولد في بطنها، أ يشق بطنها و يخرج الولد؟ قال: نعم، و يخاط بطنها»(2).

و يدل عليه أيضا التحفظ على عدم خروج بعض ما في جوفها عند الغسل و الحمل و إدخال القبر.

(42) للعموم و الإطلاق الشامل لهما.

(43) لعدم ثبوت ترجيح شرعي لإبقاء حياة كلّ منهما بالنسبة إلى الآخر فلا بدّ من انتظار القضاء و القدر.

ص: 177


1- مستدرك الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
فصل في المستحبات قبل الدفن و حينه و بعده
اشارة

(فصل في المستحبات قبل الدفن و حينه و بعده) و هي أمور:

الأول: أن يكون عمق القبر إلى الترقوة

الأول: أن يكون عمق القبر إلى الترقوة، أو إلى قامة (1) و يحتمل كراهة الأزيد (2).

الثاني: أن يجعل له لحدّ

الثاني: أن يجعل له لحدّ (3) ..

(فصل في المستحبات قبل الدفن و حينه و بعده)

______________________________

(1) إجماعا و نصّا، قال الصادق عليه السّلام في خبر ابن أبي عمير: «حد القبر إلى الترقوة، و قال بعضهم: إلى الثدي، و قال بعضهم: قامة الرجل- الحديث-»(1).

و المراد نقل ابن أبي عمير عن بعض الرواة عن المعصوم عليه السّلام فيكون كلّ من القولين من مرسل ابن أبي عمير.

(2) لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع» (2).

بدعوى أنّها متقاربة مع القامة.

(3) لإجماع الإمامية و تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله، ففي صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لحد له أبو طلحة الأنصاري»(3).

ص: 178


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الدفن حديث: 1.

مما يلي القبلة (4) في الأرض الصلبة بأن يحفر بقدر بدن الميت في الطول و العرض و بمقدار ما يمكن جلوس الميت فيه في العمق (5)، و يشق في الأرض الرخوة وسط القبر شبه النهر، فيوضع فيه الميت و يسقف عليه (6).

______________________________

و قول أبي جعفر في خبر ابن همام: «فإن قيل لكم: إنّ رسول اللّه لحد له فقد صدقوا» (1).

(4) لملازمة ذلك لوجوب وضعه مستقبل القبلة، فيجب مقدمة.

(5) لمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و أما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس» (2).

و عليه يحمل قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا»(3).

(6) لصحيح الحلبي قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ أبي كتب في وصيته- إلى أن قال:- و شققت له الأرض من أجل أنّه كان بادنا» (4).

و الظاهر أنّ قوله عليه السّلام: «كان بادنا»- أي سمينا- من باب المثال، فيشمل جميع موارد العذر العرفي لعدم تيسير اللحد، و منه كون الأرض رخوة، و في خبر إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال أبو جعفر عليه السّلام حين أحضر: «إذا أنا مت فاحفروا لي أو شقوا لي شقا» (5).

ثمَّ إنّ الشق يسمّى ضريحا أيضا، و يدل على جعل السقف و تشريج اللحد بعد الإجماع قوله عليه السّلام: «و جعل عليّ عليه السّلام على قبر

ص: 179


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الدفن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الدفن حديث: 4.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الدفن حديث: 3.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب الدفن حديث: 2.
الثالث: أن يدفن في المقبرة القريبة

الثالث: أن يدفن في المقبرة القريبة (7) على ما ذكره بعض العلماء- إلّا أن يكون في البعيد مزية، بأن كانت مقبرة للصلحاء، أو كان الزائرون هناك أزيد (8).

الرابع: أن توضع الجنازة دون القبر بذراعين أو ثلاثة أو أزيد من ذلك

الرابع: أن توضع الجنازة دون القبر بذراعين أو ثلاثة أو أزيد من ذلك (9)، ثمَّ ينقل قليلا و يوضع، ثمَّ ينقل قليلا و يوضع، ثمَّ ينقل في الثالثة مترسلا ليأخذ الميت أهبته، بل يكره أن يدخل في القبر دفعة،

______________________________

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لبنا» (1).

و في خبر آخر: «ثمَّ تضع الطين و اللبن» (2).

و الظاهر كفاية كلّ ما يمنع وصول التراب إلى الميت و لو كان خشبا أو نحوه، و يشهد له ما يأتي في الثاني من فصل مكروهات الدفن.

(7) لكثرة الزائرين فيها قهرا، أو لأجل سهولة وصول أهل الميت إليه فيزورونه كثيرا.

(8) لكثرة الزائرين إليها فيزار من في جوارها أيضا مضافا إلى نزول البركات عليها من اللّه تعالى فتعمّ من في الجوار قهرا.

(9) لقول الصادق عليه السّلام: «لا تفدح ميتك بالقبر و لكن ضعه أسفل منه بذراعين أو ثلاثة أذرع و دعه حتّى يأخذ أهبته» (3).

و الفدح: الفجأة، و الأهبة: الاستعداد، و في خبر آخر عن أبي الحسن عليه السّلام إنّه قال: «إذا أتيت بالميت إلى شفير القبر فأمهله ساعة فإنّه يأخذ أهبته للسؤال» (4).

ص: 180


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 6.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الدفن حديث: 5.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب الدفن حديث: 4.

فإن للقبر أهوالا عظيمة (10).

الخامس: إن كان الميت رجلا يوضع في الدفعة الأخيرة

الخامس: إن كان الميت رجلا يوضع في الدفعة الأخيرة بحيث يكون رأسه عند ما يلي رجلي الميت في القبر، ثمَّ يدخل في القبر طولا من طرف رأسه، أي يدخل رأسه أولا، و إن كان امرأة توضع في طرف القبلة ثمَّ تدخل عرضا (11).

______________________________

(10) لخبر العلل: «إذا أتيت بالميت القبر فلا تفدح به القبر فإنّ للقبر أهوالا عظيمة و تعوّذ باللّه من هول المطّلع، و لكن ضعه قرب شفير القبر و اصبر عليه هنيئة ثمَّ قدّمه قليلا و اصبر عليه ليأخذ أهبته ثمَّ قدّمه إلى شفير القبر»(1).

و يستفاد منها كراهة إدخاله القبر دفعة.

(11) للنص و الإجماع. قال الصادق عليه السّلام في موثق عمار: «لكلّ شي ء باب و باب القبر مما يلي الرجلين، إذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين» (2).

و في خبر آخر (3) قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «إنّ لكلّ بيت بابا و إنّ باب القبر من قبل الرجلين».

و عن عليّ عليه السّلام: «يسلّ الرجل سلا، و تستقبل المرأة استقبالا» (4).

و عن الصادق عليه السّلام: «إذا أدخلت الميت القبر إن كان رجلا يسلّ سلا، و المرأة تؤخذ عرضا فإنّه أستر» (5).

و معنى السل الإخراج بالرفق و قد استفاضت الأخبار بالأمر بالسل من قبل

ص: 181


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الدفن حديث: 6.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الدفن حديث: 6.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب الدفن حديث: 7.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب الدفن حديث: 2.
5- الوسائل باب: 38 من أبواب الدفن حديث: 1.
السادس: أن يغطّى القبر بثوب عند إدخال المرأة

السادس: أن يغطّى القبر بثوب عند إدخال المرأة (12).

السابع: أن يسلّ من نعشه سلّا

السابع: أن يسلّ من نعشه سلّا، فيرسل إلى القبر برفق (13).

الثامن: الدعاء عند السل من النعش

الثامن: الدعاء عند السل من النعش (14) بأن يقول: «بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله. اللهم إلى رحمتك لا إلى عذابك. اللهم افسح له في قبره، و لقنه حجّته و ثبته بالقول الثابت، و قنا و إياه عذاب القبر».

و عند معاينة القبر (15): «اللهم اجعله روضة من رياض الجنة،

______________________________

الرجلين- يعني يوضع النعش عند رجل القبر و تسلّ الجنازة و تدخل في القبر من طرف رأسها- إن كان رجلا، و المدرك في إدخاله القبر من طرف الرأس منحصر بالإجماع، و إلّا فالسلّ أعم من ذلك.

(12) نصّا و إجماعا، و اعتبارا. قال الصادق عليه السّلام: «يغشى قبر المرأة بالثوب، و لا يغشى قبر الرجل، و قد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله شاهد فلم ينكر ذلك» (1).

و مقتضى هذا الحديث كراهته للرجل.

(13) لقول الصادق عليه السّلام في خبر عجلان: «سلّه سلا رفيقا» (2).

و في صحيح الفضل عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «و الميت يسلّ من قبل رجليه و يرفق به إذا أدخله قبره» (3).

(14) كما رواه سماعة عن الصادق عليه السّلام (4).

(15) كما في الفقه الرضوي (5).

ص: 182


1- الوسائل باب: 50 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الصلاة على الميت حديث: 20.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 4.
5- مستدرك الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 6.

و لا تجعله حفرة من حفر النار».

و عند الوضع في القبر (16) يقول: «اللهم عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك نزل بك و أنت خير منزول به».

و بعد الوضع فيه (17) يقول: «اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و صاعد عمله و لقّه منك رضوانا».

و عند وضعه في اللحد (18) يقول: «بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، ثمَّ يقرأ فاتحة الكتاب و آية الكرسي و المعوذتين، و قل هو اللّه أحد»، و يقول: «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم».

و ما دام مشتغلا بالتشريج (19) يقول: «اللهم صل وحدته، و آنس وحشته، و آمن روعته، و أسكنه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك، فإنّما رحمتك للظالمين».

و عند الخروج من القبر يقول: «إنّا للّه و إنا إليه راجعون، اللهم

______________________________

(16) كما في موثق سماعة و غيره (1).

(17) لقول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «إنّ عليّا بن الحسين عليه السّلام يقول ذلك»(2).

(18) كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام،، و خبر محمد بن عجلان عن الصادق عليه السّلام (3).

(19) كما في موثق إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام (4).

ص: 183


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 4.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الدفن حديث: 6.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الدفن حديث: 8.

ارفع درجته في عليين، و اخلف على عقبه في الغابرين، و عندك نحتسبه يا ربّ العالمين» (20).

و عند إهالة التراب عليه (21) يقول: «إنا للّه و إنا إليه راجعون.

اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و أصعد إليك بروحه، و لقّه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك»، و أيضا يقول: «إيمانا بك و تصديقا ببعثك هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله. اللهم زدنا إيمانا و تسليما» (22).

التاسع: أن تحلّ عقد الكفن بعد الوضع في القبر

التاسع: أن تحلّ عقد الكفن بعد الوضع في القبر، و يبدأ من طرف الرأس (23).

العاشر: أن يحسر عن وجهه

العاشر: أن يحسر عن وجهه. و يجعل خده على الأرض و يعمل

______________________________

(20) لقول الصادق عليه السّلام في موثق إسحاق بن عمار (1).

(21) كما في خبر سالم بن مكرم عن الصادق عليه السّلام (2) بالنسبة إلى الاسترجاع، و صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام بالنسبة إلى البقية (3).

(22) كما في خبر ابن أذينة عن الصادق عليه السّلام (4).

(23) فعن الصادق عليه السّلام: «إذا وضعته في لحده فحلّ عقده» (5).

و عنه عليه السّلام أيضا: «و يحل عقد كفنه كلّها»(6).

ص: 184


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 6.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 2.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الدفن حديث: 2.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب الدفن حديث: 4.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب الدفن حديث: 5.

له وسادة من تراب (24).

الحادي عشر: أن يسند ظهره بلبنة أو مدرة

الحادي عشر: أن يسند ظهره بلبنة أو مدرة لئلا يستلقي على قفاه (25).

الثاني عشر: جعل مقدار لبنة من تربة الحسين عليه السّلام تلقاء وجهه

الثاني عشر: جعل مقدار لبنة من تربة الحسين عليه السّلام تلقاء وجهه (26)، بحيث لا تصل إليه النجاسة بعد الانفجار.

______________________________

و عنه عليه السّلام أيضا: «يشق الكفن من عند رأس الميت إذا أدخل قبره» (1).

و المراد بالشق الحل أيضا.

(24) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر سالم: «يجعل له وسادة من تراب، و يحلّ عقد كفنه كلّها و يكشف عن وجهه» (2).

و قال عليه السّلام- أيضا- في خبر ابن سنان: «و ليكشف عن خده الأيمن حتّى يفضي به إلى الأرض»(3).

و قال عليه السّلام في صحيح ابن يقطين: «فإن قدر أن يحسر عن خده و يلصقه بالأرض فليفعل» (4).

(25) لقول الصادق عليه السّلام في خبر سالم بن مكرم: «و يجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي» (5).

(26) لما عن أبي الحسن عليه السّلام: «ما على أحدكم إذا دفن الميت و وسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين و لا يضعها تحت رأسه» (6).

ص: 185


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الدفن حديث: 6.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- الوسائل: 20 من أبواب الدفن حديث: 4.
4- الوسائل: 20 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 5.
6- الوسائل باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 3.
الثالث عشر: تلقينه بعد الوضع في اللحد قبل الستر باللبن

الثالث عشر: تلقينه (27) بعد الوضع في اللحد قبل الستر باللبن (28)، بأن يضرب بيده على منكبه الأيمن، و يضع يده اليسرى على منكبه الأيسر بقوّة، و يدني فمه إلى أذنه و يحرّكه تحريكا شديدا (29)، ثمَّ يقول: «يا فلان بن فلان اسمع افهم» ثلاث مرّات «اللّه ربّك، و محمد نبيك، و الإسلام دينك، و القرآن كتابك، و عليّ

______________________________

و المراد بالطين طين قبر الحسين عليه السّلام كما هو المعهود عند الشيعة، و في توقيع الحميري عن الحجة عليه السّلام: «أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت فأجاب عليه السّلام: و يضع مع الميت في قبره و يخلط بحنوطه» (1).

(27) المستفاد من الأخبار أنّ التلقين مندوب في مواضع ثلاثة: حال الاحتضار، كما تقدم في فصل «ما يتعلق بالمحتضر»، عند قوله (رحمه اللّه):

«الثاني تلقينه ..» و حال الوضع في القبر، و حال الانصراف، كما يأتي في الرابع و العشرين. و يدل على استحباب التلقين في المقام مضافا إلى الإجماع فتوى و عملا، نصوص مستفيضة (2).

(28) لأنّه المنساق مما دل من الأخبار على أن يدني فمه إلى سمعه، أو أن يضرب بيديه على منكبه، كما يأتي.

(29) لقول الصادق عليه السّلام في خبر سالم بن مكرم: «ثمَّ تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن، و تضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر و تحركه تحريكا شديدا و تقول- الحديث-» (3).

و قال عليه السّلام- أيضا- في خبر محفوظ الإسكاف: «و يدني فمه إلى سمعه، و يقول: اسمع افهم ثلاث مرات» (4).

ص: 186


1- الوسائل باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 5.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الدفن حديث: 4.

إمامك، و الحسن إمامك .. (إلى آخر الأئمة) أ فهمت يا فلان» و يعيد عليه هذا التلقين ثلاث مرّات (30).

ثمَّ يقول: «ثبتك اللّه بالقول الثابت، و هداك اللّه إلى صراط مستقيم، عرّف اللّه بينك و بين أوليائك في مستقرّ من رحمته، اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و أصعد بروحه إليك، و لقّه منك برهانا اللهم عفوك عفوك» (31).

و أجمع كلمة في التلقين (32) أن يقول: «اسمع افهم يا فلان ابن فلان» ثلاث مرّات، ذاكرا اسمه و اسم أبيه، ثمَّ يقول: «هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله، و سيد النبيين، و خاتم المرسلين، و أنّ عليّا أمير المؤمنين، و سيد الوصيين، و إماما افترض اللّه طاعته على العالمين، و أنّ الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمد بن عليّ و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و عليّ بن موسى و محمد بن عليّ و عليّ بن محمد و الحسن بن عليّ و القائم الحجة

______________________________

(30) لقوله عليه السّلام في الخبر المزبور: «و أعدها عليه ثلاث مرات هذا التلقين».

(31) كما هو وارد في موثق ابن عمار (1).

(32) ذكر الشيخان و العلامة في المنتهى جملة من هذا التلقين، و ذكر في ذخيرة المعاد تمامه. و هو أجمع، لاشتماله على المهم من التلقينات الواردة في الأخبار المختلفة و جامع بينها و لا بأس بالعمل بالجميع، لأنّ المقصود تذكر الميت عقائده الحقّة بأيّ وجه حصل، و كلّما كان أجمع كان أولى و أحسن.

ص: 187


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 6.

المهدي صلوات اللّه عليهم، أئمة المؤمنين و حجج اللّه على الخلق أجمعين و أئمتك أئمة هدى بك أبرار.

يا فلان ابن فلان إذا أتاك الملكان المقربان رسولين من عند اللّه تبارك و تعالى و سألاك عن نبيّك و عن دينك و عن كتابك و عن قبلتك و عن أئمتك فلا تخف و لا تحزن، و قل في جوابهما:

اللّه ربّي، و محمد صلّى اللّه عليه و آله نبيّي، و الإسلام ديني، و القرآن كتابي، و الكعبة قبلتي، و أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إمامي، و الحسن بن عليّ المجتبى إمامي، و الحسين بن عليّ الشهيد بكربلاء إمامي، و عليّ زين العابدين إمامي، و محمد الباقر إمامي، و جعفر الصادق إمامي، و موسى الكاظم إمامي، و عليّ الرضا إمامي، و محمد الجواد إمامي، و عليّ الهادي إمامي، و الحسن العسكري إمامي، و الحجّة المنتظر إمامي.

هؤلاء صلوات اللّه عليهم أجمعين أئمتي و سادتي و قادتي و شفعائي، بهم أتولّى و من أعدائهم أتبرّأ في الدنيا و الآخرة.

ثمَّ اعلم يا فلان ابن فلان أنّ اللّه تبارك و تعالى نعم الربّ، و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله نعم الرّسول، و أنّ عليّ بن أبي طالب و أولاده المعصومين الأئمة الاثني عشر نعم الأئمة، و أنّ ما جاء به محمد صلّى اللّه عليه و آله حقّ، و أنّ الموت حقّ، و سؤال منكر و نكير في القبر حقّ، و البعث حقّ، و النشور حقّ، و الصراط حقّ، و الميزان حقّ، و تطاير الكتب حقّ، و أنّ الجنة حقّ، و النار حقّ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللّه يبعث من في القبور».

ثمَّ يقول: «أ فهمت يا فلان» (33).

______________________________

(33) لقول الصادق عليه السّلام في موثق عمار: «ثمَّ تقول: أ فهمت

ص: 188

و في الحديث إنّه يقول: فهمت، ثمَّ يقول: «ثبتك اللّه بالقول الثابت، و هداك اللّه إلى صراط مستقيم، عرّف اللّه بينك و بين أوليائك في مستقرّ من رحمته»، ثمَّ يقول: «اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و أصعد بروحه إليك، و لقّنه منك برهانا، اللهم عفوك عفوك».

و الأولى أن يلقن بما ذكر من العربي و بلسان الميت أيضا إن كان غير عربي (34).

الرابع عشر: أن يسدّ اللحد باللبن

الرابع عشر: أن يسدّ اللحد باللبن لحفظ الميت من وقوع التراب عليه. و الأولى الابتداء من طرف رأسه و إن أحكمت بالطين كان أحسن (35).

______________________________

يا فلان، قال عليه السّلام: فإنّه يجيب و يقول: نعم» (1).

(34) ذكر ذلك في الذخيرة و المستند و يمكن أن يقال: إنّه و إن كان بالعربي، و لكن الحالة حالة يعرفها الملقن إليه بالقرائن، لأنّ كلّ ذي شعور يعلم أنّه يلقن في مثل تلك الحالة ما ينفعه في الآخرة و عقائده الحقة لا غيرها، فالملقن به معلوم لكلّ أحد إجمالا، و لعله لذلك لم يتعرض في الروايات لهذه الجهة.

(35): لقول الصادق عليه السّلام في خبر أبان: «جعل عليّ عليه السّلام على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لبنا، فقيل: أرأيت إن جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت؟ قال عليه السّلام: لا» (2).

و عنه عليه السّلام أيضا: «إذا وضعته في قبره .. إلى أن قال: ثمَّ تضع الطين و اللبن» (3).

و عنه عليه السّلام أيضا: «إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نزل حتّى لحد

ص: 189


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 6.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 6.
الخامس عشر: أن يخرج المباشر من طرف الرجلين

الخامس عشر: أن يخرج المباشر من طرف الرجلين، فإنّه باب القبر (36).

السادس عشر: أن يكون من يضعه في القبر على طهارة

السادس عشر: أن يكون من يضعه في القبر على طهارة (37)

______________________________

سعد بن معاذ و سوّى اللبن عليه، و جعل يقول ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا يسد به ما بين اللبن فلما فرغ و حثا التراب و سوّى قبره، قال صلّى اللّه عليه و آله: «إنّي لأعلم أنّه سيبلى و يصل إليه البلاء و لكنّ اللّه يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه» (1).

و أما الابتداء من طرف الرأس فلم أظفر على نص فيه عاجلا، و في المستند إنّه عمل العارفين من الطائفة، و يمكن أن يشهد عليه بما ورد في رش الماء من الابتداء به من الرأس (2)، و بأنّ العادة جارية بإتمام الباب بعد الفراغ عن سائر الدار و طرف الرجلين باب القبر كما تقدم، و بما ورد في حلّ عقد الكفن من طرف الرأس (3)، و يمكن أن يستشهد أيضا بصحيحة محمد بن مسلم قال: «كنت مع أبي جعفر عليه السّلام في جنازة رجل من أصحابنا فلما أن دفنوه قام إلى قبره فحثا التراب عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفه- الحديث-» (4).

(36) لقول الصادق عليه السّلام: «من دخل القبر فلا يخرج إلّا من قبل الرجلين» (5)، و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «إنّ لكلّ بيت بابا، و إنّ باب القبر من قبل الرجلين» (6).

(37): لقول الصادق في صحيح ابن مسلم: «توضأ إذا أدخلت الميت القبر»(7).

ص: 190


1- الوسائل باب: 60 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب الدفن.
3- راجع الوسائل باب: 19 من أبواب الدفن.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الدفن حديث: 3.
5- الوسائل باب: 23 من أبواب الدفن حديث: 1.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب الدفن حديث: 7.
7- الوسائل باب: 53 من أبواب الدفن حديث: 1.

مكشوف الرأس نازعا عمامته و رداءه و نعليه، بل و خفية إلّا لضرورة (38).

السابع عشر: أن يهيل- غير ذي رحم- ممن حضر التراب عليه بظهر الكفّ

السابع عشر: أن يهيل- غير ذي رحم- ممن حضر التراب عليه بظهر الكفّ قائلا: «إنّا للّه و إنّا إليه راجعون» على ما مر (39).

الثامن عشر: أن يكون المباشر لوضع المرأة في القبر محارمها أو زوجها

الثامن عشر: أن يكون المباشر لوضع المرأة في القبر محارمها أو زوجها (40) ..

______________________________

و هو محمول على الندب بقرينة صحيحة الآخر عن أحدهما عليهما السّلام قال: قلت له: «من أدخل الميت القبر عليه وضوء؟ قال: لا، إلّا أن يتوضأ من تراب القبر إن شاء»(1).

(38) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر الحضرمي: «لا تنزل القبر و عليك العمامة و لا القلنسوة و لا رداء، و لا حذاء، و حلل أزرارك. قال: قلت:

و الخف. قال عليه السّلام: لا بأس بالخف في وقت الضرورة و التقية» (2).

و مثله غيره.

(39) تقدم عند قوله (رحمه اللّه): الثامن فراجع، و عن الصادق عليه السّلام: «ثمَّ احث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرات و قل: اللهم إيمانا بك و تصديقا بكتابك هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله» (3).

و في خبر محمد بن الأصبغ قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام و هو في جنازة فحثا التراب على القبر بظهر كفيه» (4).

و تأتي الكراهة بالنسبة إلى ذي الرحم في الرابع من مكروهات الدفن.

(40) لقول الصادق عليه السّلام في خبر السكوني: «مضت السنّة من

ص: 191


1- الوسائل باب: 53 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الدفن حديث: 4.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 5.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الدفن حديث: 5.

و مع عدمهما فأرحامها (41)، و إلّا فالأجانب (42) و لا يبعد يكون الأولى بالنسبة إلى الرجل الأجانب (43).

التاسع عشر: رفع القبر عن الأرض بمقدار أربع أصابع

التاسع عشر: رفع القبر عن الأرض بمقدار أربع أصابع مضمومة أو مفرجة (44).

______________________________

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أنّ المرأة لا يدخل قبرها إلّا من كان يراها في حال حياتها» (1).

و قوله عليه السّلام أيضا: «الزوج أحق بامرأته حتّى يضعها في قبرها» (2).

بناء على استفادة استحباب المباشرة عنه أيضا.

(41) لأنّه المأنوس من مذاق الشرع و المتشرعة، مع إمكان استفادته مما ورد في مراتب الأولياء، كما تقدم.

(42) لانحصار المباشرة فيهم حينئذ.

(43) لسيرة المتدينين و منافاة مباشرة النساء لدفن الرجل، لكثرة اهتمام الشارع بالتحفظ على تسترهنّ، و لعموم التعليل الوارد في خبر ابن عبد اللّه عن أبي الحسن موسى عليه السّلام: «و لكنّي لست آمن إذا حلّ أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان» (3).

و لكن لا ينافي ذلك أصل جوازه، للعمومات و الإطلاقات. ثمَّ إنّ تقديم الزوج و المحارم على الأرحام مبنيّ على كراهة نزول الأرحام في القبر مطلقا كما يأتي في فصل مكروهات الدفن و إلّا فالأرحام و المحارم في عرض واحد. نعم، المحرم أعم من الرحم، لأنّ الأب- مثلا- محرم لزوجة ابنه و يمكن أن لا يكون رحما لها، كما هو واضح.

(44) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «و يرفع القبر على الأرض أربع أصابع» (4).

ص: 192


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الدفن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الدفن حديث: 4.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الدفن حديث: 1.
العشرون: تربيع القبر

العشرون: تربيع القبر بمعنى: كونه ذا أربع زوايا قائمة و تسطيحه. و يكره تسنيمه، بل تركه أحوط (45).

الحادي و العشرون: أن يجعل على القبر

الحادي و العشرون: أن يجعل على القبر علامة (46).

______________________________

و عنه عليه السّلام: «قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ: يا علي ادفني في هذا المكان و ارفع قبري من الأرض أربع أصابع، ورش عليه من الماء» (1).

و عن الصادق عليه السّلام: «إنّ أبي أمرني أن أرفع القبر أربع أصابع مفرجات- الحديث-»(2).

و عنه عليه السّلام أيضا: «يستحب أن يدخل معه في قبره جريدة رطبة، و يرفع قبره أربع أصابع مضمومة» (3).

فآخر مراتب الفضل الانفراج و دونه الضم. و أما ما دل على أنّ قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رفع قدر شبر من الأرض (4)، فلا عبرة به لإعراض المشهور عنه، مع أنّه لم يستند فيه مقدار الرفع إلى المعصوم عليه السّلام.

(45) لقول الصادق عليه السّلام: «القبور تربع و لا تسنم» (5).

و عن الرضا عليه السّلام: «و يربع قبر الميت و لا يسنم» (6).

و لقد أوصى أبو جعفر ابنه الصادق عليه السّلام: «بأن يربع قبره و يرفعه أربعة أصابع» (7). و المتعارف في التربيع هو المستطيل دون الحقيقي.

(46) نصوصا منها: «إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لما دفن عثمان بن

ص: 193


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الدفن حديث: 3.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الدفن حديث: 4.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الدفن حديث: 4.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الدفن حديث: 8 و 10.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب الدفن حديث: 5.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب الصلاة على الميت حديث: 5.
7- الوسائل باب: 31 من أبواب الدفن حديث: 9.
الثاني و العشرون: أن يرش عليه الماء

الثاني و العشرون: أن يرش عليه الماء. و الأولى أن يستقبل القبلة و يبتدئ بالرش عند الرأس إلى الرجل، ثمَّ يدور به على القبر حتّى يرجع إلى الرأس، ثمَّ يرش على الوسط ما يفضل من الماء (47).

______________________________

مظعون دعا بحجر فوضعه عند رأس القبر و قال: يكون علما ليدفن إليه قرابته» (1).

و في خبر آخر: «لما رجع أبو الحسن موسى عليه السّلام من بغداد و مضى إلى المدينة ماتت له ابنة بفيد فدفنها و أمر بعض مواليه أن يجصص قبرها و يكتب على لوح اسمها و يجعله في القبر» (2).

هذا مضافا إلى السيرة، و أنّه نحو احترام بالميت، و يمكن أن يستظهر ذلك مما ورد فيما يأتي في الثالث و العشرين من فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ذلك ببني هاشم، هذا قبل البناء و أما هو فيأتي في الخامس و العشرين و السادس و الثلاثين.

(47) أما أصل استحباب الرش مطلقا فيدل عليه الإجماع و النصوص المتواترة، قال الصادق عليه السّلام في مرسل ابن أبي عمير: «يتجافى عنه العذاب ما دام النّدى في التراب» (3).

و في خبر طلحة عن الصادق عليه السّلام: «كان رش القبور على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» (4).

و أما الكيفية فلقول الصادق عليه السّلام: «فإذا سوّي قبره تصب على قبره الماء و تجعل القبر أمامك و أنت مستقبل القبلة، و تبدأ بصب الماء عند رأسه، و تدور به على قبره من أربع جوانبه حتّى ترجع إلى الرأس من غير أن تقطع الماء،

ص: 194


1- مستدرك الوسائل باب: 35 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب الدفن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب الدفن حديث: 2.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب الدفن حديث: 3.

و لا يبعد استحباب الرش إلى أربعين يوما أو أربعين شهرا (48).

الثالث و العشرون: أن يضع الحاضرون بعد الرش أصابعهم مفرجات على القبر بحيث يبقى أثرها

الثالث و العشرون: أن يضع الحاضرون بعد الرش أصابعهم مفرجات على القبر بحيث يبقى أثرها. و الأولى أن يكون مستقبل القبلة، و من طرف رأس الميت (49). و استحباب الوضع المذكور آكد بالنسبة إلى من لم يصلّ على الميت (50). و إذا كان الميت هاشميا

______________________________

فإن فضل من الماء شي ء فصبّه على وسط القبر» (1).

و الظاهر أنّ الكيفية من باب تعدد المطلوب فيحصل أصل الاستحباب بأيّ نحو حصل الصب.

(48) لما ورد من أنّ أبا الحسن الرضا عليه السّلام: «أمر برش الماء على قبر يونس بن يعقوب أربعين يوما (أو أربعين شهرا) في كلّ يوم مرة»(2).

و في المستند عن اختيار الرجال للكشي: «أنّه عليه السّلام أمر بذلك لقبر زميله محمد بن الحباب أيضا». و الزميل: هو الرفيق في السفر.

(49) لقول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح: «و إذا حثي عليه التراب و سوّي قبره، فضع كفّك على قبره عند رأسه و فرج أصابعك، و اغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء»(3).

و سأل عبد الرحمن مولانا الصادق عليه السّلام «كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟ فأشار بيده إلى الأرض و وضعها عليها، ثمَّ رفعها و هو مقابل القبلة» (4).

و في الرضوي: «ضع يدك على القبر و أنت مستقبل القبلة» (5).

(50) فعن إسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام:

ص: 195


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 5.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب الدفن حديث: 6.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 33 من أبواب الدفن حديث: 5.
5- مستدرك الوسائل باب: 31 من أبواب الدفن حديث: 2.

فالأولى أن يكون الوضع على وجه يكون أثر الأصابع أزيد بأن يزيد في غمز اليد (51).

و يستحب أن يقول حين الوضع: «بسم اللّه ختمتك من الشيطان أن يدخلك» (52). و أيضا يستحب أن يقرأ مستقبلا للقبلة: سبع مرّات إنّا أنزلناه (53)، ..

______________________________

إنّ أصحابنا يصنعون شيئا إذا حضروا الجنازة و دفن الميت لم يرجعوا حتّى يمسحوا أيديهم على القبر أ فسنّة ذلك أم بدعة؟ فقال عليه السّلام: ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه» (1).

المحمول على تأكد الندب إجماعا.

(51) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين، كان إذا صلّى على الهاشمي و نضح قبره بالماء، وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كفّه على القبر حتّى ترى أصابعه في الطين، فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فيقول:

من مات من آل محمد صلى اللّه عليه و آله؟» (2).

(52) كما في خبر دعائم الإسلام (3) و عن دعوات القطب الراوندي قال:

«و روي أنّه ينبغي أن تضع يدك على قبره عند رأسه تفرج أصابعك عليه بعد ما ينضع على القبر، و تقول: ختمت عليك من الشيطان أن يدخلك و من العذاب أن يمسك، ثمَّ تنصرف و تستغفر له» (4).

(53) أما قراءة إنّا أنزلناه سبع مرات فلنصوص كثيرة، قال أبو الحسن عليه السّلام: «من أتى قبر أخيه ثمَّ وضع يده على القبر و قرأ إنّا أنزلناه في ليلة

ص: 196


1- الوسائل باب: 33 من أبواب الدفن حديث: 3.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب الدفن حديث: 4.
3- مستدرك الوسائل باب: 31 من أبواب الدفن حديث: 4.
4- مستدرك الوسائل باب: 31 من أبواب الدفن حديث: 1.

و أن يستغفر له (54) و يقول: «اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و أصعد إليك روحه، و لقّه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك» (55)، أو يقول:

______________________________

القدر سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر» (1).

و في خبر آخر عنه عليه السّلام- أيضا-: «ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عليه إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات إلّا غفر اللّه له و لصاحب القبر»(2).

و أما الاستقبال فلأنّه خبر المجالس و مندوب على كلّ حال، و أقرب إلى استجابة الدعاء، و عن محمد بن إسماعيل بن بزيع أنّه سمع أبا جعفر عليه السّلام يقول: «من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره و استقبل القبلة و وضع يده على القبر فقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن من الفزع الأكبر» (3).

(54) للعمومات الدالة على استحبابه مطلقا للمؤمنين، و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و استغفر له ما استطعت» (4).

و نحوه في الرضوي (5)، و في خبر سالم بن مكرم: «ثمَّ ضع يدك على القبر و ادع للميت و استغفر له» (6).

و يشهد له أيضا ذيل خبر الراوندي المتقدم.

(55) ورد هذا الدعاء في خبر عبد اللّه بن عجلان (7)، و ابن محبوب عن أبي جعفر عليه السّلام (8) و الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام(9)بتعبيرات

ص: 197


1- الوسائل باب: 57 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب الدفن حديث: 3.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- مستدرك الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 6.
6- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 5.
7- الوسائل باب: 34 من أبواب الدفن حديث: 1، و راجع مستدرك الوسائل باب: 32 من أبواب الدفن حديث: 3.
8- الوسائل باب: 34 من أبواب الدفن حديث: 2، و راجع مستدرك الوسائل باب: 32 من أبواب الدفن حديث: 4.
9- الوسائل باب: 21 من أبواب الدفن حديث: 1.

«اللهم ارحم غربته، و صل وحدته، و آنس وحشته، و آمن روعته، و أفض عليه من رحمتك، و أسكن إليه من برد عفوك و سعة غفرانك و رحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سوك، و احشره مع من كان يتولاه» (56).

و لا تختص هذه الكيفية بهذه الحالة، بل يستحب عند زيارة كلّ مؤمن (57) قراءة إنّا أنزلناه سبع مرّات، و طلب المغفرة و قراءة الدعاء المذكور.

______________________________

مختلفة. و في صحيح محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«الموتى نزورهم؟ فقال: نعم، قلت: فأيّ شي ء نقول إذا أتيناهم؟ قال:

قل: اللهم جاف الأرض عن جنوبهم، و صاعد إليك أرواحهم، و لقهم منك رضوانا و أسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم، و تؤنس به وحشتهم إنّك على كلّ شي ء قدير»(1).

(56) كما ورد في خبر سالم بن مكرم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (2).

(57) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع الحالات و جميع المؤمنين و المؤمنات.

فروع (الأول): لا فرق في زيارة القبور بين كون الزائر قائما أو قاعدا، للإطلاقات. و في بعض الأخبار التصريح بالوقوف- كما في خبر ابن محبوب و عبد اللّه بن عجلان المتقدمين- و في بعضها التصريح بالجلوس- كما في خبر الصفار (3)، و محمد بن أحمد بن يحيى(4).

(الثاني): مقتضى الإطلاقات استحباب الاستقبال في زيارة المعصومين عليهم السّلام أيضا. نعم، ذكر في الدروس في آداب زيارة الأئمة أمورا أربعة عشر: منها: استقبال القبر و استدبار القبلة حال الزيارة، و لم يذكر لذلك مدركا

ص: 198


1- الوسائل باب 58 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب 21 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب الدفن حديث: 6.
4- الوسائل باب: 57 من أبواب الدفن حديث: 3.

.....

______________________________

و تبعه المجلسي في البحار و غيره من كتبه كالمزار، و جرت عليه السيرة بين العلماء و غيرهم، و لم أجد هذا التعبير فيما تفحصت عاجلا في النصوص و في زياراتهم عليهم السّلام، لأنّها مشتملة إما على قولهم عليهم السّلام: «تقف على القبر و تقول ..» (1). و نحوه. و إما على قولهم عليهم السّلام: «و تجعل القبلة بين كتفيك و القبر أمامك» (2) و هذا التعبير لا ينافي الاستقبال. و أما قولهم عليهم السّلام: «فاستقبل وجهك بوجهه و تجعل القبلة بين كتفيك» (3) و نحوه.

و هذه التعبيرات ظاهرة في الاستدبار، لكنّها غير مستندة إلى المعصوم عليه السّلام- و على أيّ تقدير- فلا يدل ذلك على مرجوحية الاستقبال، غاية الأمر التخيير في زيارة قبورهم عليهم السّلام الشريفة بين الاستقبال و الاستدبار، و كون الثاني أفضل بناء على ثبوت الأفضلية بذلك، و بناء على المسامحة فيها كالمسامحة في أصل الاستحباب. ثمَّ إنّه قد جرت سيرة الشيعة على زيارة أولاد الأئمة عليهم السّلام مستدبر القبلة أيضا، و لم أجد خبرا و لو ضعيفا على رجحانه، و مقتضى إطلاق الأدلة استحباب الاستقبال فيها أيضا.

(الثالث): لا بأس بزيارة النساء للقبور، للأصل، و النص. ففي صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: عاشت فاطمة بعد أبيها خمسة و سبعين يوما لم تر كاشرة و لا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرّتين الاثنين و الخميس» (4).

و في خبر آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كلّ غداة سبت فتأتي قبر حمزة و تترحم عليه و تستغفر له» (5).

و قد ورد استحباب زيارة النساء للحسين و سائر الأئمة عليهم السّلام فعن الصادق عليه السّلام في حديث أم سعيد الأحمسية: «إنّ زيارة الحسين

ص: 199


1- راجع الوسائل باب: 30 و غيره من أبواب المزار من كتاب الحج.
2- البحار ج 22 صفحة 62 و 67 للطبعة الحجرية.
3- الوسائل باب: 62 من أبواب المزار حديث: 1.
4- الوسائل باب: 55 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- الوسائل باب: 55 من أبواب الدفن حديث: 2.
الرابع و العشرون: أن يلقنه الوليّ أو من يأذن له تلقينا آخر بعد تمام الدفن

الرابع و العشرون: أن يلقنه الوليّ أو من يأذن له تلقينا آخر بعد تمام الدفن و رجوع الحاضرين بصوت عال بنحو ما ذكر فإنّ هذا التلقين يوجب عدم سؤال النكيرين منه (58) فالتلقين يستحب في ثلاثة مواضع:

______________________________

عليه السّلام واجبة على الرجال و النساء» (1).

هذا مع عدم المحذور، و إلّا فيكره، بل قد يحرم، و عليه يحمل ما ورد عن الصادق عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: «ليس على النساء عيادة مريض، و لا اتباع جنازة، و لا تقيم عند قبر» (2). بناء على شموله لمطلق الزيارة.

(الرابع): لو أراد أن يأتي بوظائف قبور المؤمنين عند زيارة قبور الأئمة عليهم السّلام- من قراءة الفاتحة، و سبع مرات إنّا أنزلناه الأولى أن يأتيها بعنوان الرجاء لا بقصد الورود، بل الأولى و الأحوط ترك بعض الدعوات الواردة لزيارة الأموات و لو بعنوان الرجاء، لكونها من إساءة الآداب بالنسبة إليهم عليهم السّلام.

(58) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر يحيى: «ما على أهل الميت منكم أن يدرأوا عن ميتهم لقاء منكر و نكير!! قلت: كيف نصنع؟ قال: إذا أفرد الميت فليستخلف عنده أولى الناس به فيضع فمه عند رأسه ثمَّ ينادي بأعلى صوته: يا فلان ابن فلان، أو يا فلانة بنت فلان .. إلى أن قال عليه السّلام:

فيقول منكر لنكير انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته» (3).

و في خبر آخر: «ينبغي أن يتخلف عند قبر الميت أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه، و يقبض على التراب بكفيه و يلقنه برفيع صوته، فإذا فعل ذلك كفى الميت المسألة في قبره» (4).

ص: 200


1- الوسائل باب: 39 من أبواب المزار حديث: 3.
2- الوسائل باب: 69 من أبواب الدفن حديث: 4.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب الدفن حديث: 3.

حال الاحتضار، و بعد الوضع في القبر، و بعد الدفن و رجوع الحاضرين. و بعضهم ذكر استحبابه بعد التكفين أيضا (59). و يستحب الاستقبال حال التلقين (60). و ينبغي في التلقين بعد الدفن وضع الفم عند الرأس (61) و قبض القبر بالكفين (62).

الخامس و العشرون: أن يكتب اسم الميت على القبر أو على لوح أو حجر

الخامس و العشرون: أن يكتب اسم الميت على القبر أو على لوح أو حجر، و ينصب عند رأسه (63).

______________________________

و الظاهر جواز استنابة الوليّ في ذلك، للسيرة و الإجماع.

(59) في الجواهر: «لم نقف على مستنده».

أقول: يمكن أن يقال برجحانه أيضا، لاقتضاء الحال ذلك، و لأنّه خير محض على كلّ حال.

(60) ليس عليه دليل في خصوص المقام. نعم، يشمله عموم ما دل على أنّه خير المجالس في كلّ مقام.

(61) لقوله عليه السّلام في خبر يحيى بن عبد اللّه المتقدم: «فيضع فمه عند رأسه».

(62) لقوله عليه السّلام: «و يقبض على التراب بكفيه و يلقنه».

(63) لسيرة المتشرعة، بل جميع الملل الذين يدفنون موتاهم، و في الخبر: «لما دفن عثمان بن مظعون دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بحجر فوضعه عند رأس القبر، و قال صلّى اللّه عليه و آله: يكون علما ليدفن إليه قرابته» (1)، و في خبر الدعائم: «أنّه صلّى اللّه عليه و آله كتب فيه اسمه أيضا».

و في خبر يونس: «لما رجع الكاظم عليه السّلام من بغداد و مضى إلى المدينة ماتت ابنة له عليه السّلام بفيد (و هو اسم مكان في طريق مكة) فأمر

ص: 201


1- مستدرك الوسائل باب: 35 من أبواب الدفن حديث: 1.
السادس و العشرون: أن يجعل في فمه فصّ عقيق

السادس و العشرون: أن يجعل في فمه فصّ عقيق (64) مكتوب عليه: «لا إله إلّا اللّه ربّي، محمد نبيي، عليّ و الحسن و الحسين .. (إلى آخر الأئمة) أئمتي».

السابع و العشرون: أن يوضع على قبره شي ء من الحصى على ما ذكره بعضهم

السابع و العشرون: أن يوضع على قبره شي ء من الحصى على ما ذكره بعضهم و الأولى كونها حمرا (65).

الثامن و العشرون: تعزية المصاب و تسليته

الثامن و العشرون: تعزية المصاب و تسليته (66) قبل الدفن

______________________________

عليه السّلام بعض مواليه أن يجصص قبرها، و يكتب على لوح اسمها و يجعلها في القبر» (1).

و في خبر آخر: «أنّ أم المهدي عليها السّلام ماتت في حياة أبي محمد عليه السّلام و على قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر أم محمد عليها السّلام» (2).

(64) نقله السيد ابن طاوس في فلاح السائل عن جده و رام بن أبي فراس أنّه أوصى بذلك، و قال: إنّه ممن يقتدى بفعله (3). و يكفي ذلك الاستحباب بناء على المسامحة حتّى بهذا و لكن بشرط أن لا يكون محذور شرعي في البين من عدم رضاء الورثة أو انطباق عنوان الإسراف عليه.

(65) تأسّيا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله حيث وضع الحصى على قبر ابنه إبراهيم (4) و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله محصب حصباء حمراء» (5).

(66) رجحانه ثابت عند جميع العقلاء، و بضرورة الدين، و قال

ص: 202


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب الدفن حديث: 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 79 من أبواب الدفن حديث: 9.
4- الوسائل باب: 60 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- الوسائل باب: 37 من أبواب الدفن حديث: 1.

و بعده، و الثاني أفضل (67)، و المرجع فيها إلى العرف، و يكفي في ثوابها رؤية المصاب إياه (68). و لا حدّ لزمانها و لو أدّت إلى تجديد حزن

______________________________

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من عزّى حزينا كسي في الموقف حلة يحبّر بها» (1).

و قال صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «من عزّى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر المصاب شي ء» (2).

و قال أبو جعفر عليه السّلام: «كان فيما ناجى به موسى ربّه قال: يا ربّ ما لمن عزّى الثكلى؟ قال: أظلّه في ظلّي يوم لا ظلّ إلّا ظلّي» (3).

(67) للإطلاق و الإجماع و الأصل، و النصّ، ففي صحيح هشام قال:

«رأيت موسى بن جعفر يعزّي قبل الدفن و بعده» (4).

و إن كان بعده أفضل، كما يشهد به الاعتبار، و لقول الصادق عليه السّلام:

«التعزية الواجبة بعد الدفن» (5).

و قوله عليه السّلام: «التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن» (6).

أي التعزية بالنحو الأفضل.

(68) لأنّها من العرفيات المختلفة باختلاف الأشخاص و الأعصار و الأمصار. و أما كفاية رؤية صاحب المصيبة إياه فلقول الصادق عليه السّلام:

«كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة» (7).

و الظاهر اكتفاء العرف بذلك أيضا، لأنّ لها مراتب متفاوتة بحسب الفضيلة فأدناها أن يراه صاحب المصيبة شرعا و عرفا.

ص: 203


1- الوسائل باب: 46 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب الدفن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب الدفن حديث: 3.
4- الوسائل باب: 47 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- الوسائل باب: 48 من أبواب الدفن حديث: 3.
6- الوسائل باب: 48 من أبواب الدفن حديث: 1.
7- الوسائل باب: 48 من أبواب الدفن حديث: 4.

قد نسي كان تركها أولى (69)، و يجوز الجلوس للتعزية و لا حدّ له أيضا، و حدّه بعضهم بيومين أو ثلاث، و بعضهم على أنّ الأزيد من يوم مكروه، و لكن إن كان الجلوس بقصد قراءة القرآن و الدعاء لا يبعد رجحانه (70).

______________________________

(69) أما عدم الحد لزمانها فللأصل و الإطلاق، و عدم ورود نص في هذا الأمر العام البلوى بالنسبة إلى التحديد. و أما أنّه إن أوجب تجديد الحزن فتركه أولى فلشهادة العرف بذلك، بل قد يحرم لجهات خارجية، و يمكن انقسامها بالأحكام الخمسة التكليفية بعوارض خارجية.

(70) أما أصل جواز الجلوس للتعزية فللأصل، و سيرة العلماء و المتشرعة في هذه الأعصار و ما قاربها و إن لم يعلم حال السلف أنّهم كانوا يجلسون لها، و يظهر من المعتبر العدم، و لكنّه أعم من الكراهة، و عن الشيخ في المبسوط و بعض آخر الكراهة، و ادعى الأول الإجماع عليها و أنكر ابن إدريس دعوى الإجماع أشدّ الإنكار. و أما أنّه لا حد له فللأصل و اختلاف ذلك بحسب الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة.

و عن جمع التحديد بثلاثة أيام لما دل على أنّ المأتم و الحداد و صنع الطعام لأهل الميت ثلاثة أيام (1). و لكن لا دلالة لشي ء من ذلك على تحديد التعزية بها، و إن لم تخلو عن إيماء عليه و أما الرجحان بقصد قراءة القرآن و تزاور الإخوان فلا ريب في رجحانه. و بالجملة الجلوس للتعزية يختلف حكمه بالأحكام الخمسة للجهات العارضة.

فروع- (الأول): لا يعتبر في التعزية المتعارفة أن يكون مصرفها من مال الميت فيجوز أن يقوم الغير بها تبرعا، أو من سهم سبيل اللّه، للأصل و الإطلاق، نعم، لو أوصى الميت بإقامتها يجب تنفيذها إن استجمعت الشرائط، و كذا يجوز لكبار الورثة إقامتها من سهامهم.

ص: 204


1- راجع الوسائل باب: 67 و باب 82 من الدفن.
التاسع و العشرون: إرسال الطعام إلى أهل الميت ثلاثة أيام

التاسع و العشرون: إرسال الطعام إلى أهل الميت ثلاثة أيام

______________________________

(الثاني): قد شاع الجلوس للتعزية بعد مضيّ أربعين يوما على موت الميت و بعد مضيّ السّنة أيضا، و الظاهر لحوق الأحكام الخمسة التكليفية بالنسبة إليها بحسب عروض العناوين الثانوية.

(الثالث): لا تجب قراءة الفاتحة و القرآن و الاسترحام للميت لمن ورد مجلس التعزية، للأصل و الإطلاقات. نعم، هو الأولى و الأفضل، بل قد يجب لجهات خارجية.

(الرابع): قد شاع في مجالس الفاتحة توزيع أجزاء من القرآن على الواردين و هو فعل حسن و إن لم أجد له مأخذا شرعيّا في النصوص و لا من الأسلاف، و على أيّ تقدير يجب احترام القرآن للموزع و الآخذ و لا يجب أخذه على الجالس، كما لا يجب قراءته لو أخذه، و كذلك لا يجب الإعلام بأنّه لم يقرأ، كلّ ذلك للأصل.

(الخامس): لو دار الأمر بين قراءة الفاتحة مكرّرا و قراءة القرآن بقدرها، الأفضل قراءة الفاتحة، لكثرة ما ورد في فضلها.

(السادس): لا يعتبر قصد القربة لا في إقامة مجلس التعزية، و لا في الذهاب إليها، للأصل و الإطلاق، و لكن الأولى اعتبارها فيهما، و يجوز الاستنابة في الذهاب إلى التعزية، لأصالة جوازها في المندوبات إلّا ما خرج بالدليل.

(السابع): لا يعتبر أن يكون مجلس التعزية في محلّ الدفن و في وطن الميت، بل يصح في كلّ محلّ اتفق، للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(الثامن): لا بأس بالتشريك في إقامة مجلس التعزية بأن يقام مجلس واحد لتعزية ميتين أو أكثر.

(التاسع): يستحب للشيعة حضور جنازة إخوانهم العامة و مجالس تعازيهم، بل قد يجب ذلك.

ص: 205

و يكره الأكل عندهم، و في الخبر إنّه عمل أهل الجاهلية (71).

الثلاثون: شهادة أربعين أو خمسين من المؤمنين للميت بخير

الثلاثون: شهادة أربعين أو خمسين من المؤمنين للميت بخير بأن يقولوا: «اللهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا و أنت أعلم به منّا» (72).

الواحد و الثلاثون: البكاء على المؤمن

الواحد و الثلاثون: البكاء على المؤمن (73).

______________________________

(71) لقول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «لما قتل جعفر بن أبي طالب أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السّلام أن تتخذ طعاما لأسماء بنت عميس ثلاثة أيام، و تأتيها و نساؤها و تقيم عندها ثلاثة أيام، فجرت بذلك السنّة أن يصنع لأهل المصيبة طعاما ثلاثا» (1).

و في خبر آخر قال الصادق عليه السّلام: «الأكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية، و السنّة البعث إليهم بالطعام كما أمر به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في آل جعفر بن أبي طالب لما جاء نعيه» (2).

(72) لقول الصادق عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد: «إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا: اللهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا و أنت أعلم به منا، قال اللّه تبارك و تعالى: قد أجزت شهادتكم و غفرت له ما علمت مما لا تعلمون» (3).

و قد ورد الخمسون في حديث سعد الإسكاف (4).

(73) بالنص و الإجماع و السيرة. ففي الحديث: «إنّ إبراهيم خليل الرحمن عليه السّلام سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته» (5).

و بكى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على ابنه إبراهيم، و قال: «تدمع

ص: 206


1- الوسائل باب: 67 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب الدفن حديث: 6.
3- الوسائل باب: 90 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 90 من أبواب الدفن حديث: 2.
5- الوسائل باب: 70 من أبواب الدفن حديث: 3.

.....

______________________________

العين و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب، و إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون» (1).

و عن الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب، و زيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا، و يقول: كانا يحدّثاني و يؤنساني فذهبا جميعا»(2).

و بكاء الصديقة البتول على الرسول صلّى اللّه عليه و آله مرويّ عن الطريقين (3)، و بكاء عليّ عليه السّلام على فقدان أصحابه مذكور في نهج البلاغة (4)، و قد ماتت ابنة لأبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام فناح عليها سنة، ثمَّ مات له ولد آخر فناح عليه سنة، ثمَّ مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح، فقيل له عليه السّلام: «أ يناح في دارك؟ فقال: «إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال لما مات حمزة: لكن حمزة لا بواكي له» (5).

و في دعوات الراوندي قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «يا رب أيّ عبادك أحب إليك!! قال: الذي يبكي لفقد الصالحين، كما يبكي الصبيّ على فقد أبويه» (6).

و الظاهر أنّه في الجملة من الأمور غير الاختيارية خصوصا بالنسبة إلى القلوب الرحيمة، و يشهد له قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «النفس مصابة و العين دامعة، و العهد قريب» (7).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنّما هي رقة و رحمة يجعلها اللّه في قلب من شاء من خلقه و يرحم اللّه من شاء و إنّما يرحم من عباده الرحماء»(8).

و قالوا: إنّ مفارقة الأحبة ملازم لجريان الدمعة، و من لا يحزن عند الفراق

ص: 207


1- راجع الوسائل باب: 87 من أبواب الدفن حديث: 3.
2- راجع الوسائل باب: 87 من أبواب الدفن حديث: 6.
3- راجع الوسائل باب: 87 من أبواب الدفن حديث: 7.
4- نهج البلاغة: الخطبة رقم: 177- الجزء الثاني ص: 124.
5- الوسائل باب: 70 من أبواب الدفن حديث: 2.
6- مستدرك الوسائل باب: 75 من أبواب الدفن حديث: 4.
7- مستدرك الوسائل باب: 74 من أبواب الدفن حديث: 5.
8- مستدرك الوسائل باب: 74 من أبواب الدفن حديث: 4.

الثاني و الثلاثون: أن يسلّي صاحب المصيبة نفسه بتذكر موت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّه أعظم المصائب (74).

الثالث و الثلاثون: الصّبر على المصيبة (75) و الاحتساب و التأسي

______________________________

ففيه شعبة من النفاق.

(74) لقول الصادق عليه السّلام: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصابه بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّه من أعظم المصائب» (1).

و في خبر آخر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنّه أعظم المصائب» (2).

(75) أما الصبر فيدل على رجحانه الأدلة الأربعة، و كفى فيه قوله تعالى:

وَ اللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ (3).

و قوله تعالى وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ (4).

و قوله تعالى وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (5).

أما السنّة فقد ورد فيها ما لا يحصى و لا يستقصي، فعن عليّ عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من صبر على المصيبة حتّى يردها بحسن عزائها كتب اللّه له ثلثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء و الأرض» (6).

و في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصبر رأس الإيمان» (7).

و في خبر آخر: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد» (8).

ص: 208


1- الوسائل باب: 79 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 79 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- سورة آل عمران: 146.
4- سورة البقرة: 249.
5- سورة البقرة: 155- 157.
6- الوسائل باب: 76 من أبواب الدفن حديث: 17.
7- الوسائل باب: 76 من أبواب الدفن حديث: 9.
8- الوسائل باب: 76 من أبواب الدفن حديث: 8.

بالأنبياء و الأوصياء و الصلحاء (76) خصوصا في موت الأولاد (77).

______________________________

و أما الإجماع فمن المسلمين بل العقلاء، و أما العقل فلا يخفى على كلّ من رجع إلى عقله.

(76) لنصوص كثيرة:

منها: قول أبي جعفر الثاني عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالى يختار من مال المؤمن و من ولده أنفسه ليأجره على ذلك» (1).

و في خبر آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ عظيم الأجر لمع عظيم البلاء، و ما أحب اللّه قوما إلّا ابتلاهم» (2).

و عنه عليه السّلام أيضا: «إنّما المؤمن بمنزلة كفة الميزان كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه» (3).

و أما استحباب التأسّي بالأنبياء و الأوصياء و الصلحاء فلأنّهم أهل لأن يتأسّى بهم في مكارم الأخلاق و محاسن الآداب و يشمله إطلاق قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (4).

و قوله تعالى لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (5).

و قوله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ (6).

(77) لنصوص متواترة:

منها: قول أبي جعفر عليه السّلام في خبر جابر: «من قدم أولادا يحتسبهم

ص: 209


1- الوسائل باب: 72 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 77 من أبواب الدفن حديث: 10.
3- الوسائل باب: 77 من أبواب الدفن حديث: 12.
4- سورة الأنعام: 90.
5- سورة الأحزاب: 21.
6- سورة الممتحنة: 6.
الرابع و الثلاثون: قوله إنا للّه و إنا إليه راجعون

الرابع و الثلاثون: قوله إنا للّه و إنا إليه راجعون كلّما تذكر (78).

الخامس و الثلاثون: زيارة القبور

الخامس و الثلاثون: زيارة القبور (79) و السلام عليهم بقول:

______________________________

عند اللّه حجبوه من النار بإذن اللّه عزّ و جلّ»(1).

و منها: قوله عليه السّلام- أيضا- عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «اللّه عزّ و جلّ أعز و أكرم من أن يسلب عبدا ثمرة فؤاده فيصبر و يحتسب و يحمد اللّه عزّ و جلّ ثمَّ يعذبه»(2).

إلى غير ذلك من الأخبار.

(78) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند ذكر المصيبة و يصبر حين تفجأه إلّا غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه، و كلّما ذكر مصيبة فاسترجع عند ذكر المصيبة غفر اللّه له كلّ ذنب اكتسبه فيما بينهما» (3).

و في خبر آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من ذكر مصيبة و لو بعد حين فقال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و الحمد للّه ربّ العالمين اللهم أجرني على مصيبتي و أخلف عليّ أفضل منها، كان له من الأجر مثل ما كان عند أول صدمة» (4).

(79) يدل على رجحانه الأدلة الأربعة فمن الكتاب العزيز قوله تعالى:

أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ(5).

و من الإجماع و السيرة ما هو واضح لا يخفى، كما أنّ رجحانه بين جميع العقلاء الذين يدفنون موتاهم مما لا ينكر، كما تدل عليه الأخبار المستفيضة:

منها: قول عليّ عليه السّلام: «زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم و ليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه و عند قبر أمّه بما يدعو لهما»(6).

ص: 210


1- الوسائل باب: 72 من أبواب الدفن حديث: 8.
2- الوسائل باب: 72 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 74 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 74 من أبواب الدفن حديث: 2.
5- سورة التكاثر آية: 1.
6- الوسائل باب: 54 من أبواب الدفن حديث: 5.

«السلام عليكم يا أهل الديار .. إلى آخره» (80)، و قراءة القرآن (81)، ..

______________________________

و في بعض الأخبار: «من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي إخواننا يكتب له ثواب زيارتنا» (1).

و عن عليّ عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: نهيتكم عن ثلاث: نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، و نهيتكم عن إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاث، ألا فكلوا و ادخروا، و نهيتكم عن النبيذ ألا فانبذوا، و كلّ مسكر حرام، يعني: الذي ينبذ بالغداة و يشرب بالعشيّ، أو ينبذ بالعشيّ و يشرب بالغداة فإذا غلا فهو حرام» (2).

و يدل عليه من طرق العامة أخبار كثيرة فلتراجع مظانّها، و قد جمع جملة منها العلامة الأميني (رحمه اللّه) في المجلد الخامس من الغدير، بل زيارة القبور من جملة الحقوق المجاملية بين الناس.

(80) كما في خبر عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«كيف التسليم على أهل القبور؟ فقال: نعم، تقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين أنتم لنا فرط و نحن إن شاء اللّه بكم لاحقون» (3).

و في خبر آخر عنه عليه السّلام- أيضا-: «السلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين، رحم اللّه المستقدمين منّا و المستأخرين و إنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون» (4).

(81) لأنّه مندوب في كلّ حال خصوصا في مثل هذه الأحوال، و لقول الصديقة الطاهرة عليها السّلام في وصيتها لعليّ عليه السّلام لما احتضرت فقالت: «إذا أنا مت فتولّ أنت غسلي و جهّزني و صلّ عليّ و أنزلني قبري و ألحدني و سوّ التراب عليّ و اجلس عند رأسي قبالة وجهي فأكثر من تلاوة القرآن و الدعاء

ص: 211


1- الوسائل باب: 97 من أبواب المزار- كتاب الحج حديث: 10.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الذبح- كتاب الحج حديث: 7.
3- الوسائل باب: 56 من أبواب الدفن حديث: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 56 من أبواب الدفن حديث: 1 و 3.

و طلب الرحمة و المغفرة لهم (82)، و يتأكد في يوم الاثنين و الخميس خصوصا عصره و صبيحة السبت للرجال و النساء بشرط عدم الجزع و الصبر (83).

______________________________

فإنّها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء»(1).

(82) ففي خبر ابن أبي المقدام قال: «مررت مع أبي جعفر عليه السّلام بالبقيع فمررنا بقبر رجل من أهل الكوفة من الشيعة، قال: فوقف عليه فقال:

اللهم ارحم غربته و صل وحدته و أسكن إليه من رحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سواك و ألحقه بمن كان يتولاه ثمَّ قرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر، سبع مرات» (2) و قد تقدم استحباب الاستغفار للميت في كلّ حال.

(83) للتأسي بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و ابنته البتول عليها السّلام ففي الخبر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كلّ غداة سبت فتأتي قبر حمزة و تترحم عليه و تستغفر له» (3)و في صحيح هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «عاشت فاطمة بعد أبيها خمسة و سبعين يوما لم تر كاشرة و لا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرتين الاثنين و الخميس» (4).

و قال عليه السّلام- أيضا-: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يخرج في ملإ من الناس من أصحابه كلّ عشية خميس إلى بقيع المدينين» (5).

و أما التعميم للرجال و النساء مع عدم المحذور فللإطلاق، و فعل الصدّيقة الطاهرة، و ما يظهر منه المنع (6)محمول على ما إذا كان معرضا للمحذور و قد

ص: 212


1- مستدرك الوسائل باب: 32 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب الدفن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 55 من أبواب الدفن حديث: 2.
4- الوسائل باب: 55 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- الوسائل باب: 55 من أبواب الدفن حديث: 3.
6- راجع الوسائل باب: 69 من أبواب الدفن.

و يستحب أن يقول: «السلام على أهل الديار من المؤمنين، رحم اللّه المتقدمين منكم و المتأخرين، و إنا إن شاء اللّه بكم لاحقون» (84).

______________________________

تقدم بعض الكلام في زيارة النساء القبور فراجع.

فروع- (الأول): مقتضى الإطلاقات استحباب زيارة القبور في جميع الأوقات و إن كان الأفضل ما تقدم من الأوقات الثلاثة، و لكن في دعوات الراوندي في وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لأبي ذر: «جاور القبور تذكر بها الآخرة، و زرها أحيانا بالنهار و لا تزرها بالليل» (1).

و عن الصادق عليه السّلام: «إذا زرتم موتاكم قبل طلوع الشمس سمعوا و أجابوكم و إذا زرتموهم بعد طلوع الشمس سمعوا و لم يجيبوكم» (2).

و لا يبعد دعوى جريان السيرة على عدم زيارتهم في الليل.

(الثاني): مقتضى الإطلاقات شمول الاستحباب لمن كان له أثر قبر أم لا، فيشمل القبور الواقعة في الصحن من مشاهد الأئمة عليهم السّلام و أولادهم و إن لم يكن في البين أثر من القبور، كذا القبور المندرسة الآثار، و في مناجاة موسى بن عمران ربه قال: «إلهي أين أجدك؟ فأوحى اللّه إليه أنا عند القلوب المنكسرة و القبور المندرسة».

(الثالث): لا يبعد شمول الإطلاقات للزيارة عن البعد أيضا، و يمكن الاستشهاد له بما ورد في زيارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة من بعيد (3) و لكن الأولى قصد الرجاء فيها.

(84) كما في خبر جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4)، و نحوه خبر عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام- أيضا- إلّا أنّه قال: «و المسلمين أنتم لنا

ص: 213


1- مستدرك الوسائل باب: 45 من أبواب الدفن حديث: 4.
2- مستدرك الوسائل باب: 79 من أبواب الدفن حديث: 25.
3- راجع الوسائل باب: 95 و باب: 96 من أبواب المزار- كتاب الحج.
4- تقدم في صفحة: 211.

و يستحب للزائر أن يضع يده على القبر و أن يكون مستقبلا و أن يقرأ إنّا أنزلناه سبع مرّات (85)، و يستحب أيضا قراءة الحمد و المعوذتين و آية الكرسي كلّ منها ثلاث مرات (86) و الأولى أن يكون جالسا مستقبل القبلة و يجوز قائما (87).

و يستحب أيضا قراءة يس (88)، و يستحب- أيضا- أن يقول:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، السلام على أهل لا إله إلّا اللّه، من أهل لا إله إلّا اللّه، يا أهل لا إله إلّا اللّه، كيف وجدتم قول لا إله إلّا اللّه من لا إله إلّا اللّه، يا لا إله إلّا اللّه، بحق لا إله إلّا اللّه، اغفر لمن قال لا إله إلّا اللّه، و احشرنا في زمرة من قال لا إله إلّا اللّه، محمد رسول اللّه، عليّ وليّ اللّه» (89).

______________________________

فرط ..» بعد قوله: «و المؤمنين» (1).

(85) لقول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح ابن بزيع: «من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره و استقبل القبلة، و وضع يده على القبر فقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن من الفزع الأكبر» (2).

(86) نقله في كامل الزيارة عن المفضل (3).

(87) تقدم وجهه فيما سبق فراجع (4).

(88) للنبوي: «من دخل المقابر فقرأ سورة (يس) خفف عنهم يومئذ و كان له بعدد من فيها حسنات» (5).

(89) نسب ذلك إلى عليّ عليه السّلام و قال: «إنّي سمعت

ص: 214


1- تقدم في صفحة: 211.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب الدفن حديث: 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 48 من أبواب الدفن حديث: 3.
4- تقدم في ص 77 من هذا الجزء.
5- سفينة البحار ج: 2 صفحة: 555.
السادس و الثلاثون: طلب الحاجة عند قبر الوالدين

السادس و الثلاثون: طلب الحاجة عند قبر الوالدين (90).

السابع و الثلاثون: إحكام بناء القبر

السابع و الثلاثون: إحكام بناء القبر (91).

الثامن و الثلاثون: دفن الأقارب متقاربين

الثامن و الثلاثون: دفن الأقارب متقاربين (92).

التاسع و الثلاثون: التحميد و الاسترجاع

التاسع و الثلاثون: التحميد و الاسترجاع و سؤال الخلف عند موت الولد (93).

______________________________

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: من قرأ هذا الدعاء أعطاه اللّه سبحانه و تعالى ثواب خمسين سنة، و كفّر عنه سيئات خمسين سنة و لأبويه أيضا» (1).

(90) لقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «و ليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه و عند قبر أمه بما يدعو لهما» (2).

و لكن الظاهر أنّ طلب الحاجة من جهة الدعاء للوالدين لا من جهة إتيان قبرهما فلو دعا لهما في غير محلّ قبرهما- كقنوت الوتر و نحوه- يشمله إطلاق هذا الحديث، كما أنّه لو أتى قبرهما و لم يدع لهما لا يشمله الحديث.

(91) لفعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذلك بقبر سعد بن معاذ، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «إنّي لأعلم أنّه سيبلى و يصل إليه البلاء، و لكنّ اللّه عزّ و جلّ يحب عبدا إذا عمل عملا فأحكمه» (3).

(92) للسيرة، و قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لما وضع حجرا عند رأس عثمان بن مظعون: «أعلم بها قبر أخي و أدفن إليه من مات من أهله»(4).

(93) لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «إذا قبض ولد المؤمن قال اللّه تعالى: لملائكته قبضتم ولد فلان، فيقولون: نعم ربنا، يقول اللّه تعالى فما قال عبدي؟ يقولون: حمدك و استرجع، فيقول اللّه تبارك و تعالى: أخذتم قرة عينه

ص: 215


1- مستدرك الوسائل باب: 47 من أبواب الدفن حديث: 11.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 60 من أبواب الدفن حديث: 2.
4- مستدرك الوسائل باب: 35 من أبواب الدفن حديث: 2.
الأربعون: صلاة الهدية ليلة الدفن
اشارة

الأربعون: صلاة الهدية ليلة الدفن، و هي على رواية ركعتان يقرأ في الأولى الحمد و آية الكرسي، و في الثانية الحمد و القدر عشر مرّات، و يقول بعد الصلاة: «اللهم صلّ على محمد و آل محمد و ابعث ثوابها إلى قبر فلان».

و في رواية أخرى في الركعة الأولى الحمد و قل هو اللّه أحد مرتين، و في الثانية الحمد و التكاثر عشر مرّات (94)، و إن أتى بالكيفيتين كان أولى (95)، و تكفي صلاة واحدة من شخص واحد (96)، و إتيان أربعين أولى (97)، لكن لا بقصد الورود و الخصوصية (98)، كما أنّه

______________________________

و ثمرة قلبه فحمدني و استرجع ابنوا له بيتا في الجنة و سموه بيت الحمد» (1).

و قال صلّى اللّه عليه و آله- أيضا-: «لا يصيب أحد من المسلمين فيسترجع عند مصيبته، فيقول: اللهم أجرني في مصيبتي و اخلف لي خيرا منه إلّا فعل ذلك به»(2).

(94) نقلهما الكفعمي في المصباح (3)، و يأتي تفصيل هذه الصلوات في كتاب الصلاة (فصل في صلاة ليلة الدفن).

(95) لأنّه جمع بين الخبرين و نحو احتياط في البين.

(96) لإطلاق الأدلة الدالة على تحقق الاكتفاء بثبوت مجرد المسمّى.

(97) لأنّه من الخير المحض بالنسبة إلى الميت في مثل هذا الحال المطلوب تعدده، و لأنّ عدد الأربعين من مظانّ الاستجابة، كما تقدم في شهادتهم للميت بخير.

(98) لعدم ورود نص بالخصوص به في المقام.

ص: 216


1- الوسائل باب: 73 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 61 من أبواب الدفن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 2 و 3.

يجوز التعدد من شخص واحد بقصد إهداء الثواب (99)، و الأحوط قراءة آية الكرسي إلى «هم فيها خالدون» (100).

و الظاهر أنّ وقته تمام الليل و إن كان الأولى أوله بعد العشاء (101)، و لو أتى بغير الكيفية المذكورة سهوا أعاد (102)، لو كان بترك آية من إنّا أنزلناه أو آية من آية الكرسي. و لو نسي من أخذ الأجرة عليها فتركها أو ترك شيئا منها وجب عليه ردّها إلى صاحبها (103) و إن لم يعرفه تصدق بها عن صاحبها (104). و إن علم برضاه أتى بالصلاة في وقت آخر و أهدى ثوابها إلى الميت لا بقصد الورود (105).

مسألة 1: إذا نقل الميت إلى مكان آخر كالعتبات أو أخر الدفن إلى مدة فصلاة ليلة الدفن تؤخر إلى ليلة الدفن

(مسألة 1): إذا نقل الميت إلى مكان آخر كالعتبات أو أخر الدفن إلى مدة فصلاة ليلة الدفن تؤخر إلى ليلة الدفن (106).

______________________________

(99) إذ لا شي ء أحسن من إهداء الثواب في كلّ حال لا سيّما في مثل هذه الأحوال.

(100) تقدم الكلام في وجه هذا الاحتياط، و آخر آية الكرسي في فصل آداب المحتضر.

(101) لظهور الإطلاق الشامل لجميعها، و إن كان الأولى أول الليل ليستريح الميت في بقية ليلته.

(102) لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و عدم دليل على الإجزاء.

(103) للأصل، و قاعدة اليد.

(104) لأنّه من صغريات مجهول المالك.

(105) أما بالنسبة إلى المال فيصح فيه التصرف، لفرض علمه برضاه و أما بالنسبة إلى إهداء الثواب فلما تقدم من أنّه من الخير المحض الذي يؤتى به متى شاء و أراد.

(106) لظواهر الأدلة الدالة على تقييد الصلاة فيها بليلة الدفن.

ص: 217

مسألة 2: لا فرق في استحباب التعزية لأهل المصيبة بين الرجال و النساء

(مسألة 2): لا فرق في استحباب التعزية لأهل المصيبة بين الرجال و النساء حتّى الشابات منهنّ متحرّزا عما تكون به الفتنة (107)، و لا بأس بتعزية أهل الذمة مع الاحتراز عن الدعاء لهم بالأجر إلّا مع مصلحة تقتضي ذلك (108).

______________________________

(107) للإطلاقات الدالة على استحباب التعزية، و لخبر الكاهلي قال:

«قلت لأبي الحسن عليه السّلام: «إنّ امرأتي و امرأة ابن مارد تخرجان في المأتم فأنهاهما فتقول لي امرأتي: إن كان حراما فانهنا عنه حتّى نتركه، و إن لم يكن حراما فلأيّ شي ء تمنعناه؟ فإذا مات لنا ميت لم يجئنا أحد، قال: فقال أبو الحسن عليه السّلام: عن الحقوق تسألني، كان أبي يبعث أمي و أم فروة تقضيان حقوق أهل المدينة» (1).

و يدل عليه قاعدة الاشتراك، و إطلاق خبر مرازم قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لما قتل جعفر بن أبي طالب دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على أسماء بنت عميس- الحديث-» (2).

(108) للإطلاق و أصالة الإباحة. و أما الدعاء لهم، فالظاهر أنّه ينقسم بحسب الأحكام الخمسة التكليفية لعناوين خارجية، و يشهد له صحيح ابن الحجاج قال: «قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام: أرأيت إن احتجت إلى الطبيب و هو نصراني أسلّم عليه؟ قال عليه السّلام: نعم، إنّه لا ينفعه دعاؤك» (3).

فروع- (الأول): مقتضى الإطلاق استحباب تعزية المصابين بالمصيبة بعضهم لبعض أيضا، و قد عزّى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله آل جعفر عليه السّلام مع أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان هو المعزّى.

ص: 218


1- الوسائل باب: 69 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب الدفن حديث: 7.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب الدفن حديث: 1.
مسألة 3: يستحب الوصية بمال لطعام مأتمه بعد موته

(مسألة 3): يستحب الوصية بمال لطعام مأتمه بعد موته (109).

______________________________

(الثاني): لا تنحصر التعزية بالمشافهة و القول فقد تتحقق بالكتابة و نحوها، و بالفعل- أيضا- كما إذا مسح رأس اليتيم و تلطف عليه ترحما به و تفقدا منه. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من مسح يده على رأس يتيم ترحما له أعطاه بكلّ شعرة نورا يوم القيامة» (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «ما من مؤمن و مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحما به إلّا كتب اللّه له بكلّ شعرة مرت عليها يده حسنة» (2).

(الثالث): لا تنحصر التعزية بلفظ خاص و شي ء معيّن بل تتحقق بكلّ ما تعورف عليه في كلّ زمان و مكان. نعم، الأفضل أن تكون بالآيات الشريفة و ما نقل عن المعصومين عليهم السّلام (3)و العلماء العاملين (قدّس سرهم).

(109) ففي صحيح زرارة: «أوصى أبو جعفر عليه السّلام بثمانمائة درهم لمأتمه، و كان يرى ذلك من السنّة، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال:

اتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا» (4).

تنبيه فيه أمور:

الأول: الموتى يعلمون بمن يأتي إلى زيارتهم و يأنسون به و يستوحشون إذا انصرف عنهم، و يدل عليه روايات مستفيضة ففي الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «إنّهم يأنسون بكم فإذا غبتم عنهم استوحشوا» (5).

و في صحيح ابن مسلم، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «الموتى نزورهم؟ قال: نعم، قلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ فقال: إي و اللّه إنّهم ليعلمون بكم و يفرحون بكم، و يستأنسون إليكم» (6).

و قال عليّ عليه السّلام: «زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم» (7). و عن

ص: 219


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 3.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 2.
3- راجع الوسائل باب: 49 من أبواب الدفن.
4- الوسائل باب: 68 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- الوسائل باب: 54 من أبواب الدفن حديث: 3.
6- الوسائل باب: 54 من أبواب الدفن حديث: 2.
7- الوسائل باب: 54 من أبواب الدفن حديث: 5.

.....

______________________________

عمر بن يزيد، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «نصلّي عن الميت؟ قال عليه السّلام: نعم، حتّى إنّه ليكون في ضيق فيوسع اللّه عليه ذلك الضيق ثمَّ يؤتى، فيقال له: خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك، قلت:

فشترك بين رجلين في ركعتين، قال عليه السّلام: نعم، فقال عليه السّلام:

«إنّ الميت ليفرح بالترحم عليه و الاستغفار له كما يفرح الحيّ بالهدية تهدى إليه» (1).

الثاني: الأعمال الخيرية الصادرة من الأحياء تنفعهم بعد الموت أيضا قال الصادق عليه السّلام في صحيح هشام: «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، و سنّة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له» (2).

و عنه عليه السّلام- أيضا-: «ستة تلحق المؤمن بعد موته: ولد يستغفر له، و مصحف يخلفه، و غرس يغرسه، و قليب يحفره، و صدقة يجريها، و سنّة يؤخذ بها من بعده» (3).

و كلّها من باب المثال، فيشمل كلّ عمل خير صدر عنه مباشرة أو تسبيبا.

الثالث: كلّ عمل خير يصدر من كلّ عامل لميت من الأموات، ينتفع العامل به أيضا- كما ينتفع الميت بذلك العمل- لنصوص كثيرة.

منها: قول الصادق عليه السّلام: «من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف اللّه له أجره و نفع اللّه به الميت» (4).

و عنه عليه السّلام أيضا: «يدخل على الميت في قبره الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة و البر و الدعاء و يكتب أجره للذي يفعله و للميت» (5).

و قوله عليه السّلام: «و البر» يشمل جميع الأفعال الحسنة مطلقا، فلو سلّم شخص على شخص أو صافحه أو عانقه بعنوان إهداء ثوابه إلى ميت من الأموات

ص: 220


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الاحتضار حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات حديث: 5.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الاحتضار حديث: 4.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

..........

______________________________

لنفع العامل و الميت بذلك، و لا فرق في العامل بين المؤمن و غيره، و كذلك في الميت، لأنّ الميت المؤمن ترفع درجته و غيره يخفف من عذابه، فعن الصادق عليه السّلام في حديث: «قلت: إن كان لا يرى ما أرى و هو ناصب؟ قال عليه السّلام: يخفف عنه بعض ما هو فيه» (1).

الرابع: وردت أخبار كثيرة تدل على أنّ الميت يزور أهله:

منها: قول الصادق عليه السّلام في صحيح البختري: «إنّ المؤمن يزور أهله فيرى ما يحب و يستر عنه ما يكره، و إنّ الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره و يستر عنه ما يحب، و قال عليه السّلام: و منهم من يزور كلّ جمعة و منهم من يزور على قدر عمله» (2).

و عنه عليه السّلام أيضا: «ما من مؤمن و لا كافر إلّا و هو يأتي أهله عند زوال الشمس فإذا رأى أهله يعملون بالصالحات حمد اللّه على ذلك، و إذا رأى الكافر أهله يعملون بالصالحات كان عليه حسرة» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار.

أقول: الأخبار في ذلك كثيرة و إطلاقها يشمل من دفن قريبا من أهله أو بعيدا عنه بأيّ مرتبة من البعد كانت. و أما كيفية زيارة الميت للحيّ فقد ورد في موثق عمار عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال: «سألته عن الميت يزور أهله؟ قال: نعم، فقلت: كم يزور؟ فقال: في الجمعة، و في الشهر، و في السنة، على قدر منزلته، فقلت: في أيّ صورة يأتيهم؟ فقال: في صورة طائر لطيف يسقط على جدرهم و يشرف عليهم فإن رآهم بخير فرح، و إن رآهم بشر و حاجة حزن و اغتم»(4).

أقول: و ليس هذا من التناسخ الباطل، لأنّه إنّما يكون فيما إذا كان للبدن الذي تعلق به الروح بقاء دنيوي، لا ما إذا كان من مجرد الظهور و الخفاء، فالمقام

ص: 221


1- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 8.
2- الوافي باب: 109 من أبواب ما بعد الموت، الجزء الثالث عشر ص: 97 من الطبعة الحجرية.
3- الوافي باب: 109 من أبواب ما بعد الموت، الجزء الثالث عشر ص: 97 من الطبعة الحجرية.
4- الوافي باب: 109 من أبواب ما بعد الموت، الجزء الثالث عشر ص: 97 من الطبعة الحجرية.

.....

______________________________

إنّما هو من ظهور المجرد بصورة تناسبه في وقت خاص لمصلحة جعلها اللّه تعالى في ذلك.

و في قوله عليه السّلام: «في صورة طائر لطيف» إشارة إلى أنّه من سنخ موجودات عالم البرزخ بحيث لا يراه أحد من أهل الدنيا إلّا أولياء اللّه تعالى المطلعون على خصوصيات هذا العالم و يرونه و يتكلمون مع أهله.

الخامس: عن حبة العرني قال: «خرجت مع أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الظهر فوقف بوادي السلام كأنّه مخاطب لأقوام فقمت بقيامه حتّى أعييت ثمَّ جلست حتّى مللت، ثمَّ قمت حتّى نالني ما نالني أولا. ثمَّ جلست حتّى مللت، ثمَّ قمت و جمعت ردائي، فقلت: يا أمير المؤمنين إنّي قد أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة، و طرحت الرداء ليجلس عليه، فقال: يا حبة إن هو إلّا محادثة مؤمن أو مؤانسته، قال: قلت: يا أمير المؤمنين و إنّهم كذلك، قال:

نعم، و لو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا مخبتين يتحادثون، فقلت: أجسام أم أرواح؟ فقال: بل أرواح و ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلّا قيل لروحه الحقي بوادي السلام و إنّها لبقعة من جنة عدن» (1).

أقول: يستفاد من هذه الأخبار أنّ الأرواح في عالم البرزخ لها تعارف و اجتماع، و همّ و غمّ، و تكلّم كما في هذا العالم. هذا جزء يسير مما يتعلق بالبرزخ، و بيان تفصيل خصوصيات هذا العالم يحتاج إلى وضع كتاب مستقل و طريق استفادة ما يتعلق بهذا العالم يختص بما ورد عن المعصوم عليه السّلام، لعدم إمكان اطلاع غيره عليه.

السادس: ما تقدم في جملة من الأخبار من مخاطبة الميت بقوله: «اسمع افهم» و نحو ذلك، أو تحريكه، أو إنّه يقول: «نعم فهمت» إلى غير ذلك مما يمكن أن يستظهر منه بقاء الحياة فيه. هو حق صحيح لا ريب فيه و يمكن إقامة الدليل العقلي عليه مع قطع النظر عن الأخبار التي تقدمت الإشارة إليها، لأنّ لبقاء الحياة في البدن و تعلق الروح بالجسد مراتب كثيرة لا يعلمها إلّا من أحاط بعالم الأرواح، و من عصمه اللّه تعالى عن الخطإ و هو منحصر بالمعصوم عليه السّلام فقط.

ص: 222


1- الوافي ج 13 باب: 110 من أبواب ما بعد الموت ص: 98.
فصل في مكروهات الدفن
اشارة

(فصل في مكروهات الدفن)

و هي- أيضا- أمور
اشارة

و هي- أيضا- أمور:

الأول: دفن ميتين في قبر واحد

الأول: دفن ميتين في قبر واحد (1)، بل قيل بحرمته مطلقا و قيل بحرمته مع كون إحداهما امرأة أجنبية. و الأقوى الجواز مطلقا (2) مع الكراهة. نعم، الأحوط الترك إلّا لضرورة (3) و معها الأولى جعل حائل (فصل في مكروهات الدفن)

______________________________

(1) للمرسل: «لا يدفن في قبر واحد اثنان» (1).

و في الجواهر «عدم وجدان الخلاف بين من تعرض له غير ابن سعيد فنسب إليه الحرمة».

(2) للأصل و إطلاقات الأدلة من غير ما يصلح للحرمة.

(3) أما كون الاحتياط في الترك فللخروج عن خلاف ابن سعيد، و أما عدم الكراهة في الضرورة فلا خلاف فيه عن أحد، و قد روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للأنصار يوم أحد: «احفروا و وسعوا، و عمّقوا، و اجعلوا الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد» (2).

هذا حكم الدفن ابتداء و أما دفن ميت في قبر ميت آخر قبل الاندراس، فهو من النبش المحرم و لو فعل حراما فلا إشكال في الكراهة و إنّما الكلام في الحرمة حينئذ، فذهب إليها جمع، بل ادعي الإجماع عليها.

ص: 223


1- أورده الشيخ في المبسوط و لم نعثر عليه في كتب الأخبار.
2- راجع البحار المجلد السادس الطبعة الحجرية.

بينهما و كذا يكره حمل جنازة الرجل و المرأة على سرير واحد (4)، و الأحوط تركه أيضا (5).

الثاني: فرش القبر بالساج و نحوه

الثاني: فرش القبر بالساج و نحوه من الآجر و الحجر (6)، إلّا إذا كانت الأرض ندية (7). أما فرش ظهر القبر بالآجر و نحوه فلا بأس به (8).

كما أنّ فرشه بمثل حصير و قطيفة لا بأس به (9)، و إن قيل بكراهته

______________________________

(4) لقول أبي محمد عليه السّلام في مكاتبة الصفار: «لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد» (1). و قريب منه غيره.

المحمول على الكراهة إجماعا.

(5) جمودا على ظاهر النص. ثمَّ إنّ الدفن في السراديب المعمولة ليس دفن ميتين في قبر واحد عرفا، فلا يشمله دليل الكراهة.

(6) إجماعا، و لأنّ القبر من مظاهر عدل الآخرة، و لأن يظهر على العبد عند وروده على ربّه آثار المذلة و المسكنة.

(7) لمكاتبة ابن بلال إلى أبي الحسن عليه السّلام: «إنّه ربما مات عندنا الميت و تكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه، فهل يجوز ذلك؟

فكتب: ذلك جائز» (2)، مع أنّ المتيقن من دليل الكراهة غير هذه الصورة.

(8) لأصالة الإباحة، و إطلاق أدلة الإقبار، و خبر أبان قال: «قلت:

أرأيت إن جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت؟ قال عليه السّلام: لا» (3).

و إطلاق تعليل ما ورد: «إنّ اللّه يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه» (4).

(9) للأصل بعد عدم الدليل على المنع.

ص: 224


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 60 من أبواب الدفن حديث: 2.

أيضا (10).

الثالث: نزول الأب في قبر ولده

الثالث: نزول الأب في قبر ولده خوفا من جزعه و فوات أجره (11)، بل إذا خيف من ذلك في سائر الأرحام أيضا يكون مكروها (12)، بل قد يقال بكراهة نزول الأرحام مطلقا (13)، إلّا الزوج في قبر زوجته، و المحرم في قبر محارمه (14).

______________________________

(10) جمودا على إظهار التساوي في أول عدل الآخرة.

(11) لقول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «يكره للرجل أن ينزل في قبر ولده» (1).

و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «يا أيّها الناس إنّه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم و لكنّي لست آمن إذا حلّ أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره» (2).

(12) لشمول العلة المذكورة في الخبر له أيضا، بل مقتضاه شمولها لكلّ حبيب مؤمن بالنسبة إلى حبيبه المؤمن، بل قد يكون حراما لأجل عوارض خارجية.

(13) تمسكا بإطلاق التعليل في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «أن يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره».

(14) أما استثناء الزوج فلقوله عليه السّلام: «الزوج أحق بامرأته حتّى يضعها في قبرها» (3).

و أما بالنسبة إلى المحرم فلإطلاق قوله عليه السّلام في خبر السكوني:

«مضت السنّة من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أنّ المرأة لا يدخل قبرها إلّا من كان يراها في حياتها» (4).

ص: 225


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الدفن حديث: 4.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الدفن حديث: 2.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الدفن حديث: 1.
الرابع: أن يهيل ذو الرحم على رحمه التراب

الرابع: أن يهيل ذو الرحم على رحمه التراب، فإنّه يورث قساوة القلب (15).

الخامس: سد القبر بتراب غير ترابه

الخامس: سد القبر بتراب غير ترابه. و كذا تطيينه بغير ترابه، فإنّه ثقل على الميت (16).

______________________________

و قد ورد في جواز دخول الولد في قبر والده (1)، و لكنه محمول على قلة الكراهة بناء على ثبوتها مطلقا. هذا حكم المسألة بحسب العنوان الأولي و لكنّه قد يتغير بحسب العناوين الخارجية، و يشهد له نزول عليّ عليه السّلام و الفضل ابن عباس في قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله (2).

(15) ففي خبر عبيد بن زرارة قال: «مات لبعض أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام ولد فحضر أبو عبد اللّه عليه السّلام فلما ألحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب، فأخذ أبو عبد اللّه عليه السّلام بكفيه و قال: لا تطرح عليه التراب، و من كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب، فقلنا يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أ تنهانا عن هذا وحده؟ فقال: أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم فإنّ ذلك يورث القسوة، و من قسا قلبه بعد من ربه» (3).

(16) لقول الصادق عليه السّلام: «كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت» (4).

و قال عليه السّلام: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه» (5).

و قال عليه السّلام أيضا: «لا تطينوا القبر من غير طينة» (6).

ص: 226


1- راجع الوسائل باب: 25 من أبواب الدفن.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الدفن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب الدفن حديث: 3.
5- الوسائل باب: 36 من أبواب الدفن حديث: 1.
6- الوسائل باب: 36 من أبواب الدفن حديث: 2.
السادس: تجصيصه أو تطيينه لغير ضرورة

السادس: تجصيصه أو تطيينه لغير ضرورة (17)، و إمكان الإحكام المندوب بدونه (18)، و القدر المتيقن من الكراهة إنّما هو بالنسبة إلى باطن القبر لا ظاهره (19)، و إن قيل بالإطلاق (20).

السابع: تجديد القبر بعد اندراسه

السابع: تجديد القبر بعد اندراسه (21)، إلّا قبور الأنبياء

______________________________

(17) نصّا و إجماعا. قال أبو الحسن الكاظم عليه السّلام في الصحيح:

«لا يصلح البناء على القبر و لا الجلوس، و لا تجصيصه و لا تطيينه» (1).

و في حديث المناهي: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن تجصص المقابر» (2).

و عن الصادق عليه السّلام قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في هدم القبور و كسر الصور» (3).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطيّن قبره» (4).

و تقدم ما يدل على الجواز في تجصيص الكاظم عليه السّلام قبر بنته بفيد (5)، إن لم نحمله على أنّه لأجل كونها من أولاد الإمام عليه السّلام و هم مستثنون من الكراهة، أو كان ذلك لأجل عدم إمكان إحكام القبر خوفا من السباع بدون ذلك، و في عدم القائل بالحرمة مطلقا كفاية.

(18) إذ لا ريب في عدم الكراهة حينئذ، بل قد يجب.

(19) للاقتصار في الحكم المخالف للأصل على المتيقن من مورد الدليل.

(20) جمودا على الإطلاق، و يظهر ذلك من صاحب الجواهر و غيره.

(21) على المشهور بين الأصحاب، و كفى به دليلا للكراهة بعد المسامحة

ص: 227


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب الدفن حديث: 4.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب الدفن حديث: 6.
4- مستدرك الوسائل باب: 39 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- الوسائل باب: 37 من أبواب الدفن حديث: 2 و تقدم في صفحة: 201.

و الأوصياء و الصلحاء و العلماء (22).

الثامن: تسنيمه

الثامن: تسنيمه، بل الأحوط تركه (23).

______________________________

فيها، و قد تقدم في مناجاة موسى بن عمران: «أنا عند القلوب المنكسرة و القبور المندرسة».

و في الحديث القدسي: إنّي أحبّ القلوب المنكسرة و القبور المندرسة».

مساكين أهل الحب حتى قبورهم علاها غبار الذل بين المقابر

و المراد من الذل ذل العبودية للّه الذي هو عين العز.

و لعل المراد بالقبور المندرسة قبور خلّص المؤمنين الذين لا يعرفون غير اللّه و لا يعرفهم إلّا اللّه تعالى و يشهد له ما تقدم من إطلاق النهي عن التجصيص الشامل للحدوث و البقاء، و ما عن عليّ عليه السّلام: «من جدد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج عن الإسلام» (1).

بناء على أنّه بالجيم و الدالين و قد قرئ (خدد) بالخاء و الدالين و يكون بمعنى الشق فيكون دليلا على حرمة النبش، و قرئ بالحاء المهملة و الدالين و يكون بمعنى التسنيم، و قرئ (جدث) بالجيم و الثاء و يكون بمعنى دفن ميت في قبر ميت آخر.

(22) بضرورة المذهب، بل الدين بالنسبة إلى قبور الأنبياء و الأوصياء في الجملة، و الظاهر كونه ضروريا بالنسبة إلى كلّ من اعتقد بنبيّ أو وصيّ نبيّ مسلما كان أو غيره، و كذا بالنسبة إلى أولاد الأئمة و أصحابهم و الصلحاء و العلماء، لأنّ ذلك كلّه من تعظيم شعائر اللّه، و الظاهر عدم شمول خبر المنع على فرض تماميته لها، لأنّ تجديد شعائر اللّه تعالى حسن مستحسن في جميع الأديان و يترتب عليه كثير من المصالح الدينية، مع استمرار سيرة المتدينين عليه خلفا عن سلف.

(23) تقدم في الأمر العشرين من الفصل السابق ما يتعلق به.

ص: 228


1- الوسائل باب: 43 من أبواب الدفن حديث: 1.
التاسع: البناء عليه

التاسع: البناء عليه (24)، عدا قبور من ذكر (25). و الظاهر عدم كراهة الدفن تحت البناء و السقف (26).

العاشر: اتخاذ المقبرة مسجدا

العاشر: اتخاذ المقبرة مسجدا (27)، إلّا مقبرة الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام و العلماء (28).

______________________________

(24) إجماعا، و نصوصا كثيرة، منها ما تقدم من قول الكاظم عليه السّلام: «لا يصلح البناء على القبر» (1).

و منها: خبر المدائني: «لا تبنوا على القبور» (2).

(25) للإجماع، و لما تقدم في سابقة، و ما ورد في آداب زيارة المعصومين عليهم السّلام (3)، و السيرة، و الأخبار المرغبة في تعمير قبورهم عليهم السّلام، و يلحق بهم أولادهم و العلماء العاملين بما ورد عنهم، للأصل بل بضرورة من المذهب، و السيرة.

(26) للأصل بعد أنّ ظاهر النص هو البناء على القبر و عند الدوران بين الدفن تحت السماء أو تحت السقف الظاهر أفضلية الأول لو لم يكن مرجح في الثاني.

(27) لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «لا تتخذوا قبري قبلة و لا مسجدا، فإنّ اللّه تعالى لعن اليهود حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (4).

و في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يبنى عند القبور مساجد» (5).

(28) للأصل و السيرة، بعد انصراف الأخبار عن قبورهم عليهم السّلام و من يتبعهم علما و عملا، فإنّ تلك القبور محلّ نزول البركات فتستجاب بقربها الدعوات و تقبل فيها الصلوات، و في صحيح ابن أبي عمير قال: قلت

ص: 229


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب الدفن حديث: 3.
3- راجع الوسائل باب: 29 من أبواب المزار حديث: 3 و باب: 62 منها.
4- الوسائل باب: 65 من أبواب الدفن حديث: 2.
5- الوسائل باب: 65 من أبواب الدفن حديث: 1.
الحادي عشر: المقام على القبور

الحادي عشر: المقام على القبور (29)، إلّا الأنبياء و الأئمة

______________________________

لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّي لأكره الصلاة في مساجدهم، فقال عليه السّلام: لا تكره، فما من مسجد بني إلّا على قبر نبيّ أو وصيّ نبيّ قتل فأصاب تلك البقعة رشة من دمه فأحبّ اللّه أن يذكر فيها فأدّ فيها الفريضة و النوافل و اقض ما فاتك» (1).

ثمَّ إنّ اتخاذ القبر مسجدا على أقسام:

الأول: أن يعبد صاحب القبر و لا ريب في عدم جوازه مطلقا نبيا كان المقبور أو وصيا أو غير هما.

الثاني: أن يحترم المقبرة كاحترام المساجد و لا ريب في جوازه بالنسبة إلى قبور الأنبياء و الأوصياء و العلماء العاملين.

الثالث: أن يعبد اللّه تعالى فيها بالتوسل إليه بصاحب القبر لقبول عبادته، و لا ريب في جوازه أيضا إن كان صاحب القبر ممن يرجى التوسل به إليه تعالى كالأنبياء و الأوصياء و العلماء العاملين.

الرابع: الصلاة مطلقا في المقبرة و يأتي في مكان المصلّي ما يتعلق به.

الخامس: جعل المقبرة مسجدا في عرض سائر المساجد لا بعنوان المسجدية المعهودة، و الظاهر عدم جوازه.

السادس: جعل المقبرة مسجدا مستقلا كالمساجد المعهودة لأن يأتي الناس للصلاة في المسجد ثمَّ يدعون للميت بالعرض و لا إشكال في جوازه.

(29) للنص و الإجماع. قال الصادق عليه السّلام: «ليس التعزية إلّا عند القبر ثمَّ ينصرفون» (2)، و في خبر بيعة النساء للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله «و لا تدعون بالويل و الثبور و لا تقمن عند قبر» (3).

ص: 230


1- الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 48 من أبواب الدفن حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 71 من أبواب الدفن حديث: 1.

عليهم السّلام (30).

الثاني عشر: الجلوس على القبر

الثاني عشر: الجلوس على القبر (31).

الثالث عشر: البول و الغائط في المقابر

الثالث عشر: البول و الغائط في المقابر (32).

الرابع عشر: الضحك في المقابر

الرابع عشر: الضحك في المقابر (33).

______________________________

(30) للإجماع، و السيرة، و لأنّها الملاذ و الملجأ مما يخاف و يخشى.

(31) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتصل النار إلى بدنه أحبّ إليّ من أن يجلس على قبر» (1).

و عن موسى بن جعفر عليه السّلام: «لا يصلح البناء على القبر و لا الجلوس عليه» (2). مع أنّه خلاف احترام الميت.

(32) لأنّ ذلك من مواضع اللعن مع أنّه خلاف احترام الميت، و لصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «من تخلّى على قبر .. إلى أن قال عليه السّلام: فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه، و أسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان و هو على بعض هذه الحالات» (3).

و عنه عليه السّلام أيضا: «ثلاثة يتخوّف منها الجنون: التغوط بين القبور، و المشي في خف واحد، و الرجل ينام وحده» (4).

و التخلي يشمل البول و الغائط، و إذا كان التغوط بين القبور مكروها فعلى القبور يكون بالأولى، و في النبوي «لا تبولوا بين ظهرانيّ القبور و لا تتغوّطوا» (5).

و تقدم في مكروهات التخلّي ما ينفع المقام. و يحرم ذلك لجهة خارجية، كما إذا كان القبر ملكا لأحد، أو كان التخلّي هتكا بالنسبة إلى الميت.

(33) لوصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالى

ص: 231


1- سفينة البحار ج: 2 صفحة: 395 مادة: قبر.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
5- مستدرك الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
الخامس عشر: الدفن في الدور

الخامس عشر: الدفن في الدور (34).

السادس عشر: تنجيس القبور و تكثيفها

السادس عشر: تنجيس القبور و تكثيفها بما يوجب هتك حرمة الميت (35).

السابع عشر: المشي على القبر من غير ضرورة

السابع عشر: المشي على القبر من غير ضرورة (36).

الثامن عشر: الاتكاء على القبر

الثامن عشر: الاتكاء على القبر (37).

______________________________

كره لأمتي الضحك بين القبور، و التطلع في الدور»(1).

و التطلع حرام كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في محلّه لدليل آخر يدل على حرمته.

(34) لما تقدم من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا تتخذوا قبوركم مساجد، و لا بيوتكم قبورا» (2).

(35) الظاهر أنّه إذا كان ذلك هتكا لحرمته يحرم ذلك، و المكروه ما إذا لم يصل إلى الهتك و دليل الكراهة حينئذ أنّه خلاف توقير الميت و خلاف احترامه.

(36) قد ادعي الإجماع على الكراهة، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«لأن أطأ على جمرة أو سيف أحبّ إليّ من أن أطأ على قبر مسلم» (3).

و أما المرسل: «إذا دخلت المقابر فطأ القبور فمن كان مؤمنا استراح إلى ذلك، و من كان منافقا وجد ألمه» (4) فيمكن حمله على الضرورة مع أنّه أمر في مورد توهم الحضر لا يستفاد منه شي ء.

(37) قال في المستدرك: «ظاهر الفقهاء كراهة الاتكاء و المشي على القبور و نسبه في المعتبر إلى العلماء» (5).

ص: 232


1- الوسائل باب: 63 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 55 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 52 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 62 من أبواب الدفن حديث: 1.
5- مستدرك الوسائل باب: 52 من أبواب الدفن حديث: 2.
التاسع عشر: إنزال الميت في القبر بغتة

التاسع عشر: إنزال الميت في القبر بغتة (38) من غير أن توضع الجنازة قريبا منه ثمَّ رفعها و وضعها دفعات، كما مر.

العشرون: رفع القبر عن الأرض أزيد من أربع أصابع مفرجات

العشرون: رفع القبر عن الأرض أزيد من أربع أصابع مفرجات (39).

______________________________

(38) تقدم في الأمر الرابع من الفصل السابق.

(39) تقدم وجهه في الأمر التاسع عشر من الفصل السابق.

فروع- (الأول): المعروف كراهة الطواف بالقبور مطلقا و يظهر من صاحب الوسائل الحرمة. و استدل للكراهة بأمور:

الأول: صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنّه قال: «و لا تطف بقبر» (1).

و مثله صحيح الحلبي (2). و نوقش فيهما: بأنّ الطواف استعمل بمعنى الغائط- كما في مجمع البحرين. و مقامع الفضل- فلا يكون دليلا للمقام، و يمكن أن يكون بمعنى الإلمام و المقام عند القبر، و هو مكروه، فلا يدل على كراهة الطواف المعهود.

الثاني: سيرة الأئمة و العلماء حيث لم يعهد منهم الطواف حول قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام المعصوم عليه السّلام فضلا عن غيرهما.

و فيه: أنّها مجملة لا تدل على الكراهة، لجريان سيرتهم على ترك جملة من المباحات- أيضا- مع أنّه قد ورد في خبر ابن أكثم قال: «بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فرأيت محمد بن عليّ الرضا عليه السّلام يطوف به»(3).

و لا وجه لحمله على التقية، أو أنّه ليس من الطواف التام، كما عن صاحب الوسائل.

ص: 233


1- الوسائل باب: 92 من أبواب المزار- كتاب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 92 من أبواب المزار- كتاب الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 92 من أبواب المزار- كتاب الحج حديث: 3.

.....

______________________________

الثالث: أنّه من شعائر الصوفية بالنسبة إلى قبور مشايخهم، و العامة بالنسبة إلى قبور أكابرهم، و قد ورد أنّ «الرشد في خلافهم».

و فيه: أنّه ليست المخالفة أصلا متبعا بيننا و بينهم في كلّ شي ء، و إنّما هي في موارد خاصة لا يمكن الجمع بين الأدلة بغيرها.

الرابع: أنّه تشبه بالكعبة و الأئمة لا يرضون بذلك.

و فيه: ما لا يخفى، هذا و قد ورد في زيارة أئمة المؤمنين: «بأبي أنتم و أمّي يا آل المصطفى إنّا لا نملك إلّا أن نطوف حول مشاهدكم» (1).

فلم يتم دليل صحيح على الكراهة. نعم، حيث إنّها قابلة للمسامحة، فيكفي مجموع ما ذكر فيها، و إن كان قابلا للمناقشة كما مر، و في صحيحة حماد عن الصادق عليه السّلام في قضية فدك: «دخلت فاطمة عليها السّلام المسجد و طافت بقبر أبيها- الحديث-» (2).

و هي ظاهرة في الجواز إن لم نقل بأنّها قضية في واقعة.

(الثاني): يظهر من بعض الأخبار كراهة زيارة القبور بالليل، فعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر: «وزرها أحيانا بالنهار، و لا تزرها بالليل» (3).

و يستثنى من ذلك قبور المعصومين، للسيرة المستمرة خلفا عن سلف بين العلماء العاملين، و المؤمنين.

(الثالث): تجوز الاستنابة في زيارة القبور، كما يجوز أخذ الأجرة عليها، و يصح إهداء ثوابها إلى الغير أيضا، كلّ ذلك للأصل و الإطلاقات و العمومات، و إطلاق خبر داود الصرمي عن العسكري عليه السّلام قال: «قلت له: إنّي زرت أباك و جعلت ذلك لك، فقال: لك بذلك من اللّه ثواب و أجر عظيم و منّا المحمدة» (4).

ص: 234


1- مستدرك الوسائل باب: 72 من أبواب المزار حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 72 من أبواب المزار حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 45 من أبواب الدفن حديث: 4.
4- الوسائل باب: 103 من أبواب المزار حديث: 1.
الحادي و العشرون: نقل الميت من بلد موته إلى بلد آخر

الحادي و العشرون: نقل الميت من بلد موته إلى بلد آخر (40) إلّا إلى المشاهد المشرفة و الأماكن المقدّسة (41) و المواضع المحترمة.

______________________________

تنبيهان- الأول: ما تقدم في الفصلين السابقين من الأوامر و النواهي و إن كانت ظاهرة في الوجوب و الحرمة، إلّا أنّها محمولة على الندب و الكراهة، لقرائن داخلية أو خارجية تعرّضنا لبعضها.

الثاني: الأولى إتيان المندوبات و ترك المكروهات رجاء، لقصور مدارك بعضها فتبني على قاعدة التسامح و قد اختلف الفقهاء في ثبوت الحكم الشرعي بهذه القاعدة، و قد تعرضنا لها فيما مرّ من مباحثنا كما تعرضنا لها أيضا فراجع (1) في كتابنا (تهذيب الأصول).

(40) مقتضى الأصل، و إطلاق أدلة الدفن جواز النقل مطلقا ما لم- يترتب عليه محرّم- لشمول تلك الإطلاقات لما إذا استلزم النقل و عدمه، و لكنه مكروه لدعوى جمع من الأعيان الإجماع عليها، و يشهد لها ما نسب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تارة، و إلى عليّ عليه السّلام أخرى: «ادفنوا الأجساد في مصارعهم و لا تفعلوا كفعل اليهود فإنّ اليهود تنقل موتاهم إلى بيت المقدس- الحديث-» (2).

إن لم نقل باختصاصه بمصارع الشهداء، و إلّا فلا يستفاد منه التعميم.

و ما دل على تعجيل الدفن (3) محمول على الندب إجماعا ما لم يكن غرض صحيح في البين، و إلّا فقد يكون الترجيح مع ملاحظة ذلك الغرض.

(41) للأصل بعد أنّ المتيقن من الإجماع الدال على الكراهة غير ذلك و يمكن دعوى اتفاق المذاهب الأربعة الإسلامية فضلا عن الإمامية، بل العقلاء على جواز النقل إليها، بل رجحان ذلك ثابت بالفطرة، و في الشرائع الإلهية خصوصا في مثل هذه الحالة التي انقطعت منها العلاقات، و بقية التوسلات إلى

ص: 235


1- راجع ج: 2 صفحة: 169 طبعة بيروت.
2- راجع مستدرك الوسائل باب: 13 من أبواب الدفن حديث: 12.
3- راجع الوسائل باب: 47 من أبواب الاحتضار.

كالنقل من عرفات إلى مكّة (42)، و النقل إلى النجف الأشرف، فإنّ

______________________________

المقربين لدى خالق البريات، و يشهد لذلك ما ورد في نقل نوح عليه السّلام عظام آدم عليه السّلام و دفنها في الغريّ (1). و نقل موسى عليه السّلام عظام يوسف عليه السّلام و دفنها في بيت المقدس (2).

و ما ورد في نقل رجل جنازة أبيه من اليمن إلى الغري في حياة عليّ عليه السّلام، و أمره عليه السّلام بالدفن هناك (3).

و بالجملة في السيرة بين العقلاء الذين يدفنون موتاهم و مرتكزاتهم في النقل إلى الأماكن المقدسة غنى و كفاية بعد عدم ثبوت الردع، و قد تعرضت كتب التاريخ المعتبرة لنقل الجنائز قبل الدفن و بعده إلى محلّ آخر من فرق المسلمين، و من شاء العثور عليها فليراجعها، و قد نقل جملة منها العلامة الأميني (رحمه اللّه)، و سيأتي في نقل كلام صاحب الجواهر من دعوى الإجماع على الاستحباب.

(42) لنصوص كثيرة، ففي خبر ابن سليمان قال: «كتبت إليه أسأله عن الميت يموت بعرفات أو ينقل إلى الحرم فأيّهما؟ فكتب يحمل إلى الحرم و يدفن فهو أفضل» (4).

و في خبر آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر، فقلت: من بر الناس و فاجرهم؟ قال: من بر الناس و فاجرهم»(5).

مضافا إلى أنّ مكة أفضل من عرفات من جهات، منها كونها في الحرم دون عرفات.

ص: 236


1- راجع مستدرك الوسائل باب: 13 من أبواب الدفن.
2- راجع الوسائل باب: 13 من أبواب الدفن.
3- مستدرك الوسائل باب: 13 من أبواب الدفن حديث: 7.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 2.
5- الوسائل باب: 44 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1.

الدفن فيه يدفع عذاب القبر و سؤال الملكين (43)، و إلى كربلاء و الكاظمية و سائر قبور الأئمة عليهم السّلام، بل إلى مقابر العلماء و الصلحاء (44) بل لا يبعد استحباب النقل من بعض المشاهد إلى أخر لبعض المرجحات الشرعية (45).

و الظاهر عدم الفرق في جواز النقل بين كونه قبل الدفن أو بعده (46). و من قال بحرمة الثاني فمراده ما إذا استلزم النبش، و إلّا فلو فرض خروج الميت عن قبره بعد دفنه بسبب- من سبع أو ظالم أو صبيّ أو نحو ذلك- لا مانع من جواز نقله إلى المشاهد مثلا. ثمَّ لا يبعد جواز

______________________________

(43) كما سيأتي في التنبيه الثالث.

(44) لاكتساب الفضيلة من الجوار و حسن الجار كما هو مطلوب في الدنيا، مرغوب إليه في البرزخ و في الآخرة.

(45) لأنّ الحالة حالة يطلب فيها الأفضل فالأفضل مهما أمكن، و في النبوي: «إنّ موسى بن عمران لما حضرته الوفاة سأل ربّه أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية حجر، و قال صلّى اللّه عليه و آله: لو كنت ثمَّ لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر» (1).

و من المرجحات الشرعية تعدد الإمام المدفون فيها، كما في البقيع، و منها كثرة مقابر العلماء و الصلحاء في ذلك المشهد، و ذلك يختص بالنجف الأشرف، أو كثرة الشهداء، و هذا يختص بالمدينة المنوّرة و كربلاء المقدسة.

(46) النقل تارة يكون بعد الموت و قبل الدفن، و أخرى بعد إيداعه فيما يحفظه عن الفساد، أو استعمال ما يوجب عدم عروضه عليه من الأدوية القديمة أو الحديثة، أو يكون بعد الدفن ثمَّ النبش للنقل، و الكلّ جائز للأصل- و إن قلنا بحرمة النبش في نفسه- و لو فرض خروج الميت بسيل أو نحوه فلا حرمة من هذه الجهة أيضا.

ص: 237


1- سفينة البحار ج: 2 صفحة: 398.

النقل إلى المشاهد المشرفة و إن استلزم فساد الميت (47) إذا لم يوجب أذية المسلمين (48)، فإنّ من تمسك بهم فاز، و من أتاهم فقد نجا،

______________________________

(47) قال في الجواهر: «كان يفتي به الأستاذ المعتبر الشيخ جعفر تغمده اللّه برحمته حتّى توفي، قال: لو توقف نقله على تقطيعه إربا إربا جاز و لا هتك فيه ..».

و لعلّه استند إلى الأصل، و إطلاق الأصحاب استحباب النقل إلى المشاهد، و بأولويته من النقل بعد الدفن.

و الكلّ مخدوش بما دل على لزوم احترام المؤمن بعد موته، «و لأنّ حرمته ميتا كحرمته حيا». و لكن يمكن أن يقال: إنّ المسألة من صغريات الأهم و المهم، فإذا كان حفظه عن مكارهه الروحية بإيصاله إلى جوار من بجواره تتحفظ الأرواح و النفوس عما يخاف و يحذر، و تصل إلى ما أعد لها من المقامات المعنوية متوقفا على تقطيع جسمه فكلّ أحد يرضى بذلك، بل الشرع أيضا يرجحه، لكثرة اهتمام الشارع بإيصال نفوس أمّته إلى المقامات المعنوية في جميع العوالم التي تمر على الإنسان، و لا وقع للجسم الجامد الذي يفنيه التراب عما قريب في مقابل درك الفضائل المعنوية الأبدية من جوار أولياء اللّه تعالى، و يشهد لقول كاشف الغطاء (رحمه اللّه) إطلاق ما مرّ من نقل موسى عظام يوسف و دفنها في بيت المقدس (1)فإنّ إطلاقه يشمل حصول الكسر في العظم خصوصا في الأزمنة القديمة التي صعب فيها النقل و الانتقال جدا.

(48) الأذية لها مراتب متفاوتة، منها ما يصل إلى تلف النفس. و منها ما يوجب حدوث مرض. و منها ما يحدث و يزول بسرعة، كحدوث الروائح المنتنة الكريهة التي تأتي و تزول، و الظاهر عدم شمول أدلة النقل للأولتين، و أما الأخيرة فلا مانع فيها من الشمول.

تنبيهات- الأول: يجوز إيداع الميت بلا دفن في محلّ محفوظ عن التغير،

ص: 238


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الدفن حديث: 7.

.....

______________________________

أو استعمال دواء أو شي ء آخر لذلك لأجل نقله إلى بعض المشاهد، للأصل و إطلاقات الأدلة الدالة على وجوب الدفن بعد الموت.

و أشكل عليه: بأنّ الإيداع ليس بدفن، مضافا إلى ما دل على التعجيل في الدفن.

و فيه: أنّ الإيداع و إن لم يكن دفنا، و لكنّه في معرض الدفن بعد ذلك، فيشمله إطلاق أدلة الدفن، و التعجيل في الدفن مندوب إجماعا ما لم يكن غرض أهمّ في البين، فما دل على وجوب الدفن لا يدل على أزيد من وجوبه في الجملة، و لا تستفاد الفورية منها، كما ثبت في محلّه، و المفروض عدم ترتب مفسدة على الإيداع، بل تترتب عليه مصلحة النقل و عدم الوقوع في حرمة النبش بعد ذلك لو قلنا بحرمة النقل أيضا، فمقتضى الأصل عدم محذور فيه ما لم تترتب عليه مفسدة.

الثاني: قد تعارف في هذه الأعصار نقل الجنائز من أطراف كربلاء- حتّى من النجف- و التبرك بها بالضريح المقدس الحسيني، ثمَّ دفنها في النجف الأشرف. و مقتضى الأصل جوازه لو لم يترتب عليه حرام، و الظاهر عدم احتساب مئونة النقل على القصر من الورثة، و يشهد له في الجملة ما ورد في وصية الحسن لأخيه الحسين عليه السّلام من حمل نعشه إلى حرم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليجدد به عهدا، ثمَّ دفنه في البقيع (1).

الثالث: قال في الجواهر: «إنّ نقل الجنائز إلى المشاهد المشرفة لا يكره، بل يستحب بلا خلاف، و في المعتبر أنّه مذهب علمائنا، و عن المحقق الثاني أنّ عليه عمل الإمامية في زمن الأئمة عليهم السّلام إلى الآن، و عن الصادق عليه السّلام في خبر ابن خارجة: «من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر فقلت له: من بر الناس و فاجرهم؟ قال: من بر الناس و فاجرهم» (2).

و في البحار: «إنّه قد وردت أخبار كثيرة في فضل الدفن في المشاهد

ص: 239


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الدفن حديث: 10 و 6.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الدفن حديث: 1.

و من لجأ إليهم أمن، و من اعتصم بهم فقد اعتصم باللّه تعالى، و المتوسل بهم غير خائب، صلوات اللّه عليهم أجمعين.

مسألة 1: يجوز البكاء على الميت و لو كان مع الصوت

(مسألة 1): يجوز البكاء على الميت (49) و لو كان مع الصوت،

______________________________

المشرفة لا سيّما الغريّ و الحائر».

و في إرشاد الديلمي: «إنّ من خواص تربة الغريّ إسقاط عذاب القبر و ترك محاسبة نكير و منكر هناك، كما ورد في بعض الأخبار الصحيحة عن أهل البيت (عليهم السّلام)».

و في الجواهر عن بعض مشايخه ناقلا عن المقداد: «قد تواترت الأخبار أنّ الدفن في سائر مشاهد الأئمة مسقط لسؤال منكر و نكير».

الرابع: نسب إلى أمالي الطوسي أنّه نقل عن الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالى خلق سبعين ألف ملك نقالة تنقل الموتى إلى حيث يناسبهم» (1).

و قد ورد أنّ من مات بعمل قوم لوط و لم يتب يقذفه القبر إلى مكان قوم لوط (2).

أقول: قد تفحصت بقدر و سعي فلم أجد ما دل على النقل في المدارك المعتبرة، و يمكن حملها- على فرض الصدور عن المعصوم عليه السّلام- على من كان لا يليق بالجوار من الكفار، أو من انهمك في الطغيان بحيث يقبح بالنسبة إليه الثواب و الإحسان، و إلّا فمشاهدهم مأمن إلهي، و الملائكة لا تجترئ على النقل عن مأمن إلهي، و كيف يرضى اللّه تعالى بذلك بعد أن جعل تلك المشاهد ملجأ و ملاذا.

فعار على حامي الحمى و هو في الحمى إذا ضلّ في البيدا عقال بعير

مع أنّه تقدم أنّ الدفن في الحرم ينفع بر الناس و فاجرهم.

(49) أما أصل جوازه في الجملة، فللأصل و الإجماع، و نصوص كثيرة

ص: 240


1- الأمالي صفحة: 132.
2- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب الجهاد.

بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن و حرقة القلب (50). بشرط أن لا يكون منافيا للرضاء بقضاء اللّه (51) لا فرق بين الرحم و غيره، بل قد مر استحباب البكاء على المؤمن. بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضال (52) ..

______________________________

تقدم بعضها، بل الظاهر أنّ بعض مراتبه غير اختياري عند موت القريب، بل الحبيب، خصوصا عند النفوس الرحيمة. و أما جوازه لما إذا كان مع الصوت أو بدونه، فللأصل و الإطلاق.

(50) لخبر منصور الصيقل، عن أبيه، قال: «شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام وجدا وجدته على ابن لي هلك حتّى خفت على عقلي، فقال: إذا أصابك من هذا شي ء فأفض من دموعك فإنّه يسكن عنك» (1).

و يشهد له ما ثبت في الطب القديم و الحديث، بل قد يجب ذلك إذا توقف علاج العقد النفسانية عليه.

(51) لأنّ التسليم للّه تعالى في كلّ ما يرد منه على عبده من أجلّ المقامات و أعلاها، و هو مقام الأولياء المقربين و العرفاء الشامخين حيث يرون أنّ جميع ما يتعلق بهم عارية من اللّه تعالى و وديعة منه عزّ و جلّ، و لا وجه للجزع عند رد العارية و الوديعة. مضافا إلى ما ورد من الأخبار عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عند موت ابنه إبراهيم عليه السّلام: «يحزن القلب و تدمع العين، و لا نقول ما يسخط الرب»(2).

(52) كما في خبر يونس بن يعقوب، عن عبد اللّه بن بكير الأرجاني قال:

«ذكرت أبا الخطاب و مقتله عند أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: فرققت عند ذلك و بكيت فقال: أ تأسى عليهم؟ فقلت: لا، و لكن سمعتك تذكر أنّ عليا عليه السّلام قتل أصحاب النهروان فأصبح أصحاب عليّ عليه السّلام يبكون

ص: 241


1- الوسائل باب: 87 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 87 من أبواب الدفن حديث: 4.

و الخبر (53) الذي ينقل من أنّ الميت يعذّب ببكاء أهله ضعيف، مناف لقوله وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.

و أما البكاء المشتمل على الجزع و عدم الصبر فجائز (54) ما لم يكن مقرونا بعدم الرضاء بقضاء اللّه (55). نعم، يوجب حبط

______________________________

عليهم، فقال عليّ عليه السّلام: أ تأسون عليهم؟ فقالوا: لا، إنّا ذكرنا الألفة التي كنا عليها و البلية التي أوقعتهم فلذلك رققنا عليهم، قال: لا بأس» (1).

(53) هذا الخبر رواه البخاري و مسلم عن عبد اللّه بن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «الميت يعذب ببكاء أهله عليه» (2)، و في رواية أخرى: «إنّ اللّه يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله» (3). و هذا الخبر مع أنّه عامي، و منقول بوجهين، و مخالف للقرآن لقوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (4).

محرّف أيضا، فقد نقلوا عن عائشة أنّها قالت: رحم اللّه عمر و اللّه ما كذب، و لكنّه أخطأ أو نسي، إنّما مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقبر يهودية و هم يبكون عليها، فقال: «إنّهم يبكون، و إنّها لتعذب- الحديث-» (5).

و أما ما ورد عن الصادق عليه السّلام: «من أنّ كلّ الجزع و البكاء مكروه ما سوى الجزع و البكاء لقتل الحسين عليه السّلام» (6).

فلا بدّ من تأويله، كالإرشاد إلى أقلية ثواب البكاء على غيره عليه السّلام عن البكاء عليه أو نحو ذلك.

(54) للأصل، و الإطلاق.

(55) لمنافاته للأخبار المتواترة الدالة على الرضا بقضاء اللّه تعالى،

ص: 242


1- الوسائل باب: 89 من أبواب الدفن حديث: 1.
2- صحيح البخاري ج: 2 ص: 100، باب: قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه.
3- صحيح البخاري ج: 2 ص: 100، باب: قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه.
4- سورة الأنعام: 164.
5- راجع المصدر السابق عن صحيح البخاري.
6- الوسائل باب: 87 من أبواب الدفن حديث: 9.

الأجر (56)، و لا يبعد كراهته (57).

مسألة 2: يجوز النوح على الميت بالنظم و النثر

(مسألة 2): يجوز النوح على الميت بالنظم و النثر (58) ما لم

______________________________

و التسليم لأمره، بل عدّ ذلك من شعب الإيمان.

(56) لأنّه يمكن أن يستفاد مما دل على أنّ ضرب المصاب يده على الفخذ موجب لحبط الأجر بأن يكون ذلك من باب المثال لكلّ ما يمكن أن يظهر به الجزع المنافي لقضاء اللّه.

(57) بل هي المسلمة إن قلنا بأنّ ترك المندوب مكروه خصوصا في مثل المقام.

(58) للأصل و الإجماع، و النصوص المستفيضة، و قد أوصى أبو جعفر عليه السّلام: «أن يندب في المواسم عشر سنين» (1).

و ندبة الصديقة الطاهرة عليها السّلام لأبيها معروفة بين الفريقين، و أنّ فاطمة عليها السّلام: «قد ناحت على أبيها، و أنّه أمر بالنوح على حمزة»(2).

و كذا ندبة أم سلمة ابن عمها بين يدي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، ففي خبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «مات الوليد بن المغيرة فقالت أم سلمة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب إليهم؟

فأذن لها فلبست ثيابها و تهيّأت و كانت من حسنها كأنّها جان، و كانت إذا قامت فأرخت شعرها جلّل جسدها و عقدت بطرفيه خلخالها، فندبت ابن عمها بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت:

أنعى الوليد بن الوليد أبا الوليد فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجد يسمو إلى طلب الوتيرة

قد كان غيثا في السنين و جعفرا غدقا و ميرة

ص: 243


1- الوسائل باب: 69 من أبواب الدفن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 70 من أبواب الدفن حديث: 4.

يتضمن الكذب و لم يكن مشتملا على الويل و الثبور (59)، لكن يكره في

______________________________

فما عاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ذلك و لا قال شيئا» (1).

و ما يظهر منه الكراهة محمول على ما إذا اشتملت على ترك الآداب الشرعية، بل قد يحرم إذا اشتملت على الكذب و نحوه من المحرّمات.

(59) لقول عليّ عليه السّلام: «مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم فإنّ فاطمة عليها السّلام لما قبض أبوها أسعدتها بنات هاشم، فقالت: اتركن التعداد، و عليكن بالدعاء» (2).

و قال أبو جعفر: «إنّما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها، و لا ينبغي لها أن تقول هجرا، فإذا جاءها الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح» (3).

و إطلاق قوله عليه السّلام: «و لا ينبغي لها أن تقول هجرا» يشمل الندبة بالويل و الثبور، و نحوه عند المصيبة، و الثبور بمعنى الهلاك. و لا يستفاد أزيد من الكراهة من قوله عليه السّلام هذا.

و لكن في جملة من الأخبار النهي عن الصراخ بالويل، ففي خبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قلت له: «ما الجزع؟ قال: أشد الجزع الصراخ بالويل و العويل و لطم الوجه و الصدر و جز الشعر من النواصي، و من أقام النواحة فقد ترك الصبر و أخذ في غير طريقه» (4).

و عن عمرو بن أبي المقدام: «سمعت أبا الحسن و أبا جعفر عليهما السّلام يقول في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال لفاطمة عليها السّلام: إذا أنا متّ فلا تخمشي عليّ وجها، و لا ترخي عليّ شعرا، و لا تنادي بالويل، و لا تقيمنّ عليّ نائحة. قال:

ص: 244


1- الوسائل باب: 17 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
2- الوسائل باب: 70 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 71 من أبواب الدفن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 83 من أبواب الدفن حديث: 1.

الليل (60). و يجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل (61). لكن

______________________________

ثمَّ قال: هذا المعروف الذي قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ (1).

أقول: الويل و الثبور بمعنى الهلاك، أي: يطلب الهلاك لنفسه، و هو مخالف للتسليم و الرضا و التوكل. و العويل: رفع الصوت بالبكاء، و هو عبارة أخرى عن الصراخ. و لكن في خطبة الصديقة الطاهرة- بعد رحلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- وقعت هذه العبارة: «ويلاه من كلّ شارق»، و يمكن حمله على بعض المحامل. و المراد بقولها عليها السّلام: «اتركن التعداد» أي التهيئة المتعارفة بينهنّ للنياحة من إرسال الشعر و نحو ذلك، أو تعداد ما لا فائدة فيه من المفاخر الدنيوية.

ثمَّ إنّه ينبغي أن يعد من الآداب عدم لبس السواد أيضا، ففي الخبر عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره في قوله تعالى وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ: إنّها نزلت في يوم فتح مكة و ذلك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قعد في المسجد يبايع الرجال إلى صلاة الظهر و العصر ثمَّ قعد لبيعة النساء .. إلى أن قال: ثمَّ قرأ عليهنّ ما أنزل اللّه من شروط البيعة، فقال: على أن لا يشركن .. الآية، فقامت أم حكيم بنت الحارث بن عبد المطلب فقالت: يا رسول اللّه ما هذا المعروف الذي أمرنا اللّه به أن لا يعصينك فيه، فقال: أن لا تخمشن وجها، و لا تلطمن خدا، و لا تنتفن شعرا، و لا تمزّقن جيبا، و لا تسوّدن ثوبا، و لا تدعونّ بالويل و الثبور، و لا تقمن عند قبر- الحديث-» (2).

(60) تقدم ما يدل عليه.

(61) للأصل، و العمومات، و الإجماع، و قول الصادق عليه السّلام:

«لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت» (3).

ص: 245


1- الوسائل باب: 83 من أبواب الدفن حديث: 5.
2- مستدرك الوسائل باب: 71 من أبواب الدفن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب ما يكتسب به حديث: 7.

الأولى أن لا يشترط أولا (62).

مسألة 3: لا يجوز اللطم و الخدش و جز الشعر

(مسألة 3): لا يجوز اللطم و الخدش و جز الشعر (63)، بل

______________________________

و سئل عليه السّلام عن أجر النائحة، فقال: «لا بأس به قد نيح على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» (1).

و قوله عليه السّلام: «لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا» (2).

و سيأتي التفصيل في المكاسب المحرمة إن شاء اللّه تعالى، هذا إذا لم يكن النوح بالباطل. و إلّا فهو حرام و يحرم أخذ الأجرة عليه أيضا لأنّ «اللّه إذا حرّم شيئا حرم ثمنه» (3).

(62) لقول الصادق عليه السّلام في موثق حنان بن سدير في الجارية النائحة: «لا تشارط و تقبل ما أعطيت» (4).

المحمول على مجرد أولوية ترك الشرط، و قد ورد مثل ذلك في كسب الحجام و الماشطة أيضا (5).

(63): نصّا، و إجماعا. قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ليس منّا من ضرب الخدود، و شق الجيوب» (6).

و لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «الخامشة وجهها، و الشاقة جيبها، و الداعية بالويل و الثبور» (7).

و في خبر أبي جميلة الآنف الذكر: «أشد الجزع الصراخ بالويل و العويل، و لطم الوجه و الصدر- الحديث-».

ص: 246


1- الوسائل باب: 17 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب ما يكتسب به حديث: 9.
3- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8 مع تغيير يسير.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.
5- راجع الوسائل باب: 19 من أبواب ما يكتسب به.
6- مستدرك الوسائل باب: 71 من أبواب الدفن حديث: 12.
7- مستدرك الوسائل باب: 71 من أبواب الدفن حديث: 13.

و الصراخ الخارج عن حدّ الاعتدال على الأحوط (64). و كذا لا يجوز شق الثوب على غير الأب و الأخ (65). و الأحوط تركه فيهما أيضا (66).

______________________________

و قال صلّى اللّه عليه و آله: «مهما يكن من العين و القلب فمن اللّه و من الرحمة، و مهما يكن من اليد و اللسان فمن الشيطان»(1)و قد أوصى أبو عبد اللّه عليه السّلام عند احتضاره بأن: «لا يلطمن عليّ خدّا، و لا يشقنّ عليّ جيبا، فما من امرأة تشق جيبها إلّا صدع لها في جهنم صدع كلّما زادت زيدت» (2).

هذا مع منافاة كلّ ذلك للتسليم و الرضا مع أنّ الشق إسراف محرّم، و الخدش إضرار محرم، فمقتضى العمومات و الإطلاقات فيهما عدم الجواز، و لكن إطلاق هذه الأخبار يقتضي الحرمة مطلقا، و لو لم ينطبق على الشق عنوان الإسراف بأن كان القميص عتيقا جدا، و كذا لو لم ينطبق على الخدش عنوان الإضرار بأن كان يسيرا كذلك.

(64) كما صرّح به في الحدائق، لأنّ الظاهر من الأخبار و كلام الأصحاب حرمة الصراخ، و إنّما الجائز. النوح بالصوت المعتدل، و عن الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي الصياح على الميت، و لا تشق الثياب» (3).

فيحمل لفظ لا ينبغي على الحرمة بقرينة فهم الأصحاب. فتأمل.

(65) لإطلاق ما دل على النهي عن الإسراف، و أنّه من المعاصي الكبيرة، و ما تقدم من الأخبار الناهية عنه بالخصوص المعتضدة بما دل على الترغيب إلى الرضا و التسليم و أنّه مخالف لهما.

(66) استدل للجواز فيها بمرسل المبسوط، و النسبة إلى ظاهر الأصحاب و ما ورد في شق العسكري عليه السّلام على أبيه، و في جنازة أخيه، و كذا شق أبو محمد عليه السّلام في جنازة أبي الحسن عليه السّلام(4).

ص: 247


1- مستدرك الوسائل باب: 74 من أبواب الدفن حديث: 21.
2- مستدرك الوسائل باب: 72 من أبواب الدفن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 84 من أبواب الدفن حديث: 2.
4- راجع الوسائل باب: 84 من أبواب الدفن.

.....

______________________________

و الكل مخدوش إذ المرسل لا أثر له في الكتب، و النسبة إلى ظاهر الأصحاب ليس من الإجماع المنقول و لا المقبول، فلا يصلحان لتخصيص ما دل على حرمة الإسراف. و يحتمل أن يراد بالشق حلّ القميص و فك الأزرار، كما في موثق ابن أبي عمير عن الصادق عليه السّلام: «يشق الكفن من عند رأس الميت إذا أدخل قبره» (1).

أي يحلّ، لا أن يكون المراد به الشق بمعنى إفساد الكفن أو القميص.

و ما ورد في شقّ العسكري و أبي محمد عليهما السّلام يمكن أن يراد به ذلك أيضا، مع أنّه لو كان جائزا لشق الحسنان عليهما السّلام على أمير المؤمنين عليه السّلام، و شق عليّ بن الحسين عليهما السّلام على أبيه عليه السّلام في واقعة الطف بل كانت أولى بالشق من جهات.

نعم، ذيل ما يأتي من خبر ابن سدير يدل على رجحان الشق لمثل الحسين عليه السّلام إن وجد مثيل له في مصائبه. و لكن فيه إشكال: و هو أنّه لم يشق السجاد عليه السّلام و شققن الفاطميات فقط، مع أنّه يمكن أن يستفاد من الجملة في الذيل عدم الجواز لأنّه عليه السّلام علق الجواز على الشهادة مقرونا بجهات من المظلومية التي لا توجد في غير الحسين عليه السّلام، و لم يجعل عليه السّلام مجرد الموت منشأ للجواز فيتعارض مع الصدر. و الترجيح مع الذيل كما لا يخفى.

و أما خبر خالد بن سدير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمّه أو على أخيه أو على قريب له. فقال عليه السّلام:

لا بأس بشق الجيوب قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون، و لا يشق الوالد على ولده، و لا زوج على امرأته، و تشق المرأة على زوجها، و إذا شق زوج على امرأته، أو والد على ولده فكفارته حنث يمين، و لا صلاة لهما حتّى يكفّرا أو يتوبا من ذلك، فإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته، ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، و في الخدش إذا أدمت و في النتف كفارة حنث يمين، و لا شي ء في اللطم على الخدود سوى

ص: 248


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الدفن حديث: 6.
مسألة 4: في جز المرأة شعرها في المصيبة كفارة شهر رمضان

(مسألة 4): في جز المرأة شعرها في المصيبة كفارة شهر رمضان، و في نتفه كفارة اليمين، و كذا في خدشها وجهها (67).

مسألة 5: في شق الرجل ثوبه في موت زوجته أو ولده كفارة اليمين

(مسألة 5): في شق الرجل ثوبه في موت زوجته أو ولده كفارة اليمين، و هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام (68).

______________________________

الاستغفار و التوبة، و لقد شققن الفاطميات الجيوب و لطمن الخدود على الحسين بن عليّ عليهما السّلام، و على مثله تلطم الخدود و تشق الجيوب» (1).

فلا عامل بإطلاق صدره مضافا إلى قصور سنده و لا جابر بالنسبة إليه، و إن عمل المشهور بما فيه من الكفارات.

(67) على المشهور، و لما تقدم في خبر ابن سدير. و الجز هو القطع مع بقاء أصله، و النتف نزعه من أصله.

(68) على المشهور، و لما مر في خبر ابن سدير، و يأتي التفصيل في كتاب الكفارات إن شاء اللّه تعالى.

فروع- (الأول): المنساق من خبر ابن سدير في تعلق الكفارة إنّما هو جز تمام شعر الرأس عرفا بحيث يصدق عند العرف أنّها جزت شعر رأسها لا الصدق الدقي الحقيقي حتّى يكون نادرا، لأنّه غير واقع عادة، و هو مقتضى الأصل أيضا، لأنّها من صغريات الأقل و الأكثر في المحرمات التي يكون الأكثر محرّما قطعا و الأقل مشكوك الحرمة، و كذا الكلام في النتف، و لكن الأحوط الكفارة بجزّ البعض أو نتفه أيضا، جمودا على الإطلاق و خروجا عن خلاف من أوجبها فيه أيضا.

(الثاني): لو كانت المصيبة شديدة بحيث خرجت المرأة عن الاختيار، فجزت أو نتفت فلا كفارة عليها، لظهور تعلقها بالعمل المختار.

ص: 249


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الكفارات حديث: 1.
مسألة 6: يحرم نبش قبر المؤمن و إن كان طفلا

(مسألة 6): يحرم نبش قبر المؤمن (69) و إن كان طفلا أو

______________________________

(الثالث): لو جزت البعض و نتفت الآخر، فلا كفارة عليها بناء على اعتبار أن يكون مورد الجز أو النتف التمام، و لكن الأحوط الكفارة.

(الرابع): لا كفارة في شق المرأة ثوبها لزوجها أو ولدها، أو أحد من أقاربها، أو في مصيبة غير الأقارب، للأصل بعد عدم دليل عليها.

(الخامس): يكفي في الشق مجرد الصدق العرفي و لا يعتبر شق تمام الثوب، كما أنّه يعتبر فيه أن يكون من المحلّ المتعارف، فلو شق من غيره فلا كفارة، بل و لا حرمة مع عدم الإسراف، و تأتي بقيّة الكلام في الكفارات إن شاء اللّه تعالى.

(69) لأنّ قبحه و حرمته- في الجملة- مسلّم بين المسلمين، بل جميع الملّيين الذين يدفنون موتاهم، مع أنّه يكون مثلة. و هتكا للميت، و حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيّا، و إنّ المطلوب من الدفن إنّما هو الحدوث و البقاء لا مجرد الحدوث، و ما دل على قطع يد النباش (1)- كما يأتي في الحدود- و يشهد له حديث: «من خدّد قبرا» (2) بناء على قراءته بالخاء.

هذا، و لكن يمكن المناقشة في جميع ذلك، لأنّه لم يعلم من المجمعين أنّ مرادهم كون الأصل حرمة النبش إلّا ما خرج بالدليل، أو أنّه محرم إلّا فيما ليس فيه غرض صحيح، فلا يصح التمسك بإطلاق مثل هذا الإجماع. و المثلة و الهتك أخص من مطلق النبش وجدانا، و مجرد النبش لغرض صحيح ثمَّ الدفن ثانيا، لا ينافي وجوب الدفن بقاء، و قطع يد النباش للسرقة لا لمجرد النبش من حيث هو، و حديث التجديد مجمل متنا، فإثبات أنّ مطلق النبش حرام إلّا ما خرج بالدليل مشكل. نعم، حرمة ما ليس فيه غرض صحيح مسلّم عند الكلّ.

ص: 250


1- الوسائل باب: 19 من أبواب حد السرقة.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب الدفن حديث: 1.

مجنونا (70)، إلّا مع العلم باندراسه و صيرورته ترابا (71). و لا يكفي الظن به (72). و إن بقي عظما فإن كان صلبا ففي جواز نبشه إشكال (73). و أما مع كونه مجرد صورة بحيث يصير ترابا بأدنى حركة، فالظاهر جوازه (74).

نعم، لا يجوز نبش قبور الشهداء و العلماء و الصلحاء و أولاد الأئمة عليهم السّلام و لو بعد الاندراس و إن طالت المدة، سيّما المتخذ منها مزارا أو مستجارا (75). و الظاهر توقف صدق النبش على بروز الجسد، فلو أخرج بعض تراب القبر و حفر من دون أن يظهر جسده لا يكون من النبش المحرّم (76)، و الأولى الإناطة بالعرف و هتك الحرمة (77).

______________________________

(70) لإطلاق معقد الإجماع الشامل لهما.

(71) لأنّ المنساق من الأدلة و المتيقن من الإجماع غير مورد العلم بالاندراس، فالمرجع حينئذ أصالة الإباحة، هذا مع قطع النظر عن جهة أخرى.

و إلّا فقد يحرم و قد يجب.

(72) لأصالة عدم اعتباره، فيكون المرجع استصحاب الحرمة.

(73) مقتضى الاستصحاب فيه عدم الجواز أيضا. و دعوى أنّه من الشك في أصل الموضوع فلا مجرى للاستصحاب. مردود: بأنّ العرف يحكم في مثله بالبقاء.

(74) لأنّ المتيقن من دليل المنع صورة عدم الاستحالة إلى التراب، و لا يجري الاستصحاب، للشك في الموضوع.

(75) إجماعا، بل ضرورة عند كلّ مذهب بالنسبة إلى عظماء مذهبهم.

(76) لعدم صدق النبش المعهود بدونه، و لا أقلّ من الشك في ذلك فلا تشمله الأدلة.

(77) لقاعدة أنّ كلّ موضوع لم يرد دليل من الشرع على تحديده،

ص: 251

و كذا لا يصدق النبش إذا كان الميت في سرداب و فتح بابه لوضع ميت آخر خصوصا إذا لم يظهر جسد الميت (78). و كذا إذا كان الميت موضوعا على وجه الأرض و بني عليه بناء- لعدم إمكان الدفن أو باعتقاد جوازه، أو عصيانا- فإنّ إخراجه لا يكون من النبش. و كذا إذا كان في تابوت من صخرة أو نحوهما (79).

مسألة 7: يستثنى من حرمة النبش موارد
اشارة

(مسألة 7): يستثنى من حرمة النبش موارد:

الأول: إذا دفن في المكان المغصوب عدوانا أو جهلا أو نسيانا

الأول: إذا دفن في المكان المغصوب عدوانا أو جهلا أو نسيانا، فإنّه يجب نبشه مع عدم رضا المالك ببقائه (80). و كذا إذا كان كفنه مغصوبا، أو دفن معه مال مغصوب، بل لو دفن معه ماله المنتقل بعد موته إلى الوارث فيجوز نبشه لإخراجه (81). نعم، لو أوصى بدفن دعاء

______________________________

فالمرجع فيه هو العرف، و يأتي التعرض لهذه القاعدة في محلّه. و حينئذ فإن صدق النبش عرفا يحرم، و لا يحرم مع الشك فضلا عن صدق العدم.

(78) لأصالة البراءة، و السيرة المستمرة في السراديب المعمولة للموتى في غالب البلدان، و الظاهر عدم صدق النبش عرفا، و لو ظهر الجسد آنا ما ثمَّ سدّ باب السرداب فورا.

(79) لأنّه لا يتحقق موضوع الحرمة إلّا بعد الدفن، و المفروض عدم تحققه بعد، بل قد يجب الإخراج.

(80) لعدم تحقق الدفن الشرعي حتّى يثبت موضوع حرمة النبش، لما تقدم في [المسألة 12] من فصل الدفن من عدم جواز الدفن في الأرض المغصوبة و إن كان الأفضل، بل الأحوط للمالك قبول القيمة في غير مورد العدوان بل قد يجب ذلك. و المسألة من صغريات الأهم و المهم، فقد يجب النبش إن كان حقّ المالك أهمّ، و قد يحب بذل القيمة إن كان حق الميت أهمّ.

(81) لأهمية حرمة الإسراف و تضييع المال المحترم عن حرمة النبش

ص: 252

أو قرآن أو خاتم معه لا يجوز نبشه لأخذه، بل لو ظهر بوجه من الوجوه لا يجوز أخذه، كما لا يجوز عدم العمل بوصيته من الأول (82).

الثاني: إذا كان مدفونا بلا غسل أو بلا كفن

الثاني: إذا كان مدفونا بلا غسل أو بلا كفن أو تبيّن بطلان غسله أو كون كفنه على غير الوجه الشرعي- كما إذا كان من جلد الميتة أو غير المأكول أو حريرا- فيجوز نبشه لتدارك ذلك (83) ما لم يكن موجبا لهتكه (84). و أما إذا دفن بالتيمم لفقد الماء فوجد الماء بعد دفنه، أو كفن بالحرير لتعذر غيره ففي جواز نبشه إشكال (85). و أما إذا دفن بلا صلاة أو تبيّن بطلانها فلا يجوز النبش لأجلها، بل يصلّى على

______________________________

بلا إشكال، فمقتضى القاعدة سقوط حكم المهم حينئذ، و منه يظهر حكم الأسنان الصناعية (العارية) إن كانت لها قيمة معتنى بها عرفا.

(82) كلّ ذلك لوجوب العمل بالوصية مع استجماعها لشرائط الصحة من كونها بقدر الثلث أو زائدا عليه مع إمضاء الورثة و أن يكون في الدفن غرض شرعي.

(83) لأنّ النبش المحرّم ما إذا كان الدفن صحيحا شرعيا، و لم يتحقق ذلك، لأنّ صحته تتوقف على وقوع ما يجب قبله، مع أنّ عمدة الدليل على حرمة النبش الإجماع و المتيقن منه غير ذلك.

(84) لأهمية مراعاة عدم هتك المؤمن عن مثل هذه الأمور، فيسقط حكم المهم و يبقى حكم الأهمّ بلا مزاحم.

(85) من احتمال كون العذر موجبا لانقلاب التكليف مطلقا فلا يبقى مورد للنبش حينئذ، و من احتمال الانقلاب ما دام لم يبل الميت، و المفروض عدم البلى و عدم الهتك، و عن بعض مشايخنا ترجيح الأول تنظيرا للمقام بما إذا تيمم للصلاة مع العذر في الوقت ثمَّ ارتفع بعد الوقت. و لكنّه عين الدعوى كما لا يخفى. و يمكن أن يقال: أنّ المتيقن من الإجماع على حرمة النبش غير هذه.

الصورة خصوصا مع قرب العهد.

ص: 253

قبره (86)، و مثل ترك الغسل في جواز النبش ما لو وضع في القبر على غير القبلة و لو جهلا أو نسيانا (87).

الثالث: إذا توقف إثبات حق من الحقوق على رؤية جسده

الثالث: إذا توقف إثبات حق من الحقوق على رؤية جسده (88).

الرابع: لدفن بعض أجزائه المبانة منه معه

الرابع: لدفن بعض أجزائه المبانة منه معه (89). لكن الأولى دفنه معه على وجه لا يظهر جسده.

الخامس: إذا دفن في مقبرة لا تناسبه

الخامس: إذا دفن في مقبرة لا تناسبه، كما إذا دفن في مقبرة الكفار، أو دفن معه كافر، أو دفن في مزبلة أو بالوعة أو نحو ذلك من الأمكنة الموجبة لهتك حرمته (90).

السادس: لنقله إلى المشاهد المشرفة و الأماكن المعظمة

السادس: لنقله إلى المشاهد المشرفة و الأماكن المعظمة على

______________________________

(86) لما تقدم [المسألة 7] من فصل شرائط صلاة الميت.

(87) لعدم كونه حينئذ من الدفن الشرعي حتّى يحرم النبش.

(88) لأهمية ذلك من حرمة نبشه، مع أنّ المتيقن مما دل على الحرمة غير ذلك، مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ الحرمة إنّما تكون فيما إذا لم يكن غرض شرعي في النبش مطلقا، و إلّا فلا حرمة، و إن لم يكن ذلك الغرض أهمّ من حرمة النبش فلا يحتاج إلى ملاحظة الأهمية و يأتي التصريح من الماتن (قدّس سرّه) و نتعرض هناك لدفع الإشكال عنه.

(89) تقدم في [المسألة 13] من فصل الدفن وجوب ذلك، و إطلاق دليله يشمل مورد النبش أيضا، و لا إطلاق لدليل حرمة النبش من تمام الجهات حتّى يتعارض الإطلاقان، لأنّ عمدة دليلها الإجماع و المتيقن منه غير ذلك، و مع فرض التعارض فالمرجع أصالة الإباحة، و لكن الأحوط هو الدفن بنحو لا يظهر الجسد مهما أمكن ذلك.

(90) لأهمية مراعاة احترامه عن نبش قبره قطعا، بل قد تقدم عدم لزوم مراعاة الأهمية و ترتفع الحرمة بمجرد الغرض الصحيح الشرعي.

ص: 254

الأقوى (91)، و إن لم يوص بذلك، و إن كان الأحوط «الترك مع عدم الوصية».

______________________________

(91) لباب المقال: إنّه إمّا أن نعلم بعدم تحقق موضوع النبش المحرم كما إذا كان هناك خلل في الغسل أو الكفن فلا يتحقق في هذه الموارد الدفن الشرعي حتّى يثبت موضوع حرمة النبش المترتبة على الدفن الشرعي و لا إشكال في عدم حرمة النبش في هذه الموارد، أو نعلم بتحقق الدفن الشرعي و نعلم بوجود مصلحة راجحة على مفسدة حرمة النبش و لا إشكال فيه أيضا في جواز النبش، أو نشك في أصل تحقق الدفن الشرعي من أول الأمر فلا مجال فيه للتمسك بما دل على حرمة النبش، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كما لا مجال لاستصحاب حرمة النبش لعدم إحراز الموضوع و المرجع البراءة عن حرمة النبش، أو نعلم بتحقق الدفن الشرعي و نشك في وجود مصلحة للنبش و المرجع حينئذ استصحاب حرمة النبش، أو نشك فيهما معا فالمرجع أصالة الإباحة إن لم يكن أصل موضوعي في البين و بعد تبيّن ذلك نقول: إن أوصى بنقله إلى المشاهد و مع ذلك دفن و لم ينقل إليها عصيانا فالدفن غير شرعي فلا موضوع لحرمة النبش، و كذا لو دفن جهلا أو نسيانا، فإنّ بزوال العذر يستكشف أنّه لم يكن دفنا شرعيا، و إن لم يوص به و لم يلزم هتك و فساد من النقل يجوز النبش أيضا، للشك في شمول دليل حرمة النبش لمثله المشتمل على المصلحة الأبدية الدائمية.

إن قلت: موضوع حرمة النبش الدفن العرفي و لا ريب في تحققه مطلقا فتستصحب الحرمة في موارد الشك.

قلت: إنّ له وجها إن لم يرد تحديد عن الشارع للدفن، و إلّا فلا وجه للرجوع إلى العرف في ما ورد فيه النص على التقييد و التحديد، مع أنّ في الدفن العرفي لو حدثت مصلحة للنبش راجحة يحكم العرف بجوازه، فحرمة النبش ليست من كلّ جهة مطلقا حتّى عند العرف، بل هي معلقة على عدم عروض عنوان راجح.

ص: 255

السابع: إذا كان موضوعا في تابوت و دفن كذلك

السابع: إذا كان موضوعا في تابوت و دفن كذلك، فإنّه لا يصدق عليه النبش حيث لا يظهر جسده. و الأولى مع إرادة النقل إلى المشاهد اختيار هذه الكيفية (92)، فإنّه خال عن الإشكال، أو أقلّ إشكالا.

الثامن: إذا دفن بغير إذن الوليّ

الثامن: إذا دفن بغير إذن الوليّ (93).

التاسع: إذا أوصى بدفنه في مكان معيّن و خولف عصيانا أو جهلا أو نسيانا

التاسع: إذا أوصى بدفنه في مكان معيّن و خولف عصيانا أو جهلا أو نسيانا (94).

العاشر: إذا دعت ضرورة إلى النبش

العاشر: إذا دعت ضرورة إلى النبش، أو عارضه أمر راجح أهمّ (95).

الحادي عشر: إذا خيف عليه من سبع أو سيل أو عدوّ

الحادي عشر: إذا خيف عليه من سبع أو سيل أو عدوّ (96).

______________________________

(92) جمودا على احتمال حرمة النبش حينئذ للنقل إلى المشاهد و جواز تأخير الدفن لمصلحة راجحة. و أما بناء على جواز النبش للنقل و حرمة تأخير الدفن بهذا المقدار فلا ريب في عدم أولوية الثاني على الأول، كما أنّه بناء على جوازهما معا فلا أولوية في البين.

(93) لأنّه دفن غير شرعي فلا يشمله دليل حرمة النبش، كما تقدم في نظائره، و لكن الأحوط حينئذ إذن الوليّ لو لم يكن محذور في البين.

(94) لأنّ الدفن وقع على غير المشروع فلا موضوع لحرمة النبش إلّا إذا ثبتت حرمة النبش بدليل لفظي مطلق حتّى يكون العمل بالوصية مستلزما لارتكاب الحرام، و لكنّه ممنوع لما يأتي في المتن.

(95) لأنّه من موارد التزاحم و لا ريب في تقدم الأهم، بل قد تقدم جوازه لكلّ غرض صحيح شرعي و لو لم يكن أهم فضلا عما إذا كان كذلك.

(96) لزوال حكمة الدفن في الإبقاء فلا بدّ من وجوب النبش حينئذ تحفظا على الغرض من الدفن.

ص: 256

الثاني عشر: إذا أوصى بنبشه و نقله بعد مدة

الثاني عشر: إذا أوصى بنبشه و نقله (97) بعد مدة إلى الأماكن المشرفة. بل يمكن أن يقال بجوازه في كلّ مورد يكون هناك رجحان شرعي من جهة من الجهات، و لم يكن موجبا لهتك حرمته أو لأذية الناس، و ذلك لعدم وجود دليل واضح على حرمة النبش إلّا الإجماع، و هو أمر لبّيّ، و القدر المتيقن منه غير هذه الموارد. لكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال (98).

مسألة 8: يجوز تخريب آثار القبور التي علم اندراس ميتها

(مسألة 8): يجوز تخريب آثار القبور التي علم اندراس ميتها (99)، ما عدا ما ذكر من قبور العلماء و الصلحاء و أولاد الأئمة عليهم السّلام (100)، سيّما إذا كانت في المقبرة الموقوفة للمسلمين مع

______________________________

(97) هذا الأمر مبنيّ على أنّ مثل هذه الوصية خلاف الشرع حتّى تكون باطلة، أو لا مخالفة لها معه حتّى تصح؟ و الظاهر أنّه لا دليل على البطلان، مع أنّ دليل المنع قاصر عن شموله، و مع الشك فالمرجع أصالة عدم المخالفة، فيجب الإنفاذ.

فرع: نقل أصل القبر مع ميته و ما فيه من التراب بحيث لم يظهر جسد الميت لا يكون من النبش المحرّم فمقتضى الأصل جوازه لو لم يترتب عليه محذور شرعي.

(98) منشؤه أنّ المستفاد من الأدلة هل هو أصالة حرمة النبش إلّا ما خرج بالدليل، أو أنّ الحرمة تختص بما ليس فيه غرض صحيح، و المتيقن هو الأخير، و الشك في التعميم يكفي في عدم ثبوته.

(99) لأصالة البراءة عن الحرمة بعد عدم دليل عليها، و للسيرة. و إلّا لعمت القبور فناء الدور و تزاحمت قبور الموتى مع قصور الأحياء.

(100) لبناء الناس على إبقائها و التبرك بها خلفا عن سلف، فهي ملاذ العباد في قضاء الحاجات و نيل الطلبات، فلا بدّ و أن يتحفظ عن الحوادث و الآفات.

ص: 257

حاجتهم (101)، و كذا في الأراضي المباحة، و لكن الأحوط عدم التخريب مع عدم الحاجة، خصوصا في المباحة غير الموقوفة (102).

مسألة 9: إذا لم يعلم أنّه قبر مؤمن أو كافر

(مسألة 9): إذا لم يعلم أنّه قبر مؤمن أو كافر، فالأحوط عدم نبشه (103) مع عدم العلم باندراسه، أو كونه في مقبرة الكفار.

مسألة 10: إذا دفن الميت في ملك الغير بغير رضاه لا يجب عليه الرضا ببقائه

(مسألة 10): إذا دفن الميت في ملك الغير بغير رضاه لا يجب عليه الرضا ببقائه و لو كان بالعوض (104) و إن كان الدفن بغير العدوان- من جهل أو نسيان- فله أن يطالب بالنبش أو يباشره (105). و كذا إذا دفن مال للغير مع الميت (106) لكن الأولى بل الأحوط قبول العوض أو الأعراض (107).

مسألة 11: إذا أذن في دفن ميت في ملكه لا يجوز له

(مسألة 11): إذا أذن في دفن ميت في ملكه لا يجوز له أن

______________________________

(101) لأنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالوقف للدفن مجرد حدوث الدفن في الجملة، بل مهما أمكن ذلك شرعا إلى الأبد.

(102) لاحتمال أن يكون الدفن منشأ لحصول حق الاختصاص مطلقا، فلا يزول بانعدام الميت، لكنّه مشكل.

(103) لبناء الفقهاء على تغليب جانب الإسلام مهما أمكنهم ذلك.

(104) للأصل، و قاعدة السلطنة.

(105) لقاعدة السلطنة بعد عدم دليل حاكم عليها. و الشك في شمول دليل حرمة النبش بالنسبة إليه، فيكون المرجع هو الأصل.

(106) لأنّ مقتضى سلطنته على ما له جواز أخذه له مطلقا ما لم يدل دليل على الحرمة، و هو مفقود.

(107) لأنّه مع بذل العوض و عدم تضرره بالإعراض يمكن التشكيك في شمول قاعدة السلطنة له من حيث معارضتها لما دل على حرمة النبش مع أنّ ذلك من المجاملات الأخلاقية المرغبة إليها شرعا.

ص: 258

يرجع في إذنه بعد الدفن، سواء كان مع العوض أو بدونه لأنّه المقدم على ذلك فيشمله دليل حرمة النبش (108). و هذا بخلاف ما إذا أذن في الصلاة في داره، فإنّه يجوز له الرجوع في أثناء الصلاة (109)، و يجب على المصلّي قطعها في سعة الوقت فإنّ حرمة القطع إنّما هي بالنسبة إلى المصلّي فقط (110)، بخلاف حرمة النبش فإنّه لا يفرق فيه بين المباشر و غيره (111).

نعم، له الرجوع عن إذنه بعد الوضع في القبر قبل أن يسدّ بالتراب. هذا إذا لم يكن في عقد لازم، و إلّا فليس له الرجوع مطلقا.

مسألة 12: إذا خرج الميت المدفون في ملك الغير بإذنه بنبش نابش أو سيل أو سبع

(مسألة 12): إذا خرج الميت المدفون في ملك الغير بإذنه بنبش نابش أو سيل أو سبع أو نحو ذلك لا يجب عليه الرضا و الإذن بدفنه ثانيا في ذلك المكان، بل له الرجوع عن إذنه، إلّا إذا كان لازما عليه بعقد لازم (112).

مسألة 13: إذا دفن في مكان مباح فخرج بأحد المذكورات لا يجب دفنه ثانيا في ذلك المكان

(مسألة 13): إذا دفن في مكان مباح فخرج بأحد المذكورات لا يجب دفنه ثانيا في ذلك المكان، بل يجوز أن يدفن في مكان

______________________________

(108) لفرض أنّ الدفن وقع صحيحا و مستجمعا للشرائط المعتبرة فيه، فيشمله دليل الحرمة قهرا.

(109) تأتي هذه المسألة في [المسألة 21] من فصل مكان المصلّي.

(110) و إذا رجع عن إذنه لا يبقى موضوع للحرمة، بل تبطل الصلاة من حيث وقوعها في المكان الغصبيّ، إلّا إذا رجع إذنه بالصلاة إلى إسقاط حقه عن ماله مطلقا ما دام مصلّيا فحينئذ لا يجوز له الرجوع، و سيأتي التفصيل في مكانه.

(111) لو لا احتمال دعوى انصراف الحرمة عن مثله.

(112) لقاعدة السلطنة، و لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالعقود.

ص: 259

آخر (113). و الأحوط الاستئذان من الوليّ في الدفن الثاني أيضا (114).

نعم، إذا كان عظما مجردا أو نحو ذلك لا يبعد عدم اعتبار إذنه (115)، و إن كان الأحوط مع إمكانه.

مسألة 14: يكره إخفاء موت إنسان مع أولاده و أقربائه

(مسألة 14): يكره إخفاء موت إنسان مع أولاده و أقربائه إلّا إذا كان هناك جهة رجحان فيه (116).

مسألة 15: من الأمكنة التي يستحب الدفن فيها و يجوز النقل إليها الحرم

(مسألة 15): من الأمكنة التي يستحب الدفن فيها و يجوز النقل إليها الحرم. و مكة أرجح من سائر مواضعه، و في بعض الأخبار أنّ الدفن في الحرم يوجب الأمن من الفزع الأكبر و في بعضها استحباب نقل الميت من عرفات إلى مكة المعظمة (117).

مسألة 16: ينبغي للمؤمن إعداد قبر لنفسه

(مسألة 16): ينبغي للمؤمن إعداد قبر لنفسه، سواء كان في

______________________________

(113) للأصل، و إطلاق أدلة الدفن.

(114) لعموم ما تقدم مما دل على وجوب الاستئذان منه، و وجه التردد احتمال الانصراف عن الدفن الثاني، لفرض حصول الإذن منه. نعم، لو كان في الدفن الثاني خصوصية زائدة يحتاج إلى الإذن حينئذ.

(115) لأنّ احتمال الانصراف في هذه الصورة قوي.

(116) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سيابة: «لا تكتموا موت ميت من المؤمنين مات في غيبته لتعتد زوجته و يقسم ميراثه» (1).

المحمول على الكراهة إجماعا، و لكنّه قد يحرم، و قد يستحب الكتمان لجهات خارجية.

(117) لأنّ مكة من الحرم و هي أقرب إلى البيت و إن لم نجد لفظة مكة فيما تفحصنا في الأخبار عاجلا.

ص: 260


1- الوسائل باب: 66 من أبواب الدفن حديث: 1.

حال المرض أو الصحة، و يرجح أن يدخل قبره و يقرأ القرآن فيه (118).

مسألة 17: يستحب بذل الأرض لدفن المؤمن

(مسألة 17): يستحب بذل الأرض لدفن المؤمن (119)، كما يستحب بذل الكفن له و إن كان غنيا ففي الخبر: من كفن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة.

مسألة 18: يستحب المباشرة لحفر قبر المؤمن

(مسألة 18): يستحب المباشرة لحفر قبر المؤمن، ففي الخبر: من حفر لمؤمن قبرا كان كمن بوّأه بيتا موافقا إلى يوم القيامة (120).

______________________________

(118) اقتداء بالأسلاف الصالحين، فقد نقل عن بعضهم أنّهم مما يلتزمون بذلك، و أنّه يوجب تذكر الآخرة، و يمكن أن يشمله إطلاق قوله تعالى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (1).

(119) تأسيا بإبراهيم الخليل عليه السّلام، و أمير المؤمنين عليه السّلام كما في خبر عقبة بن علقمة و غيره (2).

(120) و في خبر آخر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّه قال: «من احتفر لمسلم قبرا محتسبا حرّمه اللّه على النار و بوّأه بيتا من الجنة، و أورده حوضا فيه من الأباريق عدد نجوم السماء عرضه ما بين أيلة و صنعاء» (3).

تتمة فيها فروع- (الأول): مقتضى الإطلاقات عدم الفرق فيما مرّ من التلقين و غيره من المندوبات و المكروهات بين المكلّف و غيره، لأنّه تلقين عقائد حسنة ينفع الميت مطلقا، و إن كان مقتضى بعض التعليلات من أنّه يدفع به سؤال منكر و نكير الاختصاص بالمكلّف، لكنه يمكن حمله على الحكمة لا العلة الحقيقية، كما في وضع الجريدتين حيث إنّهما توضعان على الصغير و الكبير.

(الثاني): لو مات شخص مجهول الحال، فإن كان في بلد الإسلام

ص: 261


1- سورة التكاثر: 1.
2- راجع الوسائل و المستدرك باب: 12 من أبواب الدفن.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الدفن حديث: 2.
مسألة 19: يستحب مباشرة غسل الميت

(مسألة 19): يستحب مباشرة غسل الميت، ففي الخبر: كان فيما ناجى به موسى عليه السّلام ربه قال: «يا ربّ ما لمن غسل الموتى، فقال: أغسله من ذنوبه كما ولدته أمه».

مسألة 20: يستحب للإنسان إعداد الكفن و جعله في بيته و تكرار النظر إليه

(مسألة 20): يستحب للإنسان إعداد الكفن و جعله في بيته و تكرار النظر إليه، ففي الحديث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إذا أعدّ الرجل كفنه كان مأجورا كلّما نظر إليه»، و في خبر آخر: «لم يكتب من الغافلين و كان مأجورا كلّما نظر إليه».

______________________________

يحكم عليه به، و تجري عليه أحكامه، لقاعدة التغليب، إلّا مع وجود أمارة معتبرة على الخلاف فتتبع لا محالة.

(الثالث): مقتضى الإطلاقات جواز المشي بين القبور مع النعل و الخف و نحوهما خصوصا بعد إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يسمع قرع نعالكم ..». و لكن مقتضى الخضوع و التأدب خلع النعل لا سيما مع خلع عليّ عليه السّلام نعله في التشييع فيكون بين القبور أولى.

هذا بعض ما يتعلق ببدن الإنسان بعد مفارقة روحه عنه.

و أما النفس و الروح الإنساني فقد تحيرت فيهما العقول و اعترف بالعجز عن الوصول إلى كنه معرفتهما الأعلام الفحول، فكم قد أفيضت في دركها العبرات و حصلت فيه منهم العثرات و لم يزل العلماء من متكلمهم و حكيمهم الإلهيّ، و فيلسوفهم الطبيعي من قديمهم و حديثهم يبذلون جهدهم في كشف هذا المعمّى، و لا يزدادون إلّا تحيرا و اعترافا بالقصور، و قد جمع عليّ بن يونس العاملي (رحمه اللّه) جملة من أقوالهم في ما أسماه ب (الباب المفتوح إلى ما قيل في النفس و الروح) و غالبها عليل، بل على خلاف جملة منها الدليل و لعل أقربها إلى الصواب ما عن الحكيم السبزواري (رحمه اللّه):

و إنّها بحت وجود ظلّ حق عندي و ذا فوق التجرد انطلق

و هو المطابق لنتيجة أبحاث الحكماء المحققين و رياضات العرفاء الشامخين

ص: 262

.....

______________________________

بعد طول مباحثهم و رياضاتهم، و لو لا الخروج عن مباحث الفقه لتعرضت لكلماتهم مع ما فيها من النقض و الإبرام، و مع ذلك لا يظهر به الواقع المستور و كيف ينكشف شي ء أراد اللّه إخفاءه، قال عزّ من قائل وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلّا قَلِيلًا (1).

و قال الصادق عليه السّلام حين سئل عن الروح فقال: «هي من قدرته من الملكوت» (2).

و قال أيضا: «هي كالكلل محيطة بالبدن» (3).

و قد تعرضت لجملة كثيرة من مباحثها النفيسة في التفسير وفقنا اللّه تعالى لنشره بعد تكميله و ان الكمال منحصر به تعالى.

و لا يخفى أنّ الروح أصل الإنسان و حقيقته و لا بدّ و أن يهتم باستكمالها اهتماما كثيرا، لأنّ باستكمالها تدرك الحياة الأبدية، و قد اهتمت الشرائع الإلهية خصوصا الشريعة المقدسة المحمدية صلّى اللّه عليه و آله بتكميل الروح أشد من كلّ شي ء، و تشريع العبادات و المجاهدات و الرياضات إنّما هو لتكميل الروح و علم الفقه و العمل به من أهم طرق تكميله، بل لا طريق له إلّا به، نسأل اللّه تعالى أن يوفقنا للعمل بذلك.

ص: 263


1- سورة الإسراء: 17.
2- تفسير العياشي في ضمن الآية المباركة.
3- الاحتجاج صفحة 111 الطبعة الحجرية القديمة.

فصل في الأغسال المندوبة

اشارة

(فصل في الأغسال المندوبة) و هي كثيرة و عدّ بعضهم سبعا و أربعين، و بعضهم أنهاها إلى خمسين، و بعضهم إلى أزيد من ستين، و بعضهم إلى سبع و ثمانين، و بعضهم إلى مائة (1). و هي أقسام زمانية و مكانية و فعلية. إما للفعل (فصل في الأغسال المندوبة)

______________________________

(1) نسب ما يقرب المائة إلى المصابيح، و عن صاحب المستند أنّها سبع و ثمانون و عن النفلية أنّها خمسون. و أما الستون فلم أظفر بقائله عاجلا، و المناط كلّ ما ورد فيه خبر و لو ضعيف، أو ذكر في كتاب فقيه ما لم يعارضه دليل بناء على ثبوت الاستحباب الشرعي، لقاعدة التسامح حتّى بالنسبة إلى فتوى الفقيه، و عن المعتبر و المنتهى استحباب غسل المندوب نفسا و عدم حصره في عدد مخصوص و له وجه، لأنّه نحو تنظيف و النظافة من الإيمان، و يدل عليه إطلاق قوله تعالى:

إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (1). و للتطهير مراتب و درجات و إطلاقه يشمل الجميع و غسل تمام البدن و تنظيفه عن الوسخ و القذارة و لو في كلّ يوم.

ثمَّ إنّ في موثق سماعة (2) قد زيد على الأغسال السبعة الواجبة المعروفة خمسة أخرى و صرّح الإمام عليه السّلام بوجوبها و هي: غسل المولود، و غسل المحرم، و غسل يوم عرفة، و غسل المباهلة، و غسل الاستسقاء، و لا بدّ و أن يحمل ذلك على تأكد الاستحباب جمعا و إجماعا، و لم أظفر على خبر مشتمل

ص: 264


1- سورة البقرة: 222.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.

.....

______________________________

على جميع الأغسال المسنونة تمامها. نعم، هي متفرقة في الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة تعرضنا لها في محالها، و إنّما يذكر في هذا الفصل جملة وافية منها.

ثمَّ إنّه لا بدّ قبل الشروع في بيان الأغسال من بيان أمور:

(الأول): قد مرّ إمكان استفادة استحباب ذات الغسل مطلقا نفسا مما ورد إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و أنّ الطهور نور، فإنّ إطلاقها يشمل جميع مراتب حصول الطهارة ظاهرية كانت أو معنوية، كانت مبيحة للصلاة أو لا خصوصا إن قلنا بأنّ كلّ غسل يجزي عن الوضوء فإنّ حصول الطهارة حينئذ واضحة، فتصدق الآية لا محالة، و يأتي في المسألة السادسة من القسم الثاني من الأغسال الفعلية ما ينفع المقام.

(الثاني): قد استقر بناء الفقهاء في المندوبات على حمل القيود المذكورة فيها على تعدد المطلوب، فليكن تقييد هذه الأغسال بالوقت الخاص أو المكان المخصوص هكذا أيضا، فيجوز إتيانها قبله أو بعده أيضا، كما في غسل الجمعة و غسل ليلة القدر- على قول بعض- فما ورد فيها من النص يكون موافقا للقاعدة لا أن يكون مخالفا لها، و كذا ما ورد في صلاة الليل و النوافل من صحة الإتيان قبل الوقت و حينه و بعده.

(الثالث): يظهر للمتأمل في مجموع ما ورد في الأغسال المندوبة استحبابه لكلّ عمل يراد التقرب به إلى اللّه تعالى و كلّ مكان شريف و زمان كذلك، و كلّ ما يراد به حصول النشاط العبادي. نعم، خرجت العبادات العامة الابتلائية و دخول المساجد- غير المسجدين- بظهور الإجماع على عدم استحباب الغسل لها، و يسهل الأمر في غير ما ورد فيه النص بالخصوص الإتيان بقصد الرجاء.

(الرابع): ليس الاختلاف في أعداد الأغسال المسنونة حقيقيا بل هو اعتباري فمنهم من اكتفى بذكر الأهم المشهور منها، كالمحقق حيث جعلها ثمانية و عشرين، و منهم من تعدّى منه إلى كلّ ما أفتى به و لو فقيه واحد. و لو بنى الكلّ على التسامح حتّى بالنسبة إلى فتوى الفقيه لاتفق الكلّ على عدد خاص و الأمر سهل.

ص: 265

الذي يريد أن يفعل، أو للفعل الذي فعله (2). و المكانية أيضا في الحقيقة فعلية، لأنّها إما للدخول في المكان أو للكون فيه.

أما الزمانية فأغسال
اشارة

أما الزمانية فأغسال:

أحدها: غسل الجمعة
اشارة

(أحدها): غسل الجمعة، و رجحانه من الضروريات، و كذا تأكد استحبابه معلوم من الشرع. و الأخبار في الحث عليه كثيرة، و في بعضها: أنّه يكون طهارة له من الجمعة إلى الجمعة، و في آخر: غسل يوم الجمعة طهور و كفارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة. و في جملة منها: التعبير بالوجوب (3)، ففي الخبر: إنّه واجب على كلّ ذكر أو أنثى من حر أو عبد، و في آخر: عن غسل يوم الجمعة فقال عليه السّلام:

«واجب على كلّ ذكر و أنثى من حر أو عبد»، و في ثالث:

«الغسل واجب يوم الجمعة»، و في رابع: قال الراوي: كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال عليه السّلام:

«إنّ اللّه أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة .. (إلى أن قال):

و أتم وضوء النافلة بغسل يوم الجمعة».

و في خامس: «لا يتركه إلّا فاسق»، و في سادس: عمّن نسيه حتّى صلّى قال عليه السّلام: «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل و يعيد

______________________________

(2) هذا التقسيم استقرائي و لا أثر منه في كتب القدماء، و لكنّه واقع بحسب الأدلة الشرعية.

(3) و قد أطلق الوجوب على جملة أخرى من الأغسال أيضا في موثق سماعة (1) مع أنّهم لا يقولون بوجوبها.

ص: 266


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.

الصلاة و إن مضى الوقت فقد جازت صلاته» .. إلى غير ذلك (4).

و لذا ذهب جماعة إلى وجوبه، منهم الكليني و الصدوق و شيخنا البهائي، على ما نقل عنهم. لكن الأقوى استحبابه، و الوجوب في الأخبار منزّل على تأكد الاستحباب، و فيها قرائن كثيرة على إرادة هذا المعنى (5)، فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوبه، و إن كان الأحوط عدم

______________________________

(4) و لكن قال في الجواهر- و نعم ما قال-: «لعلّ التتبع يشهد أنّ كلّ ما زيد فيه من المبالغة في فعله و تركه كان إلى الاستحباب أقرب منه إلى الوجوب».

أقول: و قد جعل (قدّس سرّه) هذا في موارد من كتابه من أمارات الندب، و صرّح بأنّه قد جرت عادة الأئمة عليهم السّلام على ذلك، هذا، مع أنّ من لوازم الوجوب الإيعاد على الترك، و لم يرد إيعاد عليه في النصوص، مضافا إلى أنّ جميع ما ورد في غسل الجمعة و سائر الأعياد إرشاد إلى ما جبلت عليه فطرة الناس من التغسيل و التنظيف في الأعياد، و إنّما أكدوا عليهم السّلام في عيد الجمعة، لأنّه متكرر في كلّ شهر مرات يمكن أن يتسامح فيه الناس، فأكد ذلك أشدّ التأكيد، مع أنّ التأكيد في التطهير و التنظيف من عادة الشرع مهما أمكنه ذلك.

(5) كصحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الغسل في الجمعة و الأضحى و الفطر، قال: سنّة و ليس بفريضة» (1).

و في صحيح زرارة عن الصادق عليه السّلام عن غسل الجمعة قال عليه السّلام: «سنّة في السفر و الحضر» (2).

و في خبر آخر: «ليس شي ء من التطوع أعظم منه» (3).

و عدّه في عداد المندوبات في جملة من الروايات، مع أنّ مقتضى الأصل عدم الوجوب نفسيا كان أو غيريا، إلّا أن يدل دليل غير معارض عليه. هذا مع استقرار المذهب على الندب و عن الخلاف و الغنية الإجماع على الندب بين

ص: 267


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 10.
3- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 9.

تركه (6).

مسألة 1: وقت غسل الجمعة من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال

(مسألة 1): وقت غسل الجمعة من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال (7)، و بعده إلى آخر يوم السبت قضاء (8).

______________________________

القدماء أيضا، و الوجوب النفسي منفي بالأدلة الحاصرة للأغسال الواجبة في غيره، و الغيري منفيّ بضرورة المذهب، بل الدين إذ لم ينسب إلى أحد اشتراط صحة العبادات بغسل الجمعة.

(6) خروجا عن خلاف من أوجبه و جمودا على بعض النصوص.

(7) للنص و الإجماع، ففي صحيح زرارة و الفضيل قالا: «قلنا له:

أ يجزي إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال عليه السّلام: نعم» (1).

و في خبر زرارة: «إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة» (2).

و يشهد له أصالة عدم المشروعيّة إلّا فيما يصدق عليه يوم الجمعة إن لم نقل بأنّه في كلّ أسبوع مرة.

(8) لدعوى الإجماع عليه، و لخبر دعائم الإسلام: «و ليكن غسلك قبل الزوال» (3).

و لما دل على أنّ حكمة تشريعة الطهارة و النظافة للاجتماع للصلاة(4)، و في خبر ابن بكير عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة، قال عليه السّلام: يغتسل ما بينه و بين الليل، فإن فاته اغتسل يوم السبت» (5).

ص: 268


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 2.
4- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 15 و 18.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.

لكن الأولى و الأحوط فيما بعد الزوال إلى الغروب من يوم الجمعة أن ينوي القربة من غير تعرض للأداء و القضاء (9)، كما أنّ الأولى مع تركه إلى الغروب أن يأتي به بعنوان القضاء في نهار السبت لا في ليله (10). و آخر وقت قضائه غروب يوم السبت و احتمل بعضهم جواز

______________________________

فإنّه ظاهر في أنّ له في يوم الجمعة وقت أداء و وقت فوت، و المعهود من وقت الأداء هو ما قبل الزوال. و أما خبر سماعة عنه عليه السّلام أيضا: «في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار، قال عليه السّلام: يقضيه آخر النهار، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت» (1).

فلا ظهور فيه أنّه أداء إلى آخر النهار، و لعلّ ذكر آخر النهار لاختيار القضاء لأجل أنّ بعد الزوال وقت الاشتغال بالصلاة. و الأمور الشخصية.

(9) لتسالمهم على مشروعية إتيانه يوم الجمعة من أول الفجر إلى الغروب. و إنّما البحث في أنّه قضاء بعد الزوال أم لا؟ و يمكن حمل ما ورد في التحديد بالزوال على التحديد بالنسبة إلى بعض مراتب الفضل كما هو المعهود في المندوبات دون أصل التوقيت الحقيقي كما في سائر الموقتات، فيكون المراد بالقضاء إما مطلق الإتيان أو القضاء بالنسبة إلى بعض مراتب الأولوية، و على هذا يمكن القول به في جميع الأغسال المقيدة بقيد خاص زمانا كان أو غيره، لأنّ أصلها خير محض و تقييد الخير المحض بقيد لا يوجب سقوط أصل خيريّته في غير مورد ذلك القيد إلّا بدليل يدل عليه و هو مفقود. و أما ما ورد عن الرضا عليه السّلام: «كان أبي يغتسل يوم الجمعة عند الرواح» (2).

فيمكن أن يراد به الرواح إلى صلاة الجمعة فيكون قريبا من الزوال، و يمكن أن يراد به بعد الزوال فيكون دليلا على الجواز بعنوان الرجاء.

(10) لما تقدم في خبر سماعة و مثله خبر ابن بكير بعد حملهما على مجرد

ص: 269


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.

قضائه إلى آخر الأسبوع لكنّه مشكل (11). نعم، لا بأس به لا بقصد الورود بل برجاء المطلوبية، لعدم الدليل عليه إلّا الرضوي (12)، غير المعلوم كونه منه عليه السّلام.

مسألة 2: يجوز تقديم غسل يوم الجمعة الخميس

(مسألة 2): يجوز تقديم غسل يوم الجمعة الخميس، بل و ليلة الجمعة إذا خاف إعواز الماء يومها (13). أما تقديمه ليلة الخميس

______________________________

الأولوية كما هو المتعارف في المندوبات، و لذا نسب إلى الأكثر جواز القضاء في ليلة السبت أيضا. و أما ما دل على نفي القضاء كخبر ذريح (1). فمحمول على عدم التأكد لا عدم التشريع و إلّا لكان خلاف الإجماع و النصوص.

(11) لا إشكال فيه بناء على أنّ التوقيت من باب تعدد المطلوب و أنّ المطلوب إنّما هو ذات الغسل أينما تحقق. نعم، بناء على كونه من باب وحدة المطلوب فيشكل حينئذ من جهة عدم النص، و يمكن دفع الإشكال بأنّه إذا جاز التقديم يوم الخميس فالتقديم ليلة الجمعة- التي هي أقرب إلى يومها- يكون بالأولى.

(12) قال فيه: «فإن فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت السبت أو بعده من أيام الجمعة» (2).

و في البحار: «إنّي لم أر قائلا به»، و لكنّه مخدوش بأنّ عدم وجدان قائل به لا يضر بالتمسك به في الأحكام غير الإلزامية بناء على المسامحة و سيأتي وجه كونه غير معلوم الانتساب إليه عليه السّلام.

(13) أما الأول فهو المشهور، بل ادعي نفي الخلاف فيه، و في مرسل محمد بن الحسين قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لأصحابه: «إنّكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة» (3).

ص: 270


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 5.
2- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.

فمشكل، نعم، لا بأس به مع عدم قصد الورود.

و احتمل بعضهم جواز تقديمه حتّى من أول الأسبوع أيضا (14) و لا دليل عليه (15). و إذا قدمه يوم الخميس ثمَّ تمكن منه يوم الجمعة يستحب إعادته (16)، ..

______________________________

و مثله ما في خبر حسين بن موسى بن جعفر عن أمه و أم أحمد ابنة موسى ابن جعفر قالتا: «كنا مع أبي الحسن عليه السّلام بالبادية و نحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس: اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة، فإنّ الماء بها غدا قليل، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة» (1).

و أما الثاني فنسب إلى المصابيح دعوى الإجماع عليه، مع أنّ المستفاد من النص أنّ مناط التقديم إعواز الماء، و لا فرق فيه بين يوم الخميس و ليلة الجمعة.

و أشكل عليه: بأنّ المناط ظنّي، و الإجماع اجتهاديّ.

و فيه: أنّ الظاهر حصول الاطمئنان بل القطع بالمناط و هو يكفي، و كون الإجماع اجتهاديا أول الدعوى و عهدة إثباتها على مدعيها. و الظاهر عدم الفرق بين خوف إعواز الماء و سائر الأعذار، و إن كان الأولى قصد الرجاء في غير إعواز الماء جمودا على مورد النص إن لم يستفد من مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض أنّ المناط الغسل في كلّ أسبوع مرّة و أنّ أفضل أوقاته يوم الجمعة.

(14) بناء على ما تقدم من إمكان الاستفادة من مجموع الأخبار أنّ الغسل في كلّ أسبوع مرة، و أنّ خصوصية الجمعة من باب الأفضلية. و له وجه، لكثرة ما ورد من الشارع من التأكيد و الترغيب إلى النظافة، و الاغتسال في أيّ مناسبة.

(15) ظهر مما مر أنّ له وجها حسنا عرفا.

(16) لسقوط البدل بالتمكن من المبدل بعد ما يظهر من أدلة المقام أنّ البدلية ما دامية لا دائمية، و بالتمكن من المبدل ظهر أنّه لم يكن بدلا أصلا، هذا

ص: 271


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 2.

و إن تركه يستحب قضاؤه يوم السبت (17)، و أما إذا لم يتمكن من أداء يوم الجمعة فلا يستحب قضاؤه (18)، و إذا دار الأمر بين التقديم و القضاء فالأولى اختيار الأول (19).

مسألة 3: يستحب أن يقول حين الاغتسال

(مسألة 3): يستحب أن يقول حين الاغتسال (20): «أشهد أن

______________________________

بناء على المشهور، و أما بناء على ما استظهرناه من أنّ المندوب في تمام الأسبوع غسل واحد و أفضل أوقاته يوم الجمعة فكذلك أيضا، لأنّه مع التمكن من درك الأفضل لا وجه للاكتفاء بالمفضول.

(17) لأنّه بعد التمكن من المبدل و سقوط البدل عن البدلية، فكأنّه لم يأت به أصلا، فتشمله أدلة القضاء قهرا، هذا بناء على المشهور، و كذا بناء على ما قلناه، لأنّه مع إمكان درك فضيلة الفائتة بالقضاء، فلا وجه للاكتفاء بخصوص المفضول.

(18) لاستقرار حكم البدلية حينئذ فلا أمر بالأداء حتّى يتحقق مع تركه القضاء، كما في جميع التكاليف الاضطرارية التي لا يتمكن فيها المكلّف من إتيان المبدل.

(19) لانطباق عنوان المسارعة إلى الخير بالنسبة إليه، و أنّه نحو اهتمام به.

(20) لخبر أبي ولاد الحناط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من اغتسل يوم الجمعة للجمعة فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه .. كان طهرا له من الجمعة إلى الجمعة» (1).

و في موثق عمار: «إذا اغتسلت للجمعة فقل: اللهم طهّر قلبي من كلّ آفة تمحق ديني، و تبطل به عملي، اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين» (2).

ص: 272


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب الجنابة حديث: 3.

لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، اللهم صلّ على محمد و آل محمد، و اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين».

مسألة 4: لا فرق في استحباب غسل الجمعة بين الرجل و المرأة

(مسألة 4): لا فرق في استحباب غسل الجمعة بين الرجل و المرأة، و الحاضر و المسافر، و الحر و العبد (21)، و من يصلّي الجمعة و من يصلّي الظهر (22)، بل الأقوى استحبابه للصبيّ المميّز (23). نعم،

______________________________

(21) للإطلاق، و قاعدة الاشتراك بالنسبة إلى الرجل و المرأة و نصوص خاصة:

منها: قول الرضا عليه السّلام في غسل الجمعة: «واجب على كلّ ذكر و أنثى من عبد أو حر» (1).

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «غسل الجمعة سنّة في الحضر و السفر، إلّا أن يخاف المسافر على نفسه القرّ» (2).

و في مرفوعة أحمد بن يحيى: «غسل الجمعة واجب على الرجال و النساء في السفر و الحضر إلّا أنّه رخص للنساء في السفر لقلة الماء»(3).

(22) لإطلاق الأدلة الآبية عن التقييد. و أما مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«من جاء إلى الجمعة فليغتسل» (4).

أو قول الرضا عليه السّلام: «كان أبي يغتسل عند الرواح» (5).

فمحمول على الأفضلية و التأكيد.

(23) للإطلاق، و قد تقدم مرارا صحة عبادات الصبيّ المميز.

ص: 273


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 10.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 17.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 21.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 22.

يشترط في العبد إذن المولى إذا كان منافيا لحقه (24)، بل الأحوط مطلقا (25). و بالنسبة إلى الرجال آكد (26) بل في بعض الأخبار رخصة تركه للنساء (27).

مسألة 5: يستفاد من بعض الأخبار كراهة تركه

(مسألة 5): يستفاد من بعض الأخبار كراهة تركه (28) بل في

______________________________

(24) لأنّ عمله مطلقا مملوك لغيره فلا يصح له التصرف فيه إلّا بإذن مالكه.

(25) لقاعدة السلطنة و لا مخصص لها إلّا قولهم عليهم السّلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

و هو لا يشمل المقام، إذ لا معصية في الترك، و لكن يحتمل أن يراد منه مطلق الأمور الإلهية واجبة كانت أو مندوبة.

(26) لم أجد ما يدل على كونه آكد له مطلقا. نعم، ورد أنّه ليس على النساء في السفر.

(27) رخصة الترك لا تختص بالنساء، بل هي للرجال أيضا، لفرض أنّه مندوب. نعم، ورد بالنسبة إلى النساء عدم الاستحباب في السفر- كما تقدم- بل و جواز الترك في الحضر، كخبر الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ليس على المرأة غسل الجمعة في السفر، و يجوز لها تركه في الحضر» (2).

و لا بدّ من حمله على عدم التأكيد لهنّ، و يمكن كون الحكمة في عدم التأكيد قوله عليه السّلام في غسل الجنابة: «لا تحدثوهنّ فيتخذنه علّة»(3).

(28) ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنّه سنّة- الحديث-» (4).

ص: 274


1- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 7.
2- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الجنابة 12.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.

بعضها الأمر باستغفار التارك (29)، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام إنّه قال في مقام التوبيخ لشخص: «و اللّه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة، فإنّه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى».

مسألة 6: إذا كان خوف فوت الغسل يوم الجمعة لا لإعواز الماء

(مسألة 6): إذا كان خوف فوت الغسل يوم الجمعة لا لإعواز الماء، بل لأمر آخر- كعدم التمكن من استعماله، أو لفقد عوض الماء مع وجوده- فلا يبعد جواز تقديمه أيضا (30) يوم الخميس، و إن كان الأولى عدم قصد الخصوصية و الورود بل الإتيان برجاء المطلوبية.

مسألة 7: إذا شرع في الغسل يوم الخميس من جهة خوف إعواز الماء

(مسألة 7): إذا شرع في الغسل يوم الخميس من جهة خوف إعواز الماء يوم الجمعة فتبيّن في الأثناء وجوده و تمكنه منه يومها بطل

______________________________

و في بعض الأخبار إطلاق الفاسق على تارك الغسل يوم الجمعة(1).

(29) فعن محمد بن سهل عن أبيه قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو غير ذلك، قال: إن كان ناسيا فقد تمت صلاته، و إن كان متعمدا فالغسل أحبّ إليّ، فإن هو فعل فليستغفر اللّه و لا يعود» (2).

و في صحيح أبي بصير: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدع غسل يوم الجمعة ناسيا أو متعمدا، فقال: إذا كان ناسيا فقد تمت صلاته و إن كان متعمدا فليستغفر اللّه و لا يعد»(3).

أقول: إنّ الاستغفار و الإعادة بالنسبة إلى ترك بعض الآداب و السنن حسن لا ريب فيه، و قد وردت فيهما النصوص في موارد متفرقة.

(30) بناء على أنّ ذكر إعواز الماء في الخبر من باب المثال لمطلق العذر، كما هو الظاهر، بل المعلوم.

ص: 275


1- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 2.

غسله (31). و لا يجوز إتمامه بهذا العنوان و العدول منه إلى غسل آخر مستحب. إلّا إذا كان من الأول قاصدا للأمرين (32).

مسألة 8: الأولى إتيانه قريبا من الزوال

(مسألة 8): الأولى إتيانه قريبا من الزوال (33)، و إن كان يجزي من طلوع الفجر إليه، كما مر.

مسألة 9: ذكر بعض العلماء: أنّ في القضاء كلّ ما كان أقرب إلى وقت الأداء كان أفضل

(مسألة 9): ذكر بعض العلماء (34): أنّ في القضاء كلّ ما كان

______________________________

(31) لأنّ شرط صحة التقديم إنّما هو العذر و مع عدمه فلا وجه لتشريع التقديم، لأنّ المشروط ينعدم بفقد شرطه، هذا إن قلنا بأنّ التقييد من باب وحدة المطلوب، و أما إذا قلنا بأنّه من باب تعدد المطلوب، كما هو الظاهر في المندوبات، فجواز التقديم و التأخير مطلقا مطابق للقاعدة و إن كان موجبا لفوات الفضيلة و يكون بالنسبة إلى خصوص درك الفضيلة باطلا.

(32) أما عدم جواز العدول فلأنّه خلاف الأصل، و يحتاج إلى دليل و هو مفقود. و أما الصحة في الأخير فلأنّ بطلان قصد خصوص غسل الجمعة لا يستلزم بطلان قصد غيره الذي وقع منه صحيحا، و قد تقدم في تداخل الأغسال (1) صحة قصد أمر الجميع فراجع.

(33) لما في الرضوي: «و يجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر و كلّما قرب من الزوال فهو أفضل. و قال عليه السّلام: «و أفضل أوقاته قبل الزوال» (2).

و في خبر الدعائم: «و ليكن غسلك قبل الزوال» (3).

و قد تقدم عن الرضا عليه السّلام قال: «كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح» (4).

(34) نسبه في المستند إلى القيل و قال (رحمه اللّه): «لا دليل عليه».

ص: 276


1- ج: 3 صفحة: 117.
2- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 22.

أقرب إلى وقت الأداء كان أفضل، فإتيانه في صبيحة السبت أولى من إتيانه عند الزوال منه أو بعده، و كذا في التقديم، فعصر يوم الخميس أولى من صبحه، و هكذا. و لا يخلو عن وجه (35)، و إن لم يكن واضحا.

و أما أفضلية ما بعد الزوال من يوم الجمعة من يوم السبت فلا إشكال فيه و إن قلنا بكونه قضاء كما هو الأقوى (36).

مسألة 10: إذا نذر غسل الجمعة وجب عليه

(مسألة 10): إذا نذر غسل الجمعة وجب عليه، و مع تركه عمدا تجب الكفارة، و الأحوط قضاؤه يوم السبت، و كذا إذا تركه سهوا، أو لعدم التمكن منه، فإنّ الأحوط قضاؤه، و أما الكفارة فلا تجب إلّا مع التعمد (37).

______________________________

أقول: و لعلّ وجهه بالنسبة إلى القضاء أنّه من المسارعة إلى موجب المغفرة و من استباق الخيرات و لا ريب في رجحانها. و أما بالنسبة إلى التقديم و أنّ القرب إلى الجمعة يوجب اكتساب الفضيلة بالمجاورة، فتشمله قاعدة الميسور.

(35) تقدم الوجه فيهما. ثمَّ إنّه لا يحتاج إلى الوضوح، بل يكفي مطلق الاستظهار العرفي، كما في سائر الموارد.

(36) أما عدم الإشكال في كون الغسل بعد الزوال من يوم الجمعة أفضل من يوم السبت فلكونه في يوم الجمعة أقرب إلى المسارعة إلى الخير و احتمال أن يكون التوقيت إلى الزوال من باب الأفضلية، كما هو الغالب في المندوبات لا التوقيت الحقيقي. و أما أنّ الأقوى كونه قضاء بعد الزوال فهو مشكل بعد احتمال أن يكون المراد بالقضاء الوارد في النصوص مطلق الإتيان أو القضاء الاصطلاحي لكن بالنسبة إلى بعض مراتب المطلوب، لإتمامه.

(37) أما الوجوب فلعموم وجوب الوفاء بالنذر. و أما الكفارة فلما دل على ترتيبها على مخالفة المنذور عمدا. و أما الاحتياط في القضاء فلتعلق النذر بغسل الجمعة المشروع، و المفروض تشريع القضاء بالنسبة إليه، فيكون القضاء أيضا

ص: 277

مسألة 11: إذا اغتسل بتخيل يوم الخميس بعنوان التقديم

(مسألة 11): إذا اغتسل بتخيل يوم الخميس بعنوان التقديم أو بتخيل يوم السبت بعنوان القضاء، فتبيّن كونه يوم الجمعة فلا يبعد الصحة (38)، خصوصا إذا قصد الأمر الواقعي و كان الاشتباه في التطبيق. و كذا إذا اغتسل بقصد يوم الجمعة فتبيّن كونه يوم الخميس مع خوف الإعواز أو يوم السبت (39) و أما لو قصد غسلا آخر غير غسل الجمعة أو قصد الجمعة فتبيّن كونه مأمورا بغسل آخر ففي الصحة إشكال (40)، إلّا إذا قصد الأمر الفعلي الواقعي و كان الاشتباه في التطبيق.

______________________________

مورد الأمر النذري، كما يكون مورد الأمر الاستحبابي ما لم يصرّح بالخلاف، مضافا إلى قوله عليه السّلام: «يقضي ما فاته كما فاته» (1).

الشامل للواجبات بالنذر إلّا ما خرج بالدليل، و يمكن الإشكال عليه: بأنّ الأول يختص بما إذا لو حظ القضاء في النذر أيضا. و الأخير منصرف إلى اليومية.

(38) لأنّ قصد عنوان التقديم أو قصد القضاء لا يغيّر الواقع عما هو عليه إلّا إذا رجع إلى قصد عدم الامتثال لو كان في الواقع يوم الجمعة يبطل حينئذ من ناحية فقد القصد لا من جهة أخرى.

(39) لأنّ قصد يوم الجمعة كان طريقا إلى قصد التكليف الواقعي، و المفروض تحققه في حال الواقع، فقد وقع القصد إلى الواقع إجمالا فيقع قصد الخصوصية لغوا لا محالة. نعم، لو رجع إلى قصد عدم الغسل لو كان في الواقع- خميسا أو سبتا- يبطل من هذه الجهة.

(40) بناء على عدم استحباب الغسل نفسا و إلّا يقع عن أمره النفسي و كذا بناء على عدم اتحاد حقيقة الأغسال المندوبة و إلّا فيقع عما عليه و إن لم يكن امتثالا بالنسبة إليه راجع [المسألة 17] من (فصل مستحبات غسل الجنابة).

ص: 278


1- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1.
مسألة 12: غسل الجمعة لا ينقض بشي ء من الحدث الأصغر و الأكبر

(مسألة 12): غسل الجمعة لا ينقض بشي ء من الحدث الأصغر و الأكبر، إذ المقصود إيجاده يوم الجمعة و قد حصل (41).

مسألة 13: الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض

(مسألة 13): الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض (42)، بل لا يبعد إجزاؤه عن غسل الجنابة، بل لا يبعد إجزاؤه عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم.

مسألة 14: إذا لم يقدر على الغسل لفقد الماء أو غيره يصح التيمم و يجزي

(مسألة 14): إذا لم يقدر على الغسل لفقد الماء أو غيره يصح التيمم و يجزي (43). نعم، لو تمكن من الغسل قبل خروج الوقت

______________________________

(41) نعم، بناء على استحباب إيقاع صلاة الجمعة مع الغسل، كما يظهر من خبر الساباطي (1) ينقض من هذه الجهة و إن لم ينقض بالنسبة إلى أصله.

(42) هذه المسألة بتمامها مكررة مع [المسألة 16] من (فصل مستحبات غسل الجنابة) فراجع (2).

(43) يأتي حكم هذه المسألة في [المسألة 10] من (فصل أحكام التيمم) فلا وجه للتكرار.

فروع- (الأول): يستحب التزين يوم الجمعة للرجال و النساء، لقول الصادق عليه السّلام في صحيح هشام بن الحكم: «ليتزين أحدكم يوم الجمعة يغتسل و يتطيب و يسرح لحيته و يلبس أنظف ثيابه و ليتهيّأ للجمعة، و ليكن عليه في ذلك اليوم السكينة و الوقار، و ليحسن عبادة ربه، و ليفعل الخير ما استطاع، فإنّ اللّه يطلع إلى الأرض ليضاعف الحسنات» (3).

و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: «سألته عن النساء هل عليهنّ من شمّ الطيب و التزين في الجمعة و العيدين ما على الرجال؟ قال:

نعم» (4).

ص: 279


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الأغسال المندوبة- حديث: 1.
2- راجع الجزء الثالث صفحة: 125.
3- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 2.
4- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 4.

.....

______________________________

(الثاني): يتأكد إتيان الواجبات و ترك المحرّمات و المحافظة على المندوبات في يوم الجمعة، لقول أبي جعفر عليه السّلام: «ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة» (1).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ للجمعة حقا و حرمة، فإياك أن تضيع، أو تقصّر في شي ء من عبادة اللّه و التقرب إليه بالعمل الصالح و ترك المحارم كلّها، فإنّ اللّه يضاعف فيه الحسنات و يمحو فيه السيئات، و يرفع فيه الدرجات- الحديث-» (2).

و في صحيح أبي نصر عن الرضا عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ يوم الجمعة سيد الأيام، و يضاعف اللّه فيه الحسنات، و يمحو فيه السيئات و يرفع فيه الدرجات، و يستجيب فيه الدعوات و تكشف فيه الكربات، و تقضى فيه الحوائج العظام، و هو يوم المزيد للّه فيه عتقا و طلقا من النار، ما دعا به أحد من الناس و عرف حقه و حرمته إلّا كان حقّا للّه عزّ و جلّ أن يجعله من عتقائه من النار»(3).

و عنه عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا أردت أن تتصدق بشي ء قبل الجمعة فأخره إلى يوم الجمعة»(4).

إلى غير ذلك مما ورد في فضله و الاهتمام به.

(الثالث): يستحب الإكثار من الدعاء و الاستغفار و العبادة ليلة الجمعة، لنصوص كثيرة:

منها: ما عن الرضا عليه السّلام: «إنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل ملكا إلى سماء الدنيا كلّ ليلة في الثلث الأخير، و ليلة الجمعة في أول الليل، فيأمر فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل، و يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتّى يطلع

ص: 280


1- الوسائل باب: 40 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 2.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 3.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 4.
4- الوسائل باب: 40 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 31.

.....

______________________________

الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محلّه من ملكوت السماء، حدثني بذلك أبي عن جدّي عن آبائي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (1).

(الرابع): قد عينت ساعة الاستجابة في آخر ساعة من يوم الجمعة، لقول الصديقة الطاهرة عليها السّلام: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللّه عزّ و جلّ فيها خيرا إلّا أعطاه إياه، قالت: فقلت: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أيّة ساعة هي؟

قال: إذا تدلّى نصف عين الشمس للغروب، فكانت فاطمة تقول لغلامها:

اصعد على الظراب فإذا رأيت نصف عين الشمس قد تدلّى للغروب فأعلمني حتّى أدعو» (2).

و الظراب: الجبال المنبسطة على الأرض.

(الخامس): يتأكد استعمال الطيب في يوم الجمعة، لأخبار مستفيضة، قال الصادق عليه السّلام: «حق على كلّ محتلم في كلّ جمعة أخذ شاربه و أظفاره و مس شي ء من الطيب، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان يوم الجمعة و لم يكن عنده طيب دعا ببعض خمر نسائه فبلها في الماء ثمَّ وضعها على وجهه» (3).

و عن الصادق عليه السّلام- أيضا- قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«ليتطيب أحدكم يوم الجمعة و لو من قارورة امرأته» (4).

و الأخبار في ذلك متواترة من الطرفين.

(السادس): يستحب التعجيل لمن يخاف فوت التهيؤ في يوم الخميس فعن أبي جعفر عليه السّلام: «بلغني أنّ أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانوا يتجهزون للجمعة يوم الخميس، لأنّه يوم مضيق على المسلمين» (5).

ص: 281


1- الوسائل باب: 44 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 1.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 5.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 2.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 5.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 1.

فالأحوط الاغتسال لإدراك المستحب.

الثاني: من الأغسال الزمانية أغسال ليالي شهر رمضان
اشارة

(الثاني): من الأغسال الزمانية أغسال ليالي شهر رمضان يستحب الغسل في ليالي الإفراد من شهر رمضان (44)، و تمام ليالي

______________________________

و في المرسل: «إنّ موسى بن جعفر عليه السّلام كان يتهيّأ يوم الخميس للجمعة» (1).

و هناك آداب و فروع كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.

(44) قال في الجواهر: «و كذا يستحب في سائر ليالي فرادى شهر رمضان وفاقا لجماعة من أساطين أصحابنا منهم الشيخ (رحمه اللّه)، قال- على ما نقل عنه-: و إن اغتسل ليالي الأفراد كلّها و خاصة ليلة النصف كان له فضل كثير».

و نسب ذلك إلى السيد في الإقبال أيضا.

و خلاصة القول في أغسال شهر رمضان و سائر الأزمنة و الأمكنة العبادية: أنّ النظافة و تحصيل النشاط العبادي في زمانها و مكانها مطلوب فطريّ لكلّ عابد بالنسبة إلى كلّ معبود خصوصا عند حضور الجوامع و المجامع سيّما في الأزمنة القديمة التي قلّت وسائل التنظيف عندهم فيتأذى الناس بروائح الآباط و العرق و نحوها.

و لا نحتاج مع حكم الفطرة السليمة إلى التماس دليل خاص و يكفي عدم ثبوت الردع، مع أنّه قرر بمثل قول اللّه تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (2)، و ما ورد من أنّ غسل الجمعة طهور(3). نعم، الغسل العرفي أعم من الغسل الشرعي بناء على المشهور من اعتبار قصد القربة فيه بالخصوص.

و أما بناء على التحقيق من أنّه حيث يغتسل للعبادة أو حضور مكان العبادة أو لزمان يعبد فيه ربه، و هي مضافة إلى اللّه تعالى فيكفي هذا المقدار من الإضافة في

ص: 282


1- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 3.
2- سورة الأعراف: 31.
3- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 14.

العشر الأخيرة (45)، و يستحب في ليلة الثالث و العشرين غسل آخر في آخر الليل (46). و أيضا يستحب الغسل في اليوم الأول منه (47).

______________________________

داعوية القربة، فالأمر سهل من هذه الجهة أيضا.

ثمَّ إنّي لم أظفر على نص بالخصوص يدل على استحباب الغسل في ليالي فرادى شهر رمضان مطلقا. نعم، ورد النص في الليلة الأولى منه و ليلة سبع عشرة، و إحدى و عشرين، و ثلاث و عشرين، و لكنه مشهور بين الفقهاء قديما و حديثا.

(45) لقول الصادق عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في كلّ ليلة» (1).

و نسب ذلك إلى عليّ عليه السّلام أيضا.

(46) لخبر بريد: «رأيته اغتسل في ليلة ثلاث و عشرين مرتين، مرة من أوّل الليل، و مرّة من آخر الليل» (2).

و نسبه في الإقبال إلى الصادق عليه السّلام.

(47) المشهور أنّه في أول ليلة منه لموثق سماعة: «و غسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب» (3).

و لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام:

«من اغتسل أول ليلة من السّنة في ماء جار و صب على رأسه ثلاثين غرفة كان دواء السّنة، و إنّ أول كلّ سنة أول يوم من شهر رمضان» (4).

و في خبر آخر عن الصادق عليه السّلام: «من اغتسل في أول ليلة من شهر

ص: 283


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 10.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 7.

فعلى هذا: الأغسال المستحبة فيه اثنان و عشرون. و قيل باستحباب الغسل في جميع لياليه حتّى ليالي الأزواج (48)، و عليه يصير اثنان و ثلاثون. و لكن لا دليل عليه (49). لكن الإتيان لاحتمال المطلوبية في ليالي الأزواج من العشرين الأوليين لا بأس به. و الآكد منها ليالي القدر، و ليلة النصف، و ليلة سبع عشرة، و الخمس و العشرين و السبع و العشرين، و التسع و العشرين منه (50).

______________________________

رمضان في نهر جار و يصب على رأسه ثلاثين كفا من الماء طهر إلى شهر رمضان من قابل» (1).

و حيث يحتمل أن يكون قوله: «إنّ أول كلّ سنة أول يوم من شهر رمضان» من كلام الراوي، فالأولى الإتيان بعنوان الرجاء. و أول السّنة أمر اعتباري يمكن اختلافه باختلاف الاعتبارات فلا ينافي ما ورد من أنّها أول المحرم. ثمَّ إنّي لم أظفر بما قاله (رحمه اللّه) بخبر عاجلا إلّا خبر السكوني على ما ضبطه في الحدائق و الجواهر من تبديل أول ليلة بأول يوم من السّنة.

(48) قال المجلسي (رحمه اللّه) في زاد المعاد: «قد ورد في بعض الأخبار استحباب الغسل في كلّ ليلة من شهر رمضان»، و في خبر ابن عياش الوارد لبيان حال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في شهر رمضان: «و كان يغتسل كلّ ليلة منه بين العشاءين» (2) بناء على رجوع الضمير إلى شهر رمضان لا إلى العشر الأخير.

(49) قال في الجواهر: «لم أعثر على ناصّ عليه إلّا ما عن المحدث في الوسائل».

(50) لظهور تسالم الفقهاء عليه و ورد النص بذلك كلّه، ففي صحيح الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام قال: «و غسل أول ليلة من شهر

ص: 284


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 6.
مسألة 15: يستحب أن يكون الغسل في الليلة الأولى و اليوم الأول من شهر رمضان في الماء الجاري

(مسألة 15): يستحب أن يكون الغسل في الليلة الأولى و اليوم الأول من شهر رمضان في الماء الجاري، كما أنّه يستحب أن يصب على رأسه قبل الغسل أو بعده ثلاثين كفا من الماء (51) ليأمن من حكة

______________________________

رمضان، و ليلة سبع عشرة، و ليلة تسع عشرة، و ليلة إحدى و عشرين، و ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان هذه الأغسال سنّة» (1).

و في صحيح سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام كم أغتسل في شهر رمضان ليلة؟ قال عليه السّلام: ليلة تسع عشرة، و ليلة إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين- الحديث-» (2).

و مثله موثق عبد اللّه بن بكير (3). و في خبر آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان، و ليلة النصف منه» (4).

و في خبر عيسى بن راشد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الغسل في شهر رمضان فقال: كان أبي يغتسل في ليلة تسع عشرة، و إحدى و عشرين، و ثلاث و عشرين، و خمس و عشرين» (5).

و في خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الغسل في شهر رمضان، فقال: اغتسل ليلة تسع عشرة، و إحدى و عشرين، و ثلاث و عشرين، و سبع و عشرين و تسع و عشرين» (6).

إلى غير ذلك من الأخبار.

(51) تقدم ما يدل عليه في خبر السكوني و غيره، و قد تقدم أيضا أنّ المذكور في الأخبار الواردة في الباب الليلة الأولى أو أول ليلة منه، و لم يرد اليوم الأول منه فيما بأيدينا من الأخبار على ما تفحصت عاجلا، نعم، يصح ذلك على قول الإسكافي من استحبابه في كلّ يوم شريف.

ص: 285


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 14.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 12.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 13.

البدن (52). و لكن لا دخل لهذا العمل بالغسل، بل هو مستحب مستقل (53).

مسألة 16: وقت غسل الليالي تمام الليل

(مسألة 16): وقت غسل الليالي تمام الليل، و إن كان الأولى إتيانها أول الليل (54)، بل الأولى إتيانها قبل الغروب أو مقارنا له (55) ليكون على غسل من أول الليل إلى آخره.

______________________________

(52) لقول الصادق عليه السّلام: «من أحبّ أن لا يكون به الحكة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان فلا تكون به الحكة إلى شهر رمضان من قابل» (1).

(53) لأصالة عدم الاشتراط، و ظاهر ما تقدم من خبر السكوني و غيره و لكن ليس فيه الحكة، إلّا أن يحمل داء السّنة عليها، بقرينة الخبر الآخر إلّا أنّه ظاهر في أنّه أثر نفس الغسل لا العمل الخاص.

(54) أما صحة كونه في تمام الليل فللإطلاق، و أصالة عدم الاشتراط و صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنّه قال: «و الغسل من أول الليل و هو يجزي إلى آخره» (2).

و أما كون الأولى إتيانها أول الليل فلما فيه من المسارعة إلى الخير، و الكون في سائر الزمان مغتسلا، و للتأسي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّه كان: «يغتسل بين العشاءين» (3).

و في المرسل أيضا: «إنّ الغسل أول الليل» (4).

(55) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله ثمَّ يصلّي و يفطر» (5).

ص: 286


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 6.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 2.

نعم، لا يبعد في ليالي العشر الأخير رجحان إتيانها بين المغرب و العشاء لما نقل من فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (56)، و قد مرّ أنّ الغسل الثاني في ليلة الثالث و العشرين في آخره.

مسألة 17: إذا ترك الغسل الأول في الليلة الثالثة و العشرين

(مسألة 17): إذا ترك الغسل الأول في الليلة الثالثة و العشرين في أول الليل لا يبعد كفاية الغسل الثاني عنه (57). و الأولى أن يأتي بهما آخر الليل برجاء المطلوبية، خصوصا مع الفصل بينهما. و يجوز إتيان غسل واحد بعنوان التداخل و قصد الأمرين.

مسألة 18: لا تنقض هذه الأغسال أيضا بالحدث الأكبر و الأصغر

(مسألة 18): لا تنقض هذه الأغسال أيضا بالحدث الأكبر و الأصغر، كما في غسل الجمعة (58).

الثالث: غسل يومي العيدين

(الثالث): غسل يومي العيدين الفطر و الأضحى، و هو من السنن المؤكدة (59)، حتّى أنّه ورد في بعض الأخبار أنّه لو نسي غسل

______________________________

(56) ففي خبر الجوهري عن عليّ عليه السّلام: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا دخل العشر من شهر رمضان شمّر و شد الميزر، و برز من بيته و اعتكف و أحيا الليل كلّه، و كان يغتسل كلّ ليلة منه بين العشاءين) (1).

(57) بدعوى: أنّ كونه في أول الليل من باب تعدد المطلوب لا التقييد و المناط كلّه الغسل في الليل، فيكون غسل آخر الليل غسل في الليل فيجزي عن غسل أوله لا محالة، و يمكن التصحيح بالتداخل أيضا، كما يأتي.

(58) لأصالة بقاء أثر الغسل بعد الشك في نقضه بذلك، و لصحة دعوى أنّ ما ورد في غسل الجمعة حكم عام لسائر الأغسال المندوبة، و إنّما ذكر خصوص الجمعة، لكونه أعم ابتلاء لا لخصوصية فيه، كما أنّ ما ورد في غسل الجنابة كذلك أيضا بالنسبة إلى سائر الأغسال، مضافا إلى كونه مما ادعي عليه الإجماع.

(59) نصّا و إجماعا، قال الصادق عليه السّلام: «غسل يوم الفطر و يوم

ص: 287


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 6.

يوم العيد حتّى صلّى إن كان في الوقت فعليه أن يغتسل و يعيد الصلاة، و إن مضى الوقت فقط جازت صلاته (60).

و في خبر آخر عن غسل الأضحى فقال عليه السّلام: «واجب إلّا بمنى» (61)، و هو منزّل على تأكد الاستحباب، لصراحة جملة من الأخبار (62) في عدم وجوبه. و وقته بعد الفجر إلى الزوال (63)، و يحتمل إلى الغروب (64)، و الأولى عدم نية الورود إذا أتى به بعد الزوال، كما أنّ الأولى إتيانه قبل صلاة العيد لتكون مع الغسل.

و يستحب في غسل عيد الفطر أن يكون في نهر، و مع عدمه أن يباشر بنفسه الاستقاء بتخشع، و أن يغتسل تحت الظلال أو تحت حائط،

______________________________

الأضحى سنّة لا أحبّ تركها» (1).

و يأتي ما يدل عليه أيضا.

(60) كما في موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (2).

(61) كما في خبر القسم بن الوليد عنه عليه السّلام (3).

(62) منها صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام في غسل الجمعة و الأضحى و الفطر، قال عليه السّلام: «سنّة و ليس بفريضة»(4).

(63) لمساواتها للجمعة في كثير من الأحكام، و للرضوي: «إذا طلع الفجر من يوم العيد فاغتسل و هو أول أوقات الغسل، ثمَّ إلى وقت الزوال» (5).

(64) لإطلاق الأدلة، و استصحاب بقاء الوقت و عدم تمامية الدليل على التوقيت، و على فرضه، فهو بالنسبة إلى بعض مراتب المحبوبية لا بالنسبة إلى تمام مراتبها، كما هو دأب الفقهاء في المندوبات.

ص: 288


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
5- مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.

و يبالغ في التستر (65)، و أن يقول عند إرادته: «اللهم إيمانا بك و تصديقا بكتابك و اتباع سنة نبيك»، ثمَّ يقول: «بسم اللّه» و يغتسل، و يقول بعد الغسل: «اللهم اجعله كفارة لذنوبي و طهورا لديني، اللهم أذهب عنّي الدنس» (66)، و الأولى أعمال هذه الآداب في غسل يوم الأضحى أيضا (67). لكن لا بقصد الورود لاختصاص النص بالفطر.

و كذا يستحب الغسل في ليلة الفطر (68). و وقته من أولها إلى الفجر (69)، ..

______________________________

(65) لما في خبر أبي عيينة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «صلاة العيد يوم الفطر أن تغتسل من نهر فإن لم يكن نهر قصدت بنفسك استقاء الماء بتخشع و ليكن غسلك تحت الظلال، أو تحت حائط، و تستتر بجهدك» (1).

(66) كما نقله السيد في الإقبال (2).

(67) لاشتراكهما في العيدية، و لكنّه لا يخلو عن قياس. و يمكن دعوى القطع بوحدة المناط، مع أنّه بعد قصد الرجاء لا محذور فيه.

(68) كما في خبر ابن راشد قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ الناس يقولون: إنّ المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر، فقال:

يا حسن إنّ القار يجار إنّما يعطى أجرته عند فراغه، و ذلك ليلة العيد قلت: جعلت فداك فما ينبغي لنا أن نعمل فيها؟ فقال: إذا غربت الشمس فاغتسل» (3).

و عن السيد في الإقبال قال: «روي أنّه يغتسل قبل الغروب من ليلة إذا علم أنّها ليلة العيد» (4).

(69) لظهور الإطلاق الشامل لليل من أوله إلى آخره. و الليل من أول الغروب إلى الفجر.

ص: 289


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.
2- الإقبال صفحة: 279.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 2.

و الأولى إتيانه أول الليل (70). و في بعض الأخبار: «إذا غربت الشمس فاغتسل» (71). و الأولى إتيانه ليلة الأضحى أيضا لا بقصد الورود.

لاختصاص النص بليلة الفطر (72).

الرابع: غسل يوم التروية

(الرابع): غسل يوم التروية (73). و هو الثامن من ذي الحجّة، و وقته تمام اليوم (74).

الخامس: غسل يوم عرفة

(الخامس): غسل يوم عرفة (75)، و هو أيضا ممتد إلى الغروب

______________________________

(70) كما في الخبرين المزبورين بعد حملهما على الأفضلية، و لأن يكون على غسل من أول الليل إلى آخره، و قد تقدم في [المسألة 16] من أولوية إتيان غسل الليالي أول الليل.

(71) كما ورد في خبر الحسن بن راشد و قد نقله السيد في الإقبال.

(72) راجع ما تقدم من خبر ابن راشد، و مرسل ابن طاوس، إذ ليس في الباب خبر غيرهما.

(73) لقول أحدهما عليهما السّلام في صحيح ابن مسلم: «الغسل في سبعة عشر موطنا: ليلة سبع عشرة من شهر رمضان و هي ليلة التقى فيها الجمعان، و ليلة تسع عشرة .. إلى أن قال عليه السّلام: و يومي العيدين، و إذا دخلت الحرمين، و يوم تحرم، و يوم الزيارة، و يوم تدخل البيت، و يوم التروية، و يوم عرفة- الحديث-» (1).

و مثله ما رواه في الفقيه عن أبي جعفر عليه السّلام (2).

(74) لظهور الإطلاق، و عدم دليل صالح للتقييد.

(75) نصّا و إجماعا، ففي موثق عمار: «و غسل يوم عرفة واجب» (3) و هو محمول على تأكد الاستحباب بقرينة صحيح ابن مسلم الآنف الذكر و غيره.

ص: 290


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 11.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.

و الأولى عند الزوال منه (76)، و لا فرق فيه بين من كان بعرفات أو سائر البلدان (77).

السادس: غسل أيام من رجب

(السادس): غسل أيام من رجب، و هي: أوله و وسطه و آخره (78)، و يوم السابع و العشرين منه، و هو يوم المبعث (79) و وقتها من الفجر إلى الغروب (80). و عن الكفعمي و المجلسي استحبابه في ليلة المبعث أيضا، و لا بأس به لا بقصد الورود (81).

______________________________

(76) لظهور الإطلاق. و أما أولوية إتيانه عند الزوال فلخبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الغسل من الجنابة، و يوم الجمعة، و يوم الفطر، و يوم الأضحى، و يوم عرفة عند زوال الشمس» (1).

المحمول على الأفضلية، لما جرت عادتهم على عدم التقييد في المندوب، كما تقدم مرارا.

(77) للإطلاق، و الاتفاق، و في خبر ابن سيابة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل يوم عرفة في الأمصار، فقال: اغتسل أينما كنت»(2).

(78) للنبوي: «من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله و وسطه و آخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (3).

(79) لظهور الإجماع على استحبابه و إن لم يرد فيه نص بالخصوص و لكن يمكن أن يستفاد مما ورد في غسل الجمعة و العيدين و النيروز و يوم الغدير، و يوم المولود استحبابه لكلّ عيد، بل المبعث أولى من بعض الأعياد.

(80) لظهور إطلاق الكلمات.

(81) إذ لم نظفر فيه على خبر و لو ضعيف.

ص: 291


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3 و 10.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
السابع: غسل يوم الغدير

(السابع): غسل يوم الغدير، و الأولى إتيانه قبل الزوال منه (82).

الثامن: يوم المباهلة

(الثامن): يوم المباهلة (83)، و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة على الأقوى، و إن قيل: إنّه يوم الحادي و العشرون و قيل يوم الخامس و العشرون، و قيل: إنّه السابع و العشرون منه. و لا بأس بالغسل في هذه الأيام لا بقصد الورود.

التاسع: يوم النصف من شعبان

(التاسع): يوم النصف من شعبان (84).

______________________________

(82) لقول الصادق عليه السّلام في يوم الغدير: «يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة» (1).

و في خبر آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره» (2).

(83) على المشهور، و ادعي عليه الإجماع، و عن موسى بن جعفر عليه السّلام: «يوم المباهلة اليوم الرابع و العشرون من ذي الحجة تصلّي في ذلك اليوم ما أردت- إلى أن قال- و تقول على غسل: الحمد للّه ربّ العالمين- الحديث-» (3).

و في موثق سماعة: «و غسل المباهلة واجب». المحمول على الندب(4).

و نسب إلى المجلسي الأول أنّ غسل المباهلة غسل فعليّ للمباهلة مع الخصوم كغسل الاستخارة لا أن يكون غسلا زمانيا.

(84) لقول الصادق عليه السّلام في خبر أبي بصير: «صوموا شعبان، و اغتسلوا

ص: 292


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 47 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
العاشر: يوم المولود

(العاشر): يوم المولود، و هو السابع عشر من ربيع الأول (85).

الحادي عشر: يوم النيروز

(الحادي عشر): يوم النيروز (86).

الثاني عشر: يوم التاسع من ربيع الأول

(الثاني عشر): يوم التاسع من ربيع الأول (87).

الثالث عشر: يوم دحو الأرض

(الثالث عشر): يوم دحو الأرض و هو الخامس و العشرون من

______________________________

ليلة النصف منه، ذلك تخفيف من ربّكم و رحمة» (1).

و في النبوي: «من تطهر ليلة النصف من شعبان- الحديث-» (2).

و الأول مختص بالليل، و الثاني محمول عليه أيضا فلا وجه لاستحباب الغسل في يومه بقصد الورود، كما في المتن. إلّا أن يقال باستحبابه لكلّ زمان و مكان شريف، كما عن بعض و استظهرناه من الأدلة.

(85) على المشهور فيهما، و عن بعض دعوى الإجماع على استحباب الغسل فيه، و أنّه يوم عيد، و يستحب الغسل لكلّ عيد و عن الكليني (رحمه اللّه) أنّه الثاني عشر منه و يغتسل فيه رجاء.

(86) على المشهور، و في خبر المعلّى بن خنيس، عن الصادق عليه السّلام في يوم النيروز قال: «إذا كان يوم النيروز فاغتسل و البس أنظف ثيابك- الحديث-» (3).

(87): بناء على استحبابه لكلّ عيد و أنّه عيد، و قد نقل السيد ابن طاوس عن أحمد بن إسحاق قال: «خرج العسكري في اليوم التاسع من ربيع الأول و هو مستور بمئزر يفوح مسكا و هو يمسح وجهه فأنكرنا ذلك عليه، فقال: لا عليكما فإنّي اغتسلت للعيد، قلنا أو هذا يوم عيد؟! قال: نعم» (4).

ص: 293


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.

ذي القعدة (88).

الرابع عشر: كلّ ليلة من ليالي الجمعة على ما قيل
اشارة

(الرابع عشر): كلّ ليلة من ليالي الجمعة على ما قيل، بل في كلّ زمان شريف على ما قاله بعضهم (89)، و لا بأس بهما لا بقصد الورود.

مسألة 19: لا قضاء للأغسال الزمانية إذا جاز وقتها

(مسألة 19): لا قضاء للأغسال الزمانية إذا جاز وقتها، كما لا تتقدم على زمانها مع خوف عدم التمكن منها في وقتها إلّا غسل الجمعة كما مر (90). لكن عن المفيد استحباب قضاء غسل يوم عرفة

______________________________

(88) نسب ذلك إلى الأصحاب تارة، و إلى المشهور أخرى و لم يرد فيه نص بالخصوص.

(89) قال في الجواهر: «نعم، قد يقال باستحباب الغسل لكلّ زمان شريف و مكان شريف كما عن ابن الجنيد (قدّس سرّه) و ربما يشهد له فحاوي كثير من الأخبار كتعليل غسل العيدين عن الرضا عليه السّلام (1)، و يوم الجمعة و أغسال ليالي القدر و نحوه، بل تتبع محال الأغسال يقضي به و المستحب يكفي فيه أدنى ذلك».

أقول: و هو كلام حسن.

ثمَّ إنّه قد عدّ في المستند من الأغسال الزمانية: غسل يوم عاشوراء، و الغسل عند ظهور آية في السماء، و لكن يمكن أن يكون الأول من غسل الزيارة. و الأخير من غسل التوبة.

(90) للأصل في كلّ من القضاء و التقديم بعد عدم الدليل عليه، و لكن يمكن تقريب صحة كلّ منهما كما يأتي من أنّ التوقيت إنّما هو بلحاظ بعض مراتب الطلب لإتمامه، و يشهد له ما عن مدينة العلم للصدوق (رحمه اللّه) قال:

ص: 294


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 18.

في الأضحى، و عن الشهيد استحباب قضائها أجمع، و كذا تقديمها مع خوف عدم التمكن منها في وقتها و وجه الأمرين غير واضح (91). لكن لا بأس بهما لا بقصد الورود.

مسألة 20: ربما قيل بكون الغسل مستحبا نفسيا

(مسألة 20): ربما قيل بكون الغسل مستحبا نفسيا فيشرع الإتيان به في كلّ زمان من غير نظر إلى سبب أو غاية و وجهه غير واضح (92)، و لا بأس به لا بقصد الورود.

______________________________

«و روي أنّ غسل يومك يجزيك لليلتك، و غسل ليلتك يجزيك ليومك» (1) بناء على احتمال أنّ غسل اليوم يؤتى به في الليل و بالعكس.

(91) و يمكن توجيه قولهما بأنّ التوقيت من باب تعدد المطلوب، و إطلاق القضاء من باب فوت بعض مراتب الفضيلة، و يشهد لذلك ثبوت القضاء في غسل الجمعة الذي هو الأصل لجميع الأغسال المندوبة.

(92) تقدم الوجه في ذلك في أول هذا الفصل، و يأتي بقية الكلام عنه.

ص: 295


1- مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
فصل في الأغسال المكانية
اشارة

(فصل في الأغسال المكانية)- أي الذي يستحب عند إرادة الدخول في مكان- و هي: الغسل لدخول حرم مكة و للدخول فيها، و لدخول مسجدها و كعبتها، و لدخول حرم المدينة، و للدخول فيها، و لدخول مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (1) و كذا للدخول في سائر المشاهد المشرّفة للأئمة عليهم السّلام (2).

(فصل في الأغسال المكانية)

______________________________

(1) إجماعا و نصّا، قال الصادق عليه السّلام في خبر ابن عمار في عداد الأغسال: «و حين تدخل مكة و المدينة، و يوم عرفة، و يوم تزور البيت، و حين تدخل الكعبة» (1).

و قال أبو جعفر عليه السّلام في عداد الأغسال: «و إذا دخلت الحرمين .. و يوم تدخل البيت- الحديث-» (2).

و في خبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و دخول الكعبة، و دخول المدينة و دخول الحرم»(3).

و يدل على استحباب الغسل لدخول المسجدين الإجماع و الفحوى من استحبابه لدخول الحرمين، مع أنّه منصوص بالخصوص كخبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «و إذا أردت دخول البيت الحرام، و إذا أردت دخول مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله»(4).

(2) على المشهور، و قد ورد في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام (5)

ص: 296


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 12.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب المزار- كتاب الحج.

و وقتها قبل الدخول عند إرادته (3). و لا يبعد استحبابها بعد الدخول للكون فيها إذا لم يغتسل قبله (4)، كما لا يبعد كفاية غسل واحد

______________________________

و الحسنين عليهما السّلام (1) و الرضا (2) عليه السّلام أخبار بالخصوص، و كذا في زيارة موسى بن جعفر و محمد بن عليّ عليهما السّلام، و زيارة أبي الحسن عليه السّلام و أبي محمد عليه السّلام (3)، و يدل على التعميم خبر ابن سيابة عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قال:

«الغسل عند لقاء كل إمام» (4).

بناء على عمومه لحال حياتهم و ارتحالهم، كما يدل عليه خبر النخعي قال: «قلت لعليّ بن محمد بن عليّ بن موسى عليهم السّلام: «علّمني يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قولا أقوله بليغا كاملا إذا زرت واحدا منكم، فقال:

إذا صرت إلى الباب فقف و اشهد الشهادتين و أنت على غسل ..

الحديث-» (5).

و تأتي تتمة الكلام في أبواب المزار و عن أبي عليّ (قدّس سرّه) استحبابه لكلّ مشهد أو مكان شريف، و يشهد له الاعتبار العرفي لا سيّما بناء على استحباب الغسل نفسا.

(3) لأنّه المنساق من الأدلة عرفا، و لكن ليس ذلك مبنيّا على الدقة بل على ما هو المتعارف بين الناس.

(4) لاستصحاب بقاء استحبابه بعد قوة احتمال أن يكون التقديم من باب الأفضلية، و يشهد له خبر ذريح عن الباقر عليه السّلام قال: «سألته عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو بعد دخوله؟ قال عليه السّلام: «لا يضرك أيّ ذلك

ص: 297


1- راجع الوسائل باب: 59 من أبواب المزار.
2- الوسائل باب: 88 من أبواب المزار.
3- الوسائل باب: 81 من أبواب المزار.
4- وسائل باب: 29 من أبواب المزار حديث: 2.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب المزار حديث:.

في أول اليوم و أول الليل للدخول إلى آخره (5) بل لا يبعد عدم الحاجة

______________________________

فعلت، و إن اغتسلت بمكة فلا بأس، و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس» (1).

و مع أنّ الغسل طهر و هو مطلوب نفسي مطلقا.

(5) لإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «غسل يومك ليومك، و غسل ليلتك لليلتك»(2).

و قد صرّح به جمع من الفقهاء (قدّس سرّهم). ثمَّ إنّ الظاهر أنّه ليس المراد (اليوم و الليل) الحقيقيين، بل الأعم منهما و من مقدارهما، لكثرة وقوع غسل اليوم في الليل و بالعكس، و يدل عليه موثق سماعة: «من اغتسل قبل الفجر، و قد استحم قبل ذلك ثمَّ أحرم من يومه أجزأه غسله- الحديث-»(3).

و خبر إسحاق بن عمار- كما عن التهذيب- قال: «سألته عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار و يزور بالليل بغسل واحد، قال عليه السّلام: يجزيه إن لم يحدث، فإنّ أحدث ما يوجب وضوء يكفيه غسله» (4).

و لكنّه منقول في الكافي: «الرجل يغتسل بالليل و يزور بالليل ..

الحديث-» (5).

و لكن الظاهر صحة نسخة التهذيب، لأنّ صحة الغسل بالليل و الزيارة فيه مما لا يخفى على أحد حتّى يحتاج إلى السؤال عنه. و بالجملة صحة الاكتفاء بالغسل الواقع قبل الفجر لما بعده، و ما وقع قبل الغروب لما بعده من المقطوع به عند المتشرعة، و يقع في الخارج كثيرا، و الأدلة وردت على طبق ما يقع في الخارج، فيكون المراد باليوم هنا- كما في أيام الحيض و أيام الخيار- الزمان الخاص المستمر، سواء كان من بياض اليوم أم المركب منه و من الليل.

ص: 298


1- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الإحرام حديث: 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الإحرام حديث: 4.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب زيارة البيت حديث: 2.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب زيارة البيت حديث: 3.

إلى التكرار مع التكرر (6). كما أنّه لا يبعد جواز التداخل أيضا (7) فيما لو أراد دخول الحرم و مكة و المسجد و الكعبة في ذلك اليوم، فيغتسل غسلا واحدا للجميع، و كذا بالنسبة إلى المدينة و حرمها و مسجدها.

مسألة 1: حكي عن بعض العلماء: استحباب الغسل عند إرادة الدخول في كلّ مكان شريف

(مسألة 1): حكي عن بعض العلماء: استحباب الغسل عند إرادة الدخول في كلّ مكان شريف. و وجهه غير واضح و لا بأس به لا بقصد الورود (9).

______________________________

(6) لإطلاق مثل قول الصادق عليه السّلام: «من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل، و من اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر» (1).

و مع صحة دعوى أنّ المنساق من النصوص إنّما هو الدخول الابتدائي فمن أراد أن يدخل على ملك في اليوم مرات يتزين في أول دخوله و يكتفي به و لا يتزين عند كلّ دخول.

(7) بل هو الظاهر من إطلاق دليل التداخل الشامل للمقام أيضا.

(8) هو ابن الجنيد (رحمه اللّه) كما تقدم نقل قوله، و استظهرناه من مطلوبية مطلق الطهر إذ الغسل مطلقا طهر، كما ورد في غسل الجمعة من أنّه:

«طهر من الجمعة إلى الجمعة» (2)، و أنّه طهور، و يأتي في المسألة السادسة من آخر الفصل تتمة الكلام.

(9) لأنّ الصحة حينئذ متفق عليها بين الكلّ، و يترتب عليه ثواب الانقياد لهما.

ص: 299


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الإحرام حديث: 4.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
فصل في الأغسال الفعلية
اشارة

(فصل في الأغسال الفعلية) و قد مر أنّها قسمان:

القسم الأول: ما يكون مستحبا لأجل الفعل الذي يريد أن يفعله

القسم الأول: ما يكون مستحبا لأجل الفعل الذي يريد أن يفعله (1)، و هي أغسال:

(أحدها): للإحرام (2) و عن بعض العلماء وجوبه (3).

(فصل في الأغسال الفعلية)

______________________________

(1) يمكن إرجاع الأغسال المكانية إلى هذا أيضا، أي الدخول في المكان المخصوص.

(2) إجماعا و نصوصا مستفيضة:

منها: قول الصادق عليه السّلام: «الغسل من الجنابة، و يوم الجمعة، و العيدين، و حين تحرم» (1).

و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «و يومي العيدين، و إذا دخلت الحرمين، و يوم تحرم»(2).

(3) نسب ذلك إلى جمع منهم ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، لقوله عليه السّلام في موثق سماعة: «و غسل المحرم واجب» (3).

لكنه محمول على تأكد الندب إجماعا، و قد وقع هذا التعبير في جملة من

ص: 300


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 11.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.

(الثاني): للطواف (4)، سواء كان طواف الحج، أو العمرة، أو طواف النساء، بل للطواف المندوب أيضا (5).

(الثالث): للوقوف بعرفات (6).

(الرابع): للوقوف بالمشعر (7).

(الخامس): للذبح و النحر (8).

______________________________

الأغسال مع أنّهم لا يقولون بالوجوب فيها.

(4) نصّا و إجماعا، قال الصادق عليه السّلام في عداد الأغسال: «و يوم تزور البيت» (1).

و في بعض الأخبار: «و يوم الزيارة» (2)، و في بعضها: «و الزيارة» (3)، و إطلاق هذه الأخبار يشمل جميع أقسام الطواف و المراد بالزيارة الطواف، لملازمتهما في البيت الشريف غالبا خصوصا بملاحظة قول الكاظم عليه السّلام:

«إن اغتسلت بمكة ثمَّ نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك» (4).

فإنّه ظاهر في مفروغية استحباب الغسل للطواف، و يدل عليه أيضا الأولوية القطعية من استحبابه للذبح و النحر و الجمار.

(5) لإطلاق قول الكاظم عليه السّلام في الخبر المتقدم مضافا إلى الإجماع.

(6) لقول الصادق عليه السّلام: «إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية و اغتسل- الحديث-» (5).

(7) للإجماع، و لأولوية المشعر من عرفات، كما في الجواهر.

(8) لقول أبي جعفر في حديث زرارة: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر

ص: 301


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 11.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 2.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة حديث: 4.

(السادس): للحلق، و عن بعضهم استحبابه لرمي الجمار أيضا (9).

(السابع): لزيارة أحد المعصومين من قريب أو بعيد (10).

(الثامن): لرؤية أحد الأئمة عليهم السّلام في المنام (11). كما نقل عن موسى بن جعفر عليه السّلام أنّه إذا أراد ذلك يغتسل ثلاث ليال

______________________________

أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة، فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد- الحديث-» (1).

(9) نسب ذلك إلى المفيد (رحمه اللّه) و لا دليل له يصح الاعتماد عليه و الأصل ينفيه أيضا. نعم، بناء على استحباب الغسل نفسا لا إشكال فيه.

(10) نصّا و إجماعا بالنسبة إلى القريب، و قد اشتملت كتب الزيارات على أخبار خاصة للغسل لزيارة الأئمة عليهم السّلام، و عن الصادق عليه السّلام: «يا عيسى إذا لم تقدر على المجي ء فإذا كان في يوم الجمعة فاغتسل أو توضأ، و اصعد إلى سطحك، و صلّ ركعتين و توجه نحوي فإنّه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي، و من زارني في مماتي فقد زارني في حياتي» (2).

أقول: لغلبة جهة الرّوحانية فيهم، و لا ممات للروح حتّى يفرّق بين حياتهم عليهم السّلام و مماتهم.

ثمَّ إنّ الظاهر كفاية غسل واحد للمجتمعين منهم عليهم السّلام في مكان واحد كالبقيع، و الكاظمين، و سامراء، و يصح أن يأتي بغسل واحد بقصد التداخل.

(11) هذه الرواية منقولة عن كتاب الاختصاص للمفيد (رحمه اللّه) فراجع (3).

ص: 302


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 95 من أبواب المزار حديث: 4.
3- مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.

و يناجيهم فيراهم في المنام.

(التاسع): لصلاة الحاجة بل لطلب الحاجة مطلقا (12).

(العاشر): لصلاة الاستخارة، بل الاستخارة مطلقا و لو من غير صلاة (13).

(الحادي عشر): لعمل الاستفتاح المعروف بعمل أم داود (14).

______________________________

(12) إجماعا و نصّا، قال الصادق عليه السّلام في خبر القصير: «إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و صلّ ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، قلت: كيف أصنع؟ قال: تغتسل و تصلّي ركعتين- الحديث-» (1).

و التقييد فيه محمول على التأكيد لا التقييد فلا ينافي استحبابه لطلب مطلق الحاجة.

(13) لإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر سماعة: «و غسل الاستخارة مستحب» (2).

و إطلاقه يشمل الصلاة لها أيضا، مع أنّ ظاهرهم الإجماع على استحبابه لصلاة الاستخارة، و لا فرق بين أن تكون الاستخارة دعائية أو تفألية، كما لا فرق بين أن تكون بالمباشرة أو بالتوكيل، للإطلاق الشامل للجميع، و يأتي في كتاب الصلاة ما يتعلق بالاستخارة.

(14) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في بيان كيفيته: «فاغتسل عند الزوال» (3).

و في رواية أخرى: «قريبا من الزوال»(4) رواها الشيخ و الصدوق

ص: 303


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
3- البحار المجلد: 98 صفحة: 393 و في الطبعة الحجرية القديمة ج: 20 صفحة 4433.
4- البحار المجلد: 98 صفحة: 393 و في الطبعة الحجرية القديمة ج: 20 صفحة 4433.

(الثاني عشر): لأخذ تربة قبر الحسين عليه السّلام (15).

(الثالث عشر): لإرادة السفر خصوصا لزيارة الحسين عليه السّلام (16).

(الرابع عشر): لصلاة الاستسقاء، بل له مطلقا (17).

(الخامس عشر): للتوبة من الكفر الأصلي أو الارتدادي، بل من

______________________________

و ابن طاوس (قدّس سرّهم).

(15) للمرسل المذكور في مصباح الزائر: «إذا أردت أخذها فقم الليل و اغتسل».

و عن المشهدي في المزار عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال في حديث: «إذا أردت أن تأخذ من التربة فتعمد لها آخر الليل و اغتسل لها بماء القراح و البس أطهر أطمارك و تطيّب بسعد» (1).

(16) ففي خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أردت الخروج إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فصم قبل أن تخرج ثلاثة أيام يوم الأربعاء و يوم الخميس و يوم الجمعة، فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصلّ صلاة الليل ثمَّ قم فانظر في نواحي السماء و اغتسل تلك الليلة قبل المغرب، ثمَّ تنام على طهر فإذا أردت المشي إليه فاغتسل و لا تطيب و لا تدهن و لا تكتحل حتّى تأتي القبر» (2).

و يدل على استحبابه لمطلق السفر مرسل عليّ بن طاوس: «إنّ الإنسان يستحب له إذا أراد السفر أن يغتسل- الحديث-» (3).

(17) لموثق سماعة: «و غسل الاستسقاء واجب» (4).

ص: 304


1- مستدرك الوسائل باب: 56 من أبواب المزار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 77 من أبواب المزار حديث: 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب السفر حديث: 2.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.

الفسق، بل من الصغيرة أيضا على وجه (18).

______________________________

و المراد به تأكد الاستحباب باتفاق الأصحاب، و هو يشمل الغسل لصلاته أيضا لملازمتهما غالبا.

(18) إجماعا بالنسبة إلى الكفر مطلقا، و ادعي الإجماع بالنسبة إلى الكبيرة أيضا، و عن المنتهى دعوى الإجماع بالنسبة إلى الصغيرة أيضا، فيدل على استحبابه للكفر و الكبيرة بالأولى. و لكن لا بدّ من حمله بالنسبة إلى الصغيرة على ما إذا لم تكن مكفرة، و إلّا فلا ذنب حتّى يتاب عنه و يغتسل لتوبته، و في خبر مسعدة بن زياد قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له رجل: بأبي أنت و أمي إنّي أدخل كنيفا ولي جيران و عندهم جوار يغنين و يضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعا منّي لهنّ، فقال عليه السّلام: لا تفعل، فقال الرجل:

و اللّه ما أتيتهنّ، إنّما هو سماع أسمعه بأذني، فقال عليه السّلام: باللّه أنت أما سمعت اللّه يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا، فقال:

بلى و اللّه كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب اللّه من عربيّ و لا عجميّ لا جرم أنّي لا أعود إن شاء اللّه، و إنّي أستغفر اللّه، فقال له: قم فاغتسل و صلّ ما بدا لك، فإنّك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك. احمد اللّه و سله التوبة من كلّ ما يكره، فإنّه لا يكره إلّا كلّ قبيح دعه لأهله فإنّ لكلّ أهلا» (1).

و في خبر معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «دخلت عليه فأنشأت الحديث، فذكرت باب القدر، فقال: لا أراك إلّا هناك اخرج عنّي، قال: قلت: جعلت فداك إنّي أتوب منه، فقال: لا و اللّه حتّى تخرج إلى بيتك و تغتسل و تتوب منه إلى اللّه، كما يتوب النصراني من نصرانيته قال:

ففعلت» (2).

ص: 305


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.

(السادس عشر): للتظلم و الاشتكاء إلى اللّه من ظلم ظالم (19)، ففي الحديث عن الصادق عليه السّلام ما مضمونه:

«إذا ظلمك أحد فلا تدع عليه، فإنّ المظلوم قد يصير ظالما بالدعاء على من ظلمه، لكن اغتسل و صلّ ركعتين تحت السماء، ثمَّ قل: «اللهم إنّ فلانا ابن فلان ظلمني، و ليس لي أحد أصول به عليه غيرك فاستوف لي ظلامتي الساعة الساعة بالاسم الذي إذا سألك به المضطر أجبته، و كشفت ما به من ضر، و مكنت له في الأرض و جعلته خليفتك على خلقك، فأسألك أن تصلّي على محمد و آل محمد، و أن تستوفي ظلامتي الساعة الساعة. فسترى ما تحب».

(السابع عشر): للأمن من الخوف من ظالم (20)، فيغتسل و يصلّي ركعتين و يحسر عن ركبتيه و يجعلهما قريبا من مصلاه و يقول مائة مرة:

______________________________

و قد يستدل بأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قيس بن عاصم و تمامة بالاغتسال حين أسلما (1)، و بالحديث القدسي: «يا محمد من كان كافرا و أراد التوبة و الإيمان فليطهر لي ثوبه و بدنه».

بناء على أنّ المراد بالأول غير غسل الجنابة، و المراد بالأخير الغسل المندوب. فتأمل. و يأتي في القسم الثاني من الأغسال الفعلية ما ينفع المقام فراجع.

(19) كما حكي ذلك عن مكارم الأخلاق، فراجع (2).

(20) كما هو وارد في مرسل مكارم الأخلاق (3).

ص: 306


1- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 2.

«يا حيّ يا قيوم، يا حيّ لا إله إلّا أنت برحمتك أستغيث فصلّ على محمد و آل محمد و أغثني الساعة الساعة».

ثمَّ يقول:

«أسألك أن تصلّي على محمد و آل محمد و أن تلطف بي، و أن تغلب لي، و أن تمكر لي، و أن تخدع لي و أن تكفيني مئونة فلان ابن فلان بلا مئونة».

و هذا دعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم أحد.

(الثامن عشر): لدفع النازلة (21) يصوم الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر و عند الزوال من الأخير يغتسل.

(التاسع عشر): للمباهلة مع من يدّعي باطلا (22).

(العشرون): لتحصيل النشاط للعبادة، أو لخصوص صلاة

______________________________

(21) لخبر صفوان بن يحيى عن الصادق عليه السّلام: «إذا حضرت لك حاجة مهمة إلى اللّه عزّ و جلّ فصم ثلاثة أيام متوالية الأربعاء و الخميس و الجمعة، فإذا كان يوم الجمعة فاغتسل و البس ثوبا جديدا» (1).

و لم أظفر عاجلا على التخصيص بالثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر خبرا. نعم، ورد الترغيب إلى صومها في أخبار كثيرة (2)، فيكون بالنسبة إلى المقام من المندوب في المندوب.

(22) لإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر سماعة: «و غسل المباهلة واجب» (3).

المحمول على تأكيد الاستحباب.

ص: 307


1- الوسائل باب: 28 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 10.
2- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب الصوم المندوب.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3 و 11.

الليل، فعن فلاح السائل أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يغتسل في الليالي الباردة لأجل تحصيل النشاط لصلاة الليل.

(الحادي و العشرون): لصلاة الشكر (23).

(الثاني و العشرون): لتغسيل الميت و لتكفينه (24).

(الثالث و العشرون): للحجامة على ما قيل (25). و لكن قيل إنّه لا دليل عليه. و لعله مصحف الجمعة.

(الرابع و العشرون): لإرادة العود إلى الجماع، لما نقل عن الرسالة الذهبية: أنّ الجماع بعد الجماع بدون الفصل يوجب جنون الولد. لكن يحتمل أن يكون المراد غسل الجنابة، بل هو الظاهر.

(الخامس و العشرون): الغسل لكلّ عمل يتقرب به إلى اللّه،

______________________________

(23) لإجماع الغنية، و لإمكان إدخالها في طلب الحاجة.

(24) لخبر ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «الغسل في سبعة عشر موطنا .. إلى أن قال عليه السّلام: و إذا غسلت ميتا أو كفنته» (1).

و لكن في دلالته تأمل، إذ يحتمل وجوها عديدة، كما صرّح به في الجواهر و إن لم يذكرها، و تنظر فيه في المستند أيضا، و لكن الظاهر انسباق ما ذكره الماتن منه.

(25) قال في المستند في عداد الأغسال المسنونة: «و غسل الحجامة كما في حسنة زرارة» (2).

و في البحار كتاب السماء و العالم: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يغتسل من الحجامة».

ص: 308


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 1 و 11.

كما حكي عن ابن الجنيد و وجهه غير معلوم (26)، و إن كان الإتيان به لا بقصد الورود لا بأس به.

القسم الثاني: ما يكون مستحبا لأجل الفعل الذي فعله و هي أيضا أغسال
اشارة

القسم الثاني: ما يكون مستحبا لأجل الفعل الذي فعله و هي أيضا أغسال:

أحدها: غسل التوبة (27) على ما ذكره بعضهم: من أنّه من جهة المعاصي التي ارتكبها، أو بناء على أنّه بعد الندم الذي هو حقيقة التوبة. لكن الظاهر أنّه من القسم الأول كما ذكر هناك.

و هذا هو الظاهر من الأخبار و من كلمات العلماء، و يمكن أن يقال إنّه ذو جهتين، فمن حيث إنّه بعد المعاصي و بعد الندم يكون من القسم الثاني، و من حيث إنّ تمام التوبة بالاستغفار يكون من القسم الأول،

______________________________

(26) بناء على عدم مطلوبية الغسل في نفسه، و إلّا فوجهه معلوم و يكون هنا بالأولى، و قد تقدم ما يتعلق به. فراجع.

(27) حيث إنّ هذا الغسل له إضافات فإضافته إلى ما ارتكبه و إضافته إلى ما سيفعل من صيغة الاستقبال، و إضافته إلى ما حصل له من حالة الندم فيصح عرفا اعتباره بالنسبة إلى كلّها، إذ الاعتبارات تختلف بحسب الإضافات و المنساق من قوله في خبر مسعدة بن زياد: «لا جرم إنّي لا أعود إن شاء اللّه، و إنّي أستغفر اللّه، فقال عليه السّلام له: قم فاغتسل و صلّ ما بدا لك- الحديث-» (1).

أنّ الغسل لأجل التوبة التي حصلت منه، فهو نحو تفاؤل بالخير، فكما أنّ الغسل يطهّر الظاهر، فالتوبة تطهر الباطن أيضا. و لكن يظهر من خبر معروف أنّه غسل لفعل التوبة الصحيحة التي ستقع منه فإنّه قال: «جعلت فداك إنّي أتوب منه، فقال: لا و اللّه حتّى تخرج إلى بيتك و تغتسل و تتوب إلى اللّه- الحديث-» (2).

ص: 309


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.

و خبر مسعدة بن زياد في خصوص استماع الغناء في الكنيف، و قول الإمام عليه السّلام له في آخر الخبر: «قم فاغتسل فصلّ ما بدا لك» يمكن توجيهه بكلّ من الوجهين. و الأظهر أنّه لسرعة قبول التوبة أو لكمالها (28).

الثاني: الغسل لقتل الوزغ. و يحتمل أن يكون للشكر على توفيقه لقتله، حيث إنّه حيوان خبيث. و الأخبار في ذمه من الطرفين كثيرة، ففي النبوي: «اقتلوا الوزغ و لو في جوف الكعبة»، و في آخر: «من قتله فكأنّما قتل شيطانا» (29). و يحتمل أن يكون لأجل حدوث قذارة من المباشرة لقتله.

الثالث: غسل المولود (30)، و عن الصدوق و ابن حمزة

______________________________

(28) بناء على أنّه للتوبة التي ستصدر منه.

(29) و قد نقل الدميري في حياة الحيوان عن أم شريك: «أنّها استأمرت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قتل الوزغان فأمرها بذلك»(1).

و في الصحيحين: «أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بقتل الوزغ و سماه فويسقا» (2).

و عن عائشة قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «من قتل وزغة محا اللّه عند سبع خطيات» (3).

و في خبر عبد اللّه بن طلحة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في الوزغ، فقال: هو رجس و هو مسخ كلّه، فإذا قتلته فاغتسل» (4).

(30) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و في خبر أبي بصير عن

ص: 310


1- حياة الحيوان- الدميري- ج: 2 ص: 421، الطبعة الحديثة. و في النهاية لابن الأثير ج: 5 صفحة 181.
2- حياة الحيوان- الدميري- ج: 2 ص: 421، الطبعة الحديثة. و في النهاية لابن الأثير ج: 5 صفحة 181.
3- حياة الحيوان- الدميري- ج: 2 ص: 421، الطبعة الحديثة. و في النهاية لابن الأثير ج: 5 صفحة 181.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.

وجوبه (31) لكنّه ضعيف. و وقته من حين الولادة حينا عرفيا (32) فالتأخير إلى يومين أو ثلاثة لا يضر. و قد يقال: إلى سبعة أيام، و ربما قيل ببقائه إلى آخر العمر (33). و الأولى على تقدير التأخير عن الحين العرفي الإتيان به برجاء المطلوبية.

(الرابع): الغسل لرؤية المصلوب (34). و ذكر أنّ استحبابه مشروط بأمرين:

______________________________

أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السّلام عن عليّ عليه السّلام قال: «اغسلوا صبيانكم من الغمر فإنّ الشيطان يشم الغمر فيفزع الصبيّ في رقاده» (1).

بناء على أنّ المراد به الغسل المعهود لا الغسل (بالفتح).

(31) لما في موثق سماعة في تعداد الأغسال المسنونة: «و غسل المولود واجب» (2).

المحمول على تأكيد الاستحباب، و لكنّه مجمع على خلافه.

(32) لأنّه المنساق من الإطلاق.

(33) أما بقاؤه إلى سبعة أيام تنزيلا له على ما ورد في الختان و العقيقة (3) و ما ورد في تسمية الصبيّ (4). و أما بقاؤه إلى آخر العمر فللجمود على الإطلاق.

و الأول قياس، و الثاني باطل لأنّ الموضوع هو الصبيّ.

(34) لا مستند للحكم باستحباب الغسل في المقام إلّا مرسلة الصدوق (رحمه اللّه) «من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة»(5).

و إجماع الغنية، و الظاهر الاختصاص بمصلوب المسلم فلا غسل على من نظر إلى الكافر المصلوب.

ص: 311


1- راجع الوسائل باب: 27 من أبواب الأغسال المسنونة.
2- راجع الوسائل باب: 27 من أبواب الأغسال المسنونة.
3- راجع الوسائل باب: 24 و 54 من أبواب أحكام الأولاد.
4- راجع الوسائل باب: 24 و 54 من أبواب أحكام الأولاد.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.

(أحدهما): أن يمشي لينظر متعمدا إليه (35)، فلو اتفق نظره أو كان مجبورا لا يستحب.

(الثاني): أن يكون بعد ثلاثة أيام (36) إذا كان مصلوبا بحق، لا قبلها، بخلاف ما إذا كان مصلوبا بظلم (37)، فإنّه يستحب معه مطلقا و لو كان في اليومين الأولين. لكن الدليل على الشرط الثاني غير معلوم، إلّا دعوى الانصراف، و هي محلّ منع.

نعم، الشرط الأول ظاهر الخبر و هو: «من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة». و ظاهره أنّ من مشى إليه لغرض صحيح- كأداء الشهادة أو تحملها- لا يثبت في حقه الغسل (38).

(الخامس): غسل من فرط في صلاة الكسوفين مع احتراق القرص أي تركها عمدا، فإنّه يستحب أن يغتسل و يقضيها (39) و حكم

______________________________

(35) لأنّه المتيقن من الأدلة بعد كون الحكم مخالفا للأصل، مع أنّه المستفاد من صدر المرسل.

(36) نسب إلى ظاهر الأصحاب عدا الصدوق و المفيد (قدّس سرّهما).

(37) تمسكا بإطلاق المرسل من غير ما يصلح للتقييد.

(38) إذ المنساق منه ما إذا كان النظر معنونا بعنوان صحيح شرعي.

(39) نصّا و إجماعا، قال أبو جعفر عليه السّلام في الصحيح: «الغسل في سبعة عشر موطنا .. إلى أن قال عليه السّلام: و غسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاستيقظت و لم تصلّ فعليك أن تغتسل و تقضي الصلاة» (1).

و نحوه غيره. و ظاهر الإجماع على اشتراط التعمد، و يظهر من مرسل حريز أيضا: «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد

ص: 312


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4.

بعضهم بوجوبه (40)، و الأقوى عدم الوجوب و إن كان الأحوط عدم تركه. و الظاهر أنّه مستحب نفسي بعد التفريط المذكور، و لكن يحتمل أن يكون لأجل القضاء، كما هو مذهب جماعة (41)، فالأولى الإتيان به بقصد القربة لا بملاحظة غاية أو سبب، و إذا لم يكن الترك عن تفريط أو لم يكن القرص محترقا لا يكون مستحبا (42)، و إن قيل باستحبابه مع التعمد مطلقا (43)، و قيل باستحبابه مع احتراق القرص مطلقا (44).

(السادس): غسل المرأة إذا تطيّبت لغير زوجها، ففي الخبر:

«أيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتّى تغتسل من

______________________________

و ليقض الصلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل» (1).

(40) نسب ذلك إلى جمع كثير من القدماء، و نسب إلى دين الإمامية و عن القاضي دعوى الإجماع عليه، ورد ذلك بالأصل و حصر الأغسال الواجبة في الشريعة في غيره، و دعوى الإجماع من الغنية على الاستحباب و فيه: أنّ الأصل لا مجال له في مقابل ظاهر الصحيح و يمكن أن يكون الحصر إضافيا غالبيا، و لا وجه لإجماع الغنية مع ذهاب جمع كثير من القدماء إلى الخلاف فلا يترك الاحتياط.

(41) لأصالة عدم اعتبار قصد القضاء في إتيانه.

(42) للأصل في كلّ واحد منهما بعد استفادة اعتبار الشرطين من مجموع الأدلة.

(43) حكي ذلك عن المقنعة و المصباح و السيد (رحمه اللّه).

(44) حكي ذلك عن جمع منهم الصدوق و عن النافع و كتاب الإشراف.

ص: 313


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.

طيبها كغسلها من جنابتها» (45).

و احتمال كون المراد غسل الطيب من بدنها كما عن صاحب الحدائق بعيد، و لا داعي إليه.

(السابع): غسل من شرب مسكرا فنام، ففي الحديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما مضمونه: ما من أحد نام على سكر إلّا و صار عروسا للشيطان إلى الفجر، فعليه أن يغتسل غسل الجنابة (46).

(الثامن): غسل من مس ميتا بعد غسله (47).

مسألة 1: حكي عن المفيد استحباب الغسل لمن صب عليه ماء مظنون النجاسة

(مسألة 1): حكي عن المفيد استحباب الغسل لمن صب عليه ماء مظنون النجاسة، و لا وجه له (48). و ربما يعد من الأغسال المسنونة

______________________________

(45) و إطلاقه يشمل حتّى ما إذا تابت عن ذلك، فليس هذا الغسل هو غسل التوبة، و الخبر مروي عن ابن الجلاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1).

(46) نقله في المستدرك عن جامع الأخبار (2): و مقتضى صدر الحديث أنّ الغسل هو غسل الجنابة، و لكن مقتضى ذيله- كما نقله في المستدرك-: «وجب عليه أن يغتسل كما يغتسل من الجنابة». التنظير فقط، و الظاهر حمل الصدر عليه أيضا، لعدم دليل على ثبوت الجنابة المعهودة بوطي الشيطان.

(47) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر عمار- على ما في التهذيب-: «و كلّ من مسّ ميتا فعليه الغسل، و إن كان الميت قد غسل» (3).

(48) يمكن أن يكون وجهه الاحتياط و التحفظ عن اجتناب النجاسة مهما أمكن، كما قالوا في استحباب الغسل على من أفاق من الجنون، و كذا الغسل على واجدي المنيّ في الثوب المشترك، و على من اغتسل لعذر و قد زال عذره إلى

ص: 314


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 35 من أبواب الجنابة حديث: 12.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المسّ حديث: 3.

غسل المجنون إذا أفاق، و دليله غير معلوم (49) و ربما يقال: إنّه من جهة احتمال جنابته حال جنونه. لكن على هذا يكون من غسل الجنابة الاحتياطية. فلا وجه لعده منها كما لا وجه لعد إعادة الغسل لذوي الأعذار المغتسلين حال العذر غسلا ناقصا مثل الجبيرة، و كذا عد غسل من رأى الجنابة في الثوب المشترك احتياطا، فإنّ هذا ليس من الأغسال المسنونة (50).

مسألة 2: وقت الأغسال المكانية كما مر سابقا قبل الدخول فيها

(مسألة 2): وقت الأغسال المكانية كما مر سابقا قبل الدخول فيها أو بعده لإرادة البقاء على وجه (51). و يكفي الغسل في أول اليوم

______________________________

غير ذلك من الأغسال المبنية على الاحتياط. و يمكن أن يكون مراده (قدّس سرّه) الغسل (بالفتح)، فاشتبه و قرئ بالضم، و عليه فلا إشكال في الاستحباب.

(49) بل الظاهر أنّ دليله الاحتفاظ على الطهارة الظاهرية، لأنّه كان غير مبال بالنجاسة، مضافا إلى ما ذكره (قدّس سرّه).

(50) لا منافاة بين كون الحكمة فيها رفع الجنابة الاحتمالية، و كونها مسنونة أيضا، إذ يمكن أن يكون لتشريع شي ء حكما كثيرة.

(51) لأنّ المناط كلّه إنّما هو شرف المكان و هو كما يكون بالنسبة إلى الدخول فيه يكون بالنسبة إلى البقاء أيضا، مضافا إلى خبر ذريح قال: «سألت الباقر عليه السّلام عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو بعد دخوله، قال عليه السّلام: لا يضرّك أيّ ذلك فعلت، و إن اغتسلت بمكة فلا بأس، و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس» (1).

و حمله على الغسل لدخول المسجد أو الكعبة بلا شاهد، و في خبر ابن عمار: «إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها»(2).

ص: 315


1- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب مقدمات الطواف- كتاب الحج- حديث: 7.

ليومه، و في أول الليل لليلته (52)، بل لا يخلو كفاية غسل الليل للنهار، و بالعكس من قوة (53)، و إن كان دون الأول في الفضل. و كذا القسم الأول من الأغسال الفعلية، و وقتها قبل الفعل على الوجه المذكور (54)، و أما القسم الثاني منها فوقتها بعد تحقق الفعل إلى آخر العمر (55) و إن كان الظاهر اعتبار إتيانها فورا ففورا (56).

مسألة 3: تنتقض الأغسال الفعلية من القسم الأول و المكانية بالحدث الأصغر

(مسألة 3): تنتقض الأغسال الفعلية من القسم الأول و المكانية بالحدث الأصغر من أيّ سبب كان، حتّى من النوم على الأقوى (57).

______________________________

و الظاهر أنّ النزاع لفظي إذ لا ريب في أنّ الأفضل إنّما هو في التقديم، كما لا ريب في وجود الفضل في غيره.

(52) تقدم وجهه في أول الأغسال المكانية.

(53) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر جميل «غسل يومك يجزيك لليلتك، و غسل ليلتك يجزيك ليومك» (1).

و قد عمل به الصدوق (قدّس سرّه) و طريقه إلى جميل معتبر، فلا وجه للمناقشة فيه تارة بالإعراض. و أخرى بأنّ اللام بمعنى (إلى): إذ الأول على فرض ثبوته مبنيّ على اجتهادهم مع أنّه يمكن أن يحمل فيقال: إنّ الإعراض إنّما هو بالنسبة إلى بعض المراتب، و الأخير خلاف الظاهر، كما لا يخفى.

(54) لأنّه المنساق من أدلتها، و لكن لو كان للفعل امتداد زماني يصح الغسل في أثناء الفعل أيضا، و إن كان الأولى أن يكون بقصد الرجاء.

(55) لإطلاق الأدلة مع عدم دليل على التقييد.

(56) لكونه من المسارعة و الاستباق إلى الخير المطلوب مطلقا.

(57) إن قلنا بأنّ الأغسال المندوبة ترفع الحدث و تجزي عن الوضوء فمقتضى إطلاق أدلة النواقض انتقاضها من هذه الجهة و إن بقي أثرها من سائر

ص: 316


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الإحرام حديث: 1 و 6.

.....

______________________________

الجهات، للأصل إلّا أن يدل دليل على النقض من تمام الجهات.

و نوقش في الأصل بأنّه من الشك في المقتضي فلا مجرى له. و فيه:

أولا: ما ثبت في محلّه من عدم الفرق في اعتبار الاستصحاب بين الشك في المقتضي و غيره و أنّ التفصيل لا وجه له.

و ثانيا: إنّ المقتضي محرز بالوجدان، إذ لا فرق بين النظافة المعنوية بتمام مراتبها و النظافة الظاهرية كذلك، فإذا نظف شخص ثوبه أو بدنه بأيّ مرتبة من مراتب النظافة لم يشك في عروض ما يناقضها و يضادها يبني بفطرته على البقاء فكذا في النظافات المعنوية بأيّ مرتبة من مراتبها. ثمَّ إنّ الأدلة الخاصة أقسام ثلاثة:

الأول: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح جميل: «غسل يومك يجزيك لليلتك، و غسل ليلتك يجزيك ليومك» (1).

و قريب منه غيره و مقتضى إطلاقها عدم النقض بالنواقض التي يبتلى بها المكلّف عادة من اليوم إلى الليلة و بالعكس.

الثاني: صحيح ابن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام: «عن الرجل يغتسل للإحرام ثمَّ ينام قبل أن يحرم، قال عليه السّلام: عليه إعادة الغسل» (2).

و قريب منه ما عن المصابيح: «إنّ الأصحاب لم يفرقوا بين غسل الإحرام و غيره». و في خبر إسحاق عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار و يزور بالليل بغسل واحد، قال عليه السّلام: «يجزيه إن لم يحدث، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله بالليل» (3).

الثالث: صحيح العيص عن الصادق عليه السّلام: «عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثمَّ ينام قبل أن يحرم، قال: ليس عليه غسل» (4).

ص: 317


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الإحرام حديث: 6.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الإحرام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب زيارة البيت حديث: 2.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الإحرام حديث: 3.

و يحتمل عدم انتقاضها بها مع استحباب إعادتها كما عليه بعضهم، لكن الظاهر ما ذكرنا.

مسألة 4: الأغسال المستحبة لا تكفي عن الوضوء

(مسألة 4): الأغسال المستحبة لا تكفي عن الوضوء (58) فلو كان محدثا يجب أن يتوضأ للصلاة و نحوها قبلها أو بعدها و الأفضل قبلها، و يجوز إتيانها في أثنائها إذا جي ء بها ترتيبيا.

مسألة 5: إذا كان عليه أغسال متعددة

(مسألة 5): إذا كان عليه أغسال متعددة (59) زمانية أو مكانية أو

______________________________

و قوله عليه السّلام: «ليس عليه غسل» يحتمل وجهين:

الأول: أنّه ليس عليه تشريع للغسل لبقاء أثر غسله السابق بعد النوم فيكون معارضا مع القسم الثاني.

الثاني: أنّه لا يجب عليه الغسل، بل هو باق على استحبابه الأول فيستحب الإتيان به ثانيا، و لكنه خلاف الظاهر، و لا ريب في أنّه لا بدّ من تقييد القسم الأول بالثاني بناء على جريان صناعة الإطلاق و التقييد في المندوبات أيضا.

و لا تنافي بين القسمين الأخيرين، بل يكون مفادهما رجحان الإعادة سواء كان ذلك لنقض أثر الغسل السابق أم للتعبد، و لو شككنا في بقاء الأثر و عدمه و لم نستفد من هذه الأخبار نقضه فمقتضى الأصل بقاء الأثر و إن قلنا بعدم جريان الإطلاق و التقييد في المقام، كما نسب إلى المشهور عدم جريانهما في المندوبات فيحمل القسمين الأخيرين على أفضلية تجديد الغسل و إن كان أثره باقيا، كما هو ظاهر القسم الأول و لعله لذا نسب إلى المشهور عدم النقض في غير النوم و استحباب الإعادة فيه و اختاره الماتن في فصل مقدمات الإحرام و هنا جزم بالنقض و لا يخلو ذلك عن تهافت.

(58) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة مفصّلا في [المسألة 25] من فصل أحكام الحائض فراجع.

(59) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة في [المسألة 15] و ما بعدها من فصل مستحبات غسل الجنابة.

ص: 318

فعلية أو مختلفة يكفي غسل واحد من الجميع إذا نواها جميعا، بل لا يبعد كون التداخل قهريا. لكن يشترط في الكفاية القهرية أن يكون ما قصده معلوم المطلوبية لا ما كان يؤتى به بعنوان احتمال المطلوبية، لعدم معلومية كونه غسلا صحيحا حتّى يكون مجزيا عما هو معلوم المطلوبية.

مسألة 6: نقل عن جماعة- كالمفيد و المحقق و العلامة و الشهيد و المجلسي- استحباب الغسل نفسا

(مسألة 6): نقل عن جماعة- كالمفيد و المحقق و العلامة و الشهيد و المجلسي- استحباب الغسل نفسا (60) و لو لم يكن هناك غاية مستحبة أو مكان أو زمان. و نظرهم في ذلك إلى مثل قوله تعالى إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، و قوله: «إن استطعت أن تكون بالليل و النهار على طهارة فافعل»، و قوله: «أيّ وضوء أطهر من الغسل؟»، «و أيّ وضوء أنقى من الغسل؟»، و مثل ما ورد من استحباب الغسل بماء الفرات (61) من دون ذكر سبب أو غاية إلى غير ذلك. لكن إثبات المطلوب بمثلها مشكل.

مسألة 7: يقوم التيمم مقام الغسل في جميع ما ذكر

(مسألة 7): يقوم التيمم مقام الغسل في جميع ما ذكر عند عدم التمكن منه (62).

______________________________

(60) و هو المطابق لكثرة ترغيب الشارع إلى النظافة و الطهارة بأيّ مرتبة من مراتبها و لو كانت ضعيفة، و موافق للاعتبار العرفي خصوصا في هذه الأعصار.

(61) ففي خبر حنان بن سدير، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال لرجل من أهل الكوفة: «أ تصلّي في مسجد الكوفة كلّ صلاتك؟ قال: لا، قال:

أ تغتسل من فراتكم كلّ يوم مرة؟ قال: لا، قال: ففي كلّ جمعة؟ قال: لا، قال: ففي كلّ شهر؟ قال: لا، قال: ففي كلّ سنة؟ قال: لا، قال أبو جعفر عليه السّلام: إنّك لمحروم من الخير- الحديث-» (1).

(62) يأتي ما يتعلق بهذه المسألة في [المسألة 10] من فصل أحكام التيمم فراجع، و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 319


1- الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام المساجد حديث: 22.

فصل في التيمم

اشارة

(فصل في التيمم)

فصل في مسوغاته

اشارة

و يسوغه العجز عن استعمال الماء (1) و هو يتحقق بأمور: (فصل في التيمم)

______________________________

الأصل في تشريع التيمم قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (1) الذي سنشير إلى وجه الاستدلال به، و السنّة المتواترة:

منها: ما رواه أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أعطى محمدا صلّى اللّه عليه و آله شرائع نوح و إبراهيم و موسى و عيسى (إلى أن قال): و جعل له الأرض مسجدا و طهورا- الحديث-» (2).

و منها: ما رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا، و نصرت بالرعب، و أحلّ لي المغنم، و أعطيت جوامع الكلم، و أعطيت الشفاعة» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار التي سنتعرض لها في المباحث القادمة، و يدل عليه أيضا إجماع المسلمين.

(1) بضرورة من الدين في الجملة، و للعجز مراتب متفاوتة كثيرة سواء كانت عقلية أم شرعية أم عادية مما تأتي الإشارة إليها إن شاء اللّه تعالى فيشمل جميع موارد الحرج و الضرر و خوف الشين مما يشرع التيمم فيها، و ليس لفظ

ص: 320


1- سورة المائدة: 6.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم حديث: 4.
أحدها: عدم وجدان الماء بقدر الكفاية
اشارة

(أحدها): عدم وجدان الماء بقدر الكفاية (2) للغسل أو

______________________________

العجز واردا في شي ء من الأدلة و إنّما المذكور فيها قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً (1).

و المقطوع به أنّ المراد منه عدم التمكن من استعمال الماء لقرينة ذكر المرض في الآية الكريمة، و في الحديث: «أو يكون يخاف على نفسه من برد» (2).

و إنّما ذكر لفظ العجز في كلمات بعض الفقهاء لبيان الجامع لتمام المسوغات التي يذكرونها بالتفصيل بعد ذلك.

ثمَّ إنّ الخطاب في الآية الكريمة في سورتي النساء و المائدة إلى المحدث قطعا، لأنّها في مقام تشريع الطهارة و بقرينة ذكر الحدث الأكبر و قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ يتعيّن أن يكون المراد به خصوص الحدث الحاصل من النوم. و المراد بقوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ الحدث الخارج من السبيلين، كما أنّ المراد بلمس النساء الجنابة الحاصلة من المجامعة فلا ملزم لجعل كلمة (أو) في قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ بمعنى الواو، فقد جمع اللّه تبارك و تعالى في هذه الآية المباركة الحدث النومي و الحدث الخارج من السبيلين و الجنابة مع مراعاة كمال الأدب و الاختصار و تعميم الفائدة و بيان الأقسام، و هذه عادته الشريفة في جميع كلماته المباركة جلّ جلاله و تعالت صفاته.

و المراد بالعجز عن استعمال الماء في كلمات الفقهاء (قدّس سرّهم)، عدم التمكن منه، كما أنّ المراد بعدم وجدان الماء في قوله تعالى عدم التمكن من استعمال الماء بأيّ سبب كان عقليا أو شرعيّا، فينحصر موضوع تشريع التيمم بعدم التمكن من استعماله، و لا وجه لعد أسبابه إلّا من حيث طريقيتها لتحقق هذه الكبرى الكلية، و ستأتي تتمة الكلام في المباحث القادمة إن شاء اللّه تعالى.

(2) للكتاب و السنّة المتواترة و الإجماع، بل الضرورة.

ص: 321


1- سورة النساء: 43.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 7.

للوضوء في سفر كان أو حضر (3) و وجدان المقدار غير الكافي كعدمه (4) ..

______________________________

(3) لإطلاقات الأدلة و إجماع فقهاء الملّة، بل الضرورة المذهبية، و ذكر السفر في الآية الكريمة من جهة أنّ السفر مظنة فقدان الماء خصوصا في الأعصار القديمة، كما أنّ ذكر المرض من جهة أنّه مظنة الضرر لاستعمال الماء غالبا، و إلّا فالمناط كلّه على عدم التمكن من الطهارة المائية.

(4) للإطلاق و الاتفاق و عدم تبعض الطهارة فلا تجري قاعدة الميسور من هذه الجهة، و لصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضأ به، قال: يتيمم و لا يتوضأ» (1). و نحوه غيره.

و احتمال أنّ الغسل حيث لا تعتبر فيه الموالاة فيغسل الرأس و الرقبة- مثلا- و يتيمم ثمَّ بعد وجدان الماء يغسل الطرفين ساقط، للإجماع على عدم تبعض الطهارة من هذه الجهة.

فروع- (الأول): لو تمكن من مزج الماء بمضاف لا يخرجه عن الإطلاق و كفى بعد ذلك للطهارة المائية، فهل يجب ذلك لصدق التمكن من الطهارة المائية، أو لا يجب لانصراف الأدلة عن مثله؟ وجهان: أحوطهما الأول، و يأتي في [المسألة 37] ما ينفع المقام.

(الثاني): لو كان عنده الماء بقدر غسل بعض الأعضاء فقط و يعلم أنّه يحصل له بعد ذلك بمقدار الإتمام لا غير وجب عليه حفظه و لا يجوز له إتلافه، لما يأتي في [المسألة 13].

(الثالث): لو كان عنده الماء بقدر غسل بعض الأعضاء و لكنه يتمكن من تحصيل تمامه بقرض أو استيهاب أو اشتراء أو نحو ذلك وجب عليه ذلك.

(الرابع): لو كان عنده ماء بقدر غسل الوجه فقط- في الوضوء- و أمكنه غسله و جمع الغسالة ثمَّ غسل اليد اليمنى و جمع الغسالة ثمَّ غسل اليسرى وجب

ص: 322


1- الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 4.

و يجب الفحص عنه (5) ..

______________________________

عليه ذلك، لأنّه حينئذ متمكن من الطهارة المائية. و كذا لو كان له ماء بقدر غسل الرأس و الرقبة للغسل و أمكنه جمع الغسالة و غسل الطرف الأيمن كذلك ثمَّ الأيسر، و لكن الأحوط هنا التيمم أيضا ثمَّ إعادة الغسل عند التمكن، لما تقدم في فصل الماء المستعمل.

(5) يدل على وجوب الفحص الإجماع، و قاعدة الاشتغال، و ظاهر الكتاب الكريم، فإنّ قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً (1) يدل على وجوب التحصيل مع الإمكان، و هذا هو الذي تقتضيه البدلية الاضطرارية لأنّه مع التمكن من الظفر على المبدل لا وجه لوجوب البدل الاضطراري. و المراد بعدم الوجدان في الآية الكريمة عدم التمكن من استعمال الماء و لا يتحقق هذا الموضوع إلّا بعد الفحص و اليأس و عدم الظفر، فالفحص في الجملة مأخوذ في موضوع تشريع التيمم، و يشهد لما قلنا الأخبار الواردة في الموارد المختلفة.

منها: صحيح صفوان قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها أ يشتري و يتوضأ أو يتيمم؟ قال عليه السّلام:

لا، بل يشتري- الحديث-» (2).

و غير ذلك من الأخبار، هذا مع أنّ مقتضى إطلاق أدلة الطهارة المائية المطلقة وجوب تحصيل مقدماتها التي منها الفحص عن وجود الماء، و مع الشك يحب الاحتياط لقاعدة الاشتغال. ثمَّ إنّ وجوب الفحص ليس نفسيا و لا غيريا حتّى يكون شرطا لصحة التيمم و إنّما هو طريقيّ عقليّ محض، إذ المناط كلّه على مصادفة الطهارة الترابية لفقد الماء واقعا، كما يأتي في المسائل الآتية، فهو كوجوب التعلم في سائر الأحكام و الفحص عن موضوعات سائر التكاليف.

ص: 323


1- سورة المائدة: 6.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب التيمم حديث: 1.

إلى اليأس (6) إذا كان في الحضر (7)، و في البرية يكفي الطلب غلوة سهم في الحزنة و لو لأجل الأشجار، و غلوة سهمين في السهلة في الجوانب الأربعة (8)، بشرط احتمال وجود الماء في الجميع، و مع العلم بعدمه

______________________________

و ما يتوهم أنّ المراد من عدم الوجدان صرف عدم الوجود و هو يصدق بعدمه و لو قبل الفحص. مرود: لأنّه مع احتمال الظفر عليه بحسب الفحص المتعارف لا يصدق عدم الوجدان لا عرفا و لا شرعا، بل و لا عقلا، إذ المراد به عدمه في موارد احتمال وجوده لا عدمه عنده فقط و ذلك لا يتحقق إلّا بالفحص.

(6) لأنّ الأصل في كلّ فحص أن يكون إلى اليأس- الذي هو عبارة أخرى عن العجز العرفي عن التمكن عن امتثال التكليف- إلّا أن يدل دليل على الخلاف من تحديد شرعيّ أو حرج أو خوف أو ضيق وقت أو نحو ذلك، و لا اختصاص لذلك بالحضر، بل هو شامل لجميع موارد احتمال وجود الماء، كما في جميع موارد الفحص عن الأغراض و المقاصد العقلائية حيث يتفحص لبلوغ المقاصد و الأغراض حتّى حصول اليأس العادي لهم عن الوصول إليها ثمَّ يأخذون بالبدل إن كان لها بدل و إلّا فيحكمون بتحقق العجز و سقوط التكليف.

(7) لما مرّ من أنّ مقتضى القاعدة وجوب الفحص مطلقا حتّى اليأس عن الظفر به إلّا إذا ورد تحديد من الشارع، و لم يرد منه بالنسبة إلى الحضر.

(8) نصّا و إجماعا، ففي خبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ قال عليه السّلام: «يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة و إن كانت سهلة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك» (1).

و المنساق منه عرفا هو الطلب في موارد احتمال وجود الماء، و هي لا تخرج عن الجوانب الأربع، فهو بالدلالة الالتزامية العرفية يدل على الطلب في الجوانب الأربع كما أنّ إطلاقه يشمل ما لو كانت الحزنة لأجل الأشجار- و الحزن ما غلظ من الأرض خلاف السهل- و الظاهر أنّ الطالب في هذا المقدار يطلع على محيط

ص: 324


1- الوسائل باب: 1 من أبواب التيمم حديث: 2.

في بعضها يسقط فيه و مع العلم بعدمه في الجميع يسقط في الجميع (9).

______________________________

الدائرة التي تكون بهذه المساحة لو كان فيها ماء. و أما خبر زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ» (1).

فلا يخالف المشهور لجواز أن يكون القيد قيدا للحكم لا المحكوم به، يعني أنّ الطلب إنّما هو فيما إذا وسع الوقت له لا في الضيق، مع أنّه نقل في نسخة: «فليمسك» بدل «فليطلب». و أما خبر عليّ بن سالم عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت له: أتيمم (إلى أن قال): فقال له داود الرقي:

أ فأطلب الماء يمينا و شمالا؟ فقال عليه السّلام: لا تطلب الماء يمينا و لا شمالا و لا في بئر، إن وجدته على الطريق فتوضأ منه، و إن لم تجده فامض» (2).

فمحمول على مورد وجود الخوف عن التفحص بقرينة غيره، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى. ثمَّ إنّه لم يرد لفظ السهم في الأدلة، و إنّما ذكر في كلمات الفقهاء، لأنّ لفظ الغلوة المذكور فيها يدل عليه عرفا، إذ المنساق من الرمية التي تكون معنى الغلوة إنّما هي رمية السهم إلّا مع القرينة على الخلاف، و الرمية تختلف باختلاف قوة الرامي و آلة الرمي و سائر الجهات، و المدار على المعتدل من الجميع. و قد اختلفت في تحديدها كلمات أهل اللغة، فمن قائل بأنّها مائة باع، و من قائل بأنّها ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة، و من قائل بغير ذلك. و يمكن الجمع بينها بأنّ الاختلاف إنّما هو بحسب الاختلاف في أنحاء آلة الرمي و نحوها فلا اختلاف في المعنى حقيقة، و مع الشك وجب الاحتياط، لقاعدة الاشتغال.

(9) لأنّه ليس وجوب الفحص و الطلب وجوبا نفسيا و ليس له موضوعية خاصة من حيث هو، و إنّما يجب طريقيا محضا للظفر على الماء، و مع الاطمئنان العادي بعدمه في جميع الجوانب أو في جانب خاص لا وجه للطلب أصلا.

ص: 325


1- الوسائل باب: 1 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 1.

كما أنّه لو علم وجوده فوق المقدار وجب طلبه مع بقاء الوقت (10).

و ليس الظنّ به كالعلم (11) في وجوب الأزيد، و إن كان الأحوط (12) خصوصا إذا كان بحد الاطمئنان، بل لا يترك (13) في هذه الصورة فيطلب إلى أن يزول ظنّه و لا عبرة بالاحتمال في الأزيد (14).

______________________________

(10) للعمومات و الإطلاقات الدالة على وجوب الطهارة المائية مع التمكن منها، مضافا إلى قاعدة الاشتغال و التحديد الشرعي إنّما هو في مورد الشك لا العلم بالوجود أو العدم فيما فوق الحد، فلا بدّ في جواز التيمم حينئذ من مراعاة سائر المسوغات من ضيق الوقت أو الخوف أو نحوهما و مع العدم لا وجه لجوازه.

(11) لأصالة عدم الاعتبار فيجري عليه حكم الشك في كفاية الطلب بمقدار التحديد الشرعي، مع أنّه لا اعتبار به في مقابل إطلاق الأدلة.

(12) خروجا عن خلاف جامع المقاصد و الروض حيث ألحقاه بالعلم بدعوى أنّ المناط في التيمم العلم بعدم الماء، و لكنّه منهما (قدّس سرّهما) اجتهاد في مقابل إطلاق الدليل.

(13) بل هو المراد بالعلم في اصطلاح الكتاب و السنّة، كما صرّح به صاحب الجواهر في كتاب القضاء.

(14) لأنّ التحديد الشرعي إنّما هو لنفي الاحتمال و عدم ترتب الأثر عليه في القدر الزائد على الحد.

فروع- (الأول): لا فرق في الطلب بين ما إذا كان لأجل طلب الماء أو لجهة أخرى، للأصل و الإطلاق. فلو تفحص في هذا المقدار لغرض آخر و لم يظفر بالماء أيضا و كان بحيث لو كان تفحصه لطلب الماء بالخصوص لم يظفر به كفى في صحة التيمم، فعلى هذا لا يجب عليه التفحص في الجهة الذي جاء منها إن لم يظفر حين مجيئه على الماء.

(الثاني): لو علم بالوسائل الحديثة كالمنظار و نحوه بعدم وجود الماء في الحد لا يجب عليه الطلب. و لا فرق فيه بين أن يكون بالاختيار أو بالقسر و الإجبار، للإطلاق الشامل لهما.

ص: 326

مسألة 1: إذا شهد عدلان بعدم الماء في جميع الجوانب أو بعضها سقط وجوب الطلب فيها أو فيه

(مسألة 1): إذا شهد عدلان بعدم الماء في جميع الجوانب أو بعضها سقط وجوب الطلب (15) فيها أو فيه، و إن كان الأحوط عدم الاكتفاء (16). و في الاكتفاء بالعدل الواحد إشكال (17) فلا يترك الاحتياط بالطلب.

مسألة 2: الظاهر وجوب الطلب في الأزيد من المقدارين إذا شهد عدلان بوجوده في الأزيد

(مسألة 2): الظاهر وجوب الطلب في الأزيد من المقدارين إذا شهد عدلان بوجوده في الأزيد (18)، و لا يترك الاحتياط في شهادة عدل واحد به (19).

مسألة 3: الظاهر كفاية الاستنابة في الطلب

(مسألة 3): الظاهر كفاية الاستنابة (20) في الطلب و عدم وجوب

______________________________

(الثالث): لو علم بوجود الماء في المقدار و لكنه لا يقدر على تحصيله، لكونه في بئر لا يتمكن من إخراجه، لا وجه للطلب.

(الرابع): لا فرق في وجوب الطلب بين كون الماء في المقدار مسبوق الوجود أو العدم و بين عدم العلم بالحالة السابقة، للإطلاق الشامل للجميع.

(15) لقيام الحجة المعتبرة شرعا على عدم الماء فيكون كالعلم هذا إذا أفادت الاطمئنان المتعارف بالعدم، و أما مع عدم حصولها فيشكل الاعتماد عليها لاحتمال أن يكون لخصوص الاطمئنان الشخصي موضوعية في المقام.

(16) هذا إذا لم يحصل الاطمئنان العادي لما مر، و أما مع حصوله فلا وجه له و إن كان الاحتياط حسنا مطلقا.

(17) منشؤه ما تقدم مرارا من الإشكال في اعتباره في الموضوعات.

(18) لقيام الحجة الشرعية على وجود الماء حينئذ فيجب تحصيله.

(19) لاحتمال كونه حجة معتبرة في الموضوعات، و منشأ التردد احتمال عدم الحجة كما مر مرارا.

(20) لأنّ المدار كلّه على حصول الوثوق و الاطمئنان بعدم الماء من أيّ سبب حصل سواء كان بالمباشرة أم بغيرها، فيكفي طلب واحد لجميع أهل القافلة إذا كان موثوقا به و حصل الاطمئنان العادي منه للجميع، و إن حصل لبعض دون

ص: 327

المباشرة، بل لا يبعد كفاية نائب واحد عن جماعة و لا يلزم كونه عادلا بعد كونه أمينا موثقا (21).

مسألة 4: إذا احتمل وجود الماء في رحله أو في منزله أو في القافلة

(مسألة 4): إذا احتمل وجود الماء في رحله أو في منزله أو في القافلة وجب الفحص حتّى يتيقن العدم أو يحصل اليأس منه (22)، فكفاية المقدارين خاص بالبرية (23).

______________________________

آخر يسقط الطلب عمن حصل له دون غيره. فلا وجه لما يتوهم من ظهور الأدلة في المباشرة، لأنّ المستفاد من المجموع ما قلناه من اعتبار حصول الوثوق و الاطمئنان من أيّ سبب حصل، و يدل على ذلك أنّه لو علم بعدم الماء في الأطراف- و لو من قول الغير- لم يقل أحد بوجوب الفحص، و كذا في مورد حصول الوثوق و الاطمئنان. و يأتي في قضاء الصلوات ما يتعلق بالأفعال النيابية إن شاء اللّه تعالى.

(21) للأصل، و ما أثبتناه في الأصول من اعتبار قول الموثوق به مطلقا الحاكم على أصالة عدم الحجية.

(22) لقاعدة الاشتغال، و إطلاق أدلة الطهارة المائية و عدم دليل على الخلاف و ما ورد من التحديد بغلوة السهم أو السهمين إنّما هو في المسافة المكانية في السفر فقط دون ما هو خارج عن مسافة المكان، كالرحل و المنزل و القافلة و نحوها، فلا بدّ في غير المسافة المكانية من الرجوع إلى القاعدة و الإطلاقات.

(23) أي بالمسافة المكانية فيها، لما تقدم من الإجماع و خبر السكوني.

فروع- (الأول): لو كان في البرية و علم بعدم الماء في الجوانب و احتمل احتمالا صحيحا بورود قافلة فيها ماء وجب عليه الصبر لتحصيله لإطلاقات وجوب الطهارة المائية مع تمكنه منها عرفا.

(الثاني): إذا لم يمهله سائق السيارة و نحوها لطلب الماء وجب عليه إرضاؤه لذلك و لو بالعوض إن أمكن، لما يأتي في [المسألة 16]، و هل يجب عليه القبول؟ مقتضى الأصل عدمه.

ص: 328

مسألة 5: إذا طلب قبل دخول وقت الصلاة و لم يجد

(مسألة 5): إذا طلب قبل دخول وقت الصلاة و لم يجد ففي كفايته بعد دخول الوقت مع احتمال العثور عليه لو أعاده إشكال (24)، فلا يترك الاحتياط بالإعادة، و أما مع انتفائه عن ذلك المكان فلا إشكال في

______________________________

(الثالث): إذا توارد على محل واحد- ليس فيه ماء- أربعة أشخاص كلّ واحد من جانب من الجوانب الأربع و أخبر كلّ واحد صاحبه بعدم الماء في الطرف الذي جاء منه و حصل من خبره الوثوق بالصدق للجميع يسقط الطلب عن الجميع.

(الرابع): إذا جرى استصحاب عدم الماء في طرف واحد أو في جميع الأطراف يسقط الطلب، لأنّه معتبر شرعا.

(24) الطلب قبل الوقت أو بعده تارة يوجب العلم بعدم الماء في المقدار مطلقا و لا وجه لإعادته، إذ مناط الوجوب احتمال الظفر بالماء و مع حصول العلم بالعدم مطلقا لا موضوع له حينئذ، و أخرى يحصل العلم بالعدم حين الطلب فقط، و لكن يحتمل تجدد حدوث ماء في المقدار بعد الطلب و كان ذلك احتمالا صحيحا، و مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم التفحص ثانيا مطلقا لانصراف أدلة التحديد عن هذه الصورة.

و ثالثة: يتفحص و لا يظفر بالماء و يرجع إلى رحله و بعد الرجوع يحتمل أنّه لم يتفحص حق التفحص و أنّه لو تفحص ثانيا لظفر به، و مقتضى قاعدة الاشتغال هو التفحص أيضا، للشك في شمول الدليل لهذه الصورة، و التمسك بإطلاق ما دل على كفاية الفحص تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك فلا بدّ من الرجوع إلى القاعدة.

إن قلت: إنّ مقتضى قاعدة الصحة كون تفحصه صحيحا فلا تجب الإعادة.

قلت: يمكن أن يقال بعدم صدق التفحص على مثل ذلك لا شرعا و لا عرفا، لأنّ المراد به ما إذا حصل اليأس المتعارف المستمر عادة لا اليأس الزائل خصوصا إن كان قبل الوقت أو قبل الشروع في العمل.

ص: 329

وجوبه مع الاحتمال المذكور (25).

مسألة 6: إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة فلم يجد يكفي لغيرها من الصلوات

(مسألة 6): إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة فلم يجد يكفي لغيرها من الصلوات فلا يجب الإعادة عند كلّ صلاة إن لم يحتمل العثور مع الإعادة (26)، و إلّا فالأحوط الإعادة (27).

مسألة 7: المناط في السهم و الرّمي و القوس و الهواء و الرّامي: هو المتعارف

(مسألة 7): المناط في السهم و الرّمي و القوس و الهواء و الرّامي: هو المتعارف المعتدل الوسط في القوة و الضعف (28).

مسألة 8: يسقط وجوب الطلب

(مسألة 8): يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت (29).

مسألة 9: إذا ترك الطلب حتّى ضاق الوقت عصى

(مسألة 9): إذا ترك الطلب حتّى ضاق الوقت عصى (30) و لكن

______________________________

(25) لوجود المقتضي و فقد المانع فيشمله إطلاق أدلة وجوب الفحص من غير ما يصلح للتقييد.

(26) لأنّ المناط في وجوب الفحص حصول الاطمئنان العادي و الوثوق الفعلي بالعدم و المفروض أنّه حاصل مع عدم احتمال العثور لو طلب ثانيا.

(27) لقاعدة الاشتغال من غير حاكم عليها، كما تقدم في المسألة السابقة.

(28) لتنزل الأدلة الشرعية في تحديد الموضوعات مطلقا على المتعارف إلّا أن يدل دليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

(29) لصحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه و ليتوضأ في المستقبل» (1).

و لأنّ مراعاة الوقت أهم من الطهارة المائية مع وجود الماء الكافي فضلا عن طلبه، و يأتي في السابع من المجوّزات بقية الكلام إن شاء اللّه تعالى.

(30) لمخالفته للتكليف الفعلي المنجز بالنسبة إليه، و هو مبنيّ على أن

ص: 330


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 3.

الأقوى صحة صلاته حينئذ (31)، و إن علم أنّه لو طلب لعثر، لكن الأحوط القضاء (32) خصوصا في الفرض المذكور (33).

______________________________

يكون للطلب وجوب نفسي. و أما إذا كان وجوبه طريقيا محضا و كان بحيث لو طلب لم يظفر لا وجه للعصيان حينئذ إلّا من جهة التجري بناء على ثبوته في الحكم الطريقي أيضا. نعم، لو كان بحيث لو طلب لظفر به يصح العصيان من جهة التفويت.

(31) هذه المسألة سيالة في الفقه في جميع أبوابه و مكررة في بحث التيمم، و كبراها: أنّ التكاليف الاضطرارية هل تختص بخصوص ما إذا حصل الاضطرار بلا اختيار، أو تشمل ما إذا حصل بالاختيار أيضا؟ مقتضى إطلاق أدلتها و كونها تسهيلية امتنانية و تصريح الفقهاء في بعض الموارد بالتعميم، هو الأخير ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا دليل كذلك في المقام إلّا احتمال انصرافها إلى ما إذا كان بلا اختيار، و لكنّه من مجرد الاحتمال الذي لا ينافي ظهور الإطلاق الوارد في مقام التسهيل و التيسير.

(32) لاحتمال انصراف الأدلة عن هذه الصورة، و تقدم ضعف هذا الاحتمال مطلقا و إن كان يصلح للاحتياط.

(33) مقتضى كون ضيق الوقت بنفسه من المجوزات و أنّه لا فرق فيها في حصولها بين ما إذا كان بالاختيار أو بدونه، كما مر، إنّما هو عدم وجوب القضاء و عدم الفرق بين ما إذا علم أنّه لو طلب لوجد و بين ما إذا لم يعلم ذلك أو علم بالعدم و لكن نسب في الحدائق إلى المشهور وجوب القضاء في الصورة الأولى، لخبر أبي بصير قال: «سألته عن رجل كان في سفر و كان معه ماء فنسيه فتيمم و صلّى، ثمَّ ذكر أنّ معه ماء قبل أن يخرج الوقت، قال عليه السّلام: عليه أن يتوضأ و يعيد الصلاة» (1).

و لكن لا وجه لاستناد المشهور إليه، لكونه أجنبيا عن المقام، فالمناط كلّه

ص: 331


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 5.
مسألة 10: إذا ترك الطلب في سعة الوقت و صلّى بطلت صلاته

(مسألة 10): إذا ترك الطلب في سعة الوقت و صلّى بطلت صلاته و إن تبيّن عدم وجود الماء. نعم، لو حصل منه قصد القربة مع تبيّن عدم الماء فالأقوى صحتها (34).

مسألة 11: إذا طلب الماء بمقتضى وظيفته فلم يجد فتيمم و صلّى ثمَّ تبيّن وجوده

(مسألة 11): إذا طلب الماء بمقتضى وظيفته فلم يجد فتيمم و صلّى ثمَّ تبيّن وجوده في محلّ الطلب- من الغلوة أو الغلوتين أو الرحل أو القافلة- صحت صلاته (35) و لا يجب القضاء أو الإعادة (36).

______________________________

شمول أدلة الأبدال الاضطرارية لما إذا حصل الاضطرار بسوء الاختيار و عدمه.

فعلى الأول لا محيص إلّا عن الإجزاء و عدم وجوب القضاء، و على الأخير لا بدّ من القضاء، و منشأ الشمول و عدمه احتمال الانصراف و عدمه كما تقدم، و لكن مجرد مثل هذا الاحتمال لا يضر بالإطلاق حتّى فيما لو علم أنّه لو طلب لظفر بالماء فإنّه ليس بأزيد مما يأتي في [المسألة 13] فراجع.

(34) أما البطلان في صورة فقد قصد القربة أو شرط آخر فلانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. و أما الصحة في مورد اجتماع الشرائط فلوجود المقتضي و فقد المانع فتشملها عمومات بدلية التيمم قهرا. نعم، لو كان الطلب شرطا لصحة التيمم لبطل التيمم بدونه فتبطل الصلاة لا محالة، و لكنه باطل، لأنّ وجوب الطلب إرشاديّ محض للظفر بالماء و المفروض عدمه في محل الطلب، فيكون على فرض وجوده لغوا.

(35) لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (1).

و المفروض صدق عدم الوجدان و قد تيمم صحيحا شرعيا و تصح كلّ صلاة أتى بها مع التيمم الصحيح الشرعي، هذا مع أنّ الحكم اتفاقي كما يظهر منهم.

نعم، لو كان موضوع صحة التيمم عدم وجود الماء واقعا لا وجه لصحته حينئذ، و لكنّه خلاف ظواهر الأدلة و سهولة الشريعة.

(36) لإطلاق صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإن أصاب

ص: 332


1- سورة النساء: 43.
مسألة 12: إذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه و تيمّم و صلّى ثمَّ تبيّن سعة الوقت

(مسألة 12): إذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه و تيمّم و صلّى ثمَّ تبيّن سعة الوقت لا يبعد صحة صلاته (37). و إن كان الأحوط الإعادة أو القضاء (38). بل لا يترك الاحتياط بالإعادة. و أما إذا ترك

______________________________

الماء و قد صلّى بتيمم و هو في وقت؟ قال: تمت صلاته و لا إعادة عليه» (1).

و صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد و صلّى ثمَّ وجد الماء، قال: لا يعيد، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين».

فإنّ إطلاقهما يشمل ما إذا وجد في محلّ الفحص بأن كان موجودا فيه سابقا و لم يظفر عليه، و لكن يمكن الخدشة فيه بإمكان أن يكون المراد بقوله: «ثمَّ وجد الماء» بعد عدمه الواقعي لا ظهوره بعد عدم الظفر عليه حين الفحص، و لذا قوّى بعض مشايخنا في حاشية الكتاب لزوم الإعادة مع التبين في الوقت، و لكنه مخالف لظاهر الإطلاق. نعم، هو الأحوط كما احتاط الماتن (رحمه اللّه) و قرّره المشحون (قدّس سرّهم) في [المسألة 3] من أحكام التيمم.

(37) لإطلاق قول أحدهما عليهما السّلام في صحيح زرارة: «إذا لم يجد المسافر فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه، و ليتوضأ لما يستقبل»(2).

فجعل عليه السّلام مناط صحة التيمم خوف فوت الوقت و هو متحقق وجدانا، و لكنّه مبنيّ على جواز البدار لذوي الأعذار و أما مع عدمه فلا وجه للصحة، خصوصا في المقام الذي تبين الخلاف في سعة الوقت، و يأتي منه (قدّس سرّه) في [المسألة 34] الفتوى بوجوب الإعادة، هذا، و لو تفحص بعد ذلك و لم يظفر على الماء و صلّى يكون مما تقدم في المسألة العاشرة.

(38) ظهر وجهه مما تقدم من الإشكال في صحة البدار لذوي الأعذار.

ص: 333


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 15.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 3.

الطلب باعتقاد عدم الماء فتبيّن وجوده و أنّه لو طلب لعثر فالظاهر وجوب الإعادة أو القضاء (39).

مسألة 13: لا تجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل بعد دخول الوقت

(مسألة 13): لا تجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل بعد دخول الوقت إذا علم بعدم وجدان ماء آخر (40). و لو كان على وضوء لا يجوز له إبطاله (41) إذا علم بعدم وجود الماء، بل الأحوط عدم الإراقة و عدم الإبطال قبل الوقت أيضا مع العلم بعدم وجدانه بعد الوقت (42).

______________________________

(39) لعمومات وجوب الطهارة المائية من غير ما يصلح للتخصيص، و لا أثر للاعتقاد مع تبيّن خلافه، كما لا وجه للتمسك بما مرّ من صحيح زرارة لاختلاف المورد.

(40) لحرمة تفويت التكليف الاختياري المنجز الفعلي إجماعا، و قبح ذلك عقلا، و استنكار المتشرعة بل العرف لذلك رأسا، و بدلية التكاليف العذرية عن الاختيارية بدلية اضطرارية لا اختيارية حتّى يكون للمكلّف إيجاد أيّهما شاء و أراد.

(41) لقبح إيجاد موضوع الأبدال الاضطرارية مطلقا بالاختيار عند العرف و العقلاء، بلا فرق فيه بين ما إذا لم يكن مورد التكليف حاصلا و تمكن من تحصيله ففوّته، أو كان مورد التكليف موجودا فأعدمه، لوحدة المناط فيهما و هو إسقاط التكليف الاختياري عن الفعلية. و ليس المقام مثل التمام و القصر الذي يكون المكلّف مختارا في إيجاد موضوع أيّهما شاء، لأنّ القصر ليس بدلا اضطراريا للتمام و إنّما هما حكمان لموضوعين مختلفين فللمكلّف اختيار أيّهما شاء و أراد.

و أما في المقام فالطهارة الترابية بدل اضطراري في ظرف عدم التمكن من الطهارة المائية، و العقلاء يحكمون بتحفظ القدرة مهما أمكن و يوبخون من أعجز نفسه، و المتشرعة يرونه غير مبال بدينه و غير معتن بمذهبه، و الوجدان أصدق شاهد على ما قلنا.

(42) إذ المناط كلّه في تقبيح العقلاء و توبيخهم تعجيز الشخص نفسه عن

ص: 334

.....

______________________________

إتيان ما يعلم أنّه مقصود المولى و مورد إرادته سواء كان التكليف به فعليا أم يصير فعليا بعد ذلك و هذا وجداني في الجملة، و هذا الاستقباح ليس مختصا ببعد تنجز التكليف و فعليته، بل كلّ تكليف له معرضية التنجز و الفعلية يقبح تفويته بعين مناط قبح تفويته بعد تنجزه لكن بالشدة و الضعف الذي لا يسقط به أصل الاستقباح، و لعلّ هذه التفرقة بالشدة و الضعف صارت منشأ للاحتياط الوجوبي هنا دون سابقة.

إن قلت: إنّ تفويت الغرض لا يجوز لكنه في الفرض الذي تمت الحجة عليه فعلا، فلا يشمل ما قبل الوقت الذي لم يتنجز التكليف فيه و لم تتم عليه الحجة الفعلية.

قلت: إتمام الحجة طريق لإحراز الغرض لا أن يكون له موضوعية فعلية في مقابل نفس الغرض الواقعي، و المفروض أنّه أحرز غرض المولى و لو قبل الوقت.

إن قيل: عدم الجواز يتبع المخالفة و العصيان و هما يستتبعان فعلية الخطاب و لا موضوع لهما مع عدمها. يقال: المخالفة و العصيان في ظرف فعلية الخطاب إنّما يوجبان القبح و العقاب من جهة كشفهما عن عدم المبالاة بشأن المولى و حفظ أغراضه الداعية إلى الخطاب فيرجع ذلك كلّه إلى تحفظ الغرض و عدم تفويته.

و إن قيل: ظاهرهم الإجماع على عدم وجوب المقدمة قبل حصول شرط الوجوب. يقال: هذا في الوجوب الترشحي الشرعي لا الإلزام العقلي بالنسبة إلى حفظ الغرض مع التمكن منه قبل الوقت، مع أنا قد أثبتنا في الأصول صحة ذلك حتّى بالنسبة إلى الوجوب الشرعي بأن يكون وجوب ذي المقدمة من العلة الغائية لوجوب المقدمة لا الفاعلية فراجع.

فروع- (الأول): ما تقدم إنّما هو مع العلم و الالتفات. و أما مع الغفلة و النسيان فلا حرمة و لا قبح بالمرة و يدل عليه حكم الفطرة.

(الثاني): لو كان عنده ماء غير كاف للغسل أو الوضوء و علم بأنّه لو احتفظ به لظفر بما يكفيه معه يجري عليه حكم الماء الكافي.

(الثالث): يجري حكم الماء على التراب و كلّ ما يصح به التيمم فيما مر

ص: 335

و لو عصى فأراق أو أبطل يصح تيممه و صلاته (43)، و إن كان الأحوط القضاء (44).

مسألة 14: يسقط وجوب الطلب إذا خاف على نفسه أو ماله

(مسألة 14): يسقط وجوب الطلب إذا خاف على نفسه أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك كالتأخر عن القافلة، و كذا إذا كان فيه حرج و مشقة لا تتحمل (45).

______________________________

من الأحكام، و كذا حكم جميع الشرائط التي تكون تحت اختيار المكلّف كالساتر و ما يصح السجود عليه و نحو ذلك.

(الرابع): لو أخبره مخبر بحصول التمكن بعد ذلك فإن كان مما يوجب الاطمئنان بقوله يصح الاعتماد عليه، و إلّا فلا. و الظن في جميع ذلك ليس كالعلم إلّا إذا كان اطمئنانيا.

(43) لتحقق عدم وجدان الماء حينئذ.

(44) لاحتمال أن يكون موضوع التيمم ما حصل بلا اختيار لا ما إذا حصل بالاختيار و تقدم ما يتعلق به.

(45) كلّ ذلك لتقدم قاعدة الحرج على جميع التكاليف الأولية و الثانوية و لقاعدة تقديم الأهم عند الدوران بينه و بين المهم. و عدم التغرير بالنفس أو العرض أو المال أهمّ من الطهارة المائية التي لها بدل، بل ربما يكون أهمّ من أصل الصلاة فضلا عن مقدماتها. و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر الرقي:

«يتيمم فإنّي أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضلّ و يأكلك السبع»(1).

و قال عليه السّلام أيضا في خبر ابن سالم: «لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع» (2).

هذا مع ظهور تسالم الأصحاب عليه. و ما ذكر في الخبرين إنّما هو من باب المثال لا الخصوصية، لأنّ قول الإمام عليه السّلام ورد مطابقا للقاعدة، فليس لنا

ص: 336


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 2.

.....

______________________________

الاقتصار على موردهما.

ثمَّ لا بأس بالإشارة إلى «قاعدة الحرج» التي هي من أهمّ القواعد العقلائية التي يدور عليها معاشهم و معادهم و جبلت نفوسهم بالعمل بها، و قد منّ اللّه تعالى على عباده بعدم ردعه عنها، بل قررها بطرق شتّى، و هي معمول بها في فقه المسلمين بلا خلاف بينهم في ذلك، و قد استدل على القاعدة بالأدلة الأربعة.

فمن الكتاب آيات:

منها: قوله تعالى وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (1).

و قوله تعالى ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ (2).

و يستفاد من الآية السابقة انتفاء الحرج في مطلق الأديان السّماوية، و لا اختصاص له بشريعة الإسلام. و ما ورد من بعض التشديدات في شريعة موسى عليه السّلام (3) لم يعلم أنّه كان من تشديد الناس على أنفسهم أو تشديد اللّه تعالى عليهم جزاء لبعض أعمالهم، أو تشديد تشريع أصل الدّين بالنسبة إليهم، فلا تقيد هذه المجملات إطلاق ظاهر الآية الكريمة التي جعل عدم الحرج في الدين من ملّة إبراهيم الذي هو مؤسس الأديان السماوية الباقية.

و من السنّة ما استفاض عنه صلّى اللّه عليه و آله: «بعثت بالشريعة السمحة السهلة» (4).

و نصوص متواترة من طرقنا حيث طبّق الأئمّة عليهم السّلام هذه القاعدة على موارد كثيرة تطبيق الكبرى على الصغرى. راجع ما تقدم في المسح على الجبيرة، و الطهارة بالماء و غير ذلك مما يأتي.

و من الإجماع: إجماع المسلمين بلا خلاف بينهم.

ص: 337


1- سورة الحج: 78.
2- سورة المائدة: 6.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 26.

.....

______________________________

و من العقل: أنّ التكليف الحرجي قبيح لدى العقلاء، و كلّ قبيح محال عليه تعالى.

إن قيل: إنّ التكليف مطلقا من الكلفة و المشقة خصوصا بعض مراتبه كالجهاد و القتل بالسيف، و الصوم في هاجر الصيف و نحوهما، فكيف لم يجعل الحرج في الدين.

يقال: إنّ التكاليف الإلهية مطلقا بالنسبة إلى النفوس و الأرواح كالمعالجات الجسمانية بالنسبة إلى الأبدان و الأجساد، و كتحمل المشاق غير المتعارفة للوصول إلى المقامات العالية، فلو توقف حفظ حياة الشخص أو النوع على قطع عضو من أعضائه لا يتوهم أحد بأنّه حرج، بل يجب بحكم الفطرة، و كذا لو توقفت حيازة مقام رفيع على تحمل ما هو خلاف المتعارف لا يكون ذلك من الحرج، إذ الوصول إلى المقامات العالية لا يكون إلّا بتحمل المشاق و الصعوبات، فكذا الكلام في التكاليف الإلهية التي تكون أسبابا للوصول إلى المقامات المعنوية.

ثمَّ إنّ العلماء (قدّست أسرارهم) قد أطالوا القول في مفاد مثل قاعدتي الحرج و الضرر من أنّه هل يكون النفي عين النّهي، أو أنّه رفع الحكم برفع الموضوع، أو أنّ المنفي الحرج و الضرر غير المتدارك. و الكلّ أجنبيّ عن لسان الكتاب و السنّة الوارد على طبق الأذهان الساذجة العرفية، و إذا عرضناهما على ذوي الأذهان المستقيمة يحكمون بأنّ المراد تنزه ساحة الشرع الأقدس عن جعل الحكم الحرجي و الضرري مطلقا، كتنزهه عن جعل اللغو و الباطل كذلك.

ثمَّ إنّ لهم نزاعا آخر و هو: أنّ تقدم مثل قاعدة نفي الحرج على الأحكام مطلقا- أولية كانت أو ثانوية- بنحو الحكومة أو التخصيص، و على الأول هل هي واقعية أي التي تزيل الملاك أصلا عن المحكوم، أو الظاهرية: أي التي ترفع الإلزام فقط، و لا ثمرة عملية في هذا النزاع، كما اعترف به بعض مشايخنا الفحول في بحث الأصول (قدّس اللّه سرّهم)، بل و لا اسم من الحكومة في كتب المتقدمين بل و لا المتأخرين و إنّما حدث فيما قارب عصرنا و أطيل القول فيه.

و المرجع هو العرف، فإنّه إذا عرضنا عليهم أدلة الأحكام الأولية مع مثل قاعدة الحرج يحكمون بالفطرة بتقدم الثانية على الأولى، لأنّ مثل هذه القاعدة من

ص: 338

.....

______________________________

القواعد التسهيلية الامتنانية الرافعة للكلفة و المشقة و الفطرة تحكم بتقدمها على كلّ ما فيه المشقة.

فإن شئت سمّ هذا التقدم تخصيصا أو حكومة أو اصطلاحا آخر، إذ لا نزاع في الاصطلاح بعد أنّه ليس للمصطلح عليه ثمرة نافعة و قابلة للبحث، و قد تعرضنا في بحث التعادل و التراجيح في الأصول لما له ربط بالمقام.

ثمَّ إنّ المراد بالحرج الشخصي لا النوعي لظهور تسالمهم عليه، فلو كانت الطهارة المائية حرجية بالنسبة إلى النوع و لم تكن حرجية بالنسبة إلى شخص وجبت عليه الطهارة المائية و لا يصح منه التيمم، و هذا يختلف بحسب الأشخاص و الأزمان و الأمكنة، و يأتي بعض الفروع المتعلقة بالقاعدة من أنّه لو تحمل الحرج و أتى بالتكليف الواقعي أو اعتقد الحرج و لم يكن في الواقع حرج إلى غير ذلك من الفروع، كما أنّ ظاهر الفقهاء عدم جريان قاعدة الحرج في المحرّمات إلّا إذا كان في البين عنوان آخر من إكراه أو ضرر أو نحو ذلك.

و لا تختص هذه القاعدة بمورد دون آخر بل هي معمول بها في جميع أبواب الفقه.

ثمَّ إنّ معنى الحرج موكول إلى المتعارف إذ لم يرد فيه تحديد و تقييد شرعيّ، و يدل عليه ما ورد في الصوم و في الصلاة كما في صحيح ابن أذينة قال:

«كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه، و المرض الذي يدع صاحبه الصلاة قائما؟ قال عليه السّلام: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، و قال: ذاك إليه هو أعلم بنفسه» (1).

و يأتي بعض الروايات عند بيان قاعدة كلّ ما يغلب اللّه تعالى على العباد فهو أولى بالعذر، و لو شك في تحقق الحرج و عدمه فالمرجع هو الأصل الموضوعي الثابت في البين، و مع عدم العلم به فالمرجع قاعدة الاشتغال، و لا اعتبار بما يتخيله الوسواسي من الحرج و نحوه.

ثمَّ إنّ الضّرر أخص من الحرج لكونه مرتبة شديدة منه عرفا، لأنّ للحرج

ص: 339


1- الوسائل باب: 6 من أبواب القيام- كتاب الصلاة حديث: 1.
مسألة 15: إذا كانت الأرض في بعض الجوانب حزنة و في بعضها سهلة

(مسألة 15): إذا كانت الأرض في بعض الجوانب حزنة و في بعضها سهلة، يلحق كلّا حكمه من الغلوة و الغلوتين (46).

الثاني: عدم الوصلة إلى الماء الموجود
اشارة

(الثاني): عدم الوصلة إلى الماء الموجود (47) لعجز- من كبر، أو خوف من سبع أو لص، أو لكونه في بئر مع عدم ما يستقى به من الدلو و الحبل، و عدم إمكان إخراجه بوجه آخر و لو بإدخال ثوب

______________________________

مراتب متفاوتة. و متعلق الحرج إما أن يكون في النفس أو في المال أو في العرض سواء كان متعلقا بنفسه أم بمن يقوم بأمره كأولاده و نحوه على تفصيل يأتي في محلّه، و الكلّ تشمله الأدلة و يأتي في كلّ باب تطبيق القاعدة على الفروع الداخلة تحتها إن شاء اللّه تعالى.

(46) و كذا إذا كان في جانب واحد بعضه سهلة و بعضه حزنة، كلّ ذلك للإطلاق الشامل لموضوعه و انطباقه عليه، مضافا إلى قاعدة الاشتغال و قاعدة تبدل الحكم بتبدل الموضوع.

(47) كتابا و سنّة و إجماعا، لأنّ المراد بعدم الوجدان في الآية الكريمة عدم التمكن منه لا عدم الوجود الخارجي، و من السنّة ما تقدم من خبري الرقي و ابن سالم، و منها صحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: «عن الرجل يمر بالركية و ليس معه دلو، قال عليه السّلام ليس عليه أن يدخل الركية لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فليتيمم» (1).

و مثله صحيح ابن أبي يعفور عنه عليه السّلام أيضا مع زيادة: «و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم» (2).

هذا إذا لم يمكن دفع المحذور بحسب قدرته عرفا بمال و نحو ذلك، و إلّا وجب ذلك لتمكنه حينئذ من تحصيل الطهارة المائية كما يأتي في المسألة التالية، و لا بدّ من تقييد إطلاق الكلمات بذلك كما هو مرادهم في الواقع.

ص: 340


1- الوسائل باب: 3 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب التيمم حديث: 2.

و إخراجه بعد جذبه الماء و عصره (48).

مسألة 16: إذا توقف تحصيل الماء على شراء الدلو أو الحبل أو نحوهما

(مسألة 16): إذا توقف تحصيل الماء على شراء الدلو أو الحبل أو نحوهما، أو استيجارهما، أو على شراء الماء أو اقتراضه وجب (49) و لو بأضعاف العوض (50) ما لم يضر بحاله و أما إذا كان مضرّا بحاله

______________________________

(48) كلّ ذلك لإطلاق أدلة وجوب الطهارة المائية فيجب تحصيل مقدماتها مهما أمكن.

(49) لصدق وجدان الماء عرفا، مضافا إلى الإجماع و النصوص الآتية.

(50) نصّا و إجماعا، و لأنّه متمكن من تحصيل الطهارة المائية، كما في سائر الحوائج العرفية إذا كانت غالية، و في صحيح صفوان قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها، أ يشتري و يتوضأ أو يتيمم؟ قال: لا، بل يشتري قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضأت، و ما يشتري بذلك مال كثير» (1).

و عن ابن أبي طلحة قال: «سألت عبدا صالحا عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ما حدّ ذلك؟

قال: فإن لم تجدوا بشراء و بغير شراء. قلت: إن وجد وضوء بمائة ألف أو بألف و كم بلغ؟ قال عليه السّلام: ذلك على قدر جدته» (2).

فلا وجه للتمسك بقاعدة الضرر لعدم الوجوب، إذ ليس الموضوع ضرريا، لأنّ المتعارف يقدمون على اشتراء ما يحتاجون إليه عند الغلاء أيضا، و الحاجة الشرعية ليست بأهون من الحوائج العرفية.

ص: 341


1- الوسائل باب: 26 من أبواب التيمم حديث: 1. إلا أنّ المذكور في الطبعة الحديثة بدل (ما يشتري) (ما يسوؤني أو ما يسرني) و هو خلاف المضبوط في الطبعة القديمة و الكتب الفقهية.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب التيمم حديث: 2.

فلا (51). كما أنّه لو أمكنه اقتراض نفس الماء أو عوضه مع العلم أو الظن بعدم إمكان الوفاء لم يجب ذلك (52).

مسألة 17: لو أمكنه حفر البئر بلا حرج وجب

(مسألة 17): لو أمكنه حفر البئر بلا حرج وجب، كما أنّه لو وهبه غيره بلا منة و لا ذلة وجب القبول (53).

الثالث: الخوف من استعماله على نفسه أو عضو من أعضائه
اشارة

(الثالث): الخوف من استعماله على نفسه أو عضو من أعضائه، بتلف، أو عيب، أو حدوث مرض، أو شدته، أو طول مدته، أو بطء برئه، أو صعوبة علاجه، أو نحو ذلك مما يعسر تحمله عادة (54)، بل لو خاف من الشين الذي يكون تحمله شاقا تيمم (55).

______________________________

(51) إجماعا، و لقاعدة نفي الحرج. و لو لم يكن الضرر حرجيا فمقتضى الإطلاقات وجوب الشراء، و لا فرق في الضرر المسقط للوجوب بين الحالي و الاستقبالي، لإطلاق القاعدة.

(52) لصدق عدم التمكن عرفا، و لا بدّ و أن يكون الظن مما يصح أن يعتمد عليه عند متعارف الناس، و مع الشك فيه وجب.

(53) لصدق التمكن من الماء عرفا في كلّ منهما. و المراد من المنّة ما لا يتحمل عامة الناس من أمثاله. و لو كانت مما يتحمّلها الناس من أمثاله في مطلق حوائجهم العرفية وجب القبول معها أيضا.

(54) للإجماع و نفي الحرج و الضرر، و سهولة الشريعة المقدسة، و نصوص خاصة، كصحيح البزنطي عن الرضا عليه السّلام: «في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد. فقال عليه السّلام: لا يغتسل و يتيمم» (1).

و نحوه صحيح داود بن سرحان (2)، و في مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يؤمم المجدور و الكسير إذا أصابتهما الجنابة (3).

ص: 342


1- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 7.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 8.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 10.

و المراد به: ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة أو الموجبة لتشقق الجلد و خروج الدم و يكفي الظن بالمذكورات أو الاحتمال الموجب للخوف (56)، سواء حصل له من نفسه أو قول طبيب أو غيره و إن كان فاسقا أو كافرا (57). و لا يكفي الاحتمال المجرد عن الخوف.

كما أنّه لا يكفي الضرر اليسير الذي لا يعتني به العقلاء (58)، و إذا أمكن علاج المذكورات بتسخين الماء وجب، و لم ينتقل إلى التيمم (59).

______________________________

و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيب الجنابة، قال: يتيمم» (1). إلى غير ذلك من الأخبار و عموم هذه الأدلة و إطلاقها يشمل جميع ما ذكره الماتن (قدّس سرّه).

(55) يمكن استفادته من إطلاق ما ورد في البرد، كما في صحيح البزنطي و ابن سرحان، و لا بدّ و أن يكون خوف الشين مما لا يتحمل عادة. و في النهاية الشين: العيب.

(56) لأنّ لنفس الخوف موضوعية خاصة سواء كان منشأه الظن أو الاحتمال الصحيح و يشمله إطلاق ما تقدم من قوله عليه السّلام: «أو يخاف على نفسه».

(57) لتحقق الخوف، و إطلاق ما تقدم في الصحيح: «أو يخاف على نفسه البرد».

الشامل بإطلاقه جميع مناشئ حصول الخوف.

(58) لإطلاق أدلة الطهارة المائية و لا مقيد له إلّا مع حصول الخوف المتعارف.

(59) لوجوب تحصيل مقدمات الواجب المطلق مهما أمكن، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

ص: 343


1- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 9.
مسألة 18: إذا تحمل الضرر و توضأ أو اغتسل

(مسألة 18): إذا تحمل الضرر و توضأ أو اغتسل فإن كان الضرر في المقدمات- من تحصيل الماء و نحوه- وجب الوضوء أو الغسل و صح (60)، و إن كان في استعمال الماء في أحدهما بطل (61). و أما إذا لم يكن استعمال الماء مضرا، بل كان موجبا للحرج و المشقة- كتحمل ألم البرد أو الشين مثلا- فلا تبعد الصحة و إن كان يجوز معه التيمم.

لأنّ نفي الحرج من باب الرخصة لا العزيمة (62)، و لكن الأحوط ترك

______________________________

(60) لوجود المقتضي للطهارة المائية بعد تحمل الضرر و فقد المانع، فتجب لا محالة لعموماتها و إطلاقاتها الشاملة لهذه الصورة أيضا.

(61) الصحة و البطلان مبنيان على إمكان حصول قصد التقرب و عدمه فيبطل في الأخير و يصح في الأول. و الظاهر عدم حصوله مع الالتفات إلى النهي و المبغوضية الفعلية، لأنّ عدم إمكان قصد التقرب بالمحرم و المبغوض وجداني لكلّ أحد. نعم، يمكن الحصول مع الغفلة عن النهي، كما يأتي.

إن قلت: مع وجود الضرر واقعا لا ملاك للصحة أصلا، فكيف تمكن الصحة بلا أمر و لا ملاك مع تقوم العبادة بهما، أو بخصوص الملاك فقط على ما أثبتناه في الأصول.

قلت: لا ريب في سقوط فعلية الأمر في موارد الضرر. و أما سقوط الملاك فيمكن منعه، بل مقتضى إطلاقات الطهارة المائية و الاستصحاب بقاؤه، و يأتي في المسألة اللاحقة الفتوى منه (قدّس سرّه) بالصحة في صورة اعتقاد عدم الضرر مع وجوده واقعا. فلا وجه لنفي الملاك في موارد الضرر رأسا.

إن قيل: من سقوط الأمر يستكشف سقوط الملاك. يقال: الأمر منبعث عن الملاك لا أن يكون بالعكس، و الوجدان يحكم بأنّ عدم المعلول لا يكشف عن عدم العلة، و عدم المقتضى (بالفتح) لا يكشف عن عدم المقتضي (بالكسر) قطعا.

(62) لأنّ نفي الحرج امتنان على المكلّف، و يكفي في الامتنان نفي الإلزام فقط، فلا ربط لأدلة نفي الحرج بالملاك أصلا، بل و كذا لا ربط لها بأصل

ص: 344

.....

______________________________

الطلب لأنّ الحرج إنّما يحصل من الإلزام فقط، فيكون مفاد الأدلة- الدالة على وجوب الطهارة المائية مع أدلة الحرج- استحباب الطهارة المائية في موارد الحرج كما في جميع الأوامر الواردة في المندوبات مع استفادة الندب منها من القرائن الخارجية.

إن قلت: إنّ استحباب الطهارة المائية و التخيير بينها و بين الطهارة المائية غير معهودة في الشريعة.

قلت: لا بأس به إذا اقتضاه الجمع بين الأدلة، كالأدلة الظاهرة في وجوب غسل الجمعة- مثلا- مع ما يظهر منه عدم الإلزام فيه. نعم، بناء على أنّ أدلة نفي الحرج ترفع ملاك المطلوبية أصلا عن التكاليف الحرجية لا وجه للاستحباب حينئذ. و أما بناء على أنّها ترفع الإلزام فقط، فلا محيص إلّا عن القول ببقاء أصل الرجحان الاقتضائي الملاكي، و يمكن أن يجعل النزاع في ذلك لفظيا.

هذا مع صحة التقرب بالملاك أيضا لو فرض سقوط الطلب بجميع مراتبه في موارد الحرج.

إن قلت: لا وجه للتقرب به، بل ينحصر التقرب بقصد الأمر فقط و المفروض أنّه مفقود فيبطل من هذه الجهة.

قلت: هذه الدعوى بلا دليل، بل الدليل على خلافه، لأنّ الأمر طريق إلى الملاك و هو الموجب للأمر. نعم، لا بدّ و أن يكون مضافا إلى اللّه- تعالى- من دون أن يلحظ فيه الموضوعية المحضة، فينوي من حيث إنّ اللّه جعل فيه ملاك التقرب لا من حيث أصل الملاك من حيث هو مع قطع النظر عن الإضافة إليه تعالى.

إن قلت: لا وجه لكون أدلة نفي الحرج رافعة للإلزام فقط، مع أنّ النفي ظاهر في نفي الشي ء بذاته و آثاره.

قلت أولا: قد مر من أنّها امتنانية و يكفي في الامتنان نفي الإلزام فقط.

و ثانيا: إنّه المتيقن من النص (1) و غيره مشكوك، فيرجع في غير المتيقن

ص: 345


1- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم.

الاستعمال و عدم الاكتفاء به على فرضه فيتيمم أيضا.

مسألة 19: إذا تيمّم باعتقاد الضرر أو خوفه فتبيّن عدمه

(مسألة 19): إذا تيمّم باعتقاد الضرر أو خوفه فتبيّن عدمه صح تيممه و صلاته (63). نعم، لو تبيّن قبل الدخول في الصلاة وجب

______________________________

إلى الأصل و الإطلاق.

و ثالثا: حكم العرف في القوانين المجعولة الظاهرية بأنّ سقوط الإلزام فيها لا يكشف عن سقوط ملاكها إلّا مع وجود قرينة عليه.

(63) لما تقدم في صحيح البزنطي من أنّ الخوف من مسوّغات التيمم فيكون اعتقاد الضرر مسوغا له بالطريق الأولى و إذا صح التيمم يكون مجزيا، فتصح الصلاة قهرا.

إن قلت: مقتضى الأدلة كون الخوف و الضرر الواقع مسوغا للتيمم دون الاعتقادي منها كما في جميع موضوعات الأحكام مطلقا حيث إنّ العلم و الاعتقاد طريق لا أن يكون لهما موضوعية خاصة في جميع الموارد.

قلت: الخوف مما يكون واقعيته بنفس حصوله و لا واقعية له وراء ذلك و تبين الخلاف فيه يكون من تبدل الموضوع، و كذا اعتقاد الضرر فإنّه المرتبة الشديدة من الخوف.

إن قلت: فعلى هذا يلزم اجتماع المثلين في مورد الخوف مع تحقق ما يخاف منه لثبوت الحكم لكلّ منهما.

قلت: مع تحقق ما يخاف منه ينطوي الخوف فيه انطواء الضعيف في الشديد و الذاتي بالعالي، فالحكم الواحد ثابت لطبيعة واحدة مهملة أول مراتبها الخوف، و آخرها تحقق ما يخاف منه خارجا، فكما أنّ في نفس المرض الذي له مراتب متفاوتة يكون الحكم الواحد ثابتا من أول مرتبته إلى آخر مراتبها، مع أنّ لها مراتب كثيرة و الجامع فيها هو الخوف، فكذا في نفس الخوف و متعلقه يكون الحكم واحدا في الموضوع الواحد الذي هو الخوف مع تفاوت المراتب الذي لا يضر بالوحدة النوعية العرفية، لأنّ الضعيف و الشديد من نوع واحد لها وحدة

ص: 346

الوضوء أو الغسل (64)، و إذا توضّأ أو اغتسل باعتقاد عدم الضرر ثمَّ تبيّن وجوده صح (65)، لكن الأحوط مراعاة الاحتياط في الصورتين (66).

______________________________

نوعية التي لا تضرها الكثرات بحسب المراتب- كالسواد من أول مرتبته الضعيفة سواد إلى المرتبة القوية و نوع واحد مع أنّ بينهما مراتب متفاوتة جدا- و بحسب هذه الوحدة النوعية يكون مورد الحكم.

نعم، لو كان للمرض، و الكسر، و الجرح و القرح الوارد في الأدلة لكلّ واحد منها موضوعية خاصة في مقابل الخوف، لكان لاحتمال اجتماع المثلين وجه. و لم يقل به أحد، مع أنّه أيضا مندفع بتعدد الجهة و إنّما يوجب ذلك كلّه التيمم من حيث الخوف الذي له مراتب مختلفة.

(64) لأنّ هذا هو المتفاهم من أدلة تشريع التيمم، بل جميع الأبدال الاضطرارية فمع زوال العذر، أو ظهور الخلاف قبل الشروع في العمل المشروط بالطهارة لا يرى المتشرعة بل العرف مطلقا نفسه معذورا حتّى تشمله أدلة تشريع التيمم، فهذا المورد خارج عن مورد التيمم تخصصا.

و ما يتوهم من أنّه قد وقع الأمر بالتيمم فيستصحب بقاؤه. مدفوع: بأنّه مع انقلاب الموضوع لا وجه للاستصحاب و يأتي في [المسألة 13] من (فصل أحكام التيمم) بعض الكلام.

(65) لوجود الملاك في الطهارة المائية و الضرر لا يصلح للمانعية إلّا إذا كان مانعا عن قصد التقرب و المفروض عدم المنع لمكان الجهل به. نعم، لو كان الضرر منافيا لأصل ملاك الطهارة المائية، فلا وجه للصحة حينئذ، لعدم الملاك و عدم الأمر، فلا منشأ للتقرب.

(66) أما في الصورة الأولى، فلاحتمال أن يكون- الخوف الذي هو منشأ الانتقال إلى التيمم- الخوف المستقر لا الحادث الزائل.

و أما في الصورة الثانية، فلاحتمال أن يكون لوجود أصل الخوف دخل في الانتقال و لكن كلّ من الاحتمالين خلاف إطلاق الدليل لا يصلح للاعتماد و إن صلح للاحتياط.

ص: 347

و أما إذا توضأ أو اغتسل مع اعتقاد الضرر أو خوفه لم يصح و إن تبيّن عدمه (67) كما أنّه إذا تيمّم مع اعتقاد عدم الضرر لم يصح و إن تبيّن وجوده (68).

______________________________

(67) لما مر من الحرمة مع الخوف و اعتقاد الضرر، فيطبّق عليه عنوان المبعدية، فلا يصلح للتقرب به بلا فرق بين وجود الضرر واقعا و عدمه، لأنّ للخوف و اعتقاد الضرر نحو موضوعية في الحرمة و هو الذي يقتضيه الامتنان، و سهولة الشريعة.

إن قلت: مع عدم الضرر واقعا، مقتضى الامتنان صحة الطهارة المائية لا بطلانها.

قلت: نعم، لو لا تغليب الامتنان في سقوط الطهارة المائية عند الخوف على الإتيان بها المصادف نادرا مع عدم الضرر في الواقع. هذا كلّه في الضرر الذي لا يتحمل عادة. و أما اليسير الذي يتحمل، فلا تسقط الطهارة المائية فيه قطعا.

(68) الأقسام ثلاثة: الأول: عدم الضرر واقعا، و لا ريب في عدم صحة التيمم، و عدم الملاك له.

الثاني: وجوده واقعا و عدم حصول قصد التقرب و لا ريب في البطلان أيضا، لفقد قصد التقرب.

الثالث: وجوده واقعا مع حصول قصد التقرب في التيمم و لا وجه للبطلان حينئذ، لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها، و ما تقدّم من أنّ لخوف الضرر نحو موضوعية لا يراد به إسقاط الواقع عن الموضوعية رأسا، بل الطبيعة المهملة الجامعة بينهما المنطبق على كلّ منهما مورد الحكم و قد تقدم منه (رحمه اللّه) في [المسألة 32] من (فصل الجبائر) ما ينفع المقام (1).

ص: 348


1- راجع ج: 2 صفحة: 508.
مسألة 20: إذا أجنب عمدا مع العلم بكون استعمال الماء مضرّا

(مسألة 20): إذا أجنب عمدا مع العلم بكون استعمال الماء مضرّا وجب التيمم و صح عمله (69)، لكن لما ذكر بعض العلماء وجوب الغسل في الصورة المفروضة و إن كان مضرّا (70) فالأولى الجمع بينه

______________________________

(69) على المشهور المتسالم عليه بين الأصحاب، لإطلاق أدلة البدلية الشامل لهذه الصورة أيضا و ظاهرهم كون الحكم كذلك في جميع التكاليف العذرية لو أوجد موضوعها المكلّف بالاختيار.

(70) نسب ذلك إلى الشيخ في الخلاف- مدعيا عليه إجماع الفرقة، و إلى المفيد في المقنعة، و إلى الصدوق في هدايته- و استدل عليه تارة بالإجماع، و هو موهون بذهاب المشهور إلى الخلاف، بل ادعي الإجماع عليه.

و أخرى: بأنّه هو الذي أدخل الضرر على نفسه. و فيه: أنّ مقتضاه حرمة الجماع و لا يقول بها أحد، للأصل، و الإطلاقات، مع أنّه لا ريب في أنّ حفظ النفس أهمّ شرعا، و عقلا من الطهارة المائية التي لها بدل سواء كان ذلك بالاختيار، أو بدونه، مضافا إلى الإطلاقات الدالة على وجوب التيمم- على المريض، و المجروح و المقروح و الخائف- الشاملة لما إذا حصل السبب بالعمد و الاختيار أيضا (1).

و ثالثة: بجملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن مسلم عن الصادق عليه السّلام: «عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة و لا يجد الماء و عسى أن يكون الماء جامدا، فقال عليه السّلام: يغتسل على ما كان، حدّثه رجل أنّه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد، فقال: اغتسل على ما كان، فإنّه لا بدّ من الغسل، و ذكر أبو عبد اللّه عليه السّلام أنّه اضطر إليه و هو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل و قال: لا بدّ من الغسل»(2).

ص: 349


1- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 4 و 5.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب التيمم حديث: 4.

و بين التيمم (71)، بل الأولى مع ذلك إعادة الغسل و الصلاة بعد زوال العذر (72).

مسألة 21: لا يجوز للمتطهّر بعد دخول الوقت إبطال وضوئه بالحدث الأصغر

(مسألة 21): لا يجوز للمتطهّر بعد دخول الوقت إبطال وضوئه بالحدث الأصغر إذا لم يتمكن من الوضوء بعده كما مرّ، لكن يجوز له الجماع مع عدم إمكان الغسل و الفارق وجود النص في الجماع (73)،

______________________________

و مثله غيره، و عنه عليه السّلام أيضا: «عن مجدور أصابته جنابة، قال:

إن كان أجنب هو فليغتسل و إن كان احتلم فليتيمم»(1).

و فيه: أنّه لا بدّ من حملها على بعض المحامل، أو طرحها، لإعراض المشهور عنها، و مخالفتها لظواهر الكتاب و السنّة، و سهولة الشريعة المقدسة، بل الأخذ بإطلاقها مخالف لصريح قوله تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.

و منه يظهر أنّه مع الضرر، الاحتياط في ترك الطهارة المائية لا الجمع بينها و بين الترابية. نعم، بعد رفع الضرر إعادة الصلاة مع الغسل موافق للاحتياط.

(71) تقدم أنّه لا وجه لهذا الاحتياط.

(72) هذا الاحتياط حسن لا ريب فيه، لأنّ به يجمع بين الأقوال.

(73) أما حرمة إبطال الطهارة المائية بعد الوقت، فهو من تفويت التكليف الاختياري المنجز و هو قبيح عند العقلاء كما يحكمون بقبح تفويت أصل التكليف.

و بالجملة: تفويت التكليف المنجز بعد الوقت و تعجيز المكلّف نفسه عما يتوجه إليه من التكليف و تفويت التكليف الاختياري و تبديله إلى الاضطراري مشترك في التقبيح العقلائي خصوصا المتشرعة منهم إن كان ذلك لعدم المبالاة في الدين و تلزمه الحرمة الشرعية أيضا من باب قاعدة الملازمة. و أما الأخير فيدل

ص: 350


1- الوسائل باب: 17 من أبواب التيمم حديث: 1.

و مع ذلك الأحوط تركه أيضا (74).

الرابع: الحرج في تحصيل الماء أو في استعماله

(الرابع): الحرج في تحصيل الماء أو في استعماله (75) و إن لم

______________________________

عليه، مضافا إلى الإجماع، موثق عمار عن الكاظم عليه السّلام: «عن الرجل يكون مع أهله في السفر، فلا يجد الماء يأتي أهله؟ فقال عليه السّلام: ما أحب أن يفعل ذلك إلّا أن يكون شبقا، أو يخاف على نفسه» (1).

و زاد ابن إدريس: «قلت: يطلب بذلك اللذة؟ قال: هو له حلال» (2).

و إطلاقه يشمل ما إذا كان متطهرا و جامع، فيكون بإطلاقه شاملا للمقام، و كخبر السكوني عن جعفر عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن أبي ذر الغفاري: «إنّه أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه هلكت جامعت على غير ماء قال: فأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمحمل فاستترت به و بماء فاغتسلت أنا و هي، ثمَّ قال يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين» (3).

(74) لاحتمال أن يكون مورد الموثق ما إذا لم يكن هناك ماء أصلا لا للغسل و لا للوضوء و كان التكليف هو التيمم على كلّ تقدير إلّا أنّه إن جامع كان تكليفه التيمم بدلا عن الغسل و إلّا فبدلا عن الوضوء، فلا ربط له بنقض الطهارة الموجودة فعلا حتّى يكون دليلا للمقام. و احتمال أن يكون خبر السكوني ورد في مقام توهم أنّ ذلك يوجب تفويت أصل الصلاة لا الطهارة فلا ربط له بما نحن فيه أيضا. و فيه: أنّهما بالإطلاق يشملان المقام و لكن مجرد هذا الاحتمال يكفي في الاحتياط.

فرع: لو كان الماء موجودا و علم أنّه لو جامع لا يقدر على الغسل لأجل ضيق الوقت عنه و لا بدّ و أن يتيمم هل يشمله إطلاق الموثق أم لا؟ وجهان مقتضى الجمود على الإطلاق الشمول.

(75) لأنّه حينئذ إما أن تسقط الصلاة رأسا أو يصلّي بلا طهارة أو مع الطهارة

ص: 351


1- الوسائل باب: 27 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب التيمم حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 56 من أبواب التيمم حديث: 1.

يكن ضرر أو خوفه (76).

الخامس: الخوف من استعمال الماء على نفسه
اشارة

(الخامس): الخوف من استعمال الماء على نفسه (77) أو أولاده و عياله أو بعض متعلقيه أو صديقه (78) فعلا، أو بعد ذلك من التلف

______________________________

المائية أو الترابية، و الأولان مقطوع بفسادهما. و الثالث مخالف لأدلة نفي الحرج، فيتعيّن الأخير لا محالة. و هذا استدلال بالسبر و التقسيم في الأدلة الفقهية المسلّمة عند المسلمين.

(76) لأنّه لا ريب في أنّ الحرج أعمّ منهما و مورد الكلمات في المقام إنّما هو الحرج فقط و مع انطباق أدلة الحرج على مطلق ما لا يتحمل عادة الذي يكون أعمّ من الضرر و خوفه لا تصل النوبة إليهما.

(77) نصوصا، و إجماعا، ففي صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «أنّه قال في رجل أصابته جنابة في السفر و ليس معه إلّا ماء قليل و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش قال: إن خاف عطشا، فلا يهريق منه قطرة و ليتيمم بالصعيد، فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» (1).

و صحيح الحلبي (2) عنه عليه السّلام أيضا: «الجنب يكون معه الماء القليل، فإن هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمم؟ فقال: بل يتيمم و كذلك إذا أراد الوضوء».

و نحوهما غيرهما. هذا مضافا إلى أنّ المقام من دوران الأمر بين الأهمّ و المهم مع كون المهم مما له البدل، فالأخبار وردت على طبق القاعدة، فلو لم تكن هذه الأخبار لكنّا نكتفي بالقاعدة.

(78) كلّ ذلك لتقدم الأهم على المهم الذي له البدل، مع أنّ إطلاق قوله عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «إن خاف عطشا»(3)يشمل الجميع و كذا

ص: 352


1- الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 1.

بالعطش، أو حدوث مرض، بل أو حرج أو مشقة لا تتحمل (79).

و لا يعتبر العلم بذلك، بل و لا الظن، بل يكفي احتمال يوجب الخوف (80) حتّى إذا كان موهوما، فإنّه قد يحصل الخوف مع الوهم إذا كان المطلب عظيما، فيتيمم حينئذ. و كذا إذا خاف على دوابه أو على نفس محترمة و إن لم تكن مرتبطة به (81). و أما الخوف على غير

______________________________

إطلاق موثق سماعة عنه عليه السّلام أيضا: «الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته، قال عليه السّلام: يتيمم بالصعيد و يستبقي الماء، فإنّ اللّه عزّ و جلّ جعلهما طهورا الماء و الصعيد» (1).

فإنّ إطلاق مثل هذه الأخبار يشمل مطلق العطش لمطلق ذي الروح سواء كان متعلقا بنفسه أم بغيره.

(79) كلّ ذلك، لإطلاق أدلة المقام، و إطلاق أدلة نفي الحرج، و تقدم الأهم على المهم الذي له البدل عقلا و شرعا و عرفا، مع أنّ أصل الحكم مجمع عليه، و أهل الوجدان يستنكرون الوضوء بالماء مع الالتفات إلى أنّ له البدل، فلا نحتاج بعد ذلك إلى دليل آخر.

(80) لأنّ المناط كلّه تحقق الخوف المعتنى به عند متعارف الناس و هو كما يحصل من العلم و الظن يحصل من الاحتمال المعتد به أيضا و من ذلك تظهر الخدشة في قوله (رحمه اللّه): «و إن كان موهوما» إذ الخوف الحاصل من الاحتمال الموهوم لا يعتني به الناس في أمورهم العرفية و كذا الشرعية. إلّا أن يقال: إنّ ذلك إنّما هو قبل حصوله، و أما بعده فلا ينظر إلى منشأ الحصول، فيكون الخوف كالقطع، و على هذا لا فرق بين حصوله من الأمور المتعارفة أو غيرها و لو من كثرة الجبن خصوصا في العطش سيّما إذا كان في الصحراء و الصيف.

(81) لإطلاق ما تقدم من قوله عليه السّلام: «إن خاف عطشا»، و إطلاق

ص: 353


1- الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 3.

المحترم- كالحربي، و المرتد الفطري، و من وجب قتله في الشرع- فلا يسوّغ التيمم (82). كما أنّ غير المحترم الذي لا يجب قتله، بل يجوز- كالكلب العقور، و الخنزير، و الذئب، و نحوها- لا يوجبه و إن كان الظاهر جوازه (83)، ففي بعض صور خوف العطش يجب حفظ

______________________________

قوله عليه السّلام: «فيخاف قلته» الشامل للجميع، و لأهمية حفظ النفوس المحترمة عن الطهارة المائية التي لها بدل شرعا لا أقلّ من احتمالها، و قال في مصباح الفقيه: «و الظاهر عدم الخلاف في كون الخوف على النفس المحترمة مطلقا حتّى البهائم في الجملة سببا لجواز التيمم».

(82) إذا لم يكن من توابع الشخص و إلّا فيشمله ما تقدم من الأدلة. و إن لم يكن من توابعه يشكل عدم جوازه، لإطلاق قول الصادق عليه السّلام في صحيح زرارة، مع أنّ قتله عطشانا خلاف الوجدان السليم.

(83) لجريان سيرة ذوي المروءات على حفظ الماء لإبراد الأكباد الحارة و يرون ذلك من المروءة مع الالتفات إلى أنّه جعل للطهارة المائية البدل في الجملة و الشارع الأقدس من ذوي المروءات و رئيسهم فلا يتعدى طريقتهم كيف؟! و قد قال أبو جعفر عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالى يحب إبراد الكبد الحرى، و من سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظلّه اللّه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» (1).

و قال الصادق عليه السّلام: «من سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان كمن أحيا نفسا و من أحيا نفسا، فكأنّما أحيا الناس جميعا» (2).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من أفضل الأعمال عند اللّه إبراد الأكباد الحارة»(3).

و قد ورد في المشرف على القتل ما يناسب المقام (4) و روى مسلم في

ص: 354


1- الوسائل باب: 49 من أبواب الصدقة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب الصدقة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب الأشربة المباحة حديث: 4.
4- راجع الوسائل باب: 32 من أبواب آداب الجهاد.

الماء و عدم استعماله كخوف تلف النفس أو الغير ممن يجب حفظه، و كخوف حدوث مرض و نحوه. و في بعضها يجوز حفظه و لا يجب مثل تلف النفس المحترمة التي لا يجب حفظها و إن كان لا يجوز قتلها أيضا. و في بعضها يحرم حفظه (84) بل يجب استعماله في الوضوء أو

______________________________

صحيحه: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: بينما امرأة تمشي بفلاة من الأرض اشتد عليها العطش فنزلت بئرا فشربت ثمَّ صعدت فوجدت كلبا يأكل الثرى من العطش فقالت لقد بلغ بهذا الكلب مثل الذي بلغ بي فنزلت البئر فملأت فأمسكته بفيها ثمَّ صعدت فشكر اللّه لها ذلك و غفر لها، قالوا يا رسول اللّه أولنا في البهائم أجر؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: نعم في كلّ كبد رطبة أجر» (1).

و الشك في وجوب الطهارة المائية- مع وجود هذا الغرض الصحيح المطلوب شرعا- يكفي في عدم جواز التمسك بإطلاق دليله.

(84) تقدم أنّه لا يحرم و يجوز صرفه في سقي من وجب قتله، فيسقى ثمَّ يقتل. و عن بعض الأعاظم من مشايخنا استبعاد الجواز، بل في بعض حواشيه القطع بعدم التخيير بين الطهارة المائية و الترابية، لأنّ أدلة الثانية في طول الأولى و تشريعها يكون بعد عدم التمكن من الطهارة المائية، فكيف يتصوّر الجواز و التخيير حينئذ.

و فيه: أنّ هذا التخيير ليس عقليا و لا شرعيا كما أنّ الجواز ليس حكما ابتدائيا من الشارع، بل هو حاصل من استفادة الترخيص في ترك الطهارة المائية من القرائن الخارجية، فيثبت موضوع التيمم و يستفاد التخيير حينئذ.

فائدة: يظهر من جملة من الأخبار مرجوحية إيذاء الحيوان مطلقا و قتله في غير ما رخصه الشارع، بل و السكوت عن إيذائه مع أمن المدافعة. فعن الصادق عليه السّلام قال: «نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن الكشوف و هو أن

ص: 355


1- راجع حياة الحيوان للقزويني ج: 2 صفحة: 251.

.....

______________________________

تضرب الناقة و ولدها طفل إلّا أن يتصدق بولدها أو يذبح»(1).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «كان رجل شيخ ناسك يعبد اللّه في بني إسرائيل فبينما هو يصلّي و هو في عبادته إذ بصر بغلامين صبيين قد أخذا ديكا و هما ينتفان ريشه فأقبل على ما فيه من العبادة و لم ينههما عن ذلك فأوحى اللّه إلى الأرض أن سيخي بعبدي فساخت به الأرض فهو يهوي في الدردون (2) أبد الآبدين و دهر الداهرين» (3).

و عنه عليه السّلام أيضا: «كلّ ما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيات و غيرها فليقتله و إن لم يردك فلا ترده» (4).

و عن الصادق عليه السّلام أيضا قال: «إنّ امرأة عذبت في هرة ربطتها حتّى ماتت عطشا» (5).

و عنه عليه السّلام أيضا قال: «أقذر الذنوب ثلاثة: قتل البهيمة، و حبس مهر المرأة، و منع الأجير أجره» (6).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة و له صراخ حول العرش يقول: ربّ سل هذا فيم قتلني من غير منفعة» (7) و قد ورد في علامة المؤمن أنّه الذي لا يؤذي الذر.

أقول: يستفاد من مثل هذه الأخبار مرجوحية الإيذاء مطلقا ما لم يكن فيه غرض صحيح شرعي، فحمل بعض الأخبار التي يستفاد منها عدم المرجوحية (8) على صورة تحقق الغرض الشرعي.

و خلاصة الكلام: أنّه إن كانت من الحيوان أذية فعلية بالنسبة إلى الشخص، فيجوز قتله، بل قد يجب دفعا للضرر و إن لم تكن الأذية فعلية، بل

ص: 356


1- البحار ج: 14 صفحة 706 الطبعة الحجرية.
2- الدردون طبقة من طبقات الأرض- كما عن المجلسي.
3- البحار ج: 14 صفحة 706 الطبعة الحجرية.
4- الوسائل باب: 81 من أبواب تروك الإحرام حديث: 1.
5- الوسائل باب: 53 من أبواب أحكام الدواب.
6- الوسائل باب: 53 من أبواب أحكام الدواب.
7- البحار ج: 14 صفحة 718 الطبعة الحجرية.
8- الوسائل باب: 47 من أبواب أحكام الدواب حديث: 3.

الغسل كما في النفوس التي يجب إتلافها. ففي الصورة الثالثة لا يجوز التيمم و في الثانية يجوز و يجوز الوضوء أو الغسل أيضا. و في الأولى يجب و لا يجوز الوضوء أو الغسل.

مسألة 22: إذا كان معه ماء طاهر يكفي لطهارته و ماء نجس بقدر حاجته إلى شربه

(مسألة 22): إذا كان معه ماء طاهر يكفي لطهارته و ماء نجس بقدر حاجته إلى شربه لا يكفي في عدم الانتقال إلى التيمم، لأنّ وجود الماء النجس حيث إنّه يحرم شربه كالعدم (85) فيجب التيمم و حفظ الماء الطاهر لشربه.

نعم. لو كان الخوف على دابته لا على نفسه يجب عليه الوضوء أو الغسل و صرف الماء النجس في حفظ دابته، بل و كذا إذا خاف على طفل من العطش فإنّه لا دليل على حرمة إشرابه الماء المتنجس. و أما لو فرض شرب الطفل بنفسه فالأمر أسهل (86)، فيستعمل الماء الطاهر في

______________________________

كانت لها معرضية قربية عرفية يجوز أيضا، للأصل و بعض ما ورد من الأدلة (1)بقتل المؤذي و إن لم تكن فعلية و لم يكن لها معرضية، فيمكن استفادة المرجوحية لقتله، لما تقدم من الأخبار و لا فرق فيه بين المباشرة و التسبيب فيكون المقام من إحدى صغرياته.

(85) لأنّ الممنوع شرعا كالممنوع عقلا، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(86) أما بالنسبة إلى الدابة، فلعدم حرمة إشرابه المتنجس، للأصل و كذا بالنسبة إلى الطفل، و مقتضى الأصل عدم وجوب ردعه عن تناول المتنجس و كذا بالنسبة إلى تناول المكلّف للمتنجس بنفسه من دون تسبيب. و أما التسبيب، فيحرم و قد تقدم ما يتعلق بهذه الفروع في [المسألة 32] من (فصل يشترط في صحة الصلاة) من أحكام النجاسات (2).

ص: 357


1- الوسائل باب: 47 من أبواب أحكام الدواب الحديث: 4.
2- راجع ج: 1 صفحة 484.

الوضوء مثلا و يحفظ الماء النجس ليشربه الطفل بل يمكن أن يقال: إذا خاف على رفيقه أيضا يجوز التوضؤ و إبقاء الماء النجس لشربه، فإنّه لا دليل على وجوب رفع اضطرار الغير من الشرب النجس.

نعم، لو كان رفيقه عطشانا فعلا لا يجوز إعطاؤه الماء النجس ليشرب مع وجود الماء الطاهر كما أنّه لو باشر الشرب بنفسه لا يجب منعه.

السادس: إذا عارض استعمال الماء في الوضوء أو الغسل واجب أهم
اشارة

(السادس): إذا عارض استعمال الماء في الوضوء أو الغسل واجب أهم (87)، كما إذا كان بدنه أو ثوبه نجسا و لم يكن عنده من الماء

______________________________

(87) الظاهر أنّ تقديم الأهم بل محتمل الأهمية على المهم من الفطريات التي يكفي في اعتباره عدم ثبوت الردع من الشارع كيف و قرر ذلك بقوله عليه السّلام: «لا تطلب الماء و لكن تيمم، فإنّي أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضلّ و يأكلك السبع» (1).

و قوله عليه السّلام: «لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لص أو سبع» (2).

و قوله عليه السّلام فيمن يمر بالركية و ليس معه دلو: «ليس عليه أن ينزل الركية إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فليتيمم» (3)، و قوله عليه السّلام: «إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلولا و لا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد، فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد، و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم» (4).

إلى غير ذلك مما ورد في المقام، فيستفاد من مجموعها توسعة الأمر في التيمم و أنّه كما يجب في الأعذار العقلية و الشرعية يجب في الأعذار العرفية أيضا، فوجوب صرف الماء في إزالة الخبث شرعا بالإجماع عذر شرعيّ مانع عن استعماله في رفع الحدث، و لعلّ مقتضى الفطرة السليمة أيضا تقديم ما لا بدل له

ص: 358


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب التيمم حديث: 4.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب التيمم حديث: 2.

إلّا بقدر أحد الأمرين من رفع الحدث أو الخبث ففي هذه الصورة يجب استعماله في رفع الخبث و يتيمّم لأنّ الوضوء له بدل، و هو التيمم بخلاف رفع الخبث مع أنّه منصوص في بعض صوره (88). و الأولى أن يرفع الخبث أولا ثمَّ يتيمّم ليتحقق كونه فاقدا للماء حال التيمم (89).

و إذا توضأ أو اغتسل حينئذ بطل، لأنّه مأمور بالتيمم و لا أمر بالوضوء أو الغسل (90).

______________________________

على ما له البدل عند الدوران، فيكون حينئذ من الأعذار العقلائية لا الشرعية المحضة.

و تقديم ما لا بدل له على ما له البدل يكون خارجا عن مورد التزاحم أصلا و هو قاعدة أخرى غير قاعدة تقديم الأهم على المهم عند الدوران و إن أمكن تصادقهما في الجملة.

(88) و هو صحيحة أبي عبيدة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحائض ترى الطهر و هي في السفر و ليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة؟ قال: إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثمَّ تتيمّم و تصلّي- الحديث-» (1).

فإنّ إطلاقه يشمل ما إذا كان الماء بقدر الوضوء و كان الوضوء واجبا مع غسل الحيض أيضا، و لكن في كون ذلك من الاستظهار المعتبر إشكال، بل منع.

(89) يمكن أن تستفاد الأولوية من قوله عليه السّلام في الإناءين المشتبهين: «يهريقهما جميعا و يتيمم» (2).

بعد حمله على الندب إجماعا، مع أنّه يصير حينئذ فاقد الماء عقلا و شرعا.

(90) بناء على بطلان الترتب، و أما بناء على صحته، فلا إشكال في

ص: 359


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب التيمم.

نعم، لو لم يكن عنده ما يتمم به أيضا يتعيّن صرفه في رفع الحدث، لأنّ الأمر يدور بين الصلاة مع نجاسة البدن أو الثوب أو مع الحدث و فقد الطهورين، فمراعاة رفع الحدث أهمّ (91). مع أنّ الأقوى بطلان صلاة فاقد الطهورين فلا ينفعه رفع الخبث حينئذ (92).

مسألة 23: إذا كان معه ما يكفيه لوضوئه أو غسل بعض مواضع النجس من بدنه أو ثوبه بحيث لو تيمم أيضا يلزم الصلاة مع النجاسة

(مسألة 23): إذا كان معه ما يكفيه لوضوئه أو غسل بعض مواضع النجس من بدنه أو ثوبه بحيث لو تيمم أيضا يلزم الصلاة مع النجاسة، ففي تقديم رفع الخبث حينئذ على رفع الحدث إشكال، بل لا يبعد تقديم الثاني (93).

نعم، لو كان بدنه و ثوبه كلاهما نجسا و كان معه من الماء ما يكفي لأحد الأمور من الوضوء أو تطهير البدن أو الثوب، ربما يقال بتقديم تطهير البدن و التيمم، ثمَّ الصلاة مع نجاسة الثوب أو عريانا على

______________________________

ثبوته كما لا إشكال في وجود الملاك على تقدير، و يصح التقرب بالملاك أيضا كما مرّ.

(91) بلا خلاف و لا إشكال فيه من أحد. و يأتي ما يتعلق بفاقد الطهورين في الفصل اللاحق في [المسألة 2].

(92) و عليه، فتخرج المسألة عن موضوع التزاحم، لسقوط الأمر برفع الخبث و يبقى الأمر لرفع الحدث فقط بلا مزاحم له حينئذ في البين.

(93) تقدم في [المسألة 9] من (فصل إذا صلّى في النجس) أنّ الطهارة الخبثية واجبة بنحو الطبيعة السارية كما في رفع القذارات الظاهرية، و قد جزم (رحمه اللّه) هناك بوجوب تقليل الأكثر و تخفيف الأشدّ مهما أمكن، و مقتضى ذلك و أنّ ما لا بدل له يقدّم على ما له البدل، تقديم رفع الخبث في المقام و في الفرع اللاحق أيضا. و احتمال أن تكون النجاسة مانعة بنحو صرف الوجود مخالف لظواهر الكلمات و المرتكزات العرفية فيما تعارف عندهم من القذارات الظاهرية، فلتكن النجاسات الشرعية أيضا كذلك.

ص: 360

اختلاف القولين. و لا يخلو ما ذكره من وجه (94).

مسألة 24: إذا دار أمره بين ترك الصلاة في الوقت أو شرب الماء النجس

(مسألة 24): إذا دار أمره بين ترك الصلاة في الوقت أو شرب الماء النجس كما إذا كان معه ما يكفي لوضوئه من الماء الطاهر، و كان معه ماء نجس بمقدار حاجته لشربه و مع ذلك لم يكن معه ما يتيمّم به بحيث لو شرب الماء الطاهر بقي فاقد الطهورين- ففي تقديم أيّهما إشكال (95).

مسألة 25: إذا كان معه ما يمكن تحصيل أحد الأمرين

(مسألة 25): إذا كان معه ما يمكن تحصيل أحد الأمرين من ماء الوضوء أو الساتر لا يبعد ترجيح الساتر (96) و الانتقال إلى التيمم، لكن لا يخلو عن إشكال. و الأولى صرفه في تحصيل الساتر أولا ليتحقق كونه فاقد الماء ثمَّ يتيمم. و إذا دار الأمر بين تحصيل الماء أو القبلة ففي

______________________________

(94) بناء على وجوب الصلاة عاريا، فهو المتعيّن كما لا يخفى، و أما بناء على عدمه، فالمسألة من صغريات ما تقدم من صرف الماء في الطهارة الحدثية أو تقليل الخبث و تقدم تعين الثاني.

(95) هذا الإشكال صغرويّ لا أن يكون كبرويا، و منشؤه التردد في أنّ الصلاة أهمّ أو أنّ ترك شرب النجس أهمّ، فلا بدّ و أن يشرب الماء الطاهر و يترك الصلاة، و حيث إنّ ما ورد في الاهتمام بالصلاة كتابا و سنّة، و إجماعا من المسلمين تثبت الأهمية لها بالنسبة إلى شرب النجس، فيأتي بالصلاة مع الطهارة و يشرب من النجس بقدر رفع الضرورة. هذا إذا لم يتمكن من الوضوء بالماء الطاهر و جمع الغسالة ثمَّ شربه و إلّا يتعيّن ذلك.

(96) لاحتمال أهميته عن الطهارة المائية التي لها بدل، و مقتضى ما تقدم من جزمه (رحمه اللّه) في [المسألة 9] من (فصل إذا صلّى في النجس) بوجوب صرف الماء في الطهارة الخبثية هو صرف الماء هنا في تحصيل أصل الساتر بالأولى، بل مقتضى قاعدة تقديم ما لا بدل له على ما له البدل تقديم الصرف في الساتر هنا مطلقا.

ص: 361

تقديم أيّهما إشكال (97).

السابع: ضيق الوقت عن استعمال الماء
اشارة

(السابع): ضيق الوقت عن استعمال الماء بحيث لزم من الوضوء أو الغسل خروج وقت الصلاة (98) و لو كان لوقوع جزء منها خارج الوقت (99). و ربما يقال: إنّ المناط عدم إدراك ركعة منها في الوقت، فلو دار الأمر بين التيمم و إدراك تمام الوقت أو الوضوء و إدراك ركعة أو أزيد قدّم الثاني لأنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت. لكن الأقوى ما ذكرنا، و القاعدة مختصة بما إذا لم يبق من الوقت فعلا إلّا مقدار ركعة، فلا تشمل ما إذا بقي بمقدار تمام الصلاة و يؤخرها إلى أن يبقى مقدار ركعة (100).

______________________________

(97) تقدم القبلة مع عدم التمكن من الصلاة إلى أربع جهات، لاحتمال أهميتها عن الطهارة المائية التي لها البدل.

(98) لظهور الاتفاق عليه، و لأهميّة مراعاة الوقت عن الطهارة المائية التي لها بدل و لا أقلّ من احتمال ذلك مع كثرة ما ورد من الشارع من الاهتمام بوقت الفضيلة، فكيف بوقت الإجزاء، و يشهد له قوله: «فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت، فليتيمم و ليصلّ» (1) حيث يستفاد منه أهمية مراعاة الوقت في الجملة.

(99) لاعتبار الوقت بالنسبة إلى جميع الأجزاء من بدئها إلى ختامها و اشتراط الجزء الأخير بالوقت كاشتراط الجزء الأول و بقية الأجزاء به، فكما تلحظ أهمية درك الوقت من الطهارة المائية بالنسبة إلى تمام الصلاة تلحظ بالنسبة إلى أجزائها، بل ليس معنى الشرطية للتمام إلّا بالنسبة إلى الأجزاء بالأسر.

(100) و بعبارة أخرى تختص القاعدة بموارد الفوات و لا تشمل صورة التفويت، لأنّها على خلاف الإطلاقات و العمومات، فتختص بالمتيقن من

ص: 362


1- الوسائل باب: 1 من أبواب التيمم حديث: 1.

فالمسألة من باب الدوران بين مراعاة الوقت و مراعاة الطهارة المائية و الأول أهم. و من المعلوم ان الوقت معتبر في تمام اجزاء الصلاة فمع استلزام الطهارة المائية خروج جزء من اجزائها خارج الوقت لا يجوز تحصيلها بل ينتقل الى التيمم لكن الأحوط القضاء مع ذلك (101) خصوصا إذا استلزم وقوع جزء من الركعة خارج الوقت (102)

مسألة 26: إذا كان واجدا للماء و أخّر الصلاة عمدا إلى ان ضاق الوقت عصى

(مسألة 26): إذا كان واجدا للماء و أخّر الصلاة عمدا إلى ان ضاق الوقت عصى (103).

______________________________

مفادها، مع انها من القواعد الامتنانية. و الامتنان تختص بالفوات فقط إذ لا وجه للامتنان في مورد العصيان و التفويت لأنه نحو ترغيب حينئذ إلى العصيان.

(101) خروجا عن خلاف جمع من الفقهاء- منهم المحققين في المعتبر و جامع المقاصد- لصدق وجدان الماء فلا يشرع معه التيمم.

و فيه: ان المراد بالوجدان التمكن من استعمال الماء بحسب الأدلة الشرعية لا الوجدان الدقي العقلي و إذا كان مراعاة الوقت أهم شرعا من الطهارة المائية يكون غير متمكن منها شرعا لوجوب صرف قدرته في الوقت.

ان قيل النقص وارد على الصلاة لا محالة إما لأجل الطهارة الترابية إن روعي الوقت أو لأجل خروج الوقت ان روعي الطهارة المائية. يقال إثبات أهمية درك الوقت على الطهارة المائية لا نقص في الصلاة بحسب الجمع بين الأدلة و مع فرض النقص فيها يكون أقل من إتيانها خارج الوقت مع الطهارة المائية فلا بد من اختيار أقل النقصين و ما هو الأخف في البين.

(102) لان الدوران حينئذ بين الطهارة المائية و وقوع ذلك الجزء في خارج الوقت، و يمكن ترجيح الطهارة المائية عليه.

و فيه ان مقتضى شرطية المائية شرطيتها بنحو الانطباق على تمام الاجزاء مطلقا.

(103) لأنه فوّت التكليف الاختياري عمدا و هو موجب للعصيان قهرا.

ص: 363

و لكن يجب عليه التيمم (104) و الصلاة و لا يلزم القضاء، و إن كان الأحوط احتياطا شديدا (105).

مسألة 27: إذا شك في ضيق الوقت وسعته بنى على البقاء

(مسألة 27): إذا شك في ضيق الوقت وسعته بنى على البقاء (106) و توضأ أو اغتسل. و أما إذا علم ضيقه و شك في كفايته لتحصيل الطهارة و الصلاة و عدمها، و خاف الفوت إذا حصلها، فلا يبعد الانتقال إلى التيمم (107). و الفرق بين الصورتين: أنّ في الأولى

______________________________

(104) لتحقق موضوعه، فيشمله إطلاقات أدلة وجوب التيمم و عموماته لفرض أنّه غير متمكن فعلا من استعمال الماء شرعا، بناء على ما تقدم من شمول تلك الأدلة لما إذا وجد موضوع التيمم بسوء الاختيار.

(105) لاحتمال انصراف أدلة التيمم عما إذا وجد موضوعه بسوء الاختيار و لكن الاحتمال ضعيف، مع أنّه لا فرق بين المقام و بين ما تقدم- في [المسألة 13] حتّى يكون الاحتياط في المقام شديدا و هناك مطلقا.

(106) لأصالة بقاء الوقت، و لقد أثبتنا في محلّه صحة جريان الاستصحاب في التدريجيات، و الزمان، و الزمانيات مطلقا. إن قيل: نعم، و لكن استصحاب بقاء الزمان لا يثبت وقوع الصلاة في الوقت لو أتى بها إلّا بناء على الأصل المثبت، فلا أثر لهذا الأصل. يقال: انطباق وقوع الصلاة على مفاد مثل هذا الأصل من أهمّ آثاره الشرعية لدى المتشرعة- كأصالة بقاء الطهارة الحدثية و الخبثية، لصحة وقوع الصلاة فيها- فكلّ قيد مشكوك في الصلاة جرى الأصل فيه تكون صحة الصلاة بالنسبة إلى مفاد هذا الأصل من أهمّ آثارها الشرعية، فلا وجه لتوهم الإثبات.

(107) لوجوب المبادرة إلى إتيان الموقت عند خوف فوت وقته و قد جعل ذلك قاعدة و هي: «قاعدة وجوب المبادرة إلى الموقت عند خوف فوت وقته و استدل عليها بظهور الإجماع، و السيرة، و الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة و لعلنا نتعرض لها في أوقات الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

ص: 364

يحتمل سعة الوقت، و في الثانية يعلم بضيقه (108)، فيصدق خوف الفوت فيها دون الأولى. و الحاصل أنّ المجوز للانتقال خوف الفوت الصادق في الصورة الثانية دون الأولى (109).

مسألة 28: إذا لم يكن عنده الماء، و ضاق الوقت عن تحصيله

(مسألة 28): إذا لم يكن عنده الماء، و ضاق الوقت عن تحصيله مع قدرته عليه- بحيث استلزم خروج الوقت و لو في بعض أجزاء الصلاة، انتقل أيضا إلى التيمم. و هذه الصورة أقلّ إشكالا من الصورة السابقة، و هي: ضيقه عن استعماله مع وجوده، لصدق عدم الوجدان في هذه الصورة (110) بخلاف السابقة، بل يمكن أن يقال:

بعدم الإشكال أصلا، فلا حاجة إلى الاحتياط بالقضاء هنا (111).

______________________________

(108) العلم بالضيق ليس له موضوعية خاصة و إنّما المناط كلّه انطباق الطهارة المائية على هذا المقدار من الزمان و عدمه و هو مشكوك، فتكون هذه الصورة مثل الصورة الأولى من هذه الجهة.

(109) لا ريب في احتمال الضيق في الصورتين كما لا ريب في أنّ هذا الاحتمال موجب للخوف بلا فرق بينهما من هذه الجهة. نعم، الفرق أنّ في الصورة الأولى يجري الأصل الموضوعي بخلاف الصورة الأخيرة و لكن لا أثر له مع الخوف الذي يكون كالأمارة و لا يجري الأصل معها موضوعيا كان أو حكميا كما ثبت في محلّه.

(110) لأنّ المراد بعدم الوجدان عدم التمكن من استعماله عقلا أو شرعا و بعد لزوم تقديم الأهم الذي هو إدراك الوقت في الصلاة بتمام أجزائها على المهم الذي هو الطهارة المائية يكون غير متمكن شرعا من استعمال الماء، فينتقل التكليف إلى التيمم لا محالة و يصدق عدم الوجدان شرعا إذ ليس المراد به خصوص عدم الماء خارجا.

(111) لما ثبت في محلّه من أنّ الإتيان بالتكليف الاضطراري يقتضي الإجزاء و المفروض أنّه أتى به و امتثله.

ص: 365

مسألة 29: من كانت وظيفته التيمم من جهة ضيق الوقت عن استعمال الماء

(مسألة 29): من كانت وظيفته التيمم من جهة ضيق الوقت عن استعمال الماء إذا خالف و توضأ أو اغتسل بطل، لأنّه ليس مأمورا بالوضوء، لأجل تلك الصلاة (112) هذا إذا توضأ لأجل تلك الصلاة.

و أما إذا توضأ بقصد غاية أخرى من غاياته أو بقصد الكون على الطهارة صح على ما هو الأقوى من أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده، و لو كان جاهلا بالضيق و أنّ وظيفته التيمم فتوضأ، فالظاهر أنّه كذلك (113) فيصح إن كان قاصدا لإحدى الغايات الأخر و يبطل إن قصد الأمر المتوجه إليه من قبل تلك الصلاة.

مسألة 30: التيمم لأجل الضيق مع وجدان الماء لا يبيح إلّا الصلاة التي ضاق وقتها

(مسألة 30): التيمم لأجل الضيق مع وجدان الماء لا يبيح إلّا الصلاة التي ضاق وقتها (114) فلا ينفع لصلاة أخرى غير تلك الصلاة و لو

______________________________

(112) لسقوط الأمر بالوضوء للصلاة التي ضاق وقتها من جهة تقديم مراعاة الوقت عليه، فلا أمر به من هذه الجهة حتّى يصح قصده. نعم، يصح قصد أمره الثابت له من سائر الجهات سواء كان لنفسه أم لغيره، بل يمكن القول بالصحة في الصورة الأولى أيضا بدعوى أنّ قصد أمر الصلاة التي ضاق وقتها لا ينفك عن قصد الكون على الطهارة، فيصح من هذه الجهة، كما أنّه يمكن التصحيح بالملاك، لأنّ سقوط الأمر أعمّ من سقوطه و يأتي في [المسألة 34] ما ينفع المقام كما يأتي في [المسألة 34] تكرار هذه المسألة ثمَّ إنّ وجه الصحة في جميع ما ذكر وجود المقتضي و فقد المانع بناء على أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده.

(113) لأنّ سقوط أمر الوضوء لأجل الضيق من الأمور الواقعية التي لا أثر للعلم و الجهل فيه، فلا أمر بالوضوء في كلتا الصورتين. نعم، لو توضأ مع العلم و العمد يأثم من جهة تفويت الوقت و إن صح وضوؤه إن قصد الأمر الحاصل من غير الصلاة التي ضاق وقتها و لا يوجب النهي عن تفويت الوقت بطلانه، لكونه نهيا خارجا عنه، فيكون كالتوضي مع النظر إلى الأجنبية حين الوضوء.

(114) لصدق عدم التمكن من استعمال الماء بالنسبة إليها، فتشمله

ص: 366

صار فاقدا للماء حينها (115)، بل لو فقد الماء في أثناء الصلاة الأولى أيضا لا تكفي لصلاة أخرى، بل لا بدّ من تجديد التيمم لها و إن كان يحتمل الكفاية في هذه الصورة (116).

مسألة 31: لا يستباح بالتيمم لأجل الضيق غير تلك الصلاة من الغايات الأخر

(مسألة 31): لا يستباح بالتيمم لأجل الضيق غير تلك الصلاة من الغايات الأخر حتّى في حال الصلاة و كذا لا يجوز له قراءة العزائم إن كان بدلا من الغسل فصحته و استباحته مقصورة على خصوص تلك الصلاة (117).

______________________________

إطلاقات أدلة صحة التيمم عند عدم التمكن من استعماله الماء، فيصح و يجزي لا محالة.

(115) لصدق التمكن من استعمال الماء بالنسبة إليها، فلا موضوع حينئذ للتيمم.

(116) لصدق عدم التمكن من استعمال الماء الذي فقد في أثناء الصلاة من جهة عدم جواز قطع الصلاة التي يكون مشغولا بها في ضيق الوقت، و مراعاتها أهمّ من الوضوء للصلاة الأخرى، فتشمله إطلاقات أدلة التيمم و عموماتها قهرا.

إن قلت: التيمم الحاصل لضيق الوقت طهور محدود مؤقت بزمان خاص و هو زمان الاشتغال بالصلاة التي ضاق وقتها، فلم تحدث طهارة بالنسبة إلى غيرها أصلا، فلا موضوع للصحة و الإجزاء.

قلت: لا موضوعية لضيق الوقت من حيث هو و إنّما يكون موجبا للتيمم من جهة كونه من مصاديق عدم التمكن من استعمال الماء شرعا، فالمناط كلّه تحقق عدم التمكن من استعمال الماء و هو موجود حدوثا و بقاء و منشأ الحدوث ضيق الوقت عن الاستعمال و منشأ البقاء عدم جواز قطع الصلاة التي ضاق وقتها و كلاهما أهم، و لا بدّ و أن يقدم على الوضوء الذي له البدل، فالعلة الموجبة للتيمم موجودة حدوثا و بقاء فالأقوى هو الإجزاء في الصورة الأخيرة، و كذا لو فقد الماء بعد الصلاة و لم يسع الوقت للطهارة المائية و إن وسع لتجديد التيمم.

(117) لا خلاف في حصول الطهارة بالنسبة إلى خصوص تلك الصلاة

ص: 367

.....

______________________________

و إنّما الإشكال في أنّ تلك الطهارة الحاصلة جهتية لخصوص تلك الصلاة فقط مع بقاء الحدث بالنسبة إلى سائر الغايات المشروطة بالطهارة أو أنّها طهارة واقعية مطلقة حين الصلاة ما دام عدم التمكن من استعمال الماء كما تقدم؟ قولان:

مقتضى الإطلاقات و العمومات هو الأخير، إذ لا فرق بين عدم التمكن من استعمال الماء لضيق الوقت و بين عدم التمكن من استعماله لسائر الجهات من الخوف و غيره.

و بالجملة: هذا التيمم تحصل به الطهارة المطلقة الواقعية، للإطلاقات و كلّ ما تحصل به الطهارة كذلك يصح معه الإتيان بالغايات المشروطة بها، فيصح مع هذا التيمم الإتيان بالغايات المشروطة بها. نعم، لو كانت الطهارة الحاصلة منه لجهة خاصة- كالتيمم لصلاة الميت أو للنوم حتّى مع التمكن من الطهارة المائية فعلا من كلّ جهة- لا وجه لإباحة سائر الغايات المشروطة بالطهارة حينئذ، و لكنّه ليس كذلك إذ لا أثر لوجود الماء مع وجوب ترك استعماله و الاشتغال بالأهمّ، فلا قصور في شمول إطلاقات كون التيمم طهورا لهذا التيمم أيضا. و لا يبقى حينئذ مجال لاستصحاب بقاء الحدث مع وجود الإطلاق المنطبق على هذا المورد و غيره.

إن قلت: يمكن دعوى انصراف ما دلّ أنّ التيمم طهور مطلقا عن مثله.

قلت: كيف يصح ذلك مع أنّه تصح الصلاة معه، و مما يشهد لما ذكرناه ما تقدم في المسألة السابقة من أنّه لو فقد الماء في أثناء الصلاة التي تيمم لها لأجل الضيق يصح إتيان الصلوات الأخرى به أيضا، فإنّه لو لا حدوث الطهارة المطلقة به لا وجه للإجزاء بالنسبة إلى الصلاة الأخرى إلّا بناء على انقلاب الطهارة الجهتية إلى الطهارة المطلقة و هو بعيد جدّا و خلاف المتفاهم من الأدلة.

إن قيل: إنّ الطهارة لها مراتب متفاوتة جدّا و الإطلاقات تصدق على جميع المراتب و من إحدى مراتبها الطهارة الجهتية دون المطلقة من كلّ جهة، فشمول الإطلاق لا يستلزم حصول الطهارة المطلقة. يقال: ذات الطهارة بأيّ مرتبة تحققت يباح بها جميع الغايات إلّا مع الدليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام، فالمقتضي و هو حصول ذات الطهارة موجود و المانع مفقود، فلا بدّ

ص: 368

مسألة 32: يشترط في الانتقال إلى التيمم ضيق الوقت عن واجبات الصلاة فقط

(مسألة 32): يشترط في الانتقال إلى التيمم ضيق الوقت عن واجبات الصلاة فقط، فلو كان كافيا لها دون المستحبات وجب الوضوء و الاقتصار عليها، بل لو لم يكف لقراءة السورة تركها و توضأ، لسقوط وجوبها في ضيق الوقت (118).

مسألة 33: في جواز التيمم لضيق الوقت عن المستحبات الموقتة إشكال

(مسألة 33): في جواز التيمم لضيق الوقت عن المستحبات الموقتة إشكال (119)، فلو ضاق وقت صلاة الليل مع وجود الماء

______________________________

من الإجزاء بالنسبة إلى جميع الغايات، فاحتمال الإجزاء في تلك المسألة مع الجزم بعدم الاستباحة في هذه المسألة يكون تهافتا، و لكنّ الأحوط الاقتصار على خصوص الصلاة التي ضاق وقتها- و ترك مسّ المصحف، و كذا ترك قراءة العزائم- إن كان بدلا عن الغسل.

(118) لأنّ المقام من موارد تقديم الأهم على المهم و قد ثبت أنّ إدراك الوقت بالنسبة إلى واجبات الصلاة أهمّ من الطهارة المائية التي لها بدل.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 4، ص: 369

و أما المستحبات فلا وجه لتزاحمها مع الطهارة المائية الواجبة إذ لا تزاحم بين ما فيه الاقتضاء للوجوب و ما لا اقتضاء فيه، أو كان فيه اقتضاء الندب الذي يصح للمكلّف تركه اختيارا، و كذا لا تزاحم بين الطهارة المائية و قراءة السورة التي تسقط بأدنى سبب له- كالمرض، و الاستعجال، و الخوف و نحوها مما يأتي في أول (فصل القراءة) من الصلاة- فإذا سقطت لأجل الاستعجال تسقط للطهارة المائية بالأولى. قال الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا» (1).

و يمكن شمول إطلاق الذيل للمقام أيضا.

(119) منشؤه التردد في إحراز أهميّة إدراك الوقت في المستحبات المؤقتة عن الطهارة المائية و لكن الظاهر ثبوت الأهمية خصوصا في وقت السحر الذي ورد

ص: 369


1- الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

و التمكن من استعماله يشكل الانتقال إلى التيمم.

مسألة 34: إذا توضأ باعتقاد سعة الوقت فبان ضيقه

(مسألة 34): إذا توضأ باعتقاد سعة الوقت فبان ضيقه فقد مرّ أنّه إذا كان وضوؤه بقصد الأمر المتوجه إليه من قبل تلك الصلاة بطل، لعدم الأمر به (120)، و إذا أتى به بقصد غاية أخرى أو الكون على الطهارة صح.

و كذا إذا قصد المجموع من الغايات التي يكون مأمورا بالوضوء فعلا لأجلها (121) و أما لو تيمم باعتقاد الضيق فبان سعته بعد الصلاة،

______________________________

فيه ما ورد (1) لا أقلّ من احتمالها بلا فرق بين المندوبات التي تقضى كصلاة الليل و غيرها، لأنّ ثبوت الأهمية أو احتمالها إنّما هو لخصوص الوقت من حيث هو لا لذات المندوب، و يشهد له إطلاق قوله عليه السّلام: «إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد» (2)، أو: «إنّ التراب أحد الطهورين» (3).

الوارد في مقام التسهيل و الامتنان مع بناء الشريعة على السهولة في درك الثواب.

و يمكن أن يستأنس له بما ورد من التيمم لأجل صلاة الجنازة عند خوف الفوت كما يأتي في [المسألة 36].

(120) لأنّ أهمية إدراك الوقت عن الطهارة المائية التي لها بدل أوجبت سقوط أمرها و الانتقال إلى الطهارة الترابية، و لكن تقدم أنّ قصد أمرها لا ينفك عن قصد الكون على الطهارة، فتصح من هذه الجهة و هذا المقدار من القصد يكفي و لا دليل على اعتبار القصد التفصيلي كما تقدم إمكان التصحيح بقصد الملاك أيضا.

(121) لكفاية وجود الداعي الواقعي في الداعوية و إن لم يعلم به ظاهرا لأنّ

ص: 370


1- الوسائل باب: 25 و 26 من أبواب الدعاء.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 15.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 15.

فالظاهر وجوب إعادتها (122) و إن تبيّن قبل الشروع فيها و كان الوقت واسعا توضأ وجوبا (123)، و إن لم يكن واسعا فعلا بعد ما كان واسعا أولا وجب إعادة التيمم (124).

الثامن: عدم إمكان استعمال الماء لمانع شرعيّ
اشارة

(الثامن): عدم إمكان استعمال الماء لمانع شرعيّ، كما إذا

______________________________

العلم به طريق إلى الواقع لا أن يكون له موضوعية خاصة، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود، فتشمله الإطلاقات و العمومات قهرا.

(122) لانكشاف التمكن من الطهارة المائية، فلم يتحقق موضوع التيمم واقعا، فتبطل الصلاة و لكن تحتمل الصحة، لشمول إطلاق قوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ- الحديث-» (1).

فإنّه يشمل الخوف الحاصل من الاعتقاد أيضا كما في سائر الموارد التي يكون الخوف فيها موضوعا للحكم، مضافا إلى أنّه يصدق عدم التمكن عرفا من استعمال الماء ما دام اعتقاد الضيق باقيا، فينطبق على استعماله عنوان التجري و يمنع عن صلاحية التقرب به و لا أقل من إيجاب ذلك كلّه الشك في البطلان، فتجري قاعدة الفراغ في الشبهة الموضوعية بل و في الشبهة الحكمية بناء على جريانها فيها. هذا كلّه بناء على جواز البدار. و أما بناء على عدمه يبطل من هذه الجهة و يأتي في (فصل أحكام التيمم) ما يتعلق به.

(123) للتمكن من استعمال الماء و عدم الموضوع للتيمم حينئذ حتّى بناء على جواز البدار، لأنّه فيما إذا لم ينكشف الخلاف قبل الدخول في الصلاة كما يأتي في [المسألة 13] من (فصل أحكام التيمم).

(124) بناء على عدم جواز البدار و أنّه لو بادر يكون التيمم باطلا حتّى لو بان بقاء العذر و هو مشكل خصوصا مع بقاء العذر، و يأتي في [المسألة 13] من (فصل أحكام التيمم) ما ينفع المقام.

ص: 371


1- الوسائل باب: 22 من أبواب التيمم حديث: 2.

كان الماء في آنية الذهب أو الفضة، و كان الظرف منحصرا فيها بحيث لا يتمكن من تفريغه في ظرف آخر، أو كان في إناء مغصوب كذلك، فإنّه ينتقل إلى التيمم، و كذا إذا كان محرّم الاستعمال من جهة أخرى (125).

مسألة 35: إذا كان جنبا و لم يكن عنده ماء و كان موجودا في المسجد

(مسألة 35): إذا كان جنبا و لم يكن عنده ماء و كان موجودا في المسجد، فإن أمكنه أخذ الماء بالمرور وجب و لم ينتقل إلى التيمم.

و إن لم يكن له آنية لأخذ الماء، أو كان عنده و لم يمكن أخذ الماء إلّا بالمكث، فإن أمكنه الاغتسال فيه بالمرور وجب ذلك (126)، و إن لم يمكن ذلك أيضا، أو كان الماء في أحد المسجدين- أي: المسجد الحرام أو مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- فالظاهر وجوب التيمم (127) لأجل الدخول في المسجد و أخذ الماء أو الاغتسال فيه. و هذا التيمم

______________________________

(125) و ذلك كلّه لعدم تمكنه من استعمال الماء شرعا، و المانع الشرعي كالعقلي فيتحقق موضوع التيمم قهرا، و قد تقدم إمكان تصحيح الوضوء بالاغتراف أيضا فإنّه و إن كان عاصيا في نفس الاغتراف من حيث هو لكنه يصير واجدا للماء بعده.

(126) لتمكنه في الفرضين من الطهارة المائية حينئذ فلا موضوع للتيمم فيبطل لا محالة.

(127) لإلزام العقل بحفظ غرض المولى و الاهتمام به مهما أمكن، فهذا الوجوب عقليّ، و يمكنه الغسل و حفظ غرض المولى بهذا التيمم الذي يلزمه العقل به و يمكن أن يكون مقدميا شرعيا للاغتسال، و الإشكال عليه بأنّه يلزم على الأخير مقدمية الغسل للغسل. مدفوع: باختلاف الجهة فمن حيث إنّه طهارة ترابية مقدمية، و من حيث الطهارة المائية تكون ذي المقدمة و اختلاف الجهة يكفي في رفع الغائلة. و منه تظهر الخدشة فيما جزم به بعض مشايخنا و تبعه بعض الأعاظم (قدّس سرّهم) من الجزم بأنّه فاقد الماء فيتيمم.

ص: 372

إنّما يبيح خصوص هذا الفعل (128)- أي الدخول و الأخذ، أو الدخول و الاغتسال- و لا يرد الإشكال بأنّه يلزم من صحته بطلانه، حيث إنّه يلزم منه كونه واجدا للماء فيبطل كما لا يخفى (129).

مسألة 36: لا يجوز التيمم مع التمكن من استعمال الماء إلا في موضعين
اشارة

(مسألة 36): لا يجوز التيمم مع التمكن من استعمال الماء إلا في موضعين:

أحدهما: لصلاة الجنازة

أحدهما: لصلاة الجنازة، فيجوز مع التمكن من الوضوء أو الغسل على المشهور (130) مطلقا، لكن القدر المتيقن صورة خوف

______________________________

(128) لأنّه بمجرد التيمم يصير واجدا للماء و متمكنا من استعماله عرفا فلا موضوع للتيمم بالنسبة إلى سائر الغايات، و لا ريب في أنّه غير ما تقدم في التيمم لضيق الوقت، لما تقدم من أنّه لا قصور في شمول الإطلاقات له من كل جهة، مع أنّ عمدة الدليل على وجوبه حكم العقل لأجل حفظ الغرض و لا يحكم العقل بأزيد من ذلك، و ليس مثل الأدلة اللفظية حتّى يؤخذ بإطلاقه من كلّ جهة.

(129) لأنّ الوجدان المبطل للتيمم إنّما هو الوجدان حين التيمم لا الوجدان بالتيمم و المقام من الثاني لا الأول، و الشك في شمول دليل الوجدان المبطل للمقام يكفي في عدم صحة التمسك به، كما هو واضح.

(130) للإجماع المدعى عن جمع، و لإطلاق موثق سماعة قال: «سألته عن رجل مرت به جنازة و هو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال عليه السّلام:

يضرب بيديه على حائط اللبن فليتيمم» (1).

و في مرسل حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الطامث تصلّي على الجنازة لأنّه ليس فيها ركوع و لا سجود، و الجنب يتيمم و يصلّي على الجنازة» (2).

ص: 373


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

فوت الصلاة منه لو أراد أن يتوضأ أو يغتسل (131). نعم، لما كان الحكم استحبابيا يجوز أن يتيمم مع عدم خوف الفوت أيضا، لكن برجاء المطلوبية، لا بقصد الورود و المشروعية.

الثاني: للنوم

الثاني: للنوم، فإنّه يجوز أن يتيمم مع إمكان الوضوء أو الغسل على المشهور أيضا مطلقا (132). و خص بعضهم بخصوص الوضوء.

______________________________

(131) لأنّه المنساق من الأدلة اللفظية عند المتشرعة، و المتيقن من الإجماع، و عن الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل تدركه الجنازة و هو على غير وضوء، فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة. قال عليه السّلام:

يتيمم و يصلّي» (1).

و به يقيد الإطلاق على فرض ثبوته، مع أنّ كون التيمم بدلا اضطراريا لا يصح إلّا عند عدم التمكن من الطهارة المائية من القرينة المحفوفة لا وجه معها من التمسك بإطلاق الأخبار و الكلمات.

(132) لمرسل الفقيه عن الصادق عليه السّلام: «من تطهّر ثمَّ آوى إلى فراشه بات و فراشه كمسجده، فإن ذكر أنّه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان لم يزل في صلاة ما ذكر اللّه» (2).

و مورده الحدث الأصغر، و لذا خصه بعضهم به، و التعميم مبنيّ على جريان قاعدة التسامح بالنسبة إلى فتوى المشهور أيضا حتّى في المقام الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا ينام المسلم و هو جنب و لا ينام إلّا على طهور فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد» (3).

الظاهر في اعتبار فقد الماء في صحة التيمم فيه أيضا. و تقدم حكم ما يتعلق

ص: 374


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة حديث: 3.

و لكن القدر المتيقن من هذا أيضا صورة خاصة، و هي: ما إذا آوى إلى فراشه فتذكر أنّه ليس على وضوء فيتيمم من دثاره، لا أن يتيمم قبل دخوله في فراشه متعمدا مع إمكان الوضوء. نعم، هنا أيضا لا بأس به لا بعنوان الورود بل برجاء المطلوبية، حيث إنّ الحكم استحبابي.

و ذكر بعضهم موضعا ثالثا: و هو ما لو احتلم في أحد المسجدين فإنّه يجب أن يتيمم للخروج و إن أمكنه الغسل، لكنّه مشكل، بل المدار على أقلية زمان التيمم أو زمان الغسل أو زمان الخروج، حيث إنّ الكون في المسجدين جنبا حرام فلا بدّ من اختيار ما هو أقل زمانا من الأمور الثلاثة، فإذا كان زمان التيمم أقلّ من زمن الغسل يدخل تحت ما ذكرنا من مسوّغات التيمم من أنّ من موارده ما إذا كان هناك مانع شرعيّ من استعمال الماء، فإنّ زيادة الكون في المسجدين مانع شرعيّ من استعمال الماء.

مسألة 37: إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفيه لوضوئه أو غسله

(مسألة 37): إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفيه لوضوئه أو غسله، و أمكن تتميمه بخلط شي ء من الماء المضاف الذي لا يخرجه

______________________________

بالموضع الثالث في [المسألة 1] من (فصل ما يحرم على الجنب) فراجع.

ثمَّ إنّه لا تنحصر صحة التيمم مع وجود الماء بما نسب إلى المشهور، بل قد تقدم في بعض صور الخامس من المسوغات و بعض موارد الحرج و الضرر إن تحملهما فراجع.

(فرع): لو تيمم في الموردين بزعم وجود الماء فظهر فقده حين التيمم يصح تيممه و يجوز معه الإتيان بما هو مشروط بالطهارة، لإطلاق أدلة تشريعه مع فقد الماء، هذا مع الضيق، و أما مع السعة فالمسألة من صغريات البدار.

و أما لو كان واجدا للماء حين التيمم ثمَّ بعد الفراغ منه فقد الماء، فهل يصح إتيان الغايات المشروطة بالطهارة به؟ وجهان.

ص: 375

عن الإطلاق، لا يبعد وجوبه (133)، و بعد الخلط يجب الوضوء أو الغسل و إن قلنا بعدم وجوب الخلط لصدق وجدان الماء حينئذ.

______________________________

(133) لصدق وجدان الماء و التمكن من استعماله، لأنّهما أعمّ من أن يكونا بلا واسطة أو معها. و دعوى الانصراف عن مثل الفرض ممنوع.

تلخيص: ظهر من جميع ما مرّ أنّ مورد تشريع التيمم إنّما هو عدم التمكن من استعمال الماء عقلا أو شرعا أو عرفا، و جميع الموارد الثابتة المذكورة في كتب الفقهاء (قدّس سرّهم) من صغريات هذه الكبرى الكلية.

ص: 376

فصل في بيان ما يصح به التيمم

اشارة

(فصل في بيان ما يصح به التيمم) يجوز التيمم على مطلق وجه الأرض على الأقوى (1)، سواء كان (فصل في بيان ما يصح التيمم به)

______________________________

(1) لإطلاق الكتاب و السنّة المشتمل على لفظ الصعيد- و هو مطلق وجه الأرض- و عن جمع دعوى الإجماع عليه. و البحث في المقام تارة: بحسب كلمات اللغويين، و أخرى، بحسب الاستظهار عن الأدلة، و ثالثة: بحسب كلمات الفقهاء، و رابعة: بحسب الأصل العملي.

أما الأول: فقد نسب أنّ الصعيد مطلق وجه الأرض إلى أئمة اللغة تارة، و إلى فضلاء أهل اللغة أخرى، و عن الزجّاج: «لا أعلم خلافا بين أهل اللغة في أنّ الصعيد مطلق وجه الأرض». و عورض ذلك بما نقل عن كثير من أهل اللغة أنّه خصوص التراب.

و فيه: أنّ الظاهر، بل المقطوع به أنّ التفسير بخصوص التراب، لكونه أظهر أفراد الصعيد و أشيعها مرادا منه عند الاستعمال لا أنّه معناه الحقيقي فقط، و يشهد له أنّهم لم يختلفوا في أنّ معنى الصعيد في سائر موارد استعمالاته مطلق وجه الأرض، كقوله تعالى فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (1)، و قوله تعالى وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (2) و قوله عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة جمع اللّه عزّ و جلّ الناس في صعيد واحد و وضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء» (3).

ص: 377


1- سورة الكهف: 40.
2- سورة الكهف: 8.
3- الوافي ج: 1 ص: 40.

.....

______________________________

و أما الثاني: فالأخبار الواردة في التيمم تشتمل على لفظ الأرض، و هي مستفيضة، بل متواترة في أبواب متفرقة كالنبوي المشهور: «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» (1).

و قوله عليه السّلام: «إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض» (2).

و تشتمل أيضا على لفظ الصعيد كخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يكون معه اللبن أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، إنّما هو الماء و الصعيد» (3).

و قوله عليه السّلام في خبر ابن مطر بالطين: «نعم صعيد طيب و ماء طهور» (4).

كما تشتمل على لفظ التراب كقوله عليه السّلام في الصحيح: «إنّ اللّه جعل التراب طهورا، كما جعل الماء طهورا» (5).

و مقتضى الصناعة تقييد الأوليين بالأخير فلا يصح التيمم بغير التراب اختيارا. و لكن كون الحكم تسهيليا امتنانيا، و احتمال أنّ ذكر خصوص التراب في جملة من الأخبار من باب أنّه أظهر الأفراد و أفضلها؟ و سياق جملة من الأخبار يمنع عن هذا التقييد و كيف يقيد قول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «ربّ الماء هو ربّ الأرض».

و قوله عليه السّلام في صحيح ابن أبي يعفور: «ربّ الماء هو ربّ الصعيد» (6).

و قوله عليه السّلام: «إنّما هو الماء و الصعيد» (7).

ص: 378


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب التيمم حديث: 4.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم حديث: 6.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 6.
5- الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم حديث: 1.
6- الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم حديث: 6.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم حديث: 6.

.....

______________________________

و قول الصادق (عليه السّلام): «جعل له (صلّى اللّه عليه و آله) الأرض مسجدا و طهورا»(1).

و قول علي (ع): في خبر السكوني حيث سئل عن التيمم بالجص فقال (ع): «نعم فقيل بالنورة؟ فقال: نعم فقيل بالرماد؟ فقال (ع): لا، إنه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر» (2).

و تقييده بالنسبة إلى الجص و النورة بما قبل الإحراق- على القول بعدم الجواز فيها بعده- لا يضر بالاستدلال. فيكون ذكر التراب في جملة من الاخبار من باب أفضل الأفراد، هذا مع وهنها باعراض المشهور، فلا بصلح للتقييد من هذه الجهة أيضا.

و أما الثالث فنسب الى جمع من القدماء و منهم السيد (ره) عدم جواز التيمم بغير التراب، و استدل عليه بالإجماع تارة. و بالأخبار المشتملة على لفظ التراب اخرى.

و بما عن جمع من اللغويين من تفسير الصعيد بالتراب ثالثة.

و بالنبوي قال اللّه تعالى: «جعلت لك و لأمتك الأرض كلها مسجدا و ترابها طهورا» (3) رابعة.

و بقوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ (4)خامسة.

و بما دل على اعتبار العلوق سادسة.

و الكل مخدوش: إذ لا وجه للإجماع مع الشهرة على الخلاف، بل دعوى

ص: 379


1- الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب التيمم حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 4.
4- سورة المائدة: 6.

.....

______________________________

الإجماع عليه، و ذكر خصوص التراب لبيان أفضل الأفراد بقرينة سائر أخبار الباب، كما أن تفسير بعض اللغويين للصعيد به من باب أظهر الأفراد عرفا، و لم يذكر لفظ التراب في النبوي المنقول في كتب الأحاديث، بل المنقول فيها «و جعل له الأرض مسجدا و طهورا» و يستفاد منه أن الأرض التي يصح السجود عليها هي بعينها تكون طهورا، و لا ريب في جواز السجود على مطلق الأرض، فكذلك التيمم. و انما ذكر التراب في كتب الفقهاء، و على فرض الاعتبار يكون ذكر لفظ التراب من باب أفضل الافراد، و كلمة (من) في الآية الكريمة للابتداء و المنشائية أي: فامسحوا بوجوهكم ناشئا من ضرب أيديكم على الأرض، كما يمسح الناس بأيديهم على وجوههم بعد وضعها على المتبركات كالمصحف الشريف و الكعبة المشرفة و الضرائح المقدسة و نحو ذلك من المقدسات. و لا دليل على اعتبار العلوق.

نعم هو مستحب كما يأتي في مسألة 8 من الفصل اللاحق. و على فرض اعتباره فيمكن أن يكون على غير التراب من أقسام الأرض غبار يعلق باليد، بل الحجر المسحوق يعلق باليد قطعا.

و أمسا خبر رفاعة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه، فان ذلك توسيع من اللّه عز و جل، قال: فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي ء مغبر، و إن كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس أن يتيمم منه».

فهو و أمثاله من أدلة اعتبار العلوق و سيأتي عدم اعتباره، و يأتي في مسألة 11 ما ينفع المقام.

و قد يستدل بما دل على استحباب النفض كما يأتي في مسألة 8 من الفصل اللاحق.

و فيه: إنّه أعم من المدعي فلا يصلح للتأييد فضلا عن الاستدلال به.

و أما الرابع فالمقام من موارد الشك في الشرطية و قد ثبت في محله إنه من مجاري البراءة لا الاشتغال.

ص: 380

و إن كان حجر الجص و النورة قبل الإحراق (2). و أما بعده فلا يجوز على الأقوى (3). كما إن الأقوى عدم الجواز بالطين المطبوخ كالخزف و الآخر و إن كان مسحوقا مثل التراب.

______________________________

فظهر من جميع ما ذكرناه جواز التيمم على مطلق الأرض، لأنه تفضل و امتنان و توسعة، فتقتضي التوسعة في متعلقة أيضا، فكما أن مطهرية الماء لا يختص بقسم دون آخر بل تعم جميع المياه، فكذا في بدله.

(2) لإطلاق الأرض و الصعيد على الجميع و إن كان التراب أفضل كما تقدم، و يأتي.

ثمَّ إنه لا فرق الحجر بين اقسامه من الأبيض و الأسود و غيرهما إذا صدق عليه الحجر عرفا. نعم الأحجار الكريمة لا يصح التيمم بها، لخروجها عن اسم الأرض و لو شك في صدق الحجر على شي ء، فمع صدق الأرض يصح التيمم به إلا إذا كانت الحالة السابقة عدم الجواز و الأحجار المصنوعة الحدثية نتبع موادها، فمع جواز السجود عليها يجوز على المصنوع منها و الا فلا يجوز.

(3) نسب ذلك الى الأكثر. و لكن مقتضى الإطلاقات و العمومات و الاستصحاب و ما تقدم من إطلاق قول علي (ع) في خبر السكوني (1) هو الجواز، إلا إذا ثبت الاستحالة و الخروج عن اسم الأرض عرفا.

و أشكل على الإطلاقات و العمومات بالانصراف الى غير مثل الجص، و على الاستصحاب إنّه من استصحاب المفهوم المردد إن كان من استصحاب الأرضية، و تعليقيا إن كان من استصحاب جواز التيمم قبل الإحراق. و على الخبر إنه موهون بالاعراض.

و يمكن النظر في الجميع، لان الانصراف في مثل المقام بدوي لبعض الشبهات الحاصلة.

ص: 381


1- تقدم في صفحة: 379.

و لا يجوز على المعادن (4) كالملح و الزرنيخ و الذهب و الفضة و العقيق و نحوها مما خرج عن اسم الأرض. و مع فقدها ذكر من وجه الأرض يتيمم بغبار الثوب أو اللبد أو عرف الدابة و نحوها مما فيه غبار (5) ان لم يمكن جمعه

______________________________

و المستصحب في الأول ذات الأرض بعنوان الطبيعة المهملة فلا وجه للتردد المفهومي فيه، كما أن استصحاب جواز التيمم عليه ليس تعليقيا، لان المستصحب هذه الذات الموجودة في الحالين، و على فرض كونه تعليقيا، قد أثبتا اعتباره.

و الاعراض بالنسبة الى الخبر غير ثابت كيف و قد عمل به جمع، و القول في الخزف و الآجر عين القول في الجص و النورة، و قد تأمل (ره) في تحقق الاستحالة في الخزف و الآجر، فراجع كتاب الطهارة، فلما ذا تأمل هناك و جزم بالعدم في المقام و في مسجد الجبهة مع أن مدرك المسائل الثلاثة واحد؟!

(4) إجماعا لصحة سلب اسم الأرض عنها، و يقول علي (ع) في علة عدم جواز التيمم بالرماد: «لأنه ليس مما يخرج من الأرض»(1) لا يدل على أن كل ما يخرج من الأرض يصح التيمم به، لأنه (ع) ليس في مقام بيان العلة التامة المنحصرة للحكم من كل جهة، بل يبين (ع) بعض الحكم و المقتضيات في الجملة. و الا لجاز التيمم بالنباتات كلها و على فرض الظهور في العلية المنحصرة أسقطه عن الاعتبار إجماع الأصحاب على الخلاف.

(5) نصوصا و إجماعا، ففي صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (ع):

أ رأيت المواقف، إن لم يكن على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟ قال (ع): يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فان فيها غبارا و يصلي» و عن أبي جعفر (ع) قال: «إن كان اصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتمم

ص: 382


1- تقدم في صفحة: 379.

.....

______________________________

من غباره أو من شي ء معه، و إن كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس أن يتيمم منه» (1).

و عن الصادق عليه السّلام في صحيح رفاعة «فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي ء مغبر، و إن كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس أن يتيمم منه» (2).

و عنه (ع) أيضا في صحيح أبي بصير «إذا كنت في حال لا تقدر الا على الطين فتيمم به فان اللّه اولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه و تتيمم به»(3) الى غير ذلك من الأخبار.

و يمكن الاستدلال بالإطلاقات أيضا، إذ الغبار مرتبة من التراب إلا إنه قام الإجماع على أنه مع التمكن من بعض مراتبه لا تصل النوبة إلى المرتبة الضعيفة التي هي الغبار، و ظهور الاخبار فيترتب الغبار على فقد التراب امما لا ينكر.

فلا وجه لما نسب الى السيد (ره) و غيره من كونه في عرضه، و يمكن أن يكون نظرهم الى ما إذا كان الغبار كثيرا مجتمعا بحيث يصدق التراب عليه عرفا، و لا ريب أنه في عرض الأرض كما إن ظهور تلك الأخبار في ترتب الطين على فقد التراب كذلك أيضا.

و أما خبر زرارة عن أحدهما (عليه السلام) «فيمن دخل أجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع؟، قال (عليه السلام) يتيمم فإنه الصعيد، قلت: فإنه راكب و لا يمكنه النزول من خوف و ليس هو على وضوء قال (عليه السلام): ان خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتمم، يضرب بيده على اللبد أو البرذعة و يتيمم و يصلي»(4).

فلا يعارض ما سبق بتقديم الطين على الغبار، كما نسب الى المهذب، لقصور سنده، و إجمال متنه، و اعراض الأصحاب عنه على فرض عدم الاجمال.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق ما تقدم من الاخبار عدم الفرق فيما فيه الغبار بين

ص: 383


1- الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 5.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 2.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 4 7.

ترابا بالنفض، و إلا وجب (6)، و دخل في القسم الأول. و الأحوط اختيار ما غباره أكثر (7). و مع فقد الغبار يتيمم بالطين (8) إن لم يمكن تجفيفه، و الا وجب (9) و دخل في القسم الأول. فما يتيمم به له مراتب ثلاث:

(الأولى): الأرض مطلقا غير المعادن. (الثانية): الغبار. (الثالثة): الطين.

و مع فقد الجميع يكون فاقد للطهورين، و الأقوى فيه سقوط الأداء و وجوب القضاء (10).

______________________________

كون غباره ظاهرا أو باطنا بعد صدق أن فيه الغبار، و يمكن استظهار كفاية الأخير، فإن حركه الدابة توجب سقوط غبار الظاهر و لكن الأحوط في الأخير هو الجمع بين التيمم به و التيمم بالطين و لا يترك هذا الاحتياط.

(6) لأنه متمكن من تحصيل التراب، فيشمله جميع اخبار الباب.

(7) و تشهد له قاعدة الميسور، و المرتكزات في الجملة، الا أن يدفع بإطلاق الأخبار المتقدمة. الا أن يقال بعدم كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهة حتى يصح التمسك بإطلاقها. و منشأ الاحتياط صحة التمسك بالإطلاق و عدمه، و على الأول لا يجب بخلاف الأخير.

(8) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها.

(9) لتمكنه من التراب حينئذ، فتشمله الإطلاقات و العمومات. و ما تقدم في قول أحدهما (ع): «فإنه الصعيد» (1) لم يرد به الإطلاق حتى مع التمكن من التراب، لان تشريع التيمم بالطين انما هو في ظرف العذر، كما تقدم فيقوله (ع):

«إذا كنت في حال لا تقدر الا على الطين فتيمم منه فان اللّه اولى بالعذر» (2).

و بالجملة: هو في المرتبة الثالثة لا تصل النوبة الى كل مرتبة لاحقة مع التمكن من سابقتها.

(10) نسب كل منهما الى المشهور، و هو أحد المحتملات بل الأقوال.

ص: 384


1- تقدم في صفحة 383.
2- تقدم في صفحة: 382.

.....

______________________________

و الثاني: سقوط كل منهما. و الثالث: ثبوتهما معا. و الرابع: ثبوت الأداء فقط.

و استدل للأول بالنسبة إلى سقوط الأداء بقاعدة: «انتفاء المشروط بانتفاء شرطه» الا أن يدل دليل على الخلاف و هو مفقود في المقام، مع ان سقوطه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه خلافا، كما في المدارك و يقتضيه إطلاق قولهم (ع): «لا صلاة إلا بطهور (1)، و لا دليل على الخلاف الا احتمال كون الطهارة الحديثة من الشرائط الاختيارية، كالستر و القبلة و باقي شروط الصحة، فتجري قاعدة الميسور حينئذ، مضافا إلى ما ورد من أنه «لا تسقط الصلاة بحال» (2).

و الأول خلاف ظاهر قوله (ع) «لا صلاة إلا بطهور» الظاهر في ان الصلاة مع الطهارة و بدوها حقيقتان مختلفتان، فلا تجري قاعدة الميسور، خصوصا مع ذهاب الأصحاب إلى الخلاف، و وجوب الإتيان بالصلاة مع باقي الشرائط ثبت بدليل خاص و هو مفقود في المقام.

و قولهم «لا تسقط الصلاة بحال» لم نجده خبرا منقولا و مجمل دلالة، لاحتماله بل ظهوره في الابدال الاضطرار به التي ورد الدليل فيها على البدلية- كالقيام و القعود و الاضطجاع و الإيماء و نحوها- لا فيما لم يرد دليل عليه، مع إنه يكفى وجوب القضاء في انطباقه على المقام في الجملة.

نعم في صحيح زرارة الوارد في تجاوز دم النفاس عن عادة الحيض «لا تدع الصلاة بحال، فإن النبي (ص) قال: الصلاة عماد دينكم» (3) و لا ربط له بقضية «لا تسقط الصلاة بحال» لاختصاص صدره بمورده، و ذيله ترغيب إلى الصلاة و هو أعم من الإتيان بها مع فقد الشرط.

و أما وجوب القضاء فلا اشكال فيه، لعموم ما دل عليه بلا مخصص له في المقام، و لا دليل على تبعية القضاء للتكليف بالأداء حتى يقال بأنه مع سقوط الأداء لا وجه للقضاء لانتقاض ذلك- كما في الناسي- بل الحق إن التوقيت في الصلاة من

ص: 385


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- هذه الجملة اصطيادية من جملة من الاخبار منها ما ورد في الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5 و غيره.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

.....

______________________________

باب تعدد الطلب فيجب إتيان الفرائض مطلقا، و خصوصية التوقيت لوقت خاص واجب آخر، فلا وجه للقول الثاني المبني على تبعية القضاء للتكليف بالأداء.

و كذا القول الثالث و الرابع إذ لا دليل على وجوب الأداء، بل ظاهر الدليل عدمه.

و ما يقال: من أن مقتضى العلم الإجمالي بوجوب أحدهما هو الإتيان بهما معا مدفوع: بأن ظاهر قوله (ع): «لا صلاة إلا بطهور» سقوط الأداء ما لم يكن دليل على الخلاف، فلا وجه لدعوى العلم الإجمالي حينئذ، و يشهد للمقام قاعدة «كلما غلب اللّه على العباد فهو اولى بالعذر» و لا بأس بالإشارة الى هذه القاعدة التي هي من القواعد الامتنانية التي يفتح كل باب منها ألف باب» كما قاله الصادق (ع) فيخبر موسى بن بكر (1).

و البحث فيها من جهات:

و الاولى: في مدرك القاعدة، و يمكن الاستدلال لها بالأدلة الأربعة:

أما الكتاب فقوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها (2).

و قوله تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (3).

و قوله تعالى يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (4) فان ثبوت التكليف مع كون المكلف معذورا بالنسبة إليه عذرا مقبولا شرعا مخالف لجميع تلك الآيات.

و من العقل قبح التكليف بشي ء مع كون المكلف به معذورا بالنسبة إليه عذرا صحيحا و مقبولا، و صدور القبيح محال بالنسبة إليه تعالى.

و من الإجماع إجماع الإمامية بل المسلمين على سقوط التكليف عند صحة اعتذار المكلف على تركه و سقوطه.

و من السنة بأخبار مستفيضة منها ما رواه مرازم في الصحيح قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن:

ص: 386


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 9.
2- البقرة: 286.
3- الحج: 78.
4- البقرة: 185.

.....

______________________________

المريض لا يقدر على الصلاة، قال: فقال عليه السّلام: كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر»(1).

و في صحيح ابن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلّ ما غلب اللّه عليه فليس على صاحبه شي ء» (2).

و في صحيح عليّ بن مهزيار عن أبي الحسن الثالث عليه السّلام: «كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر» (3).

و نحوه في صحيح حفص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4)، و في صحيح الفضل عن الرضا عليه السّلام قال: «كلّ ما غلب اللّه على العبد فهو أعذر له» (5).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر موسى بن بكر قال: «كلّ ما غلب اللّه عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده» (6).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة.

الجهة الثانية: في المراد بالعذر، و الظاهر أنّ المرجع في تشخيصه العرف لو لم يرد فيه تحديد من الشرع، لقاعدة: «أنّ المرجع هو العرف فيما لم يرد فيه تقييد و تحديد من الشارع» فكلّما كان عذرا عرفيا لم يرد فيه قيد و شرط من الشرع فهو داخل في هذه القاعدة، و يدل على ذلك مكاتبة عمر بن أذينة قال: «كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه، و المرض الذي يدع صاحبه الصلاة قائما؟ قال عليه السّلام: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، و قال: ذاك إليه هو أعلم بنفسه» (7).

و صحيح زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حدّ المرض الذي يفطر فيه الصائم، و يدع الصلاة من قيام؟ فقال: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ هو

ص: 387


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 16.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 24.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 13.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 7.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 8.
7- الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 1.

.....

______________________________

أعلم بما يطيقه» (1).

و في صحيح جميل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام ما حدّ المرض الذي يصلّي صاحبه قاعدا؟ فقال: إنّ الرجل ليوعك و يحرج، و لكنّه أعلم بنفسه إذا قوي فليقم» (2).

و موثق سماعة قال: «سألته ما حدّ المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر من كان مريضا أو على سفر؟ قال: هو مؤتمن عليه مفوّض إليه، فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد قوة فليصمه كان المرض ما كان» (3).

الجهة الثالثة: في أنّ هذه القاعدة هل تشمل الأعذار التي تحصل بالاختيار، أو تختص بالأعذار غير الاختيارية؟ قد يقال: إنّ مقتضى الجمود على قوله عليه السّلام: «كلّما غلب اللّه على عباده فهو أولى بالعذر» الأخير، لأنّه أضيف فيه الفعل إلى اللّه تعالى المنساق منه الأعذار الحاصلة بغير اختيار خصوصا مع ملاحظة ذكر الإغماء و المرض فيها الذي يكون بغير اختيار.

و لكنه مخدوش: لعدم إحراز كون هذه الجملة من العلة التامة المنحصرة حتّى يثبت لها المفهوم، و على فرض كونها كذلك فلا ريب في أنّ الإغماء و المرض و جميع العلل و الحوادث مستندة إلى أسباب طبيعية جعلها اللّه تعالى سببا لحصول هذه الأمور فلا يحصل إغماء و لا مرض بلا سبب، كما ورد في الحديث: «أبى اللّه تعالى أن يجري الأمور إلّا بأسبابها» فالسبب في حاق الواقع مستند إلى اللّه تعالى.

نعم، يمكن كونها منصرفة إلى الأسباب غير الاختيارية. و إن أمكن القول بمنع الانصراف في الحكم التسهيلي الامتناني، لأنّ مقتضاهما التعميم مطلقا.

إن قلت: هناك أخبار كثيرة تدل على القضاء في مورد الإغماء(4) فيجمع

ص: 388


1- الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 3.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات.

و إن كان الأحوط الأداء أيضا (11)، و إذا وجد فاقد الطهورين ثلجا أو جمدا، قال بعض العلماء بوجوب مسحه على أعضاء الوضوء أو الغسل، و إن لم يجر (12)، و مع عدم إمكانه حكم بوجوب

______________________________

بينهما بحمل ما يظهر منه العدم على ما إذا كان بغير اختيار. و أما العذر الحاصل بالاختيار يبقى تحت قاعدة الاشتغال من دون حاكم عليها. و لذا فصل جمع بين الإغماء الحاصل بالاختيار، و الحاصل بغيره.

قلت: هذا الحمل بلا شاهد، مع أنّ بناءهم في مثل هذه الأخبار المتعارضة حملها على الاستحباب، و لذا نسب إلى المشهور عدم وجوب القضاء و لو حصل الإغماء بالاختيار. نعم، ظاهرهم التسالم على القضاء في السكران مطلقا، و يأتي التفصيل في بحث قضاء الصلاة، و كتاب الحدود عند بيان: أنّه لو فعل السكران في حال سكره ما يوجب الحد.

(11) خروجا عن خلاف من أوجبه، و عملا بالعلم الإجمالي الموهون الصالح للاحتياط.

(12) نسب ذلك إلى جملة من الكتب منها المبسوط و الوسيلة، و هو موافق لعمومات الوضوء و إطلاقاته إن قلنا فيه بكفاية مجرد التدهين بالماء كالتدهين بالدهن، لإطلاق قوله عليه السّلام: «إنّما يكفيه مثل الدهن» (1).

و أما مع عدم الاكتفاء به، فإن حصل بدلك الثلج و الجمد على الأعضاء جريان الماء في الجملة لحرارة البدن و نحوه فهو وضوء صحيح يجزي في حال الاختيار أيضا و إن لم يحصل ذلك أيضا، فلا دليل لهم عليه. و غاية ما يمكن أن يستدل به لهم أمران:

الأول: قاعدة الميسور. و فيه: أنّ مقتضاها تقديمه على التراب لا اشتراطه بفقد الطهورين.

ص: 389


1- الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 1.

.....

______________________________

الثاني: قول أبي جعفر عليه السّلام: «إذا مسّ جلدك الماء فحسبك» (1).

و قوله عليه السّلام أيضا: «يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما بلت (ملئت) يمينك» (2).

و قوله عليه السّلام في جواب من قال: «لا نجد إلّا ماء جامدا، فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال: نعم» (3).

و قوله عليه السّلام فيمن لا يجد إلّا الثلج قال: «يغتسل بالثلج أو ماء النهر» (4).

و فيه: أنّ الأول في مقام بيان الترغيب إلى عدم الإسراف بماء الوضوء و الاكتفاء بمسمّى الغسل، و مع وجود التراب و الثلج أو الجمد لا بدّ من الجمع بين التيمم و التوضي بأحدهما إن شككنا في كفاية التوضي به و ليس متعرضا للوضوء بالثلج أو الجمد. و لو كان متعرضا له لدل على كفاية ذلك اختيارا أيضا كما أنّ مقتضى الأخيرين تقديم ذلك على التيمم حتّى مع وجود التراب، كما يشهد له صحيح ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا أيّهما أفضل؟ أ يتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: الثلج إذا بلّ رأسه و جسده أفضل، فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم» (5).

فمثل هذه الأخبار لا دلالة في شي ء منها- على ما عن بعض العلماء من أنّ فاقد الطهورين إن أصاب ثلجا أو جمدا و أمكنه المسح به على أعضائه فعل ذلك- خصوصا مع الوهن بإعراض المشهور، فلا بدّ من العمل بإطلاقات الأدلة

ص: 390


1- الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب التيمم حديث: 2.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب التيمم حديث: 1.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب التيمم حديث: 3.

التيمم بهما (13).

و مراعاة هذا القول أحوط (14)، فالأقوى لفاقد الطهورين كفاية القضاء، و الأحوط ضم الأداء أيضا، و أحوط من ذلك مع وجود الثلج المسح به أيضا. هذا كلّه إذا لم يمكن إذابة الثلج أو مسحه على وجه يجري و إلّا تعيّن الوضوء أو الغسل (15) و لا يجوز معه التيمم أيضا.

مسألة 1: و إن كان الأقوى- كما عرفت- جواز التيمم بمطلق وجه الأرض، إلّا أنّ الأحوط

(مسألة 1): و إن كان الأقوى- كما عرفت- جواز التيمم بمطلق وجه الأرض، إلّا أنّ الأحوط

______________________________

و عموماتها، و قد عرفت أنّ مفادها سقوط الأداء و وجوب القضاء.

(13) نسب التيمم بالثلج بعد فقد التراب إلى جمع- منهم العلامة في القواعد و السيد في المفتاح- و لا دليل لهم على ذلك إلّا تنزيل الثلج منزلة التراب من غير دليل عليه إلّا ما يأتي من صحيح ابن مسلم. هذا حكم أصل التيمم بالثلج، و أما الجمع بينه و بين التيمم بالتراب، فهو أيضا مخدوش لأنّه إن كان المدرك فيه قولهم: «لا تسقط الصلاة بحال»، أو استصحاب بقاء التكليف بها، فلا يكون ذلك مشرّعا للتيمم بغير التراب في مقابل الأدلة الحاصرة للطهور في الماء و الصعيد (1). و إن كان صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألت عن رجل أجنب في سفر و لم يجد إلّا الثلج أو ماء جامدا فقال عليه السّلام: هو بمنزلة الضرورة يتيمم، و لا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي يوبق دينه» (2).

فهو ظاهر في التيمم بالتراب لا الثلج.

(14) لأنّه جمع بين التيمم بالتراب و بالثلج لاحتمال تعلق التكليف بالثلج أيضا.

(15) لتمكنه حينئذ من استعمال الماء، فتشمله أدلة وجوب الطهارة

ص: 391


1- راجع الوسائل باب: 3 و باب 23 من أبواب التيمم.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 9.

مع وجود التراب عدم التعدي عنه (16)، من غير فرق فيه بين أقسامه، من الأبيض و الأسود و الأصفر و الأحمر (17)، كما لا فرق في الحجر و المدر أيضا بين أقسامهما (18).

و مع فقد التراب الأحوط الرمل ثمَّ المدر، ثمَّ الحجر (19).

مسألة 2: لا يجوز في حال الاختيار التيمم على الجص المطبوخ و الآجر و الخزف

(مسألة 2): لا يجوز في حال الاختيار التيمم على الجص المطبوخ و الآجر و الخزف (20) و الرماد و إن كان من الأرض لكن في حال الضرورة بمعنى: عدم وجدان التراب و المدر و الحجر الأحوط الجمع (21)- بين التيمم بأحد المذكورات ما عدا رماد الحطب و نحوه-

______________________________

المائية، لوجود المقتضي و فقد المانع.

(16) خروجا عن خلاف من قال بتعينه.

(17) للإطلاق، و الاتفاق الشامل للجميع.

(18) لإطلاق الصعيد على الجميع بلا فرق بين الحجر الأسود و الأبيض و المرمر و نحوها.

(19) أما الأول، فلكونه أقرب إلى التراب عرفا، بل هو نوع منه كما عن بعض أهل اللغة. و أما الأخير، فهو الطين اليابس المعبّر عنه في الفارسية ب (كلوخ) و لم يستشكل أحد في كونه ترابا و يظهر ذلك أيضا من إطلاقهم صحة التيمم بالحائط المبنيّ بالطين، كما يأتي في المسألة التالية.

(20) بلا إشكال فيه بناء على الاستحالة، لعدم صدق الأرض حينئذ.

و أما بناء على عدمها أو الشك فيها، فلا إشكال في الجواز للإطلاق في الأول، و الاستصحاب في الثاني و قد تقدم في أول الفصل بعض الكلام. و أما الرماد، فلا يجوز مطلقا، لخروجه عن اسمها و إن كان رماد التراب إن لم يصدق عليه التراب، و أما مع الصدق فيجوز للإطلاق و كذا مع الشك فيه، للأصل.

(21) جمعا بين الأقوال و تحرزا عن مخالفة بعضها.

ص: 392

و بالمرتبة المتأخرة من الغبار أو الطين، و مع عدم الغبار و الطين الأحوط التيمم بأحد المذكورات و الصلاة ثمَّ إعادتها أو قضاؤها.

مسألة 3: يجوز التيمم حال الاختيار على الحائط المبنيّ بالطين و اللبن و الآجر

(مسألة 3): يجوز التيمم حال الاختيار على الحائط المبنيّ بالطين و اللبن و الآجر إذا طلي بالطين (22).

مسألة 4: يجوز التيمم بطين الرأس

(مسألة 4): يجوز التيمم بطين الرأس و إن لم يسحق و كذا بحجر الرّحى، و حجر النار، و حجر السن، و نحو ذلك، لعدم كونها من المعادن الخارجة عن صدق الأرض و كذا يجوز التيمم بطين الأرمني (23).

مسألة 5: يجوز التيمم على الأرض السبخة

(مسألة 5): يجوز التيمم على الأرض السبخة إذا صدق كونها أرضا بأن لم يكن علاها الملح (24).

مسألة 6: إذا تيمم بالطين، فلصق بيده يجب إزالته أولا

(مسألة 6): إذا تيمم بالطين، فلصق بيده يجب إزالته أولا ثمَّ

______________________________

(22) لصدق التراب عليه بلا ارتياب، و تقدم في [المسألة 36] من الفصل السابق قول الصادق عليه السّلام: «يضرب بيده على حائط اللبن، فليتيمم» (1).

(23) كلّ ذلك لصدق الأرض و الصعيد على الجميع و اختصاص بعضها بخصوصية خاصة لا يوجب سلب اسم الأرض، لصدق الجنس على الأنواع و الأصناف قطعا. و توهم أنّه مع وجود خاصية في طين الأرمني يصدق عليه المعدن باطل، إذ ليس وجود كلّ خصوصية موجبا لصدق المعدن لا لغة و لا عرفا و لا شرعا.

(24) لوجود المقتضي و فقد المانع، فيشمله الإطلاق بلا مدافع.

ص: 393


1- راجع صفحة 371.

المسح بها، و في جواز إزالته بالغسل إشكال (25).

مسألة 7: لا يجوز التيمم على التراب الممزوج بغيره

(مسألة 7): لا يجوز التيمم على التراب الممزوج بغيره من التبن أو الرماد أو نحو ذلك. و كذا على الطين الممزوج بالتبن فيشترط فيما يتيمم به عدم كونه مخلوطا بما لا يجوز التيمم به إلّا إذا كان ذلك الغير مستهلكا (26).

______________________________

(25) أما وجوب الإزالة، فلاعتبار المباشرة بين الماسح و الممسوح، كما يأتي في الشرط السادس من شرائط التيمم من الفصل اللاحق إلّا أن يدعى انصراف الحائل عن التراب الذي يتيمم به، فإنّه لا يعد من الحائل عرفا كما يأتي في [المسألة 2] من (فصل السجود) من إزالة الطين اللاصق بالجبهة في السجدة الأولى للسجدة الثانية. و يبقى سؤال الفرق بين المقام حيث جزم هنا بعدم الجواز و احتاط هناك مع أنّ المدرك في المسألتين واحد و أما الإشكال في الإزالة بالماء، فلإمكان دعوى أنّ المنساق من الأدلة أنّ لنفس الضرب على الأرض أثرا اعتباريا يحصل لليد لا بدّ و أن يمسح بهذا الأثر الاعتباري، و الغسل ينافي هذا الأثر الاعتباري و إن لم يعتبر بقاء الأثر الخارجي، و مقتضى المرتكزات أنّ النفض و المسح بالخرقة لا ينافي ذلك الأثر الاعتباري، نظير ذلك أنّ من تمسح بالمصحف الشريف أو بسائر المقدسات- مثلا- فغسل يده ثمَّ مسح بها وجهه لتبرك يده بمسح المصحف يستنكر ذلك العرف و يقولون كأنّه ذهب أثر التبرك بالغسل بالماء. و أما ما عن بعض في وجه الإشكال من أنّه بعد الغسل بأثر المسح لا يصدق الأرض، بل يصدق المسح بأثر الماء، فإن رجع إلى ما قلناه و إلّا لم يفهم المراد منه.

(26) الأقسام أربعة- الأول: أن يكون التراب غالبا و الخليط مستهلكا فيصح التيمم به، لصدق التراب عليه عرفا و استهلاك غيره فيه.

الثاني: أن يكون بالعكس و لا يصح التيمم، لصدق اسم الخليط عليه و استهلاك التراب فيه.

ص: 394

مسألة 8: إذا لم يكن عنده إلّا الثلج أو الجمد

(مسألة 8): إذا لم يكن عنده إلّا الثلج أو الجمد و أمكن إذابته وجب كما مرّ (27)، كما أنّه إذا لم يكن إلّا الطين و أمكنه تجفيفه وجب (28).

مسألة 9: إذا لم يكن عنده ما يتيمم به وجب تحصيله

(مسألة 9): إذا لم يكن عنده ما يتيمم به وجب تحصيله (29) و لو بالشراء أو نحوه.

______________________________

الثالث: أن يكونا متساويين و الظاهر عدم الإجزاء بناء على ما هو المنساق من الأدلة من استيعاب الكف لما يصح التيمم به.

و أما بناء على عدم لزوم الاستيعاب و كفاية المسمّى كما في وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فيجزي.

الرابع: أن يشك في أنّه من أيّ الأقسام، فإن كانت في البين حالة سابقة يرجع إليها و إلّا فالمرجع قاعدة الاشتغال إن لم يصدق عليه الأرض عرفا و مع صدقها عليه كذلك يصح، للإطلاقات و العمومات.

و منه يعلم حكم الإسمنت المخلوط بالرمل- و الموزاييك المخلوط بالحصاة- بناء على عدم جواز التيمم بالإسمنت، فيجوز السجود عليهما، لمكان الرمل و الحصاة و كفاية المسمّى فيه، و لا يصح التيمم بهما، للزوم استيعاب الكف لما يصح التيمم به إلّا إذا كان الرمل و الحصاة غالبا بحيث صار من القسم الأول.

(27) و تقدم وجهه من أنّه متمكن من تحصيل الماء حينئذ فعلا فيجب ذلك.

(28) لما مرّ من أنّ الطين هو المرتبة الثالثة و التراب إنّما هو المرتبة الأولى و بالتجفيف يصير ترابا و لا تصل النوبة إلى المرتبة الثالثة مع التمكن من المرتبة الأولى.

(29) الكلام فيه عين الكلام فيما تقدم في [المسألة 16] من أول (فصل التيمم).

ص: 395

مسألة 10: إذا كانت وظيفته التيمم بالغبار يقدم ما غباره أزيد

(مسألة 10): إذا كانت وظيفته التيمم بالغبار يقدم ما غباره أزيد كما مر (30).

مسألة 11: يجوز التيمم اختيارا على الأرض الندية و التراب الندي

(مسألة 11): يجوز التيمم اختيارا على الأرض الندية و التراب الندي و إن كان الأحوط مع وجود اليابسة تقديمها (31).

مسألة 12: إذا تيمم بما يعتقد جواز التيمم به فبان خلافه بطل

(مسألة 12): إذا تيمم بما يعتقد جواز التيمم به فبان خلافه بطل، و إن صلّى به بطلت و وجبت الإعادة أو القضاء و كذا لو اعتقد أنّه من المرتبة المتقدمة فبان أنّه من المتأخرة مع كون المتقدمة وظيفته (32).

مسألة 13: المناط في الطين الذي من المرتبة الثالثة

(مسألة 13): المناط في الطين الذي من المرتبة الثالثة كونه

______________________________

(30) على الأحوط، كما تقدم منه (رحمه اللّه) عند قوله في أول الفصل:

(و الأحوط اختيار ما غباره أكثر)، و تقدم الوجه هناك.

(31) أما الجواز، للإطلاق و الاتفاق. و أما الاحتياط، فللخروج عن خلاف بعض حيث أوجب ذلك تمسكا بقول الصادق عليه السّلام في صحيح رفاعة: «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم منه»(1).

و فيه: مضافا إلى وهنه- بالاتفاق على خلافه- أنّ المراد منه أجفّ في مقابل مراتب البلة بقرينة صدر الحديث لا الجفاف بمعنى اليبوسة، لأنّه خلاف فرض أنّ الأرض مبتلة. و يمكن جعل النزاع لفظيا، فمن يمنع يريد به ذا النداوة الكثيرة بحيث تكون مرتبة من الطين، و من يجوّزه يريد منه النداوة الخفيفة اليسيرة، لأنّ لها مراتب كثيرة.

(32) كلّ ذلك لعدم الإتيان بالمأمور به، فلا وجه للإجزاء.

ص: 396


1- الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 4.

على وجه يلصق باليد (33)، و لذا عبّر بعضهم عنه بالوحل، فمع عدم لصوقه يكون من المرتبة الأولى ظاهرا، و إن كان الأحوط تقديم اليابس و النديّ عليه (34).

______________________________

(33) بدعوى: أنّه المنساق منه عرفا خصوصا في المقام الذي يكون التراب النديّ من المراتب المتقدمة عليه.

(34) لأنّ للطين مراتب أيضا، فالوحل و هو الطين الرقيق يسمّى طينا و المستمسك منه يسمّى به أيضا و للاستمساك مراتب كثيرة، فيمكن أن يصدق على مرتبة عدم لصوق الطين أيضا فتشمله الأدلة التي جعلها في المرتبة الأخيرة.

ص: 397

فصل يشترط فيما يتيمم به أن يكون طاهرا

اشارة

(فصل) يشترط فيما يتيمم به أن يكون طاهرا (1)، فلو كان نجسا بطل (2) و إن كان جاهلا بنجاسته أو ناسيا (3)، و إن لم يكن عنده من المرتبة المتقدمة إلّا النجس ينتقل إلى اللاحقة (4)، و إن لم يكن من اللاحقة أيضا إلّا النجس كان فاقد الطهورين و يلحقه حكمه. و يشترط أيضا عدم خلطه بما لا يجوز التيمم به- كما مرّ. و يشترط أيضا إباحته (5) (فصل يشترط فيما يتيمم به)

______________________________

(1) للإجماع، و لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (1).

إذ الظاهر أنّ المراد بالطيّب هو الطاهر في اصطلاح الكتاب و السنّة، و هو المنصرف- من الأخبار الواردة في التيمم (2)- عند العرف لما جبلت عليه نفوسهم من أنّ النجس لا تحصل به الطهارة و أنّ معطي الشي ء لا يكون فاقدا له.

(2) لقاعدة: أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه.

(3) لأنّ الأصل في الشرط أن يكون واقعيا إلّا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه في المقام، فلا فرق حينئذ بين تمام الحالات في جريان قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

(4) لدوران وجود الحكم مدار وجود موضوعه و انتفائه بانتفائه.

(5) للإجماع، و لأنّه منهي عن التصرف فيه، و الضرب عليه للتيمم

ص: 398


1- المائدة: آية: 6.
2- راجع الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 6 و 8.

و إباحة مكانه (6) و الفضاء الذي يتيمم فيه (7) و مكان المتيمم (8)، فيبطل مع غصبية أحد هذه مع العلم و العمد (9). نعم، لا يبطل مع الجهل و النسيان (10).

مسألة 1: إذا كان التراب أو نحوه في آنية الذهب أو الفضة فتيمم به

(مسألة 1): إذا كان التراب أو نحوه في آنية الذهب أو الفضة فتيمم به مع العلم و العمد بطل لأنّه يعدّ استعمالا لهما عرفا (11).

______________________________

تصرف، فيكون منهيّا عنه، و النهي في العبادة موجب للفساد هذا بناء على أنّ الضرب داخل في حقيقة التيمم. و أما بناء على خروجه عنها و أنّه عبارة عن نفس المسحات، فيمكن القول بالصحة و إن عصى، لكن العرف يرى مثل هذا التيمم مبغوضا و مستنكرا.

(6) إن عدّ التصرف في التراب تصرفا فيه عرفا فيكون منهيّا عنه حينئذ فيبطل. و أما مع عدم كونه من التصرف فيه، فلا وجه لاشتراطه و هذا الشرط مبنيّ أيضا على دخول الضرب في حقيقة التيمم.

(7) لأنّ حركات اليد الواقعة فيه نحو تصرف فيه، فيقع حراما. هذا في الفضاء الذي تقع فيه حركات يده حين التيمم. و أما فضاء بدنه فلا تعتبر إباحته في صحة التيمم، لخروجه عن حقيقته.

(8) الظاهر أنّه لا تضر غصبيته بالتيمم، لخروجه عن حقيقة التيمم و إنّما هو من لوازم الجسم تيمم أم لا.

(9) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، مضافا إلى الإجماع، و قاعدة عدم إمكان التقرب بما هو مبغوض.

(10) لعدم فعلية النهي حينئذ، و لا إجماع على البطلان مع العذر أيضا فيكون المقتضي للصحة موجودا و هو إتيان المأمور به مع قصد القربة و المانع عنه مفقودا و هو المبغوضية، فيصح لا محالة.

(11) فيكون محرّما و مبغوضا، فلا يصح التقرب به، فيبطل قهرا و تقدم في بحث الأواني ما ينفع نظائر المقام.

ص: 399

مسألة 2: إذا كان عنده ترابان- مثلا- أحدهما نجس يتيمم بهما

(مسألة 2): إذا كان عنده ترابان- مثلا- أحدهما نجس يتيمم بهما. كما أنّه إذا اشتبه التراب بغيره يتيمم بهما (12). و أما إذا اشتبه المباح بالمغصوب اجتنب عنهما (13) و مع الانحصار انتقل إلى المرتبة اللاحقة (14). و مع فقدها يكون فاقد الطهورين (15) كما إذا انحصر في المغصوب المعيّن.

مسألة 3: إذا كان عنده ماء و تراب و علم بغصبية أحدهما

(مسألة 3): إذا كان عنده ماء و تراب و علم بغصبية أحدهما لا يجوز الوضوء و لا التيمم (16). و مع الانحصار يكون فاقد الطهورين.

و أما لو علم نجاسة أحدهما أو كون أحدهما مضافا يجب عليه مع

______________________________

(12) لقاعدة الاحتياط بعد العلم الإجمالي بوجود ما يصح به التيمم في البين، و الأولى مع وجود غيرهما التيمم به، كما أنّ الأولى إزالة ما بقي من أثر التراب في القسم الأول قبل الشروع في الصلاة.

(13) لبناء المشهور على تغليب الحرمة في أمثال المقام خصوصا إذا كان المورد حق الناس، فلا تجري قاعدة الاحتياط بالنسبة إلى الطهارة حينئذ، لكن لو عصى و تيمم و حصل منه قصد القربة لصح تيممه.

(14) لأنّ فقد المرتبة السابقة شرعا كفقدها عقلا، فينحصر المورد حينئذ في المرتبة اللاحقة.

(15) لأنّه لا فرق في فقدهما بين كونه تكوينيا أو شرعيا.

(16) لأنّ العلم الإجمالي بغصبية أحدهما مانع عن جريان أصالة الحل فيهما. نعم، لا بدّ و أن يكون التراب موردا لابتلائه من غير جهة التيمم به و إلّا فتجري أصالة الحلّ في الماء بلا معارض، لاختلاف الرتبة بينهما، فإنّ الماء هو الأصل و التراب بدل عنه و العلم الإجمالي منجز إذا كانت أطرافه عرضيا لأنّ من شرط تعارض الأصلين هو العرضية، و أما لو كانت طولية فيجري الأصل فيما هو متقدم رتبة بلا معارض.

ص: 400

الانحصار الجمع بين الوضوء و التيمم (17) و صحت صلاته (18).

مسألة 4: التراب المشكوك كونه نجسا يجوز التيمم به

(مسألة 4): التراب المشكوك كونه نجسا يجوز التيمم به إلّا مع كون حالته السابقة النجاسة (19).

مسألة 5: لا يجوز التيمم بما يشك في كونه ترابا و غيره

(مسألة 5): لا يجوز التيمم بما يشك في كونه ترابا و غيره مما لا يتيمم به كما مر، فينتقل إلى المرتبة اللاحقة إن كانت (20) و إلّا فالأحوط الجمع بين التيمم به و الصلاة ثمَّ القضاء خارج الوقت أيضا (21).

مسألة 6: المحبوس في مكان مغصوب يجوز أن يتيمم فيه

(مسألة 6): المحبوس في مكان مغصوب يجوز أن يتيمم فيه (22)

______________________________

(17) لقاعدة الاشتغال و لكن لا بدّ من تقديم التيمم و نقض أثر التراب بالكلية فيما لو علم إجمالا بنجاسة أحدهما.

(18) للعلم التفصيلي بالصحة حينئذ، لوقوعها مع الطهارة الواقعية التي يكون تكليفه الفعلي الإتيان بها إما الطهارة المائية أو الترابية.

(19) لأصالة الطهارة في الأول، و استصحاب النجاسة في الثاني، فلا يصح في الثاني بخلاف الأول.

(20) مقتضى قاعدة الاشتغال الجمع بين التيمم به و التيمم بالمرتبة اللاحقة إلّا إذا جرى أصالة عدم التراب بالعدم الأزلي و كان ذلك كافيا في حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط و هو مشكل، لعدم ثبوت فقد القدرة على المرتبة اللاحقة و العجز عن المرتبة السابقة في نظر العقل بمثل هذا الأصل.

(21) للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما، فيجب الاحتياط إلّا إذا ثبت الأصل المذكور، فينحلّ به العلم الإجمالي و يكون حينئذ من فاقد الطهورين فينجّز القضاء فقط بناء على المشهور كما تقدم و لكن تقدم الإشكال في الأصل.

(22) إذ لا إشكال في عدم حرمة التصرفات اللازمة لأصل الكون فيها، لقبح التكليف بما لا يطاق، كما لا إشكال في حرمة التصرفات الزائدة على أصل

ص: 401

على إشكال (23)، لأنّ هذا المقدار لا يعدّ تصرّفا زائدا (24)، بل لو توضأ بالماء الذي فيه و كان مما لا قيمة له يمكن أن يقال بجوازه (25).

و الإشكال فيه أشد (26)، و الأحوط الجمع (27) فيه بين الوضوء

______________________________

الكون فيها، لعموم ما دل على حرمة التصرف فيما يتعلق بالغير، و أما التصرفات التيممية، فما تقع في الفضاء لا تكون زائدة على أصل الكون فيه، لأنّ كلّ جسم يشغل مقدارا من الفضاء لا محالة بأيّ وضع كان. نعم، ضرب اليد على الأرض يعد تصرّفا زائدا عرفا و إن لم يكن كذلك بالدقة العقلية إذ لا فرق بين مماسة اليد للأرض المغصوبة أو للفضاء المغصوب و هي حاصلة لا محالة.

(23) هذا الإشكال مبنيّ على لحاظ التصرف بنظر العرف و أما إن لوحظ بالدقة العقلية فلا إشكال من هذه الجهة كما مر.

(24) لما ثبت في محلّه من أنّ كلّ جسم بأيّ حجم كان يشغل حيّزا خاصا بأيّ وضع كان اختلفت الأوضاع أم لا.

(25) مناط حرمة الغصب التصرف فيما يتعلق بالغير سواء كانت له قيمة أم لا. و ما ورد في مثل قوله عليه السّلام: «لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه» (1).

إنّما ذكر المال فيه من باب المثال لمطلق ما يتعلق به حق الغير لا التقييد به بالخصوص و إلّا لكان مخالفا للإجماع، بل الضرورة.

(26) لأنّ فيه تحريك المغصوب و هو الماء و نقله من محلّ إلى محلّ آخر و كذا التيمم بناء على اعتبار العلوق فيه و إلّا فليس التيمم إلّا الضرب على الأرض فقط من دون نقل للمغصوب من محلّ إلى محلّ آخر.

(27) بالنسبة إلى الصلاة و إن كان خلاف الاحتياط من جهة الغصب.

ص: 402


1- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

و التيمم و الصلاة ثمَّ إعادتها أو قضاؤها بعد ذلك (28).

مسألة 7: إذا لم يكن عنده من التراب أو غيره مما يتيمم به ما يكفي لكفيه معا

(مسألة 7): إذا لم يكن عنده من التراب أو غيره مما يتيمم به ما يكفي لكفيه معا يكرّر الضرب حتّى يتحقق الضرب بتمام الكفين عليه (29). و إن لم يمكن يكتفي بما يمكن و يأتي بالمرتبة المتأخرة أيضا إن كانت، و يصلّي. و إن لم تكن فيكتفي به و يحتاط بالإعادة أو القضاء أيضا.

مسألة 8: يستحب أن يكون على ما يتيمم به غبار يعلق باليد

(مسألة 8): يستحب أن يكون على ما يتيمم به غبار يعلق باليد (30)، ..

______________________________

(28) لاحتمال أن يكون تكليفه القضاء و أن لا يكون مكلّفا بالأداء مع توقف الإتيان بها أداء على التصرف في المغصوب.

(29) لقاعدة الميسور و كذا بالنسبة إلى الاكتفاء بما يمكن و لكن جريانها في الاكتفاء بما يمكن مشكل من جهة الشك في شمول القاعدة له و عدم إحراز عمل الأصحاب بها في المقام، و لا يترك الاحتياط في الصورتين عملا بالعلم الإجمالي.

(30) على المشهور، لإطلاقات الأدلة، و لأصالة عدم الوجوب، و الإجماع على استحباب النفض فيسقط العلوق على فرض حصوله، و لعدم حصوله غالبا بالضربة الواحدة، و كذا في التيمم على الحجر، و للتيممات البيانية التي لم يذكر فيها اعتبار العلوق (1)، و يكفي في الاستحباب الأدلة التي استدل بها على وجوب العلوق بعد المناقشة في استفادة الوجوب منها فهي تصلح للندب و إن لم تصلح للوجوب.

و عن جمع اشتراط صحة التيمم بالمعلوق، و نسب إلى أكثر الطبقة الثانية، لقاعدة الاشتغال، و لبدلية التراب عن الماء، و لقوله تعالى فَامْسَحُوا

ص: 403


1- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم.

و يستحب أيضا نفضها بعد الضرب (31).

مسألة 9: يستحب أن يكون ما يتيمم به من ربي الأرض و عواليها

(مسألة 9): يستحب أن يكون ما يتيمم به من ربي الأرض و عواليها (32)، لبعدها عن النجاسة.

______________________________

بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ (1).

و لقولهم عليهم السّلام: «فليتمسح من الأرض و ليصلّ» (2).

و لقول أبي جعفر عليه السّلام في صحيحة زرارة الطويلة الواردة في تفسير الآية الكريمة: «لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه، لأنّه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها» (3).

و لكن الكلّ مخدوش إذ المقام من مجاري البراءة لا الاشتغال، لأنّ الشك في أصل الشرطية لا في الفراغ بعد إحراز الثبوت، مع أنّها محكومة بإطلاق الأدلة القولية و التيممات البيانية (4). و كلمة (من) في الآية الكريمة و الأخبار للمنشئية لا التبعيض كما تقدم، و ما ورد- في صحيح زرارة في تفسير الآية- مجمل لا يصلح لإثبات شي ء في مقابل الإطلاقات و العمومات و التيممات البيانية و من ذلك يعلم أنّ إثبات الاستحباب أيضا مشكل إلّا بناء على المسامحة.

(31) إجماعا، و نصوصا كثيرة- محمولة على الندب بقرينة الإجماع- منها قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما» (5).

(32) لتفسير الصعيد بما ارتفع من الأرض، و في الرضوي (6)القاصر عن إثبات الوجوب، مضافا إلى دعوى الإجماع عن جمع.

ص: 404


1- المائدة: 6.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 4.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب التيمم حديث: 1.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 4.
6- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 2.
مسألة 10: يكره التيمم بالأرض السبخة إذا لم يكن يعلوها الملح

(مسألة 10): يكره التيمم بالأرض السبخة إذا لم يكن يعلوها الملح، و إلّا فلا يجوز. و كذا يكره بالرمل و كذا بمهابط الأرض. و كذا بتراب يوطأ، و بتراب الطريق (33).

______________________________

(33) أما أصل الجواز في الجميع، فلإطلاقات الأدلة، و عموماتها، و ظهور الإجماع. و أما الكراهة في الأول، فنقل عليها الإجماع عن جمع منهم العلامة في التذكرة، و في الثاني نسب إلى المشهور، و في الثالث ادعي عليها الإجماع. و الكلّ يكفي في الكراهة بناء على المسامحة فيها. و أما الأخيرين، فلما عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا وضوء من موطإ» (1). أي لا طهور مما تطأ عليه برجلك كما قال النوفلي و في خبر آخر: «نهى أمير المؤمنين عليه السّلام أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق» (2).

و ما يوطأ أعمّ من الطريق، و أما خبر محمد بن الحسين: «إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه السّلام يسأله عن الصلاة على الزجاج قال: فلما نفذ كتابي إليه تفكرت و قلت: هو مما أنبتت الأرض، و ما كان لي أن أسأل عنه، قال: فكتب إليّ لا تصلّ على الزجاج و إن حدثتك نفسك أنّه مما أنبتت الأرض، و لكنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» (3).

ففيه: مضافا إلى قصور سنده- و وهنه بالإعراض- معارضته بما عن الحميري عن العسكري عليه السّلام قال: «و كتب إليه محمد بن الحسين بن مصعب يسأله و ذكر مثله إلّا أنّه قال: «فإنّه من الرمل و الملح سبخ» (4).

فلا وجه للاستدلال به لشي ء لا في المقام و لا في مسجد الجبهة.

و المراد بقوله هو مما أنبتت الأرض أي يتكوّن في الأرض، لأنّ الزجاج من الرمل و هو يتكون في الأرض، كما أنّ المراد بالمسخ هنا مجرد تحويل الصورة و لو بالصناعة لا المسخ الاصطلاحي الذي هو تبدل صورة الإنسان إلى الحيوان.

ص: 405


1- الوسائل باب: 6 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب التيمم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 3.

فصل في كيفية التيمم

اشارة

(فصل في كيفية التيمم)

و يجب فيه أمور
اشارة

و يجب فيه أمور:

الأول: ضرب باطن اليدين معا دفعة على الأرض

(الأول): ضرب باطن اليدين معا دفعة على الأرض، فلا يكفي الوضع (1) بدل الضرب (2)، و لا الضرب بأحدهما (3)، و لا بهما (فصل في كيفية التيمم)

______________________________

(1) نسب ذلك إلى المشهور تارة، و إلى معظم الأصحاب أخرى، لاشتمال جملة من النصوص على الضرب «1» و جملة منها و إن اشتملت على الوضع (1)، و لكن لا بدّ من حملها على الضرب أيضا حملا للمطلق على المقيد.

ثمَّ إنّ لكلّ من الضرب و الوضع مراتب متفاوتة عرفا و يكفي صدق أول مرتبة منه، للإطلاق الشامل له أيضا، فيمكن تصادقهما في بعض المراتب في الجملة و إن كانا بالنسبة إلى بعض المراتب من المتباينين و على هذا يمكن جعل النزاع لفظيا.

(2) في مورد انفكاكهما، و أما في مورد التصادق فيجزي لا محالة.

(3) إجماعا، و نصوصا كثيرة مثل قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «تضرب بكفيك الأرض» (2).

و مثله غيره و ما في بعض الأخبار البيانية- كصحيح زرارة: «فضرب بيده على الأرض ثمَّ رفعها فنفضها» (3).

يراد باليد جنسها الشامل للواحد و المتعدد، مع أنّه من الفعل المجمل الذي

ص: 406


1- راجع الوسائل باب: 12 حديث: 9 و غيره من الأحاديث.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 7.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 3.

على التعاقب (4)، و لا الضرب بظاهرهما حال الاختيار (5). نعم، حال

______________________________

لا يعارض الأخبار القولية المبينة، مع أنّ في جملة من الأخبار الفعلية البيانية ذكر اليدين أيضا، ففي صحيح زرارة: «فوضع أبو جعفر عليه السّلام كفيه على الأرض» (1).

و في خبر آخر: «فضرب بيديه على الأرض» (2).

و في خبر أبي المقدام عن الصادق عليه السّلام أنّه عليه السّلام وصف التيمم: «فضرب بيديه على الأرض»(3).

إلى غير ذلك من الأخبار فلا إشكال في الحكم من حيث النص و الإجماع.

و ما يتوهم من أنّه يؤخذ بالجنس الصادق على الواحد أيضا، و يحمل اليدين على الندب و هذا جمع شائع في الفقه، مدفوع: تأباه نصوص المقام عن هذا الجمع و ظهور التسالم و الإجماع على الخلاف.

(4) لظاهر الأخبار، و كلمات الأصحاب. و أشكل عليه بأنّ مقتضى الإطلاقات جواز التعاقب أيضا، و ظهور الأخبار بدوي، و ظاهر الأصحاب ما لم يكن من الإجماع المعتبر لا اعتبار به.

و فيه: أنّه و إن أمكن الإشكال في ظهور بعض الأخبار. لكن مجموع الأخبار القولية و البيانية لا قصور في ظهوره في ذلك خصوصا هذا التعبير:

«فضرب بيديه على الأرض ثمَّ رفعهما».

فإنّ تثنية الضمير في رفعهما قرينة ظاهرة على أنّ الضرب كان دفعة و بهما معا، فإن قيل: إنّ مقتضى البدلية كفاية التدرج و الضرب بهما متدرجا. يقال:

البدلية إنّما هي في أصل الطهارة و المسبب دون السبب و الشك في الترتب من هذه الجهة يكفي في عدم التمسك به.

(5) لأنّ ذلك هو المنساق و المتبادر من ضرب اليد على شي ء عرفا مع ظهور الاتفاق عليه أيضا.

ص: 407


1- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 5.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 9.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 6.

الاضطرار يكفي الوضع. و مع تعذر ضرب إحداهما يضعها و يضرب بالأخرى. و مع تعذر الباطن فيهما أو في إحداهما ينتقل إلى الظاهر فيهما، أو في إحداهما (6). و نجاسة الباطن لا تعدّ عذرا (7)، فلا ينتقل معها إلى الظاهر.

الثاني: مسح الجبهة بتمامها

(الثاني): مسح الجبهة بتمامها (8) ..

______________________________

(6) كلّ ذلك لقاعدة الميسور، و إطلاقات الأدلة بعد حمل الباطن و الضرب على حال الاختيار كما هو المنساق إلى الأنظار من أخبار المقام، مضافا إلى ظهور اتفاق الأعلام.

(7) يأتي تفصيله في [المسألة 8] فراجع.

(8) بإجماع من المسلمين، بل بضرورة من الدين، و إن خلت عن ذكر الجبهة بالخصوص أخبار الباب على كثرتها إلّا ما في موضع من التهذيب، إذ هي أقسام أربعة:

الأول: ما اشتمل على الوجه و هي كثيرة تزيد على العشرين:

منها: صحيح الخزاز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام المشتمل على حكاية فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «فوضع يده على المسح ثمَّ رفعها فمسح وجهه ثمَّ مسح فوق الكف قليلا» (1).

و مثله خبر ابن النعمان (2) و صحيح الكاهلي قال: «سألته عن التيمم؟

قال: فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ثمَّ مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى» (3).

و صحيح زرارة قال: «فوضع أبو جعفر عليه السّلام كفيه على الأرض ثمَّ مسح وجهه و كفيه، و لم يمسح الذراعين بشي ء»(4).

و في روايته الأخرى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «تضرب بكفيك

ص: 408


1- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 4.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 1.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 5.

.....

______________________________

الأرض ثمَّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» (1).

و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن التيمم، فقال: مرّتين، مرّتين للوجه و اليدين»(2).

و في صحيح المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في التيمم قال:

«تضرب بكفيك على الأرض مرّتين، ثمَّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار.

الثاني: ما اشتمل على لفظ الجبين بالتثنية كموثق زرارة الحاكي لفعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: «ثمَّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد، ثمَّ مسح جبينيه بأصابعه و كفيه إحداهما بالأخرى، ثمَّ لم يعد ذلك» (4).

و خبر عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثمَّ رفعهما فنفضهما ثمَّ مسح على جبينيه و كفيه مرة واحدة» (5).

الثالث: ما اشتمل على الجبين مفردا كما في موثق زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام الحاكي لفعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «فضرب بيديه على الأرض ثمَّ ضرب إحداهما على الأخرى، ثمَّ مسح بجبينه ثمَّ مسح كفيه كلّ واحدة على الأخرى- الحديث-» (6).

و عنه أيضا قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن التيمم فضرب بيده على الأرض ثمَّ رفعها فنفضها، ثمَّ مسح بها جبينه و كفيه مرّة واحدة» (7).

و المراد به الجبين الشامل لهما معا فيرجع إلى القسم الثاني.

ص: 409


1- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 7.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 8.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 6.
6- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 9.
7- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 3.

.....

______________________________

الرابع: ما عن موضع من التهذيب في موثق زرارة المتقدم: «ثمَّ مسح بهما جبهته و كفيه مرة واحدة» (1).

و يمكن حملها على ما يعم الجبينين، لشيوع إطلاق كلّ من الجبهة و الجبين على ما يعم الآخر كقوله عليه السّلام: «لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه» (2).

فلا يكون قسما ثالثا، مع أنّه قد روي هذا الموثق في الكافي و في موضع آخر من التهذيب عن طريق محمد بن يعقوب هكذا: «ثمَّ مسح بها جبينه» فيكون من القسم الثالث من الأخبار التي هي موافقة للكتاب الكريم، قال تعالى:

فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ (3).

قال أبو جعفر عليه السّلام في تفسير الآية المباركة في صحيحة زرارة:

«فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا، لأنّه قال:

بِوُجُوهِكُمْ ثمَّ وصل بها وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ أي من ذلك التيمم- الحديث-» (4).

فلا بدّ من حمل القسم الأول من الأخبار على الثاني لموافقته للكتاب و تفسير الإمام عليه السّلام، مع أنّ ذكر الكلّ و إرادة البعض عند ذكر المسح و المسّ و نحوهما شائع، فيقال- مثلا- مسح المصحف الكريم تبركا، و مسح رأس اليتيم تلطفا، و معلوم أنّه لا يعتبر وقوع المسح على جميع الممسوح في صدق المسح في هذه الموارد. مع أنّه قد وقع إطلاق الوجه على الجبهة في الأخبار، ففي صحيح أبي بصير: «إنّي أحب أن أضع وجهي موضع قدمي» (5).

و بالجملة: حمل القسم الأول من الأخبار على القسم الثاني من الحمل

ص: 410


1- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 7.
3- سورة المائدة الآية: 6.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب التيمم حديث: 1.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب السجود حديث: 2.

و الجبينين (9) ..

______________________________

الشائع الصحيح العرفي الذي لا يحتاج إلى قرينة خارجية، مع أنّ ظاهر الآية الكريمة شاهد صدق لهذا الجمع، فلا وجه لما نسب إلى ابن بابويه من لزوم استيعاب الوجه بالمسح. ثمَّ إنّه بعد ثبوت عدم وجوب الاستيعاب، فالمحتملات ثلاثة مسح الجبين فقط و لو لم تمسح الجبهة، و لا قائل به، و مسح الجبهة فقط، و لا دليل على الاجتزاء به، و إن نسب إلى جمع منهم الفاضلان و الشهيدان- إلّا ما تقدم من موثق زرارة على ما في موضع من التهذيب، و مسح الجبينين مع الجبهة، و هو المتعيّن.

(9) لما تقدم من النصوص المشتملة عليهما. و استدل من قال بوجوب مسح الجبهة دون غيرها بالأصل، لعدم الدليل على وجوب مس الجبينين، لإجمال الأخبار الفعلية إذ الفعل أعم من الوجوب، مع أنّها مشتملة على النفض و هو مندوب إجماعا، فلا بدّ و أن يراد بهما الجبهة، لإطلاقهما عليه في الأخبار، لموثق ابن المغيرة: «لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه» (1).

فالأمر يدور بين طرح تلك الأخبار، و هو مما لا يمكن الالتزام به، أو حملها على ما يعم الجبهة، أو حملها على خصوص الجبهة، و ما تقدم من الموثق قرينة على تعيّن الأخير.

و فيه: أنّ الأصل لا وجه له مع وجود الأخبار المستفيضة، كما لا وجه لاحتمال إجمال الفعل في المقام، لوروده للبيان و التشريع، و التأكيد و التفصيل.

و حمل النفض على الندب لدليل خارجي لا ينافي الوجوب في الباقي مع عدم قرينة على الخلاف، و استعمال الجبين في الجبهة في الموثق لقرينة خارجية لا يستلزم استعمالهما فيها فقط حتّى مع عدم القرينة عليه. نعم، يصح استعمالهما فيما يعم الجبهة في المقام فيتعيّن الأخذ بنصوص الجبين إما بخصوصهما و إدخال الجبهة في المحدود بإجماع المسلمين، أو باستعمالهما فيما يعمّ الجبهة.

ص: 411


1- الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 7.

بهما (10)، من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى و إلى الحاجبين (11) و الأحوط مسحهما أيضا (12).

______________________________

(10) لجملة من الأخبار المشتملة على لفظ (بهما)، كصحيح ليث (1) و زرارة المتقدم و صحيح محمد بن مسلم (2) و غيرها، و في الرضوي المنجبر بعمل المشهور الوارد في بيان التيمم هو: «أن تضرب بيدك الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود» (3)، و في الدعائم: «فيمسح بهما وجهه و يديه» (4).

و حمل مثل هذه التعبيرات على مسح المجموع بالمجموع حتّى يصح مسح اليمين بالشمال و بالعكس خلاف الظاهر، و عن الأردبيلي (قدّس سرّه) عدم وجوبه بالكفين، و استجود جوازه بالواحدة. و احتمل في النهاية و التذكرة ذلك أيضا، و لكن ذلك طرح للمنساق من الأخبار المؤيدة بفهم المشهور، بلا دليل ظاهر عليه إلّا الأصل أو التنظير على مسح الوضوء. و الثاني قياس، و الأول لا وجه له في مقابل المتفاهم من مجموع الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض.

إن قيل: يمكن حمل ذلك على الندب، كما احتمله الأردبيلي (رحمه اللّه).

قلت: ظاهر الجملة الخبرية الواردة في مقام الإنشاء هو الوجوب إلّا مع القرينة على الخلاف، و لا قرينة عليه إلّا بعض الإطلاقات، و لا بدّ من تقييدها بما ذكر من الأخبار المشتملة على لفظة (بهما).

(11) لأنّ طرف الأنف الأعلى و الحاجبين حد الجبهة و الجبين من الطرف الأسفل، كما أنّ قصاص الشعر حدّها من الطرف الأعلى، فالممسوح محدود بهذا الحد لغة و شرعا، و قد تقدم في الوضوء ما ينفع المقام.

(12) قد يقال بوجوب مسحهما: لعدم انفكاك مسحهما عن مسح الجبهة

ص: 412


1- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 5.
3- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب التيمم حديث: 2.

و يعتبر كون المسح بمجموع الكفّين على المجموع (13)،

______________________________

و الجبين غالبا، فتنزّل الأدلة عليه، و لما عن الصدوق (رحمه اللّه) أنّ به رواية، و لقاعدة الاحتياط.

و الكلّ مردود: أما الأول فبأنّ عدم الانفكاك- على فرض القبول- لا يوجب الوجوب، و إلّا لأشير إليهما في خبر من الأخبار الواردة في مقام البيان في هذا الموضوع العام البلوى.

و أما الثاني فبأنّه لم يظفر عليه في الكتب المعتبرة إلّا ما في الفقه الرضوي «و روي أنّه يمسح على جبينه و حاجبيه» (1).

و هو قاصر عن إفادة الوجوب.

و أما الأخير فبأنّ المقام من مجاري البراءة لا الاحتياط. نعم، يجب الاحتياط بمسحهما في الجملة من باب المقدمية العلمية.

(13) لأنّه المتفاهم من الأخبار القولية و البيانية عرفا، إذ المنساق منها هو المسح بما ضرب على الأرض، و المضروب عليها جميع الكفّين فلا بدّ و أن يكون المسح بالجميع أيضا.

و أما احتمال المسح بكلّ جزء من الماسح على كلّ جزء من الممسوح، أو يمسح ببعض الماسح في الجملة على الممسوح كذلك، أو يمسح بعض الممسوح و لو بتمام الماسح، فهو خلاف الظاهر، و المتبادر من الأخبار البيانية- القولية و الفعلية- و إنّما هو من مجرد الاحتمال في مقام الثبوت من دون ظهور دليل عليه في مقام الإثبات.

و أما صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ثمَّ مسح جبينه بأصابعه» (2).

ص: 413


1- مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 8.

فلا يكفي المسح ببعض كلّ من اليدين، و لا مسح بعض الجبهة و الجبينين. نعم، يجزي التوزيع (14)، فلا يجب المسح بكلّ من اليدين (15) على تمام أجزاء الممسوح (16).

الثالث: مسح تمام ظاهر الكف اليمنى بباطن اليسرى

(الثالث): مسح تمام ظاهر الكف اليمنى بباطن اليسرى، ثمَّ مسح تمام ظاهر اليسرى بباطن اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع (17).

________________________________________

فلا بدّ و أن يحمل على أنّه عليه السّلام مسحهما مبتدئا بكفيه و منتهيا بأصابعه، أو يطرح لمخالفته لظواهر الأخبار التي يبعد فيها التقييد غاية البعد.

(14) بأن يمسح طرف اليمين باليد اليمنى و طرف اليسار باليسرى و وجه الإجزاء ظهور الأدلة فيه، مع أنّ الظاهر كونه من الأمور غير الالتفاتية و هو إلى الأمور الطبيعية أقرب منها إلى الاختيارية.

(15) هذا تفريع على قوله (رحمه اللّه): «يجزي التوزيع». كما أنّ قوله قبل ذلك: «فلا يكفي المسح ببعض كلّ من اليدين» تفريع على قوله: «مسح الجبهة بتمامه و الجبينين بهما».

(16) للأصل، و كونه خلاف إطلاق الأدلة، بل المنساق منها عرفا.

(فرع): هل يعتبر أن يكون مسح الطرف الأيمن من الجبهة باليد اليمنى، و مسح الطرف الأيسر منها باليد اليسرى، أو يجزي العكس مع صدق مسح الجبهة بهما؟ وجهان: مقتضى الإطلاق هو الأخير إلّا أن يدعى الانصراف إلى الأول، هذا إذا أمكن. و أما مع التعذر، كما في موارد الاستنابة في التيمم، فالظاهر الإجزاء.

(17) أما مسح اليدين في الجملة من ضروريات الدين، و يدل عليه الكتاب (1) و السنّة المتواترة. و أما وجوب كونه على تمام ظاهر الكف و بباطن

ص: 414


1- سورة المائدة الآية: 6.

و يجب من باب المقدمة إدخال شي ء من الأطراف (18) و ليس

______________________________

اليسرى على اليمنى و بباطن اليمنى على اليسرى، فيدل عليه مضافا إلى الإجماع نصوص كثيرة:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حكاية تيمم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «ثمَّ مسح كفيه كلّ واحدة على ظهر الأخرى فمسح اليسرى على اليمنى، و اليمنى على اليسرى»(1).

و أما كونه من الزند إلى أطراف الأصابع فيدل عليه مضافا إلى الإجماع ما اشتمل من النصوص على الكف تارة، و ظهر الكف أخرى. و المنساق من الكف عرفا إنّما هو من الزند إلى رؤوس الأصابع.

ثمَّ إنّ الأخبار على أقسام: منها ما اشتمل على الكف (2)و هي كثيرة.

و منها: ما اشتمل على اليد (3) و لا بدّ من حمله على الكف، لكثرة أخباره القولية و الفعلية مع ورودها في مقام البيان.

و منها: خبر الخزاز: «ثمَّ مسح فوق الكف قليلا» (4). و هو فعل مجمل لا بدّ من حمله على القسم الأول، أو حمله على المقدمية.

و منها: ما اشتمل على مسح المرفق إلى أطراف الأصابع (5) و نسب العمل به إلى عليّ بن بابويه، و لكنّه مع وهنه بالإعراض معارض بصحيح زرارة الناص بعدم وجوب مسح الذراعين (6).

و منها: ما اشتمل على المسح على الكفين من موضع القطع (7) و يجب طرحه لمعارضته بما هو أقوى منه من كلّ جهة.

(18) لقاعدة الاشتغال إن توقف العلم بالفراغ عليه، كما هو كذلك غالبا،

ص: 415


1- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 9.
2- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 1 و 5 و 6 و 8.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 2 و 4 و باب: 12 حديث: 4.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 2.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 5.
6- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 5.
7- الوسائل باب: 13 من أبواب التيمم حديث: 2.

ما بين الأصابع من الظاهر فلا يجب مسحها، إذ المراد به ما يماسّه ظاهر بشرة الماسح. بل الظاهر عدم اعتبار التعميق و التدقيق فيه، بل المناط صدق مسح التمام عرفا (19).

و أما شرائطه
اشارة

و أما شرائطه: فهي أيضا أمور:

الأول: النية

(الأول): النية (20)، مقارنة لضرب اليدين (21). على الوجه

______________________________

و قد تقدم في الوضوء أيضا، و هذه مقدمة علمية جارية في جميع التحديدات الشرعية حتّى في الزمان، كالوقوفين مثلا.

(19) لأنّ ذلك كلّه هو المتفاهم من أخبار التيمم قولا و بيانا، و في جملة منها التعبير «بظاهر الكف» و عدم شموله لما بين الأصابع ظاهر، مع بناء الشريعة على التسهيل و عدم المداقة في مثل هذه الأمور خصوصا في التيمم المبنيّ على التسهيل و التيسير.

(20) بضرورة من الدين.

(21) على المشهور لأنّه أول التيمم بحسب الأدلة و عند المتشرعة، سواء كان جزءا أم شرطا، مع أنّ هذا البحث ساقط عن أصله بناء على أنّ النية مجرد الداعي الارتكازي النفساني إذ لا ريب في ثبوته على كلّ حال. و أما قول أحدهما عليهما السّلام: «إن خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد أو البرذعة و يتيمم و يصلّي» (1).

فلا يدل على أنّ ضرب اليد خارج عن التيمم، إذ الظاهر أنّ قوله عليه السّلام «و يتيمم و يصلّي» بيان لما ذكره أولا، لا أن يكون جملة مستقلة.

فلا وجه لما نسب إلى العلامة (قدّس سرّه) و غيره من وجوب مقارنة النية لمسح

ص: 416


1- الوسائل باب: 9 من أبواب التيمم حديث: 5.

الذي مرّ في الوضوء (22) و لا يعتبر فيها قصد رفع الحدث، بل

______________________________

الوجه، مع انتفاء الأثر لهذا البحث بناء على أنّها الداعي، كما عرفت.

(22) لأصالة المساواة بين التيمم و الوضوء إلّا ما خرج بالدليل، و قد ارتكز في أذهان الفقهاء (قدّس سرّهم) من متقدميهم و متأخريهم هذا الأصل و لا دليل على الخلاف و يمكن أن يستدل على هذا الأصل بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب إطلاق الآية الكريمة فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (1).

فإنّ إطلاق التنزيل من كلّ جهة المستلزم لأصالة التساوي عرفا مما لا ينكر.

و من السنّة القولية إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «التراب أحد الطهورين» (2).

و قوله عليه السّلام: «إنّ ربّ الماء هو ربّ التراب» (3).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يكفيك الصعيد عشر سنين» (4).

و قوله عليه السّلام: «إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين» (5).

إلى غير ذلك من الأخبار المطلقة الظاهرة في التساوي إلّا مع الدليل على الخلاف.

و من السنّة الفعلية ظهور التيممات البيانية في كونه كالوضوء من كلّ جهة.

و من الإجماع ظهور تسالمهم عليه كما لا يخفى على من راجع الكلمات.

و من العقل فإنّ بناء العقلاء في تنزيلهم شيئا منزلة شي ء آخر التنزيل من كلّ حيثية و جهة إلّا ما صرّحوا بالخلاف، و هذا أصل متبع عندهم في تنزيلاتهم الحقيقية الدائرة لديهم يثبت به الأصل الذي يذكرونه في المقام، و ستأتي الإشارة إلى موارد الخروج عن تحت هذا الأصل.

ص: 417


1- سورة المائدة: 6.
2- ورد مضمونه في الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم حديث: 6.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 13 و 12.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 13 و 12.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 15.

و لا الاستباحة (23).

الثاني: المباشرة

(الثاني): المباشرة حال الاختيار (24).

الثالث: الموالاة

(الثالث): الموالاة و إن كان بدلا عن الغسل (25)، و المناط فيها

______________________________

(23) للأصل و الإطلاق، و قد تقدم في [المسألة 37] من شرائط الوضوء فراجع، و لا إشكال في جواز قصدهما. و توهم عدم جواز قصد الرفع إذ التيمم ليس برافع. مدفوع: بأنّ له أيضا مرتبة من الرفع، لقوله صلّى اللّه عليه و آله:

«جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» (1).

و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ اللّه جعل التراب طهورا، كما جعل الماء طهورا» (2).

و قوله عليه السّلام: «لا صلاة إلّا بطهور» (3).

(24) للإجماع، و لكونه المنساق من ظواهر الأدلة، و تقتضيه أصالة اعتبار المباشرة في العبادات.

(25) لإطلاق معقد الإجماع في اعتبار الموالاة حتّى فيما هو بدل عن الغسل أيضا، و هذا إحدى الموارد التي خرجت عن تحت أصالة المساواة بين الطهارة المائية و الترابية فيما هو بدل عن الغسل.

و يمكن أن يقال: بأصالة اعتبار الموالاة في كلّ فعل اختياري، لأنّها المنساق من الأفعال الاختيارية عند المتعارف إلّا ما دل الدليل على خلافه- و قد خرج الغسل بالدليل- و بقي غيره تحت الأصل، و مدرك اعتبار هذا الأصل بناء العرف على الاحتفاظ بالوحدة الاعتبارية فيما هو واحد اعتبارا، و عدم تخلّل ما يوجب زوال تلك الوحدة، و ليست الموالاة إلّا ذلك، فهذا أصل بنائي عقلائي

ص: 418


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب التيمم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب التيمم حديث: 5.

عدم الفصل المخلّ بهيئته عرفا بحيث يمحو صورته (26).

الرابع: الترتيب

(الرابع): الترتيب على الوجه المذكور (27).

الخامس: الابتداء بالأعلى

(الخامس): الابتداء بالأعلى و منه إلى الأسفل في الجبهة و اليدين (28).

السادس: عدم الحائل بين الماسح و الممسوح

(السادس): عدم الحائل بين الماسح و الممسوح (29).

______________________________

انسباقي من الأدلة في عرف المحاورة.

و أمّا ما عن بعض من انحصار دليل اعتبار الموالاة في الإجماع، لأنّ أدلة البدلية قاصرة، و السنّة الفعلية مجملة، و القولية مطلقة. فمردود: إذ لا قصور في الأدلة البدلية لعدم فهم العرف منها الإطلاق من كلّ جهة إلّا ما دلّ على الخلاف، و كيف يعقل الإجمال في الفعل الذي ورد في مقام البيان و التفصيل، و المنساق من إطلاق الأدلة القولية إمّا هو التحفظ على الوحدة الاتصالية الاعتبارية فكيف يصح التمسك بالإطلاق لنفيها.

(26) لأنّ المنساق إلى الأذهان من الموالاة هو ذلك ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا ليل عليه في المقام إلّا جريان أحكام المبدل عليه فيما هو بدل الغسل. و هو مردود: بالإجماع على الخلاف.

(27) إجماعا، و تقتضيه ظواهر السنّة القولية و الفعلية.

(28) إجماعا، لأصالة المساواة بين الطهارتين، مع صحة دعوى أنّه المنساق عرفا من الأدلة القولية و الفعلية، و لذلك ظاهرهم اعتباره فيما هو بدل الغسل أيضا مع عدم اعتباره في أصل الغسل، و هذا أيضا من إحدى موارد الخروج عن أصالة المساواة. و أمّا ما ورد على خلاف ذلك كما في خبر سماعة (1)و محمد بن مسلم (2)فلا بدّ من حمله على التقية، أو طرحه.

(29) لظهور الإجماع، و هو المقطوع به من الأدلة.

ص: 419


1- الوسائل باب: 13 من أبواب التيمم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 5.
السابع: طهارة الماسح و الممسوح
اشارة

(السابع): طهارة الماسح و الممسوح (30) في حال الاختيار (31).

مسألة 1: إذا بقي من الممسوح ما لم يمسح عليه

(مسألة 1): إذا بقي من الممسوح ما لم يمسح عليه و لو كان جزءا يسيرا- بطل (32) عمدا كان أو سهوا أو جهلا (33). لكن قد مرّ أنّه لا يلزم المداقة و التعميق.

مسألة 2: إذا كان في محلّ المسح لحم زائد يجب مسحه أيضا

(مسألة 2): إذا كان في محلّ المسح لحم زائد يجب مسحه أيضا (34)، ..

______________________________

(30) لما عن الشهيد من دعوى الإجماع عليه، و لأصالة المساواة بين الطهارتين. و أشكل على الأول بخلو كلمات القدماء عن التعرض لهذا الشرط و على الأخير بعدم ثبوت هذا الأصل.

و يرد الأول: بأنّ عدم التعرض كان لأجل مسلميّة الحكم لديهم و كفاية التعرض لها في المقام.

كما يرد الأخير بما تعرضنا له سابقا، فلا وجه بعد ذلك لما نسب إلى بعض من عدم الاعتبار تمسكا بالإطلاق، لأنّ الشك في شمول الإطلاق يكفي في عدم صحة التمسك به، و لا ريب في تحقق الشك في الشمول، و يأتي في [المسألة 7] ما ينفع المقام.

(31) أرسل ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، و ما هو المقطوع به لدى الفقهاء في كلّ عصر، و تقتضيه أصالة المساواة بين الطهارتين، و بناء التيمم على التسهيل و التيسير.

(32) لعدم الإتيان بالمأمور به، و حينئذ فمع عدم فوت الموالاة يعيد المسح على ما تركه مع ملاحظة الترتيب، و مع فوته يعيد أصل التيمم.

(33) لأنّ الأصل في دخالة الأجزاء و الشرائط أن تكون واقعية و مطلقة إلّا إذا دلّ دليل على الخلاف، و لا دليل كذلك في المقام.

(34) لأنّه جزء من الممسوح عرفا.

ص: 420

و إذا كانت يد زائدة فالحكم فيها كما مرّ في الوضوء (35).

مسألة 3: إذا كان على محلّ المسح شعر يكفي المسح عليه

(مسألة 3): إذا كان على محلّ المسح شعر يكفي المسح عليه (36) و إن كان في الجبهة بأن يكون منبته فيها (37). و أما إذا كان واقعا عليها من الرأس فيجب رفعه، لأنّه من الحائل.

مسألة 4: إذا كان على الماسح أو الممسوح جبيرة

(مسألة 4): إذا كان على الماسح أو الممسوح جبيرة يكفي المسح بها أو عليها (38).

مسألة 5: إذا خالف الترتيب بطل

(مسألة 5): إذا خالف الترتيب بطل و إن كان لجهل أو نسيان (39).

مسألة 6: يجوز الاستنابة عند عدم إمكان المباشرة

(مسألة 6): يجوز الاستنابة (40) عند عدم إمكان المباشرة

______________________________

(35) راجع [المسألة 11] من (فصل في أفعال الوضوء).

(36) لإطلاق الأدلة مع غلبة نبت الشعر على محلّ المسح، و كون إزالته حرجية غالبا و لم يشر إليه في الأخبار بشي ء.

(37) لشمول إطلاق الأدلة له أيضا.

(38) لظهور الإجماع، و ما ورد في الجبائر من تنزيل الشارع الجبيرة منزلة نفس البشرة. و مقتضى إطلاقه مع التعليل بأنّ في رفعه الحرج الشمول للمقام أيضا، مضافا إلى أنّ كون التيمم امتنانيا تسهيليا يقتضي ذلك، كما تقتضيه أصالة المساواة بين الطهارتين.

(39) لما مرّ من أنّ الأصل في الشرائط أن تكون واقعية، و لم يدل دليل على الخلاف في المقام فيبطل، لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

(40) المراد بالجواز هو الوضعي منه، فلا ينافي الوجوب. و يدل على الوجوب مع تعذر المباشرة مضافا إلى الإجماع، قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:

ص: 421

فيضرب النائب بيد المنوب عنه و يمسح بها وجهه و يديه (41). و إن لم يمكن الضرب بيده فيضرب بيده نفسه.

مسألة 7: إذا كان باطن اليدين نجسا وجب تطهيره إن أمكن

(مسألة 7): إذا كان باطن اليدين نجسا وجب تطهيره إن أمكن، و إلّا سقط اعتبار طهارته (42)، و لا ينتقل إلى الظاهر إلّا إذا كانت نجاسته مسرية إلى ما يتيمم به و لم يمكن تجفيفه (43).

______________________________

«ألا يمموه؟! إنّ شفاء العيّ السؤال» (1).

و قوله عليه السّلام: «ييمم المجدور و الكسير إذا أصابتهما جنابة» (2).

و مثله غيره.

(41) لأنّ مقتضى الإطلاقات، قاعدة الميسور وجوب الضرب بيد المنوب عنه إن أمكن، و مع عدم إمكانه يضع يده على ما يصح التيمم به فيمسح بها وجهه و يديه، و مع عدم إمكان ذلك أيضا تصل النوبة إلى يد النائب حينئذ، إذ لا وجه لوجوب الاستنابة و التولية إلّا ذلك فيضرب النائب بيد نفسه على الأرض فيمسح بها وجه العليل و يديه، لأنّ الأمر يدور بين سقوط أصل وجوب الاستنابة حينئذ، و هو خلاف الإجماع أو يضرب النائب بيد نفسه و هو المتعيّن.

(42) لأنّ عمدة دليل اعتبار الطهارة إنّما هو الإجماع و هو مفقود عند عدم التمكن من التطهير، و حينئذ فمقتضى الإطلاقات وجوب المسح بالباطن فلا وجه حينئذ لأن يقال إنّ الأصل في الشرط أن يكون مطلقا فينتفي المشروط بانتفائه إلّا مع الدليل على الخلاف، لأنّ دليل اعتبار الطهارة مختص بالتمكن منها، فلا وجه لهذه الدعوى. و طريق الاحتياط الجمع بين الظاهر و الباطن.

(43) لعدم إمكان التيمم بالباطن حينئذ شرعا لاستلزامه تنجس ما تيمم به، و ظاهرهم أنّ اشتراط طهارته من الشرائط المطلقة الواقعية غير المختصة بحال دون حال.

ص: 422


1- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 10.
مسألة 8: الأقطع بإحدى اليدين يكتفي بضرب الأخرى و مسح الجبهة بها

(مسألة 8): الأقطع بإحدى اليدين يكتفي بضرب الأخرى و مسح الجبهة بها ثمَّ مسح ظهرها بالأرض (44). و الأحوط الاستنابة لليد المقطوعة (45)، فيضرب بيده الموجودة مع يد واحدة للنائب و يمسح بهما جبهته. و يمسح النائب ظهر يده الموجودة و الأحوط مسح ظهرها على الأرض أيضا (46). و أما أقطع اليدين: فيمسح بجبهته على الأرض (47)، و الأحوط- مع الإمكان- (48) الجمع بينه و بين ضرب ذراعيه و المسح بهما و عليهما.

مسألة 9: إذا كان على الباطن نجاسة لها جرم يعدّ حائلا

(مسألة 9): إذا كان على الباطن نجاسة لها جرم يعدّ حائلا و لم يمكن إزالتها فالأحوط الجمع بين الضرب به و المسح به و الضرب

______________________________

(44) لقاعدة الميسور، و عدم سقوط الصلاة بحال، و يشهد له أصالة المساواة بين الطهارتين، و قد تقدم وجوب الوضوء للأقطع أيضا، مضافا إلى ظهور التسالم على عدم سقوط التيمم عنه.

(45) لاحتمال الانتقال إلى الاستنابة بالنسبة إليهما.

(46) لاحتمال أن يكون تكليفه مسح ظهر كفه على الأرض بنفسه لا بيد النائب، و حيث لم يرد في كيفية تيمم الأقطع دليل خاص لا بدّ من العمل بهذه الاحتمالات و الاحتياط.

(47) لقاعدة الميسور، و عن المبسوط سقوط التيمم بالنسبة إليه، و لعله للتشكيك في جريان القاعدة بالنسبة إليه. و لكن الظاهر أنّه لا وجه للتشكيك، لصدق الميسور عند المتشرعة عليه.

(48) لاحتمال انطباق القاعدة على الذراعين أيضا. و حيث إنّ هذه الفروع خالية عن الدليل، فلا بدّ من الاحتياط، و الجمع بين الاحتمالات كما أنّ الأحوط الاستنابة أيضا. و يرد على الماتن (قدّس سرّه) عدم التعرض لها هنا مع تعرضه لها في أقطع اليد الواحدة.

ص: 423

بالظاهر و المسح به (49).

مسألة 10: الخاتم حائل

(مسألة 10): الخاتم حائل فيجب نزعه حال التيمم (50).

مسألة 11: لا يجب تعيين المبدل منه مع اتحاد ما عليه

(مسألة 11): لا يجب تعيين المبدل منه مع اتحاد ما عليه (51) و أما مع التعدد كالحائض و النفساء فيجب تعيينه (52) و لو بالإجمال (53).

مسألة 12: مع اتحاد الغاية لا يجب تعيينها

(مسألة 12): مع اتحاد الغاية لا يجب تعيينها، و مع التعدد يجوز قصد الجميع، و يجوز قصد ما في الذمة، كما يجوز قصد واحدة منها فيجزئ عن الجميع (54).

______________________________

(49) عملا بالعلم الإجمالي المردد بين الظاهر و الباطن، و لكن مع جريان حكم الجبيرة على الحائل يجزي الضرب بالباطن، و مع عدم جريانه يتعيّن الظاهر و إن كان الاحتياط حسنا على كلّ حال.

(50) لوجوب مسح البشرة و هو مانع عن ذلك، و كذا لو كان في يده شي ء شك في أنّه مانع أو لا على تفصيل تقدم في [المسألة 9] من (فصل أفعال الوضوء).

(51) إن قصد المأمور به مع اتحاده و الالتفات إلى البدلية في الجملة تعيّن للمبدل إجمالا، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، بل مقتضى الأصل عدمه.

(52) لأنّ وقوعه بدلا عن أحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجح، و عن المردد لا وجه له لعدم تحقق المردد من حيث التردد فلا بدّ من التعيين. و الظاهر كفاية قصد البدلية عما وجب عليه أولا، بل لا يبعد الانصراف إليه مع قصد البدلية في الجملة، هذا مع أنّه بناء على جريان التداخل في التيمم البدل عن الغسل، كما يأتي في [المسألة 25] من الفصل اللاحق يجزي قصد البدلية عن الجميع بلا احتياج إلى التعين.

(53) لأصالة البراءة عن وجوب الزائد عليه.

(54) أما الأول لأنّ الأمر الغيري منبعث عن الغاية لا محالة فيكون نفس قصد الأمر الغيري قصدا إجمالا، فلا وجه للتعين مع الاتحاد. و أما الثاني فلأنّ

ص: 424

مسألة 13: إذا قصد غاية فتبيّن عدمها بطل

(مسألة 13): إذا قصد غاية فتبيّن عدمها بطل. و إن تبيّن غيرها صح له إذا كان الاشتباه في التطبيق، و بطل إن كان على وجه التقييد (55).

مسألة 14: إذا اعتقد كونه محدثا بالأصغر فقصد البدلية عن الوضوء فتبيّن كونه محدثا بالأكبر

(مسألة 14): إذا اعتقد كونه محدثا بالأصغر فقصد البدلية عن الوضوء فتبيّن كونه محدثا بالأكبر، فإن كان على وجه التقييد بطل، و إن كان من باب الاشتباه في التطبيق أو قصد ما في الذمة صح. و كذا إذا اعتقد كونه جنبا فبان عدمه و أنّه ماس للميت مثلا (56).

مسألة 15: في مسح الجبهة و اليدين يجب إمرار الماسح على الممسوح

(مسألة 15): في مسح الجبهة و اليدين يجب إمرار الماسح على الممسوح، فلا يكفي جر الممسوح تحت الماسح. نعم،

______________________________

الأوامر الغيرية المجتمعة في الواحد مقتضية لقصدهما، و لا مانع عن ذلك في البين، فيجوز لا محالة لوجود المقتضي و فقد المانع. و أما الثالث فلأنّه عنوان إجمالي لقصد الجميع أيضا، فلا فرق بينهما إلّا من حيث التفصيل و الإجمال.

و أما الأخير فلأنّه مع قصد غاية واحدة تحصل الطهارة لا محالة، و مع حصولها تباح تمام الغايات المشروطة بها، لكونها مشروطة بحصول طبيعة الطهارة و هي حاصلة فلا بدّ من إباحتها، و إلّا لزم الخلف. و قد تقدم في [المسألة 31] من فصل شرائط الوضوء ما ينفع المقام فراجع.

(55) أما بطلان الأول فلانكشاف عدم الأمر به مع كونه متقوّما بقصد الأمر.

نعم، يصح لو قيل بكونه مستحبا نفسيا مع العذر عن استعمال الماء إن كان قصد الأمر الغائي طريقا إلى قصد أمره النفسي و لكنّه مشكل. و أما صحة الثاني فلأنّه يرجع إلى قصد أمره الفعلي فيصح لا محالة و أما بطلان الأخير فلأنّ ما قصده لا أمر بالنسبة إليه، و ما هو مأمور به لم يقصد. فالمناط في الصحة مطلقا تحقق القصد إلى التكليف الفعلي و لو إجمالا و المناط في البطلان تخلفه عنه تفصيلا.

(56) علم حكم هذه المسألة مما تقدم، فلا وجه للتكرار، مع أنّه قد تقدمت هذه المسائل في الوضوء.

ص: 425

لا تضر الحركة اليسيرة في الممسوح إذا صدق كونه ممسوحا (57).

مسألة 16: إذا رفع يده في أثناء المسح ثمَّ وضعها بلا فصل و أتم

(مسألة 16): إذا رفع يده في أثناء المسح ثمَّ وضعها بلا فصل و أتم، فالظاهر كفايته (58)، و إن كان الأحوط الإعادة.

______________________________

(57) أما اعتبار إمرار الماسح على الممسوح، فلأنّه المتفاهم من أدلة المقام عند المتعارف، مضافا إلى ظهور التسالم عليه.

و أما ما يقال: من صدق المسح بالعكس أيضا هنا و في الوضوء، لأنّ المصحح لدخول الباء على الشي ء كونه ملحوظا آلة لإحداث أثر في الممسوح لا مروره و حركته على الممسوح مع سكونه، كما يظهر بالتأمل في موارد الاستعمال.

ففيه: أنّ المسح هو إمرار الشي ء على الشي ء و هو أمر إضافي قائم بالماسح و الممسوح كالمس، و يصح اتصاف كلّ من الطرفين بالماسحية و الممسوحية بحسب الدقة كما في التمسح بالأحجار، فإنّه لا فرق فيه بين مسحها على محلّ الغائط أو مسح محلّ الغائط بها. و لكن المتفاهم عند العرف في مثل مسحات الوضوء و التيمم، و مسح رأس اليتيم، و مسح المقدسات إمرار اليد عليها لا العكس فهذه الاستفادة تختص بالمقام لظهور سياق الأدلة في ذلك.

و أما عدم البأس بالحركة اليسيرة فلصدق إمرار الماسح على الممسوح مع تلك الحركة اليسيرة أيضا، فإنّ المنساق من عبارة: «فمسح بها وجهه، ثمَّ مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى» (1) هو ذلك، و كذا ما هو مثله من سائر الأخبار و قد تقدم في [المسألة 30] من فصل أفعال الوضوء أيضا فراجع، إذ المسألتان من باب واحد.

(58) لعدم كونه منافيا للموالاة، فتشمله الإطلاقات قهرا. نعم، لو كان المراد بالمسح أن يكون واحدا وجودا بحيث لم يتخلل العدم من حين حدوثه إلى

ص: 426


1- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 1.
مسألة 17: إذا لم يعلم أنّه محدث بالأصغر أو الأكبر يكفيه تيمم واحد بقصد ما في الذمة

(مسألة 17): إذا لم يعلم أنّه محدث بالأصغر أو الأكبر يكفيه تيمم واحد بقصد ما في الذمة (59).

مسألة 18: المشهور على أنّه يكفي فيما هو بدل عن الوضوء ضربة واحدة للوجه و اليدين

(مسألة 18): المشهور على أنّه يكفي فيما هو بدل عن الوضوء ضربة واحدة للوجه و اليدين. و يجب التعدد فيما هو بدل عن الغسل.

و الأقوى كفاية الواحدة فيما هو بدل عن الغسل أيضا (60)، و إن كان

______________________________

تمامه لبطل ذلك، و لكنّه خلاف الإطلاقات، و من مجرد الاحتمال، و منه يعلم وجه الاحتياط المذكور.

(59) لوجود المقتضي و هو الأمر، و فقد المانع بناء على عدم الفرق فيما هو بدل عن الوضوء و ما هو بدل عن الغسل في الكيفية. و أما بناء على اختلافهما فيها فيأتي بالكيفيتين.

(60) للإطلاقات الحاكية لفعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قضية عمار (1)، و فعل الباقرين عليهما السّلام في مقام بيان حقيقة التيمم و ماهيته، فتطابقت السنّة القولية و الفعلية على كفاية الواحدة، و يمتنع عادة أن يكون شيئا واجبا في التيمم الذي هو عام البلوى و دخيلا في حقيقته و لم يبيّن خصوصا مع تعرضهم عليهم السّلام لما هو مندوب و ليس بواجب و احتمال عدم كونها في مقام البيان من كلّ جهة خلاف ظاهرها، بل معلوم الفساد خصوصا ما ورد في قضية عمار، لقبح إجمال القضية، مع كونه عليه السّلام في مقام التعليم أو بيان ما هو بدل الوضوء في مقام تعليم بدل الغسل فإنّه إقرار للجهل و إغراء به، و خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام ظاهر في كفاية الواحدة مطلقا، قال عليه السّلام:

«تضرب بكفيك الأرض ثمَّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» (2).

و أما صحيح إسماعيل عن الرضا عليه السّلام: «التيمم ضربة للوجه و ضربة للكفين» (3).

ص: 427


1- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 9 و 7 و 4 و 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب التيمم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 3.

.....

______________________________

و صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن التيمم، قال عليه السّلام: مرتين مرتين للوجه و اليدين» (1).

و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قلت له: كيف التيمم؟

قال: هو ضرب واحد للوضوء، و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه و مرة لليدين، و متى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا و الوضوء إن لم تكن جنبا» (2).

و خبر ليث المرادي عن الصادق عليه السّلام: «تضرب بكفيك على الأرض مرّتين ثمَّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» (3).

فالكلّ محمول على الندب، مع أنّ موافقتها للعامة أوهنها، فعلى هذا يشكل استفادة الاستحباب منها أيضا.

و استدل المشهور تارة بقاعدة الاشتغال، و أخرى بالإجماعات المنقولة.

و ثالثة بأنّه من الجمع بين الأخبار بحمل ما يظهر منه الاكتفاء بالواحدة على ما هو بدل الوضوء، و ما يظهر منه اعتبار المرتين على ما هو بدل الغسل و جعل الشهرة شاهدا على هذا الحمل.

و الكلّ مخدوش: إذ المقام من مجاري البراءة، لأنّه من الشك في أصل الشرطية، لا الاحتياط. و الإجماعات المنقولة كلّها اجتهادية. و لا وجه للجمع المذكور، لإباء المطلقات الواردة في بيان ما هو بدل الغسل عن هذا الحمل، و تقدم أنّ احتمال كونها مهملة من هذه الجهة ممتنع عادة فيما ورد للبيان و التعليم قولا و فعلا، مع أنّ صحيح زرارة ظاهر، بل صريح في عدم الفرق بينهما، فلا بدّ إما من القول باعتبار المرّتين في التيمم مطلقا أخذا بهذه الأخبار و تقييد المطلقات. و فيه: مضافا إلى ما مرّ أنّه مخالف للمشهور. أو القول بكفاية الواحدة مطلقا، و هو المنساق من الأخبار البيانية قولا و عملا، و مخالف لأكثر العامة، و المشهور لديهم عن عليّ عليه السّلام و التابعين.

ص: 428


1- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 4.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 2.

الأحوط ما ذكره، و أحوط منه التعدد في بدل الوضوء أيضا. و الأولى أن يضرب بيديه و يمسح بهما جبهته و يديه، ثمَّ يضرب مرة أخرى و يمسح بها يديه (61).

______________________________

و أما ما رواه العلامة (رحمه اللّه) عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام: «إنّ التيمم من الوضوء مرة واحدة، و من الجنابة مرتان» (1).

فقد صرّح جماعة بأنّه لم يعرف له أصل في كتب الأخبار.

و أما خبر ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التيمم؟

فضرب بكفيه الأرض ثمَّ مسح بهما وجهه ثمَّ ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها و واحدة على بطنها، ثمَّ ضرب بيمينه الأرض ثمَّ صنع بشماله كما صنع بيمينه- الحديث-» (2).

فلا بدّ من رده إلى أهله، لمخالفته لمذهب الإمامية.

و أما دعوى أنّ حمل أخبار المرّتين على الاستحباب خرق للإجماع المركب. فمردود: بأنّ الإجماع البسيط الحاصل من الاجتهاد في الأدلة لا اعتماد عليه فضلا عن المركب منه، و قد مرّ أنّ هذه الإجماعات المنقولة اجتهادية لا اعتبار بها أصلا.

فتلخص: أنّ كفاية الواحدة مطلقا هو المنساق من الأدلة و الاحتياط في المرّتين خصوصا فيما هو بدل الغسل و أما الثلاث، كما نسب إلى ابن بابويه، فلا وجه له لاستقرار المذهب قديما و حديثا على خلافه، و من ذلك كلّه يظهر وجه الاحتياط المذكور في المتن.

(61) وجه الأولوية احتمال كون مسح اليد مزيلا لأثر الضربة الأولى، و احتمال كون الضربة الثانية مخلة بالموالاة بين الضربة الأولى و المسح بها.

فائدة: بناء على اعتبار المرتين في بدل الغسل فالمصرّح به في جملة من

ص: 429


1- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 8.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 5.

و ربما يقال: غاية الاحتياط أن يضرب مع ذلك مرة أخرى يده اليسرى و يمسح بها ظهر اليمنى، ثمَّ يضرب اليمنى و يمسح بها ظهر اليسرى (62).

مسألة 19: إذا شك في بعض أجزاء التيمم بعد الفراغ منه

(مسألة 19): إذا شك في بعض أجزاء التيمم بعد الفراغ منه لم يعتن به و بنى على الصحة، و كذا إذا شك في شرط من شروطه (63).

و إذا شك في أثنائه قبل الفراغ في جزء أو شرط، فإن كان بعد تجاوز محلّه بنى على الصحة (64)، و إن كان قبله أتى به و ما بعده (65)، من

______________________________

الأخبار خصوصا غسل الجنابة و إلحاق غيره به، إما بما في الجواهر من حكاية الإجماع على عدم الفرق بين أسباب الغسل، أو لصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن تيمم الحائض و الجنب سواء إذا لم يجد ماء؟ قال عليه السّلام: نعم» (1).

و قريب منه موثق عمار (2) بناء على أنّ ذكر الحائض من باب المثال لكلّ غسل.

(62) منشؤه ما تقدم من خبر ابن مسلم، و نسب إلى ابن بابويه العمل بمضمونه و قد مر ما فيه فراجع.

(63) لقاعدة الفراغ المتسالم على جريانها في المقام، و لما أثبتناه في محلّه من عدم اختصاص قاعدة الفراغ بالشك في خصوص الأجزاء، بل تجري في الشك في الشرائط أيضا، و نتعرض لتفصيله في كتاب الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

(64) لقاعدة التجاوز، فإنّها لعموم دليلها جارية في المقام خرج منها الوضوء بدليل خاص، و هذا من إحدى الموارد التي خرجت عن أصالة المساواة بينهما.

(65) لأصالة عدم الإتيان، و قاعدة الاشتغال غير المختصة بمورد دون مورد.

ص: 430


1- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 7.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 6.

غير فرق بين أن يكون بدلا عن الوضوء أو الغسل (66)، لكن الأحوط الاعتناء به مطلقا و إن جاز محلّه أو كان بعد الفراغ (67) ما لم يقم عن مكانه، أو لم ينتقل إلى حالة أخرى على ما مرّ في الوضوء، خصوصا فيما هو بدل عنه (68).

مسألة 20: إذا علم بعد الفراغ ترك جزء يكفيه العود إليه

(مسألة 20): إذا علم بعد الفراغ ترك جزء يكفيه العود إليه و الإتيان به و بما بعده مع عدم فوت الموالاة، و مع فوتها وجب الاستئناف. و إن تذكر بعد الصلاة وجب إعادتها أو قضاؤها. و كذا إذا ترك شرطا مطلقا ما عدا الإباحة في الماء أو التراب فلا تجب إلّا مع العلم و العمد، كما مر (69).

______________________________

(66) لعموم الدليل في كلّ من المستثنى و المستثنى منه الشامل لكلّ تيمم سواء كان بدلا عن الوضوء أم الغسل.

(67) لاحتمال أن يكون التيمم أمرا بسيطا، و الضرب و المسحات محصلات لذلك الأمر البسيط لا أن يكون من الأجزاء الحقيقية، و القاعدتان تختصان بذوات الأجزاء الحقيقية كالصلاة و نحوها، و منه يظهر أنّه لا فرق بين أن يقوم من مكانه أو لا. نعم، في صحيح زرارة: «فإذا قمت من الوضوء، و فرغت منه» (1).

(68) جمودا على ما أثبتناه من أصالة المساواة بينهما ما لم يدل دليل على الخلاف.

(69) أما العود مع عدم فوت الموالاة فلوجود المقتضي و فقد المانع، فيشمله إطلاق الدليل قهرا. و أما الاستئناف مع فوت الموالاة فلعدم إمكان الامتثال إلّا به. و أما استئناف الصلاة إعادة أو قضاء فلتبين وقوعها مع فقد الطهور. و أما أنّ الشرائط المطلقة حكمها حكم الجزء، فلفرض إطلاقها و عدم اختصاصها بحال دون حال. و أما عدم الإعادة في نسيان الإباحة أو الجهل الموضوعي بها فلفرض أنّها من الشروط العلمية دون المطلقة. و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 431


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 1.

فصل في أحكام التيمم

اشارة

(فصل في أحكام التيمم)

مسألة 1: لا يجوز التيمم للصلاة قبل دخول وقتها

(مسألة 1): لا يجوز التيمم للصلاة قبل دخول وقتها و إن كان بعنوان التهيؤ (1).

(فصل في أحكام التيمم)

______________________________

(1) البحث فيه تارة بحسب الأدلة الخاصة، و أخرى بحسب القواعد العامة و فيها التعرض لمفاد الأصل العملي.

أما الأول: فليس في البين إلّا الإجماعات المستفيضة، بل المتواترة التي نقلوها. و فيه أولا: أنّها حاصلة مما ارتكز في أذهانهم من عدم وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها، و عدم الجزم بثبوت الاستحباب النفسي للطهارة الترابية في صورة فقدان الماء.

و ثانيا: أنّ المتيقن منها عدم العلم ببقاء العذر إلى آخر الوقت خصوصا مع احتمال صيرورته فاقد الطهورين في الوقت.

و أما الثاني: فعمدة الوجه فيه أنّ وجوب المقدمة غيريّ تبعيّ منبعث عن ذيها، و لا وجه للوجوب الغيريّ التبعي قبل وجوب ذي المقدمة، و قد أجيب عنه بوجوه تعرضنا لها مع ما يرد عليها من الخدشة في الأصول، و لعلّ أحسن تلك الوجوه و أسلمها عن الإشكال: أنّ الأحكام الشرعية اعتبارات صحيحة عقلائية، و ما يتعلق بها من حدود موضوعها و قيودها جزءا كانت أو شروطا يكون تحت استيلاء الشارع و اختياره كيف ما شاء، فله أن يجعل المتقدم أو المتأخر مشمولا لما جعله من الحكم الاعتباري و لا محذور فيه، لفرض كونه تحت اختياره بأيّ نحو يريد، و لا وجه لجريان أحكام العقليات الدقية على الاعتباريات الشرعية الصحيحة.

ص: 432

.....

______________________________

و لنا أن نقول أيضا: إنّ لوجوب المؤقتات مرتبتين:

الأولى: ما تختص بما بعد الوقت.

الثانية: ما يتعلق بها من حيث الاحتفاظ بمقدماتها، و هي غير مختصة بما بعد الوقت، و هذا التحليل عرفي لا مانع منه ثبوتا، و طريق الإثبات حكم العقل بحفظ غرض المولى مهما أمكن، و على أيّ تقدير إتيان المقدمة قبل وقت ذيها، سواء كان بحكم العقل لحفظ الغرض أو لتصوير الوجوب الشرعي بأيّ وجه أمكن لا اختصاص له بمقدمة دون أخرى، بل يجري في المقدمات كلّها فينحصر دليل عدم جواز التيمم قبل الوقت بالإجماع- لو تمَّ و شمل الإتيان به- قبله حتّى للتهيؤ، و هو مشكل، لعموم المرسل: «ما وقّر الصلاة من أخّر الطهارة لها حتّى يدخل وقتها» (1).

لأنّ شموله للتيمم مما لا ينكر، كما أنّ عدم كون التيمم في ظرف صحته مندوبا نفسيا أشكل، لأنّه طهور و هو محبوب على كلّ حال، لأنّ اللّه يحب المتطهرين.

و أما مفاد الأصل العملي فالمسألة من صغريات التشريع و قد أثبتوا بالأدلة الأربعة عدم جوازه، و لكن الظاهر أنّه لا تصل النوبة إليه مع المحبوبية المطلقة للطهارة بأيّ مرتبة من مراتبها و لو كانت ترابية مع ثبوت موضوعها.

هذا لباب الكلام في المقام، و للقوم كلمات لا بأس بالإشارة إليها مع مناقشتها.

فنقول: اختلفت أقوالهم في حلّ هذه المسألة، فمن قائل: بأنّ الوقت شرط للواجب لا الوجوب، فهو فعليّ و إن كان الواجب استقباليا، و من قائل: بأنّ ذي المقدمة مشروط بالوقت دون المقدمة، و من قائل: بأنّ الاشتراط بالوقت من الشرط المتأخر فالوجوب يصير فعليا، و من قائل: بأنّ التوقيت شرط لحاظيّ و ليس بخارجي و اللحاظ قرين المشروط فيرجع إلى الشرط المقارن، و من قائل: بأنّ

ص: 433


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 5.

نعم، لو تيمم بقصد غاية أخرى واجبة أو مندوبة تجوز الصلاة به بعد دخول وقتها، كأن يتيمم لصلاة القضاء أو للنافلة إذا كانت وظيفته

______________________________

المقدمة واجبة بالوجوب التهيّئي تحفظا على ذي المقدمة و الاهتمام به.

و الكل مخدوش إن لم يرجع إلى ما ذكرناه. إذ الأول خلاف ظاهر الأدلة، و الثاني تفكيك بين التابع و المتبوع بلا دليل عليه، بل الدليل على بطلانه لأنّ وجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها مطلقا فلا وجه للتفكيك بينهما.

و الثالث مخالف لما ثبت في محلّه من لزوم تقدم العلة على المعلول بجميع أجزائها و جزئياتها و سائر جهاتها، و الأخير يحتاج إلى دليل إن لم يرجع إلى ما ذكرناه.

و يمكن تصحيح جميع ما ذكروه بأنّ مرادهم ما أشرنا إليه و إن قصرت عبارتهم في مقام الأداء، فالقصور في التطبيق لا في المراد الواقعي لأنّ لزوم الاهتمام باحتفاظ الغرض فطريّ لكلّ أحد، و تهيئة المقدمات من الاحتفاظ على الغرض مما لا يخفى على أحد، و هو أيضا من الفطريات غير القابلة للتشكيك، فمن يدعو ضيفا في الليلة المستقبلة يهيئ مقدمات الضيافة قبلها بيوم أو أكثر، و هذه الفطرة السليمة جارية في الوضوء و الغسل و التيمم و نحوها، و الشرع لا يتعداها، بل قررها و أمضاها، لأنّه دين الفطرة التي فطر الناس عليها.

و عن بعض مشايخنا (قدّست أسرارهم) دفع الإشكال من أصله: بأنّ وجوب ذي المقدمة من قبيل العلة الغائية لوجوب المقدمة، فلا محذور أصلا في البين، لا من قبيل العلة الفاعلية حتّى يلزم محذور تقدم المعلول على العلة فتحصل العويصة، هذا بعض الكلام بما يناسب المقام، و قد تعرضنا له في الأصول في مباحث مقدمة الواجب، فراجع.

إن قيل: اللابدية العقلية مما لا ريب فيه بحكم الفطرة و البحث في إحراز الوجوب الشرعي، و على فرض إحرازه لا أثر له مع اللابدية العقلية. يقال:

اللابدية العقلية من طرق إحراز الوجوب الشرعي إذ الشارع لا يتخطّى بناء كافة العقلاء و يكفي في الأثر إتمام الحجة و تقرير حكم العقل و التأكيد له.

ص: 434

التيمم (2).

مسألة 2: إذا تيمم بعد دخول وقت فريضة أو نافلة

(مسألة 2): إذا تيمم بعد دخول وقت فريضة أو نافلة يجوز إتيان الصلوات التي لم يدخل وقتها بعد دخوله ما لم يحدث أو يجد ماء، فلو تيمم لصلاة الصبح يجوز أن يصلّي به الظهر. و كذا إذا تيمم لغاية أخرى غير الصلاة (3).

______________________________

(2) لوجود المقتضي و فقد المانع، فيصح تيممه حدوثا و بقاء، و يأتي في المسألة اللاحقة ما ينفع المقام.

(3) نصوصا و إجماعا، ففي صحيح حماد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل لا يجد الماء يتيمم لكلّ صلاة؟ فقال عليه السّلام: لا، هو بمنزلة الماء» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا في صحيح زرارة: «في رجل تيمم، قال عليه السّلام: يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء» (2).

و في صحيحه الآخر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يصلّي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلّها، فقال عليه السّلام: نعم، ما لم يحدث، أو يصب ماء» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار، و يدل عليه أيضا الأخبار الدالة على أنّ التراب أحد الطهورين، و لا ريب في حصول الطهارة، و مع حصولها يستباح جميع الغايات المشروطة بها و إلّا لزم إما عدم حصول الطهارة، و هو خلف، أو وجود دليل خاص على التخصيص، و هو مفقود.

و أما خبر أبي همام عن الرضا عليه السّلام: «يتيمم لكلّ صلاة حتّى يوجد الماء»(4).

ص: 435


1- الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 1.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 4.
مسألة 3: الأقوى جواز التيمم في سعة الوقت

(مسألة 3): الأقوى جواز التيمم في سعة الوقت و إن احتمل ارتفاع العذر في آخره بل لو ظنّ به (4).

______________________________

و خبر السكوني عن الصادق عليه السّلام: «لا يتمتع بالتيمم إلّا صلاة واحدة و نافلتها» (1).

فمحمول على الندب أو التقية، لقيام الإجماع على خلافها، مع معارضتها بما هو أكثر عددا، و أصح سندا. و يشكل مع احتمال الورود مورد التقية استفادة الندب منها أيضا، مع أنّ خبر السكوني معارض بما روي عنه أيضا مما يدل على جوازه (2).

(4) نسب ذلك إلى جمع من أساطين الفقهاء (قدّس سرّهم)، لإطلاق الأدلة الشامل لجميع الأزمنة المتعذر فيها الطهارة المائية و من أفرادها أول الوقت.

و لكن كون الطهارة الترابية اضطرارية و المرتكز في النفوس استيعاب الاضطرار في المؤقتات يمنع عن التمسك بالإطلاق، لأنّ ذلك كالقرينة المحفوفة بالكلام.

إلّا أن يقال: إنّ كون الحكم تسهيليا امتنانيا قرينة على التسهيل و التيسير في التيمم بالخصوص و هذه القرينة مقدمة على أنّ الاضطراريات لا بدّ فيها من استيعاب العذر، لأنّ الأولى من القرينة الخاصة، و الثانية من القرينة العامة، فالأخبار الخاصة وردت على طبق القرينة الخاصة، و كيف كان فالعمدة الأخبار الخاصة، كصحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإن أصاب الماء و قد صلّى بتيمم و هو في وقت، قال عليه السّلام: «تمت صلاته و لا إعادة عليه» (3).

و صحيح ابن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد و صلّى ثمَّ وجد الماء، قال عليه السّلام: لا يعيد، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين» (4).

و نحوهما غيرهما، و ظهورها في التوسعة مما لا ينكر، و حملها على صورة

ص: 436


1- الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 6.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 5.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 9.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 15.

نعم، مع العلم بالارتفاع يجب الصبر (5). لكن الأحوط التأخير إلى آخر الوقت مع احتمال الرفع و إن كان موهوما (6). نعم، مع العلم

______________________________

الظن بضيق الوقت أو محامل أخرى خلاف الظاهر، خصوصا مع ترك الاستفصال و إطلاق الجواب. و عن المشهور، بل دعي عليه الإجماع: وجوب التأخير إلى آخر الوقت، لجملة من الأخبار، كصحيح ابن مسلم: «إذا لم تجد ماء و أردت التيمم فأخّر التيمم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» (1).

و عنه عليه السّلام في موثق ابن بكير: «فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض» (2).

و نحوهما غيرهما، و الجمع بين الطائفتين إما بحمل الأخيرة على الندب، أو حملها على صورة العلم بزوال العذر، و الأخير هو المتعيّن في التكاليف العذرية بحسب الأنظار العرفية، و إن كان يشهد للحمل على الاستحباب خبر حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و اعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلّا في آخر الوقت» (3).

و خبر ابن حازم عنه عليه السّلام أيضا: «في رجل تيمم فصلّى، ثمَّ أصاب الماء، فقال عليه السّلام: أما أنا إن كنت فاعلا، إنّي كنت أتوضأ و أعيد»(4).

فتبقى صورتا الاحتمال و الظن داخلتين في الطائفة الأولى، كما هو مقتضى تسهيل الشريعة و الامتنان على العباد. نعم، الظاهر أنّ الاطمئنان المتعارف بزوال العذر بمنزلة العلم به.

(5) إجماعا، و للطائفة الثانية من الأخبار بعد انصراف الطائفة الأولى عن صورة العلم بالزوال، و لا أقلّ من الشك في شمولها لهذه الصورة، فلا يصح التمسك بها من جهة الشبهة المصداقية.

(6) جمودا على الطائفة الثانية من الأخبار، و ما انغرس في الأذهان من أنّ

ص: 437


1- الوسائل باب: 22 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب التيمم حديث: 3.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب التيمم حديث: 5.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 10.

بعدمه و بقاء العذر لا إشكال في جواز التقديم (7). فتحصّل: أنّه إما عالم ببقاء العذر إلى آخر الوقت، أو عالم بارتفاعه قبل الآخر، أو محتمل للأمرين، فيجوز المبادرة مع العلم بالبقاء، و يجب التأخير مع العلم بالارتفاع، و مع الاحتمال الأقوى جواز المبادرة خصوصا مع الظن بالبقاء، و الأحوط التأخير خصوصا مع الظن بالارتفاع.

مسألة 4: إذا تيمم لصلاة سابقة و صلّى و لم ينتقض تيممه حتّى دخل وقت صلاة أخرى

(مسألة 4): إذا تيمم لصلاة سابقة و صلّى و لم ينتقض تيممه حتّى دخل وقت صلاة أخرى يجوز الإتيان بها في أول وقتها و إن احتمل زوال العذر في آخر الوقت على المختار (8)، بل و على القول بوجوب التأخير في الصلاة الأولى عند بعضهم (9) لكن الأحوط التأخير (10) في

______________________________

المناط في التكاليف الاضطرارية هو العجز المستوعب.

(7) لأنّه المتيقن من القسم الأول من الأخبار، و لكن الأحوط فيه التأخير أيضا خروجا عن مخالفة من قال بالتأخير مطلقا، بل ادعي عليه الإجماع و إن كان موهونا جدّا.

(8) لإطلاق الطائفة الأولى من الأخبار الشاملة لهذه الصورة أيضا.

(9) نسب ذلك إلى جمع منهم الشيخ (قدّس سرّه)، لاستصحاب بقاء الطهارة، و ما دل على الاكتفاء بتيمم واحد لصلوات متعددة، و اختصاص ما تقدم من الطائفة الثانية من الأخبار بغير التيمم.

و نسب إلى السيد (رحمه اللّه) عدم صحة الصلاة بهذا التيمم و تابعه الشهيد (قدّس سرّه)، لعدم جريان الاستصحاب، لأنّه من الشك في أصل الموضوع خصوصا بعد البناء على عدم حصول الطهارة بالتيمم، بل يحصل به مجرد الإباحة فقط. و فيه: ما لا يخفى، و لأنّ ما دل على الاكتفاء بتيمم واحد لصلوات متعددة مورده غير هذه الصورة. و فيه: أنّه مناف للإطلاق و التسهيل و الامتنان، و أنّ المورد لا يكون مقيدا و مخصصا خصوصا في الأحكام الامتنانية.

(10) لما مر من إمكان المناقشة في الصحة.

ص: 438

الصلاة الثانية أيضا، و إن لم يكن مثل الاحتياط السابق (11)، بل أمره أسهل. نعم، لو علم بزوال العذر وجب التأخير كما في الصلاة السابقة.

مسألة 5: المراد بآخر الوقت الذي يجب التأخير إليه

(مسألة 5): المراد بآخر الوقت الذي يجب التأخير إليه أو يكون أحوط: الآخر العرفي، فلا تجب المداقة فيه، و لا الصبر إلى زمان لا يبقى وقت إلّا بقدر الواجبات فيجوز التيمم و الإتيان بالصلاة مشتملة على المستحبات أيضا، بل لا ينافي إتيان بعض المقدمات القريبة بعد الإتيان بالتيمم قبل الشروع في الصلاة بمعنى إبقاء الوقت بهذا المقدار (12).

مسألة 6: يجوز التيمم لصلاة القضاء و الإتيان بها معه

(مسألة 6): يجوز التيمم لصلاة القضاء و الإتيان بها معه و لا يجب التأخير إلى زوال العذر (13). نعم، مع العلم بزواله عما

______________________________

(11) لما مر من إمكان دفع المناقشة و الإشكال فيكون من الاحتياط الحسن على كلّ حال، مضافا إلى الخروج عن خلاف من قال بوجوب التأخير.

(12) لأنّ ذلك كلّه هو المنساق من الأدلة المنزلة على المتعارف، و عدم بناء الشرع على الدقيات العقلية، بل و العرفية أيضا، خصوصا في الحكم المبنيّ أصل تشريعه على التسهيل و التيسير.

(13) لما تقدم من الطائفة الأولى من الأخبار في المسألة الثالثة، و مقتضى التعليل فيها بقوله عليه السّلام: «لأنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد»(1). الشمول لأمثال المقام أيضا مضافا إلى ظهور الإجماع. و احتمال أنّ القضاء من المؤقتات إلى ظنّ الموت و ظهور أماراته، فيجب التأخير إلى آخر الوقت لا دليل عليه من عقل أو نقل، بل خلاف ظواهر الأدلة المرغبة إلى القضاء في كلّ آن و زمان (2).

ص: 439


1- الوسائل باب: 3 من أبواب التيمم حديث: 2.
2- الوسائل أحاديث باب: 2 من أبواب قضاء الصلاة.

قريب يشكل الإتيان بها قبله (14). و كذا يجوز للنوافل الموقتة حتّى في سعة وقتها بشرط عدم العلم بزوال العذر إلى آخره (15).

مسألة 7: إذا اعتقد عدم سعة الوقت فتيمّم و صلّى ثمَّ بان السعة

(مسألة 7): إذا اعتقد عدم سعة الوقت فتيمّم و صلّى ثمَّ بان السعة، فعلى المختار صحت صلاته (16) و يحتاط بالإعادة و على القول

______________________________

(14) بل و كذا مع الاطمئنان المتعارف، لانصراف أدلة التكاليف الاضطرارية عن ذلك عرفا، و يأتي منه الاحتياط الوجوبي مطلقا في صلاة القضاء.

(15) لإطلاق ما تقدم في المسألة الثالثة من الطائفة الأولى من الأخبار الشامل للنوافل أيضا و تقدم وجه وجوب التأخير في صورة العلم بزوال العذر، بل و في صورة الاطمئنان أيضا.

فروع- (الأول): يجوز التيمم للنوافل غير المؤقتة أيضا مع صدق العذر عرفا و لا يصح مع عدم صدقه كما إذا كان الماء باردا يضر باستعماله و وضعه على النار ليسخن مثلا، فيتيمم و يشرع في النوافل غير المؤقتة و نحو ذلك من الموارد، فإنّه ليس من العذر لا عرفا و لا شرعا.

(الثاني): لا فرق في جميع ما تقدم بين عدم وجدان الماء و بين سائر المسوغات إذ المناط في الجميع عدم التمكن من استعمال الماء إذا حصل ذلك من أيّ سبب كان.

(الثالث): لو كان الماء باردا- مثلا- و تضرر باستعماله و أمكنه إسخانه بنار الغير من دون تصرّف في ملكه هل يجب ذلك أو لا؟ وجهان مبنيان على أنّ الانتفاع بمال الغير حرام مطلقا أم لا. و يأتي التفصيل في كتاب الصلاة في مباحث المكان.

(16) لكونه من موارد سعة الوقت في الواقع و تقدم صحة التيمم مع سعة الوقت هذا إذا كان العذر غير ضيق الوقت و إلّا فقد تقدم- في [المسألة 24] من الفصل الأول- وجوب الإعادة و إن كان تقدم منه (رحمه اللّه) عدم استبعاد الصحة في [المسألة 12] من ذلك الفصل فراجع.

ص: 440

بوجوب التأخير تجب الإعادة.

مسألة 8: لا تجب إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم الصحيح بعد زوال العذر

(مسألة 8): لا تجب إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم الصحيح بعد زوال العذر لا في الوقت و لا في خارجه مطلقا (17).

نعم، الأحوط استحبابا إعادتها في موارد:

(أحدها): من تعمد الجنابة مع كونه خائفا من استعمال الماء (18)، فإنّه يتيمم و يصلّي، لكن الأحوط إعادتها بعد زوال العذر و لو في خارج الوقت.

(الثاني): من تيمم لصلاة الجمعة عند خوف فوتها (19)، لأجل الزحام و منعه.

______________________________

(17) على المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، للنصوص الدالة عليه تقدم بعضها في [المسألة 3] من هذا الفصل، كما تقدم حمل ما يخالفهما من الطائفة الثانية من الأخبار الدالة على الإعادة على الاستحباب، فلا وجه لما نسب إلى ابن الجنيد و أبي عليّ من وجوب الإعادة فراجع و تأمل.

(18) لما نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) من وجوب الإعادة و قد تقدم في [المسألة 20] من أول (فصل التيمم) الإشكال عليه.

(19) نسب إلى المشهور عدم وجوب الإعادة، لإطلاق الأدلة الدالة على أنّ «ربّ الماء هو ربّ الصعيد» كما مر، و إطلاق ما دل على عدم الإعادة عند وجدان الماء (1)، و الإجماع الدال على عدم الإعادة على من صلّى صلاة صحيحة و سياقها آب عن التقييد، لأنّها في مقام بيان القاعدة الكلية مع أنّ كون الحكم ترخيصيا يقتضي ذلك. و لكن عن جمع- منهم الشيخ (رحمه اللّه)- وجوب الإعادة، لخبر السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السّلام: «أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة، أو يوم عرفة لا يستطيع

ص: 441


1- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 7 و غيره من الأحاديث.

(الثالث): من ترك طلب الماء عمدا إلى آخر الوقت (20) و تيمّم و صلّى ثمَّ تبيّن وجود الماء في محلّ الطلب.

(الرابع): من أراق الماء الموجود عنده مع العلم أو الظنّ بعدم وجوده بعد ذلك. و كذا لو كان على طهارة فأجنب مع العلم أو الظنّ بعدم وجود الماء.

(الخامس): من أخر الصلاة متعمدا إلى أن ضاق وقته فتيمّم لأجل الضيق (21).

مسألة 9: إذا تيمّم لغاية من الغايات كان بحكم الطاهر

(مسألة 9): إذا تيمّم لغاية من الغايات كان بحكم الطاهر (22).

______________________________

الخروج عن المسجد من كثرة الناس، قال يتيمّم و يصلّي معهم و يعيد إذا انصرف» (1).

و نحوه موثق سماعة (2). و لا بدّ من حملهما على الندب، لإباء العمومات و الإطلاقات عن التقييد، مع احتمال كونهما لبيان إعادة ما أتى به تقية إذ المنساق منهما الصلاة مع المخالفين و إن كان ذلك أيضا خلاف التحقيق لما مر، و كما يأتي.

(20) لما تقدم في [المسألة 13] من (فصل التيمم) و منه يعلم الوجه في الرابع أيضا، إذ المناط واحد و هو التفريط في الطهارة المائية.

(21) لما تقدم في [المسألة 9] من أول (فصل التيمم) فراجع و تأمل.

(22) لإطلاق أدلة البدلية و التنزيل، و أنّ «ربّ الماء هو ربّ الصعيد» و أنّ التيمم طهور، و هذا هو المشهور بين الفقهاء و أساطينهم، و لكن عن الإيضاح استثناء دخول المسجدين و اللبث في سائر المساجد و مسّ كتابة القرآن، لقوله تعالى وَ لا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (3).

ص: 442


1- الوسائل باب: 15 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب التيمم حديث: 2.
3- النساء: 43.

ما دام باقيا لم ينتقض، و بقي عذره، فله أن يأتي بجميع ما يشترط فيه الطهارة إلّا إذا كان المسوّغ للتيمم مختصا بتلك الغاية، كالتيمم لضيق الوقت (23) فقد مر أنّه لا يجوز له مس كتابة القرآن، و لا قراءة العزائم، و لا الدخول في المساجد، و كالتيمم لصلاة الميت، أو للنوم مع وجود الماء (24).

مسألة 10: جميع غايات الوضوء و الغسل غايات للتيمم أيضا

(مسألة 10): جميع غايات الوضوء و الغسل غايات للتيمم أيضا، فيجب لما يجب لأجله الوضوء أو الغسل و يندب لما يندب له أحدهما، فيصح بدلا عن الأغسال المندوبة و الوضوءات المستحبة حتّى وضوء الحائض، و الوضوء التجديدي مع وجود شرط صحته من فقد الماء و نحوه (25). نعم، لا يكون بدلا عن الوضوء التهيّئي كما مرّ كما

______________________________

أي لا تدخلوا المساجد إلّا عابري سبيل حتّى تغتسلوا، و لأنّ الأمة لم يفرقوا بين اللبث و المسّ.

و فيه: أنّ أدلة طهورية التيمم حاكمة على الآية الكريمة. نعم، لو قيل بأنّه لا تفيد الطهارة، بل خصوص الإباحة الجهتية فقط لكان لما ذكره وجه، و لكنه خلاف ظواهر الأدلة.

و منه يظهر ما في قول العلامة (رحمه اللّه): من أنّه لو تيمم الجنب لضرورة ففي جواز قراءة العزائم إشكال، إذ لا إشكال بعد عمومات التنزيل الظاهرة في أنّه من كلّ جهة.

(23) راجع ما تقدم في [المسألة 30].

(24) للإجماع على أنّه لا يستباح به الغايات المشروطة بالطهارة مطلقا فيكون هذا التيمم جهتيا لا من كلّ جهة.

(25) لعموم دليل التنزيل، و إطلاق أدلة البدلية الشاملين لجميع هذه الموارد، مع كون الحكم تسهيليا امتنانيا و كيف يقيد قوله عليه السّلام في الصحيح

ص: 443

أنّ كونه بدلا عن الوضوء للكون على الطهارة محلّ إشكال (26). نعم، إتيانه برجاء المطلوبية لا مانع منه، لكن يشكل الاكتفاء به لما يشترط فيه الطهارة، أو يستحب إتيانه مع الطهارة (27).

مسألة 11: التيمم الذي هو بدل عن غسل الجنابة حاله كحاله في الإغناء عن الوضوء

(مسألة 11): التيمم الذي هو بدل عن غسل الجنابة حاله كحاله في الإغناء عن الوضوء، كما أنّ ما هو بدل عن سائر الأغسال يحتاج إلى الوضوء أو التيمم بدله مثلها (28)، فلو تمكن من الوضوء مع

______________________________

«إنّ اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (1) الوارد مورد تشريع القاعدة الكلية للغايات المشروطة بالطهارة التي لا يخرج عنها إلّا بنص صحيح و دليل صريح، و تقتضيه أصالة المساواة بين الطهارة المائية و الترابية في كلّ جهة إلّا ما خرج بالدليل.

لا يقال: نعم، فيما إذا تحققت الطهورية، فلا يشمل وضوء الحائض و التجديدي، فإنّه يقال: لا ريب أنّ للطهورية مراتب متفاوتة و مقتضى الإطلاق و التسهيل الشمول للجميع. نعم، لاحتمال الانصراف إليها وجه، لكنه بدوي خصوصا في مثل قوله عليه السّلام: «إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد» كما مر الوارد في مقام كمال اللطف و العناية، فلا يقيد إلّا بما يكون واضحا إلى الغاية و قد تقدم ما يتعلق بالتيمم التهيّئي، و للكون على الطهارة في [المسألة 1] و قد أثبتنا تشريعه فيها أيضا فراجع.

(26) ظهر مما تقدم أنّه لا إشكال فيه.

(27) لا إشكال فيه بناء على عموم التنزيل، و إطلاقات البدلية. و إنّما يشكل بناء على عدم العموم و الإطلاق، فيكون هذا النزاع صغرويا، فمن أثبت عموم المنزلة قال بالتعميم و من لم يثبته لا يقول به.

(28) إذ لا معنى للتنزيل إلّا هذا حقيقيا كان أو أثريا، بل يمكن أن يقال:

ص: 444


1- الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم حديث: 1.

التيمم بدلها، و إن لم يتمكن يتيمم تيممين أحدهما بدل عن الغسل، و الآخر بدل عن الوضوء (29).

مسألة 12: ينتقض التيمم بما ينتقض به الوضوء و الغسل

(مسألة 12): ينتقض التيمم بما ينتقض به الوضوء و الغسل من الأحداث (30) كما أنّه ينتقض بوجدان الماء (31)، أو زوال العذر (32)،

______________________________

إنّ هذا هو الغرض المهم من التنزيل مطلقا.

(29) لأنّه إذا لم يجز الغسل عن الوضوء- كما هو المفروض- فبدله يكون كذلك أيضا و لا يلزم زيادة البدل عن المبدل و لا وجه له. و ما روي من أنّ تيمم الحائض و الجنب سواء (1) إنّما هو بالنسبة إلى الكيفية لا التساوي من كلّ حيثية و جهة لا أقلّ من الإجمال الموجب لسقوط الاستدلال به في مقابل ما تقدم من عدم إجزاء غسل الحيض عن الوضوء و حينئذ فمع التمكن من الوضوء و عدم التمكن من الغسل يتوضأ و يتيمم بدلا عن الغسل و مع عدم التمكن منهما يتيمم تيممين و مع التمكن من الوضوء يغتسل و يتيمم بدلا عن الوضوء.

(30) للنص، و الإجماع، ففي صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: يصلّي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلّها؟ فقال: نعم، ما لم يحدث، أو يصب ماء»(2).

و نحوه غيره، و تقتضيه أصالة المساواة بين الطهارة المائية و الترابية في كلّ شي ء إلّا ما خرج بالدليل.

(31) لأدلة الطهارة المائية، و ما تقدم من صحيح زرارة، مضافا إلى الإجماع.

(32) لإطلاق أدلة الطهارة المائية، و ظهور الإجماع، و أنّ المراد من قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (3).

ص: 445


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 1.
3- سورة النساء: الآية 43.

و لا يجب عليه إعادة ما صلاه كما مرّ و إن زال العذر في الوقت، و الأحوط الإعادة حينئذ، بل و القضاء أيضا في الصور الخمسة المتقدمة.

مسألة 13: إذا وجد الماء أو زال عذره قبل الصلاة لا يصح أن يصلّي به

(مسألة 13): إذا وجد الماء أو زال عذره قبل الصلاة لا يصح أن يصلّي به و إن فقد الماء أو تجدد العذر، فيجب أن يتيمم ثانيا (33).

نعم، إذا لم يسع زمان الوجدان أو زال العذر للوضوء أو الغسل بأن فقد أو زال العذر بفصل غير كاف لهما لا يبعد عدم بطلانه (34) و عدم وجوب

______________________________

عدم التمكن من استعمال الماء و المفروض حصول التمكن، فينقلب الموضوع لا محالة.

و إن شئت قلت: إنّ طهورية التيمم ما دامية، أي ما دام عدم التمكن من استعمال الماء، فإذا حصل التمكن ينقلب الموضوع، فتزول الطهارة قهرا، و ليس مثل الطهارة المائية الاضطرارية التي تقدم عدم زوالها بزوال العذر في [المسألة 31] من (فصل أحكام الجبائر) و الفارق بين المقامين وجود الدليل هنا على البطلان بخلاف ما تقدم، و تقدم في المسألة الثانية حكم بقية المسألة و لا وجه للتكرار.

(33) للإجماع، و لما تقدم في المسألة السابقة من انتقاض التيمم بوجدان الماء و زوال العذر، و إطلاقها يشمل ما إذا بقي الماء و تمكن من استعماله أو فقد و لم يتمكن منه، فتأمل.

(34) لإمكان دعوى أنّ المتفاهم عرفا فيما دل على بطلان التيمم بزوال العذر و وجدان الماء إنّما هو فيما إذا أمكن الطهارة المائية، و لا يشمل صورة عدم إمكانها إلّا إذا كان ذلك من التعبد المحض و هو بعيد و مع الشك، فالمرجع أصالة بقاء أثر التيمم، و يشهد لما قلناه خبر أبي أيوب قال عليه السّلام: «إذا رأى الماء و كان يقدر عليه انتقض التيمم» (1).

ص: 446


1- الوسائل باب: 19 من أبواب التيمم حديث: 6.

تجديده، لكن الأحوط التجديد مطلقا (35) و كذا إذا كان وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت، فإنّه لا يحتاج إلى الإعادة حينئذ للصلاة التي ضاق وقتها (36).

مسألة 14: إذا وجد الماء في أثناء الصلاة

(مسألة 14): إذا وجد الماء في أثناء الصلاة فإن كان قبل الركوع من الركعة الأولى بطل تيممه و صلاته (37) و إن كان بعده لم يبطل

______________________________

و يشهد له أيضا ما تقدم من أنّ المراد بعدم الوجدان- المجوّز للتيمم- عدم التمكن من استعماله لا مجرد عدم الوجود الخارجي فقط.

(35) جمودا على إطلاق الأدلة و الكلمات، و لقصور ما استشهد به عن التقييد.

(36) لجريان ما تقدم فيه بلا فرق.

(37) لإطلاق ما دل على الانتقاض بوجدان الماء، و لصحيح زرارة:

«قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة قال:

فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع، و إن كان قد ركع فليمض في صلاته، فإنّ التيمم أحد الطهورين» (1).

و مثله خبر ابن عاصم عن الصادق عليه السّلام (2)، و قد عمل بهما جمع من الفقهاء منهم الصدوق، و السيد، و العلامة، و لكن نسب إلى المشهور، بل ادعي عليه الإجماع أنّه يمضي في صلاته و إن تلبس بتكبيرة الإحرام، لصحيح زرارة عن محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل لم يصب الماء و حضرت الصلاة فتيمم و صلّى ركعتين، ثمَّ أصاب الماء أ ينقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضأ ثمَّ يصلّي؟ قال: لا و لكنه يمضي في صلاته فيتمها و لا ينقضها لمكان أنّه دخلها و هو على طهر بتيمم» (3).

______________________________

(1)

(2)

(3)

ص: 447


1- الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 4.

و يتم صلاته (38)، لكن الأحوط مع سعة الوقت الإتمام و الإعادة مع الوضوء (39).

______________________________

و ظهوره في كفاية مجرد الدخول في الصلاة في الإجزاء مما لا ينكر، و حمل قوله عليه السّلام: «لمكان أنّه دخلها و هو على طهر على الدخول في الركوع- كما عن صاحب الجواهر- خلاف الظاهر، كما أنّ حمله على ضيق الوقت خلاف الإطلاق، و يشهد له توسعة الأمر في التيمم، كما تدل عليها الطائفة الأولى من الأخبار التي تقدمت في المسألة الثالثة، و أحسن طريق للجمع حمله على الندب.

و أما خبر الصيقل قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل تيمم ثمَّ قام يصلّي فمر به نهر و قد صلّى ركعة قال: فليغتسل و يستقبل الصلاة قلت: إنّه قد صلّى صلاته كلّها، قال لا يعيد» (1).

فأسقطه عن الاعتبار ضعف سنده، بل وهنه بالمعارضة و الإعراض.

(38) لما تقدم في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (2).

(39) خروجا عن خلاف ما نسب إلى ابن الجنيد من قطع الصلاة بعد الركوع، لأنّ المسألة ذات أقوال خمسة، بل ستة كما لا يخفى على من راجع الجواهر. هذا خلاصة الكلام في المقام.

و أما البحث عن سند الأخبار الواردة في المقام كما فعله في المدارك على ما هو عادته و تبعه عليه غيره، فمما لا وجه له هنا، لأنّ صحيح زرارة معتبر سندا، فلا وجه لترجيح السندي فيهما، بل يتعيّن الجمع العرفي و هو ما ذكرناه.

فرع: هل يجوز قطع هذه الصلاة بعد الركوع أو لا؟ وجهان، يمكن اختيار الأول، لأنّ عمدة الدليل على عدم جواز قطع الصلاة إنّما هو الإجماع و المسألة التي فيها ستة أقوال كيف يتحقق فيها الإجماع؟!.

ص: 448


1- الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 6.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 4.

و لا فرق في التفصيل المذكور (40) بين الفريضة و النافلة على الأقوى و إن كان الاحتياط بالإعادة في الفريضة آكد من النافلة (41).

مسألة 15: لا يلحق بالصلاة غيرها إذا وجد الماء في أثنائها

(مسألة 15): لا يلحق بالصلاة غيرها إذا وجد الماء في أثنائها، بل تبطل مطلقا و إن كان قبل الجزء الأخير منها، فلو وجد في أثناء الطواف و لو في الشوط الأخير بطل و كذا لو وجد في أثناء صلاة الميت بمقدار غسله بعد أن يمم لفقد الماء، فيجب الغسل و إعادة الصلاة، بل و كذا لو وجد قبل تمام الدفن (42).

______________________________

و أما قولهم عليهم السّلام: «فليمض في صلاته»(1). أو: «يمضي في صلاته» (2)، فهو أمر في مقام توهم الحظر لا يستفاد منه إلّا أصل الجواز كما ثبت في محلّه و إثبات الوجوب يحتاج إلى دليل آخر و هو مفقود.

(40) لإطلاق الأدلة و عمومها الشامل لهما، مضافا إلى «قاعدة إلحاق النافلة بالفريضة إلّا ما خرج بالدليل» و لا دليل على الخروج في المقام و جواز قطع النافلة اختيارا لا يوجب اختصاص الحكم بالفريضة، لظهور الإطلاق و العموم الشامل لهما، مع أنّ كون الحكم تسهيليا و امتنانيا يقتضي ذلك.

لا يقال إنّ قوله عليه السّلام: «يمضي في صلاته» كما مر في صحيح زرارة ظاهر في وجوب المضيّ و هذا يختص بخصوص الفريضة، فإنّه يقال: إنّه إرشاد إلى بقاء الطهارة و عدم انتقاضها و ليس في مقام بيان الحكم المولوي حتّى يختص بالفريضة، مع أنّه من الأمر في مقام توهم الحظر، فلا يستفاد منه الوجوب كما مرّ.

(41) لجواز ترك النافلة شرعا و ما كان كذلك لا يتأكد الاحتياط بالإعادة بالنسبة إليه، و هكذا كلّ احتياط موجب للإعادة.

(42) لأصالة عدم الإلحاق في كلّ ذلك، و لعموم ما دل على انتقاض

ص: 449


1- الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 4.
مسألة 16: إذا كان واجدا للماء و تيمم لعذر آخر من استعماله فزال عذره في أثناء الصلاة

(مسألة 16): إذا كان واجدا للماء و تيمم لعذر آخر من استعماله فزال عذره في أثناء الصلاة، هل يلحق بوجدان الماء في التفصيل المذكور؟ إشكال (43)، فلا يترك الاحتياط بالإتمام و الإعادة إذا كان بعد الركوع من الركعة الأولى.

نعم، لو كان زوال العذر في أثناء الصلاة في ضيق الوقت أتمها (44) و كذا لو لم يف زمان زوال العذر للوضوء بأن تجدد العذر بلا فصل، فإنّ الظاهر عدم بطلانه (45)، و إن كان الأحوط

______________________________

التيمم بوجدان الماء كما تقدم، و اختصاص ما تقدم بخصوص الصلاة و لا دليل على تنزيل غير الصلاة منزلتها في ذلك، بل مقتضى الأصل عدمه، كما مرّ، و النبوي من أنّ: «الطواف بالبيت صلاة» (1) قاصر سندا، مع أنّ ظاهر صحيح عمار أنّه مصحف: «إلّا الطواف فإنّ فيه صلاة» (2).

(43) من احتمال أن يكون لخصوص وجدان الماء خصوصية خاصة في الحكم المذكور، فلا يلحق به غيره، للأصل و من احتمال أنّه ذكر في الأخبار من باب كونه أحد أفراد زوال العذر، فالمناط كلّه القدرة و التمكن من استعمال الماء و هو حاصل في زوال كلّ عذر، مع أنّ قوله عليه السّلام: «لمكان أنّه دخلها و هو على طهر» (3).

شامل لجميع الأعذار، و يعضده أنّ كون الحكم تسهيليا امتنانيا يناسب التعميم و الشمول.

(44) لأنّ ضيق الوقت من مسوّغات التيمم بنفسه و لا فرق فيه بين الحدوث و البقاء، فقد زال عذر مقارنا لوجود عذر آخر، فلا أثر لزوال مثل هذا العذر.

(45) لما تقدم مرارا من أنّ زوال العذر الموجب للانتقاض إنّما هو فيما إذا

ص: 450


1- كنز العمّال ج: 3 حديث 206.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الوضوء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 4.

الإعادة (46).

مسألة 17: إذا وجد الماء في أثناء الصلاة بعد الركوع ثمَّ فقد في أثنائها أيضا

(مسألة 17): إذا وجد الماء في أثناء الصلاة بعد الركوع ثمَّ فقد في أثنائها أيضا أو بعد الفراغ منها بلا فصل هل يكفي ذلك التيمم لصلاة أخرى أو لا؟ فيه تفصيل: فإما أن يكون زمان الوجدان وافيا للوضوء أو الغسل على تقدير عدم كونه في الصلاة أو لا، فعلى الثاني الظاهر عدم بطلان ذلك التيمم بالنسبة إلى الصلاة الأخرى (47) أيضا.

و أما على الأول، فالأحوط عدم الاكتفاء به (48)، بل تجديده لها

______________________________

تمكن المكلّف من الطهارة المائية، و أما مع عدمه، فلا وجه للانتقاض.

(46) لاحتمال أن يكون وجدان الماء ناقضا تعبديا مطلقا، و لكنه احتمال ضعيف.

(47) لصدق عدم التمكن من استعمال الماء عرفا، فتشمله العمومات و الإطلاقات قهرا.

(48) إن كان المراد بعدم التمكن من استعمال الماء الموجب- حدوثا و بقاء- للتيمم عدم الإمكان الذاتي، فلا ريب في إمكانه الذاتي هنا، فلا بدّ حينئذ من الجزم بالبطلان بالنسبة إلى الصلاة الأخرى و لا وجه للاحتياط، و لكنه فاسد جدّا، لخروج الإمكان الذاتي عن بحث الفقه و الفقهاء مطلقا، بل المراد به الإمكان الشرعي و العرفي.

و أما إن كان المراد به عدم التمكن الشرعي، فلا ريب في أنّه غير متمكن شرعا من استعماله، لحرمة قطع الفريضة.

نعم، لو كان في صلاة النافلة أو كان في الفريضة و أمكنه الطهارة المائية من دون فوت الموالاة و تخلل المنافي، فلا إشكال في البطلان بالنسبة إلى الصلاة الأخرى، فوجوب الاحتياط مختل على كلّ حال و ما ادعاه (رحمه اللّه) من الاقتصار على القدر المتيقن مخالف لظواهر الإطلاقات و العمومات الواردة في مقام التسهيل و الامتنان. إلّا أن يقال: إنّه لا دليل على حرمة قطع مثل هذه

ص: 451

لأنّ القدر المعلوم من عدم بطلان التيمم إذا كان الوجدان بعد الركوع إنّما هو بالنسبة إلى الصلاة التي هو مشغول بها لا مطلقا.

مسألة 18: في جواز مسّ كتابة القرآن و قراءة العزائم حال الاشتغال بالصلاة التي وجد الماء فيها بعد الركوع

(مسألة 18): في جواز مسّ كتابة القرآن و قراءة العزائم حال الاشتغال بالصلاة التي وجد الماء فيها بعد الركوع إشكال لما مرّ (49) من أنّ القدر المتيقن من بقاء التيمم و صحته إنّما هو بالنسبة إلى تلك الصلاة.

نعم، لو قلنا بصحته إلى تمام الصلاة مطلقا- كما قاله بعضهم- جاز المسّ و قراءة العزائم ما دام في تلك الصلاة. و مما ذكرنا ظهر الإشكال في جواز العدول من تلك الصلاة إلى الفائتة التي هي مترتبة عليها، لاحتمال عدم بقاء التيمم بالنسبة إليها.

مسألة 19: إذا كان وجدان الماء في أثناء الصلاة بعد الحكم الشرعي بالرجوع

(مسألة 19): إذا كان وجدان الماء في أثناء الصلاة بعد الحكم الشرعي بالرجوع كما لو كان في السجود و شك في أنّه ركع أم لا، حيث إنّه محكوم بأنّه ركع- فهل هو كالوجدان بعد الركوع الوجداني أم

______________________________

الفريضة، لأنّ عمدة الدليل عليها الإجماع، و هو مشكل في المقام لتعارض أقوالهم و تشتت آرائهم، فلا بدّ من العمل بقاعدة الاحتياط و هي تقتضي الإتمام و الإعادة.

(49) هذا الإشكال و ما يأتي من الإشكال في جواز العدول مبنيّ على ما ذكره (قدّس سرّه) من كون القدر المتيقن حصول الطهارة بالنسبة إلى ما تلبس به من الصلاة، و لكنّه من مجرد الاحتمال المخالف لظاهر الإطلاق و العموم، و التسهيل، و الامتنان. نعم، لو كان المراد من التمكن- من استعمال الماء- التمكن الفعلي، أو كانت الصلاة نافلة، أو تمكن من الطهارة المائية في الصلاة بلا محذور- لا يجوز المسّ و لا العدول، و لكن المفروض خلاف ذلك كلّه، و إن كان الاحتياط حسنا على كلّ حال.

ص: 452

لا؟ إشكال (50) فالاحتياط بالإتمام و الإعادة لا يترك.

مسألة 20: الحكم بالصحة في صورة الوجدان بعد الركوع ليس منوطا بحرمة قطع الصلاة

(مسألة 20): الحكم بالصحة في صورة الوجدان بعد الركوع ليس منوطا بحرمة قطع الصلاة (51)، فمع جواز القطع أيضا كذلك ما لم يقطع. بل يمكن أن يقال في صورة وجوب القطع أيضا إذا عصى و لم يقطع الصحة باقية، بناء على الأقوى من عدم بطلان الصلاة مع وجوب القطع إذا تركه و أتم الصلاة (52).

مسألة 21: المجنب المتيمم بدل الغسل إذا وجد ماء بقدر كفاية الوضوء فقط

(مسألة 21): المجنب المتيمم بدل الغسل إذا وجد ماء بقدر كفاية الوضوء فقط لا يبطل تيممه. و أما الحائض و نحوها ممن تيمم تيممين إذا وجد بقدر الوضوء بطل تيممه الذي هو بدل عنه (53). و إذا

______________________________

(50) مقتضى إطلاق دليل قاعدة التجاوز ترتيب جميع الآثار إلّا ما خرج بالدليل و لا دليل عليه، بل هو مقتضى كون تلك القواعد من القواعد الامتنانية، و احتمال عدم كون الإطلاق واردا مقام البيان من هذه الجهات خلاف الظاهر، فالاحتياط المذكور استحبابي.

(51) لظهور إطلاق الدليل و عدم ما يصلح للتقييد.

(52) لما ثبت في محلّه من أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده، نعم، لو رجع وجوب القطع إلى حرمة الإتمام عرفا و كان حراما، فتبطل بالإتمام، لعدم إمكان التقرب بالمبغوض كما هو واضح.

(53) أما الأول، فلما تقدم في [المسألة 11] من أنّ التيمم الذي هو بدل عن غسل الجنابة يكون مثله في الإغناء عن الوضوء.

و أما الثاني، فلما تقدم فيها أيضا من أنّ ما يكون بدلا عن غير غسل الجنابة لا يجزي عن الوضوء فراجع.

و أما بناء على كفاية كلّ غسل عن الوضوء، فيكون حال جميع الأغسال كغسل الجنابة هذا إذا وجد الماء بقدر الوضوء بعد التيمم للغسل، و كذا لو كان من الأول موجودا بقدر الوضوء و لم يكن بقدر الغسل، فالتيمم بدلا عن الغسل

ص: 453

وجد ما يكفي للغسل و لم يمكن صرفه في الوضوء بطل تيممه الذي هو بدل عن الغسل، و بقي تيممه الذي هو بدل عن الوضوء من حيث إنّه حينئذ يتعيّن صرف ذلك الماء في الغسل، فليس مأمورا بالوضوء (54).

و إذا وجد ما يكفي لأحدهما و أمكن صرفه في كلّ منهما بطل كلا التيممين (55). و يحتمل عدم بطلان ما هو بدل عن الوضوء (56) من حيث إنّه حينئذ يتعيّن صرف ذلك الماء في الغسل، فليس مأمورا بالوضوء، لكن الأقوى بطلانهما.

مسألة 22: إذا وجد جماعة متيممون ماء مباحا لا يكفي إلّا لأحدهم بطل تيممهم أجمع

(مسألة 22): إذا وجد جماعة متيممون ماء مباحا لا يكفي إلّا لأحدهم بطل تيممهم أجمع إذا كان في سعة الوقت (57)، و إن كان في

______________________________

صحيح في جميع الصور و لا يحتاج إلى الوضوء في غسل الجنابة بخلاف غيره.

(54) لعدم القدرة عليه كما هو المفروض.

(55) لأنّ تخصيص أحدهما بالبطلان دون الآخر من الترجيح بلا مرجح بناء على عدم الترجيح في البين.

(56) لأنّ رفع الحدث الأكبر إما أهم، أو محتمل الأهمية من رفع الحدث الأصغر، فيثبت الترجيح لا محالة و لا يكون من الترجيح بلا مرجح فالأقوى عدم بطلان الوضوء كما يأتي منه في [المسألة 23]، فلا وجه لقوله (رحمه اللّه) بعد ذلك: (لكن الأقوى بطلانهما).

نعم، بطلانهما معا موافق للاحتياط.

(57) و تمكن كلّ واحد منهم من استعماله عرفا و حينئذ فمن سبق و حاز الماء و استعمله لا ينقض تيمم البقية، لعدم تمكنهم من استعمال الماء و إن ازدحموا عليه و أريق الماء للازدحام و نحوه يبقى تيمم الجميع، لصدق عدم التمكن من استعمال الماء بالنسبة إليهم و إلّا فيمكن القول بنقض تيمم واحد منهم لا على التعيين بالقرعة، لأنّ نقض تيمم الجميع متوقف على وجوب الوضوء نفسا عليهم و هو باطل، لفرض عدم كفاية الماء إلّا للواحد.

ص: 454

ضيقه بقي تيمم الجميع (58).

و كذا إذا كان الماء المفروض للغير و أذن للكلّ في استعماله (59).

و أما إن أذن للبعض دون الآخرين بطل تيمم ذلك البعض فقط (60). كما أنّه إذا كان الماء المباح كافيا للبعض دون الآخر- لكونه جنبا و لم يكن بقدر الغسل- لم يبطل تيمم ذلك البعض.

مسألة 23: المحدث بالأكبر غير الجنابة إذا وجد ماء لا يكفي إلّا لواحد من الوضوء أو الغسل

(مسألة 23): المحدث بالأكبر غير الجنابة إذا وجد ماء لا يكفي إلّا لواحد من الوضوء أو الغسل قدّم الغسل و تيمم بدلا عن الوضوء (61)، و إن لم يكف إلّا للوضوء فقط توضأ و تيمم بدل الغسل (62).

مسألة 24: لا يبطل التيمم الذي هو بدل عن الغسل

(مسألة 24): لا يبطل التيمم الذي هو بدل عن الغسل من

______________________________

نعم، تصح نسبة بطلان تيمم الجميع إلى قاعدة امتناع الترجيح بلا مرجح- كما يأتي- و لو قلنا بعدم جريان دليل القرعة في المقام، لاحتياجه إلى الجبر بعمل الأصحاب و هو غير معلوم، فينتقض تيمم الجميع، لعدم الترجيح إن لم نقل في المقام بالتخيير، فينقض حينئذ تيمم من اختار استعمال الماء. و لو وصل الماء إلى يد كلّ واحد منهم مترتبا و تمكن من استعماله ثمَّ تركه للآخر و هكذا ينتقض تيمم الجميع، لصدق التمكن بالنسبة إليهم أجمع و هذه المسألة ليس فيها دليل خاص لا بدّ و أن يعمل فيها بالقواعد العامة و مقتضاها ما ذكرناه.

(58) لكون العذر و هو ضيق الوقت عاما بالنسبة إليهم جميعا، فلا يتمكنون لذلك من استعمال الماء.

(59) فيجري فيه جميع ما ذكرناه في الماء المباح.

(60) لعدم تمكن البقية من استعمال الماء.

(61) لأهمية الغسل، أو احتمال أهميته، فيتعيّن لا محالة.

(62) لعدم التمكن من الغسل و التمكن من الوضوء، فيسقط الممكن و يثبت ما لا يمكن.

ص: 455

جنابة أو غيرها بالحدث الأصغر، فما دام عذره عن الغسل باقيا تيممه بمنزلته (63)، فإن كان عنده ماء بقدر الوضوء توضأ و إلّا تيمم بدلا عنه.

______________________________

ثمَّ إنّ المراد بقوله (رحمه اللّه): (لا يكفي إلّا لواحد) يعني لا يمكن صرفه إلّا في واحد و إلّا فلا ريب في أنّ ما يكفي للغسل يكفي للوضوء أيضا، و كذا لا بدّ و أن يقيد بما إذا لم يمكن الجمع بأن يتوضأ أولا مع جمع الغسالة ثمَّ يغتسل بالبقية.

(63) كما عن جمع من الفقهاء منهم السيد من القدماء، للمستفيضة، بل المتواترة الدالة على طهورية التيمم للعاجز و بدليته عن الغسل و الدالة على عموم المنزلة، فكما لا يبطل الغسل بالحدث الأصغر، فكذا ما هو بدله إلّا أن يدل دليل على الخلاف، و مقتضى استصحاب عدم مانعية الجنابة عن الغايات المشروطة بالطهور، و عدم وجوب التيمم بدلا عن الغسل ذلك أيضا.

و نسب إلى المشهور بطلان ما هو بدل عن الغسل بالحدث مطلقا أصغر كان أو أكبر، و استدلوا بأمور كلّها مخدوشة:

منها: الإجماع على أنّ التيمم مبيح لا أن يكون رافعا، و قد زالت الاستباحة بالحدث، فيجب تجديده.

و فيه: أنّه لا وقع لهذا الإجماع في مقابل المستفيضة، بل المتواترة الدالة على أنّه طهور مع أنّ هذا الإجماع اجتهاديّ لا أن يكون تعبديا، فلا اعتبار به.

و منها: ما عن المعتبر من أنّ المتيمم يجب عليه الطهارة عند وجود الماء، فلو لم يكن الحدث السابق باقيا لكان وجود الماء حدثا و هو باطل.

و فيه: أنّه طهارة ما دامية لا دائمية كما تدل عليه الأدلة، و كما في وضوء الجبيرة بعد رفع العذر على القول بوجوب إعادة الوضوء عند رفع العذر، فما دام العذر عن الغسل باقيا يكون أثر التيمم الذي هو بدل عن الغسل باقيا أيضا ما لم يثبت رفعه بنص صحيح أو دليل صريح.

و منها: قوله صلّى اللّه عليه و آله لبعض أصحابه الذي تيمم من الجنابة

ص: 456

.....

______________________________

و صلّى: «صلّيت بأصحابك و أنت جنب؟» (1).

و فيه مضافا إلى قصور سنده معارضته بالمستفيضة، بل المتواترة الدالة على أنّه طهور (2)، فلا وجه للاعتماد عليه.

و منها: قول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح: «و متى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا، و الوضوء إن لم تكن جنبا» (3).

فيستفاد منه اختصاص الوضوء فقط بمن ليس بجنب كما هو ظاهر التقسيم.

و فيه: أنّ الجنب المتيمم المحدث بالأصغر ليس جنبا ما لم يتمكن من الغسل، للأدلة الدالة على بدلية التيمم عن غسل الجنابة، فخروج المقام عن مورد الصحيح يكون بملاحظة تقدم أدلة الطهارة الترابية على المائية، لحكومتها عليها.

و منها: الأخبار المشتملة على أمر الجنب بالتيمم و إن كان عنده من الماء ما يكفيه للوضوء (4).

و فيه: أنّها أجنبية عن المقام، لأنّها فيما إذا كان جنبا ابتداء و كان عنده الماء بقدر الوضوء فقط، فيجب عليه التيمم بدلا عن الغسل بلا إشكال، فلا يدل على المقام الذي كان متيمما بدلا عن الغسل ثمَّ أحدث بالأصغر.

و منها: قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا بأس بأن تصلّي صلاة الليل و النهار بتيمم واحد ما لم تحدث أو تصب الماء» (5).

و إطلاق الحدث يشمل الحدث الأصغر الحاصل للمجنب المتيمم.

و فيه: أنّ عدم صحة الصلاة بعد هذا الحدث مسلّم إنّما الكلام في انتقاض التيمم الذي كان بدلا عن غسل الجنابة، و الخبر لا يدل عليه بوجه من الدلالة،

ص: 457


1- راجع المغني لابن قدامة ج 1 صفحة: 265 طبع بيروت.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 15 و غيره من الأحاديث الكثيرة.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب التيمم حديث: 5.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب التيمم حديث: 2.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 5.

و إذا ارتفع عذره عن الغسل اغتسل، فإن كان عن جنابة لا حاجة معه إلى الوضوء و إلّا توضأ أيضا.

هذا، و لكن الأحوط إعادة التيمم أيضا (64)، فإن كان عنده من الماء بقدر الوضوء تيمم بدلا عن الغسل و توضأ، و إن لم يكن، تيمم مرتين مرة عن الغسل و مرة عن الوضوء، هذا إن كان غير غسل الجنابة، و إلّا يكفيه مع عدم الماء للوضوء تيمم واحد بقصد ما في الذمة (65).

مسألة 25: حكم التداخل الذي مر سابقا في الأغسال يجري في التيمم أيضا

(مسألة 25): حكم التداخل الذي مر سابقا في الأغسال يجري في التيمم أيضا (66) فلو كن هناك أسباب عديدة للغسل يكفي تيمم واحد عن الجميع، و حينئذ فإن كان من جملتها الجنابة لم يحتج إلى الوضوء أو التيمم بدلا عنه و إلّا وجب الوضوء أو تيمم آخر بدلا عنه.

مسألة 26: إذا تيمّم بدلا عن أغسال عديدة فتبيّن عدم بعضها

(مسألة 26): إذا تيمّم بدلا عن أغسال عديدة فتبيّن عدم بعضها

______________________________

و المسألة بحسب الأصل العملي من صغريات الأقل و الأكثر، لأنّ وجوب الوضوء عليه معلوم و الشك في وجوب الزائد عليه، فقول السيد هو سيد القولين في المقام و من اللّه الاعتصام.

(64) ظهر وجه الاحتياط مما تقدم.

(65) لأنّه إن بطل تيممه الذي كان بدلا عن غسل الجنابة يكون هذا بدلا عنه، و إن كان باقيا تيممه يقع بدلا عن الوضوء.

(66) لإطلاق أدلة البدلية، و عموم المنزلة، و أنّه أحد الطهورين، فيثبت له جميع ما ثبت للطهارة المائية إلّا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام، بل هذا هو الذي تقتضيه المنّة في هذا الحكم العام البلوى، و حكم بقية المسألة واضح راجع [المسألة 15] من (فصل مستحبات غسل الجنابة)، فلا وجه للتكرار و الإعادة.

ص: 458

صح بالنسبة إلى الباقي (67). و أما لو قصد معيّنا أنّ الواقع غيره فصحته مبنية على أن يكون من باب الاشتباه في التطبيق لا التقييد كما مرّت نظائره مرارا (68).

مسألة 27: إذا اجتمع جنب و ميت و محدث بالأصغر و كان هناك ماء لا يكفي إلّا لأحدهم

(مسألة 27): إذا اجتمع جنب و ميت و محدث بالأصغر و كان هناك ماء لا يكفي إلّا لأحدهم، فإن كان مملوكا لأحدهم تعيّن صرفه لنفسه، و كذا إن كان للغير و أذن لواحد منهم (69) و أما إن كان مباحا أو كان للغير و أذن للكلّ فيتعيّن للجنب فيغتسل و ييمّم الميت، و يتيمم المحدث بالأصغر أيضا (70).

______________________________

(67) لوجود المقتضي- و هو القصد بالنسبة إلى الباقي- و فقد المانع و هو أنّ عدم التكليف ببعض الأغسال واقعا لا يضر بصحة ما قصد مع فرض صحة التداخل.

(68) فيصح مع الخطإ في التطبيق، لتحقق قصد الأمر الواقعي- و لو إجمالا- فيه بخلاف التقييد، فلم يتحقق قصد الأمر الواقعي و لو بنحو الإجمال، فلا موضوع للتيمم بالنسبة إلى كلّ واحد منهما.

(69) لتمكن من كان الماء له- أو أذن له بالخصوص- من الطهارة المائية، فيشمله إطلاق الأدلة قهرا.

(70) على المشهور، لصحيح ابن أبي نجران أنّه سأل أبا الحسن عليه السّلام: «عن ثلاثة نفر كانوا في سفر: أحدهم جنب، و الثاني ميت، و الثالث على غير وضوء و حضرت الصلاة و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء و كيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب، و يدفن الميت بتيمم و يتيمم الذي هو على غير وضوء، لأنّ غسل الجنابة فريضة، و غسل الميت سنّة، و التيمم للآخر جائز» (1).

و قريب منه غيره (2)، و المراد من الفريضة ما ثبت وجوبه بالكتاب الكريم،

ص: 459


1- الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 4.

.....

______________________________

و المراد بالسنّة ما ثبت وجوبه بالسنّة النبوية، و المراد بالجواز مطلق المشروعية الشامل للوجوب أيضا.

إن قلت: قد ثبت وجوب الوضوء بالقرآن أيضا(1)، فما وجه قوله عليه السّلام: «لأنّ الغسل من الجنابة فريضة» مع أنّ الوضوء فريضة أيضا.

قلت: لعلّ الوجه فيه ملاحظة أهمية غسل الجنابة في مقابل سائر الأغسال فجعل عليه السّلام الغسل مقدما على الوضوء للأهمية، و غسل الجنابة مقدما على غسل الميت، لكون وجوبه ثابتا بالكتاب و هو نحو أهمية له.

و أما ما دل على أنّه يختص به الميت كالمرسل عن الصادق عليه السّلام:

«قلت له: الميت و الجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلّا بقدر ما يكتفي به أحدهما أيّهم أولى أن يجعل الماء له؟ قال: يتيمم الجنب، و يغتسل الميت بالماء» (2).

و ما دل على تقديم الحدث الأصغر (3)، فأسقطهما عن الاعتبار قصور السند، و عدم وجدان القائل بهما، و معارضتهما بما هو المعتبر المعمول به عند الأصحاب و من ذلك يعلم الخدشة فيما نسب إلى الشيخ من التخيير، فإنّه متوقف على فقد الترجيح، و الترجيح مع ما مرّ من الصحيح، و يمكن تطبيق المسألة على قاعدة تقديم الأهم- أو محتمل الأهمية- على المهم و لا ريب في تحقق احتمال الأهمية في غسل الجنابة، فيكون الصحيح مطابقا للقاعدة لا أن يكون مخالفا لها.

فروع- (الأول): لو أمكن الجمع بأن يتطهر المحدث بالأصغر و يجمع الغسالة ثمَّ يغتسل الجنب مع طهارة بدنه ثمَّ يغسل الميت وجب ذلك بناء على جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر في غسل الميت، و طريق الاحتياط الجمع بين ذلك و بين تيممه.

(الثاني): لو كان الماء لأحدهم هل يصح له بذله لغيره حتّى يتبدل تكليفه

ص: 460


1- سورة المائدة: 6.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 5.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 2.
مسألة 28: إذا نذر نافلة مطلقة أو موقتة في زمان معيّن، و لم يتمكن من الوضوء في ذلك الزمان

(مسألة 28): إذا نذر نافلة مطلقة أو موقتة في زمان معيّن، و لم يتمكن من الوضوء في ذلك الزمان تيمّم بدلا عنه و صلّى (71). و أما إذا نذر مطلقا لا مقيّدا بزمان معيّن، فالظاهر وجوب الصبر إلى زمان إمكان الوضوء (72).

مسألة 29: لا يجوز الاستئجار لصلاة الميت ممن وظيفته التيمم مع وجود من يقدر على الوضوء

(مسألة 29): لا يجوز الاستئجار لصلاة الميت ممن وظيفته التيمم مع وجود من يقدر على الوضوء، بل لو استأجر من كان قادرا ثمَّ عجز عنه يشكل جواز الإتيان بالعمل المستأجر عليه مع التيمم، فعليه التأخير إلى التمكن مع سعة الوقت، بل مع ضيقه أيضا يشكل كفايته (73)، فلا يترك مراعاة الاحتياط.

______________________________

إلى التيمم، لأنّ ذلك نحو قضاء حاجة للمؤمن و تقدم جواز صرف الماء في حاجة المؤمن؟ وجهان.

(الثالث): لو كان الماء مباحا، أو أذن المالك للكلّ، فالظاهر وجوب السعي على كلّ واحد منهم من باب المقدمة.

(71) لصدق عدم التمكن من استعمال الماء، فتشمله الأدلة.

(72) لعدم صدقه مع عدم تعين الزمان خصوصا مع جواز البدار كما هو مقتضى إطلاق الأدلة الأولية من غير ما يصلح للتقييد. نعم، لو كان مورد نذره أعمّ من الطهارة المائية حين إرادة الإتيان بالعمل مع عدم التمكن من الماء حينئذ، فالظاهر صحة المبادرة و عدم وجوب الصبر.

(73) كلّ ذلك، لظهور الأدلة في وجوب القضاء بنحو التكاليف الاختيارية، و لأصالة عدم سقوط ذمة الميت بالتكاليف العذرية سواء أتى بها متبرّعا أم بالاستئجار، مضافا إلى عدم سقوط ذمة الوصي عما أوصى إليه لو استأجر المعذور، و يأتي منه (رحمه اللّه) الفتوى بعدم جواز استئجار ذوي الأعذار في [المسألة 12] من (فصل صلاة الاستئجار)، و احتمال الجواز منحصر بالجمود على إطلاق أدلة البدلية حتّى من هذه الجهات، و لكن الظاهر أنّ العرف لا يساعد

ص: 461

مسألة 30: المجنب المتيمم إذا وجد الماء في المسجد و توقف غسله على دخوله

(مسألة 30): المجنب المتيمم إذا وجد الماء في المسجد (74) و توقف غسله على دخوله و المكث فيه لا يبطل تيممه بالنسبة إلى الغايات الأخر، فلا يجوز له قراءة العزائم، و لا مسّ كتابة القرآن. كما أنّه لو كان جنبا و كان الماء منحصرا في المسجد و لم يمكن أخذه إلّا بالمكث وجب أن يتيمم للدخول و الأخذ كما مرّ سابقا و لا يستباح له بهذا التيمم إلّا المكث، فلا يجوز له المسّ و قراءة العزائم.

مسألة 31: قد مرّ سابقا أنّه لو كان عنده من الماء ما يكفي لأحد الأمرين من رفع الخبث عن ثوبه أو بدنه و رفع الحدث

(مسألة 31): قد مرّ سابقا أنّه لو كان عنده من الماء ما يكفي لأحد الأمرين من رفع الخبث عن ثوبه أو بدنه و رفع الحدث، قدّم رفع الخبث و تيمّم للحدث، لكن هذا إذا لم يمكن صرف الماء في الغسل أو الوضوء و جمع الغسالة في إناء نظيف لرفع الخبث، و إلّا تعيّن ذلك و كذا الحال في مسألة اجتماع الجنب و الميت و المحدث بالأصغر، بل في سائر الدورانات (75).

مسألة 32: إذا علم قبل الوقت أنّه لو أخر التيمم إلى ما بعد دخوله لا يتمكن من تحصيل ما يتيمم به

(مسألة 32): إذا علم قبل الوقت أنّه لو أخر التيمم إلى ما بعد دخوله لا يتمكن من تحصيل ما يتيمم به، فالأحوط أن يتيمم قبل الوقت لغاية أخرى غير الصلاة في الوقت، و يبقى تيممه إلى ما بعد الدخول، فيصلّي به (76)، كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الوضوء إذا أمكنه قبل

______________________________

على هذا الجمود، و المسألة متكررة مرارا و الدليل واحد.

(74) لما تقدم وجهه في [المسألة 8] من (فصل ما يحرم على الجنب) و [المسألة 35] من (فصل التيمم) فراجع إذ المسألة مكررة بعينها.

(75) كلّ ذلك لإطلاق أدلة التكاليف الأولية مع التمكن العرفي من امتثالها، فيجب قهرا بأيّ وجه عرفي أمكن.

(76) لحكم العقل بوجوب حفظ غرض المولى مهما أمكن للعبد ذلك و لا دليل على الخلاف إلّا دعوى الإجماع على بطلان التيمم قبل الوقت و شموله

ص: 462

الوقت و علم بعدم تمكنه بعده فيتوضأ- على الأحوط- لغاية أخرى أو للكون على الطهارة.

مسألة 33: يجب التيمم لمسّ كتابة القرآن إن وجب

(مسألة 33): يجب التيمم لمسّ كتابة القرآن إن وجب كما أنّه يستحب إذا كان مستحبا (77)، و لكن لا يشرع إذا كان مباحا (78). نعم، له أن يتيمم لغاية أخرى ثمَّ يمسح المسح المباح.

مسألة 34: إذا وصل شعر الرأس إلى الجبهة

(مسألة 34): إذا وصل شعر الرأس إلى الجبهة، فإن كان زائدا على المتعارف وجب رفعه (79) للتيمم و مسح البشرة، و إن كان على المتعارف لا يبعد كفاية مسح ظاهره عن البشرة و الأحوط مسح كليهما (80).

______________________________

لمثل المقام مشكل، بل ممنوع، مضافا إلى الكلام في اعتبار أصل هذا الإجماع و تقدم بعض الكلام في [المسألة 1] من (فصل أحكام التيمم).

(77) لثبوت الأمر الغيري بالنسبة إلى التيمم حينئذ، فتثبت داعوية الامتثال فيه بلا فرق بين كون الوجوب و الاستحباب متعلقا بالمسّ في حال الطهارة أو بمجرد جوازه، لأنّ الجواز ليس لذي المقدمة من حيث الإضافة إلى الشارع، بل من حيث إنّه عنوان فعل المكلّف، فيكون التيمم مقدمة لفعله و هو إما واجب أو مندوب في المسّ فتكون مقدميته أيضا كذلك.

(78) لعدم أمر حينئذ بالنسبة إلى التيمم حتّى يصح أن يؤتى به بداعي الأمر، لفرض أنّ الغاية مباحة لا أمر بها. هذا إن لم نقل بأنّه كالوضوء أيضا مندوب نفسيّ عند التمكن من استعمال الماء و إلّا فيصح أن يؤتى به بداعي أمره النفسي و تقدم ما ينفع المقام.

(79) لتنزل الأدلة على المتعارف و المفروض أنّه زائد عليه، فيجب رفعه.

(80) إن كان الشعر يسيرا و دقيقا جدّا بحيث كان في رفعه الحرج، فالظاهر إجزاء المسح عليه، لإطلاق الأدلة في هذا الأمر العام البلوى مع أنّه غالبيّ و إلّا وجب المسح على البشرة، لظهور الأدلة في أنّ الممسوح هو البشرة في غير

ص: 463

مسألة 35: إذا شك في وجود حاجب في بعض مواضع التيمم

(مسألة 35): إذا شك في وجود حاجب في بعض مواضع التيمم حاله حال الوضوء و الغسل في وجوب الفحص حتّى يحصل اليقين أو الظنّ بالعدم (81).

مسألة 36: في الموارد التي يجب عليه التيمم بدلا عن الغسل و عن الوضوء

(مسألة 36): في الموارد التي يجب عليه التيمم بدلا عن الغسل و عن الوضوء كالحائض، و النفساء، و ماسّ الميت- الأحوط تيمم ثالث (82) بقصد الاستباحة من غير نظر إلى بدليته عن الوضوء أو الغسل، بأن يكون بدلا عنهما، لاحتمال كون المطلوب تيمما واحدا من باب التداخل. و لو عيّن أحدهما في التيمم الأول و قصد بالثاني ما في الذمة أغنى عن الثالث (83).

مسألة 37: إذا كان بعض أعضائه منقوشا باسم الجلالة أو غيره من أسمائه تعالى

(مسألة 37): إذا كان بعض أعضائه منقوشا باسم الجلالة أو غيره من أسمائه تعالى، أو آية من القرآن، فالأحوط محوه حذرا من وجوده على بدنه في حال الجنابة (84) أو غيرها من الأحداث لمناط حرمة المسّ على المحدث.

و إن لم يمكن محوه أو قلنا بعدم وجوبه، فيحرم إمرار اليد عليه حال الوضوء أو الغسل بل يجب إجراء الماء عليه من غير مسّ، أو الغسل ارتماسا، أو لف خرقة بيده و المسّ بها.

______________________________

الشعور الدقاق و على أيّ تقدير لا وجه للمسح عليهما.

(81) راجع [المسألة 9] من (فصل أفعال الوضوء).

(82) لا دليل للاحتياط الوجوبي. نعم، لا ريب في حسنه رجاء، و تقدم في [المسألة 11] ما ينفع المقام فراجع.

(83) لتحقق الاحتياط بذلك على كلّ حال.

(84) تقدم بعض الكلام فيه في [المسألة 10] من (فصل غايات الوضوء).

ص: 464

و إذا فرض عدم إمكان الوضوء أو الغسل إلّا بمسّه، فيدور الأمر بين سقوط حرمة المسّ أو سقوط وجوب المائية و الانتقال إلى التيمم، و الظاهر سقوط حرمة المسّ (85)، بل ينبغي القطع به إذا كان في محلّ التيمم لأنّ الأمر حينئذ دائر بين ترك الصلاة و ارتكاب المسّ، و من المعلوم أهمية وجوب الصلاة فيتوضأ أو يغتسل في الفرض الأول و إن استلزم المسّ لكن الأحوط مع ذلك الجبيرة (86) أيضا بوضع شي ء عليه و المسح عليه باليد المبلّلة، و أحوط من ذلك أن يجمع بين ما ذكر و الاستنابة أيضا (87) بأن يستنيب متطهّرا يباشر غسل هذا الموضع، بل و أن يتيمم مع ذلك أيضا إن لم يكن في مواضع التيمم.

و إذا كان ممن وظيفته التيمم و كان في بعض مواضعه و أراد الاحتياط جمع بين مسحه بنفسه، و الجبيرة، و الاستنابة، لكن الأقوى- كما عرفت- كفاية مسحه و سقوط حرمة المسّ حينئذ.

______________________________

(85) مع عدم التمكن من التيمم و أما مع تمكنه منه، فيتيمم لأجل المسّ إن لم يكن في محالّ التيمم ثمَّ يتيمم أو يغتسل و إن كان في محالّ التيمم أو الوضوء، فيحتاط بما في المتن.

(86) لأنّها في مورد العذر العقلي أو الشرعي، و هذا عذر شرعي إلّا أن يقال بسقوط العذرية حينئذ.

(87) لاحتمال سقوط المباشرة في التيمم حينئذ. و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 465

خاتمة في التنظيف، و التزيين، و التجمل

اشارة

(خاتمة في التنظيف، و التزيين، و التجمل) و كلّ واحد منها: إما في البدن، أو في الملبس، أو في المسكن، أو في المأكل.

و تأتي الأقسام الأخيرة في محلّها، و نشير إلى الأول إجمالا و هو أمور:

الأول: ما يتعلق بالاستحمام

اشارة

الأول: ما يتعلق بالاستحمام.

مسألة 1: يستحب التنظيف مطلقا

(مسألة 1): يستحب التنظيف مطلقا (1) ..

(خاتمة في التنظيف و التزيين و التجمل)

______________________________

حيث إنّ جمعا من أعاظم الأصحاب- منهم صاحب الحدائق- (قدّس اللّه أرواحهم) تعرضوا لأمور في ختام كتاب الطهارة اقتفينا أثرهم تبركا و تيمنا.

(1) لنصوص كثيرة:

منها: قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «بئس العبد القاذورة» (1).

و عن عليّ عليه السّلام: «إنّ اللّه جميل يحب الجمال، و يحب أن يرى أثر نعمه على عبده» (2).

و الجمال أما معنويّ أو ظاهريّ، و كلّ منهما إما فطريّ أو اختياري، و الكلّ محبوب عند اللّه، لما تقدم من الرواية، و عن الصادق عليه السّلام: «أبصر رسول اللّه رجلا شعثا شعر رأسه، وسخة ثيابه، سيئة حاله، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من الدّين المتعة» (3). أي: التمتع من نعم الدنيا و الاستفادة منها،

ص: 466


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الملابس حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الملابس حديث: 5.

بالاستحمام (2) و باستعمال الماء و لو في غيره (3).

مسألة 2: يكره إدمان الحمام

(مسألة 2): يكره إدمان الحمام (4)، بل قد يحرم (5).

مسألة 3: يستحب أن يكون مع الميزر

(مسألة 3): يستحب أن يكون مع الميزر (6)، بل يكره

______________________________

مع أنّ الحكم مطابق للفطرة السليمة.

(2) لجملة من الأخبار:

منها: قول عليّ عليه السّلام: «نعم البيت الحمام يذكر النار، و يذهب بالدرن(1)» (2) و عن الرضا عليه السّلام: «للحمام منفعة عظيمة، يؤدي إلى الاعتدال، و ينقي الورك، و يليّن العصب و العروق، و يقوي الأعضاء الكبار، و يذهب الفضول، و يذهب العفن» (3).

و إطلاق مثل هذه الأخبار يشمل جميع أقسام الحمامات العامة منها و الخاصة التي في البيوت الجامعة لشرائط الحمام.

(3) لأنّه ليس للحمام من حيث هو موضوعية خاصة، بل هو طريق لحصول النظافة به بشرط الملازمة على الطهارة.

(4) لقول الرضا عليه السّلام: «و إياك أن تدمنه، فإنّ إدمانه يورث السل» (4).

و في خبر آخر عنه عليه السّلام: «الحمام يوم و يوم لا يكثر اللحم و إدمانه كلّ يوم يذيب شحم الكليتين» (5).

(5) إن تحقق الضرر الموجب للحرمة.

(6) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر

ص: 467


1- الدرن: الوساخة.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب آداب الحمام و التنظيف حديث: 2.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

تركه (7).

مسألة 4: يجب ستر العورة عن الناظر المحترم في الحمام و غيره

(مسألة 4): يجب ستر العورة عن الناظر المحترم في الحمام و غيره، و يحرم النظر إليها على ما تقدم (8).

مسألة 5: لا فرق في استحباب الاستحمام بين الرجال و النساء

(مسألة 5): لا فرق في استحباب الاستحمام بين الرجال و النساء (9) و قد ورد المنع عن دخول النساء في الحمامات العامة و الإذن لهنّ فيه (10).

______________________________

فلا يدخل الحمام إلّا بمئزر» (1).

(7) لقول الصادق عن آبائه عليهم السّلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«و كره الغسل تحت السماء بغير ميزر، و كره دخول الأنهار إلّا بمئزر، و قال في الأنهار عمار و سكان من الملائكة، و كره دخول الحمامات بغير ميزر» (2).

و إطلاقها يشمل الحمامات الخاصة (المنزلية) إلّا أن يدّعى الانصراف عنها.

(8) تقدم ما يتعلق بوجوب ستر العورة و حرمة النظر إليها في أحكام التخلّي و يأتي بعض الكلام فيها أيضا في أحكام الستر في الصلاة.

(9) للإطلاقات، و قاعدة الاشتراك- التي تقدم الكلام فيها- مع كون النظافة و التزيين أولى لهنّ من الرجال.

(10) لخبر سماعة عن الصادق عليه السّلام: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يرسل حليلته إلى الحمام» (3).

و عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: «قال رسول اللّه من أطاع امرأته أكبه اللّه على وجهه في النار. قيل: و ما تلك الطاعة؟ قال: تطلب

ص: 468


1- الوسائل باب: 9 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
مسألة 6: يجوز للأب أن يدخل مع ابنه في الحمام

(مسألة 6): يجوز للأب أن يدخل مع ابنه في الحمام (11)، و ما يظهر منه المنع محمول على ما إذا استلزم النظر إلى العورة (12).

مسألة 7: لو اغتسل بلا ميزر يصح غسله

(مسألة 7): لو اغتسل بلا ميزر يصح غسله و لو مع وجود الناظر المحترم و إن عصى و فعل حراما (13).

مسألة 8: يستحب أن يتناول شيئا قبل دخول الحمام

(مسألة 8): يستحب أن يتناول شيئا قبل دخول الحمام، بل يكره دخوله على الريق (14).

______________________________

منه أن تذهب إلى الحمامات، و العرس، و النياحات، و لبس الثياب الرقاق، فيجيبها» (1).

و لكنه محمول على ما إذا استلزم ذلك مفسدة و ارتكاب محرّم.

(11) للأصل، و الإطلاق من غير ما يصلح للمنع.

(12) لمرسل محمد بن جعفر عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لا يدخل الرجل مع ابنه الحمام، فينظر إلى عورته، و قال: ليس للوالدين أن ينظرا إلى عورة الولد، و ليس للولد أن ينظر إلى عورة الوالد و قال: لعن رسول اللّه الناظر و المنظور إليه في الحمام بلا ميزر» (2).

و مثله مرفوعة سهل بن زياد عن الصادق عليه السّلام: «لا يدخل الرجل مع ابنه الحمام فينظر إلى عورته» (3).

و هما محمولان على ما إذا كان في معرض النظر إلى العورة كما هو مذكور فيه.

(13) لأنّ النهي تعلق بما هو خارج عن حقيقة الغسل، فلا وجه للبطلان.

(14) لصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تدخل الحمام إلّا و في جوفك شي ء يطفئ عنك وهج المعدة و هو أقوى للبدن، و لا تدخله

ص: 469


1- الوسائل باب: 16 من أبواب آداب الحمام حديث: 7.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
مسألة 9: يستحب الدعاء بالمأثور عند نزع الثياب

(مسألة 9): يستحب الدعاء بالمأثور عند نزع الثياب و عند الدخول في البيت الأول و البيت الثاني (15).

مسألة 10: يكره السلام على من في الحمام

(مسألة 10): يكره السلام على من في الحمام (16)، و يكره له

______________________________

و أنت ممتلئ من الطعام» (1).

و خبر رفاعة عن الصادق عليه السّلام: «أنّه كان إذا أراد دخول الحمام تناول شيئا فأكله قال: قلت له: إنّ الناس عندنا يقولون: إنّه على الريق أجود ما يكون، قال: لا بل يؤكل شي ء قبله يطفئ المرار و يسكن حرارة الجوف» (2).

و مثله مرسلة الصدوق (3).

(15) لخبر محمد بن حمران قال: «قال الصادق عليه السّلام: إذا دخلت الحمام فقل في الوقت (البيت) الذي تنزع ثيابك فيه: اللهم انزع منّي ربقة النفاق و ثبتني على الإيمان، و إذا دخلت البيت الأول فقل: اللهم إنّي أعوذ بك من شرّ نفسي و أستعيذ بك من أذاه، و إذا دخلت البيت الثاني فقل اللهم أذهب عنّي الرجس النجس و طهّر جسدي و قلبي، و خذ من الماء الحار وضعه على هامتك و صب منه على رجليك، و إن أمكن أن تبلع منه جرعة فافعل فإنّه ينقّي المثانة و البث في البيت الثاني ساعة، و إذا دخلت البيت الثالث فقل: نعوذ باللّه من النار و نسأله الجنة ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار، و إياك و شرب الماء البارد- الحديث-» (4).

و قوله عليه السّلام: «إن أمكن أن تبلع منه جرعة، فافعل».

يراد به الماء النظيف في الخزانة الأصلية، أو من الدوش- المصنوع في هذه الأعصار.

(16) لقول الصادق عليه السّلام: «ثلاثة لا يسلّمون: الماشي مع الجنازة

ص: 470


1- الوسائل باب: 17 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

شرب الماء البارد فيه، و غسل الرأس بالطّين، و الدّلك بالخزف و دلك الرأس و الوجه بالإزار إن رضي صاحب الحمام بذلك و إلّا فيحرم (17).

الثاني: النورة

اشارة

(الثاني): النورة.

مسألة 1: التنوير من المستحبات الأكيدة

(مسألة 1): التنوير من المستحبات الأكيدة (18) خصوصا بعد

______________________________

و الماشي إلى الجمعة، و في بيت حمام» (1).

و عن سعدان بن مسلم قال: «كنت في الحمام في البيت الأوسط، فدخل عليّ أبو الحسن عليه السّلام و عليه النورة، و عليه إزار فوق النورة، فقال: السلام عليكم فرددت- الحديث-» (2).

(17) كلّ ذلك لما رواه ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام- في حديث- قال: «و إياك و الاضطجاع في الحمام، فإنّه يذهب شحم الكليتين و إياك و الاستلقاء على القفا في الحمام، فإنّه يورث داء الدبيلة» (3)، و إياك و التمشط في الحمام، فإنّه يورث وباء الشعر، و إياك و السواك في الحمام، فإنّه يورث وباء الأسنان، و إيّاك أن تغسل رأسك بالطّين، فإنّه يسمج الوجه (4) و إياك أن تدلك رأسك و وجهك بمئزر، فإنّه يذهب بماء الوجه، و إياك أن تدلك تحت قدميك بالخزف، فإنّه يورث البرص، و إياك أن تغتسل بغسالة الحمام» (5).

(18) لما روي عن الرضا عليه السّلام: «إنّ الدرهم في النورة أعظم ثوابا من سبعين درهما في سبيل اللّه» (6).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنّ النورة طهور» (7).

ص: 471


1- الوسائل باب: 14 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
3- دمل يظهر في الجوف يقال له: داء الدبيلة.
4- أي يقبّح الوجه.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
6- مستدرك الوسائل باب: 17 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
7- الوسائل باب: 28 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

عشرين يوما و آكد منه بعد أربعين يوما (19).

مسألة 2: يستحب الاطلاء و إن قرب العهد و لو بعد يومين

(مسألة 2): يستحب الاطلاء و إن قرب العهد و لو بعد يومين (20).

مسألة 3: يستحب الدعاء

(مسألة 3): يستحب الدعاء بالمأثور عند الطلاء (21).

______________________________

إلى غير ذلك من الأحاديث.

(19) لقول الصادق عليه السّلام: «السنّة في النورة في كلّ خمسة عشر يوما فمن أتت عليه أحد و عشرون يوما و لم يتنور، فليستدن على اللّه عزّ و جلّ و ليتنور، و من أتت عليه أربعون يوما و لم يتنور فليس بمؤمن و لا مسلم و لا كرامة» (1).

و في خبر مسعدة بن صدقة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يترك حلق عانته فوق الأربعين، فإن لم يجد فليقرض بعد الأربعين و لا يؤخره» (2).

(20) لما رواه عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: «كنت معه أقوده فأدخلته الحمام، فرأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يتنوّر فدنا منه أبو بصير فسلّم عليه، فقال: يا أبا بصير تنوّر فقال: إنّما تنوّرت أول من أمس و اليوم الثالث، فقال: أما علمت أنّه طهور، فتنور» (3).

و مثله خبر الأرقط (4).

(21) لمرفوعة السياري قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام من أراد الاطلاء بالنورة، فأخذ من النورة بإصبعه فشمه و جعل على طرف أنفه و قال: صلّى اللّه على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة لم تحرقه النورة» (5).

و في خبر سدير أنّه سمع عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول: «من قال إذا

ص: 472


1- الوسائل باب: 23 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب آداب الحمام حديث: 7.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
مسألة 4: يجوز الاستنابة في التنوير ما لم يستلزم مسّ العورة

(مسألة 4): يجوز الاستنابة في التنوير ما لم يستلزم مسّ العورة فيباشر تنويرها بنفسه و يوكل تنوير البدن إلى غيره (22).

مسألة 5: يتأكد التنوير و الإكثار منه في الصيف

(مسألة 5): يتأكد التنوير و الإكثار منه في الصيف (23).

مسألة 6: يجزي الحلق عن التنوير

(مسألة 6): يجزي الحلق عن التنوير كما يجزي المعجونات المصنوعة في هذه الأعصار (24).

______________________________

أطلى بالنورة: اللهم طيّب ما طهر منّي، و طهّر ما طاب منّي، و أبدلني شعرا طاهرا لا يعصيك، اللهم إنّي تطهرت ابتغاء سنّة المرسلين، و ابتغاء رضوانك و مغفرتك، فحرّم شعري و بشري على النار، و طهّر خلقي و زد عملي و اجعلني ممن يلقاك على الحنيفية السمحة (السهلة) ملة إبراهيم خليلك و دين محمد صلّى اللّه عليه و آله حبيبك و رسولك عاملا بشرائعك تابعا لسنّة نبيك آخذا به متأدبا بحسن تأديبك و تأديب رسولك صلّى اللّه عليه و آله و تأديب أوليائك الذين غذوتهم بأدبك و زرعت الحكمة في صدورهم و جعلتهم معادن لعلمك صلواتك عليهم، من قال ذلك طهّره اللّه من الأدناس في الدنيا و من الذنوب، و بدّله شعرا لا يعصي- الحديث-» (1).

(22) للأصل، و الإطلاق، و خبر بشير النبال: «إنّ أبا جعفر عليه السّلام دخل الحمام، فاتزر بإزار و غطّى ركبتيه و سرّته ثمَّ أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار، ثمَّ قال: أخرج عنّي ثمَّ طلى هو ما تحته بيده ثمَّ قال: هكذا فافعل» (2).

(23) لقول الصادق عليه السّلام: «طلية في الصيف خير من عشر في الشتاء» (3)، و لأنّ الصيف معرض للعرق و زيادة الشعر، فيتأكد فيه التنظيف.

(24) لأنّ المقصود إزالة الشعر و هي تحصل بها- أو بالمكائن الحديثة-

ص: 473


1- الوسائل باب: 30 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
مسألة 7: لا فرق في استحباب التنوير بين الرجال و النساء

(مسألة 7): لا فرق في استحباب التنوير بين الرجال و النساء (25)، بل بالنسبة إليهنّ آكد (26).

مسألة 8: لا بأس بالتدلك بالدقيق و الزيت بعد النورة

(مسألة 8): لا بأس بالتدلك بالدقيق و الزيت بعد النورة لقطع ريحها و ليس ذلك من الإسراف (27).

مسألة 9: يستحب خضاب الأظافير بالحناء بعد النورة

(مسألة 9): يستحب خضاب الأظافير بالحناء بعد النورة (28)،

______________________________

نعم، في التنوير خواص أخر كما في خبر عليّ بن يقطين: «إنّ النورة تزيد في ماء الصلب، و تقوّي البدن، و تزيد في شحم الكليتين، و تسمن البدن» (1).

و في بعض الأخبار التعبير بالحلق كما تقدم (2).

(25) للإطلاق، و الاتفاق، و قاعدة الاشتراك.

(26) لأهمية مثل هذه التنظيفات بالنسبة إليهنّ من الرجال، بل قد يجب عليهنّ مع أمر الزوج، و كونها من جهات التمتع.

(27) للأصل، و نصوص كثيرة:

منها: خبر إسحاق بن عبد العزيز. قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن التدلك بالدقيق بعد النورة فقال: «لا بأس، قلت: يزعمون أنّه إسراف فقال: ليس فيما أصلح البدن إسراف و إنّي ربما أمرت بالنقيّ فيلتّ لي بالزيت فأتدلك به، إنّما الإسراف في ما أتلف المال و أضرّ بالبدن» (3).

و يجوز التدلك بغيرهما مما له نفع للبدن لعموم قوله عليه السّلام: «ليس فيما أصلح البدن إسراف».

(28) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «إنّ الأظافير إذا أصابتها النورة غيّرتها

ص: 474


1- الوسائل باب: 28 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
2- راجع صفحة: 470.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.

بل يستحب استعماله في تمام البدن بعد الاطلاء (29)، و يكره الاطلاء يوم الأربعاء (30).

مسألة 10: تستحب الصلاة ركعتان عند الخروج من الحمام سالما

(مسألة 10): تستحب الصلاة ركعتان عند الخروج من الحمام سالما (31).

الثالث: الخضاب

اشارة

(الثالث): الخضاب.

مسألة 1: يستحب الخضاب

(مسألة 1): يستحب الخضاب و قد أكّد الشرع الأقدس في

______________________________

حتّى تشبه أظافير الموتى فغيّرها بالحناء» (1).

و ما يظهر منه الخلاف (2) محمول على التقية، أو على ما إذا انطبق عليه عنوان مرجوح كالتشبيه بالنساء أو غير ذلك، و مقتضى بعض الإطلاقات استحباب تغييرها و لو بغير الحناء لقول الباقر عليه السّلام: «إنّ الأظافير إذا أصابتها النورة غيّرتها حتّى أنّها تشبه أظافير الموتى فلا بأس بتغييرها» (3).

فيجوز التغيير و لو بالألوان العصرية.

(29) لنصوص كثيرة:

منها: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من دخل الحمام فاطلى ثمَّ أتبعه بالحناء من قرنه إلى قدمه كان أمانا له من الجنون، و الجذام و البرص و الأكلة إلى مثله من النورة» (4).

(30) لقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «ينبغي للرجل أن يتوقى النورة يوم الأربعاء فإنّه يوم نحس مستمر و تجوز النورة في سائر الأيام»(5).

(31) لقول الصادق عليه السّلام: «إذا خرج أحدكم من الحمام و قد سلم، فليصل ركعتين شكرا» (6).

ص: 475


1- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
5- الوسائل باب: 40 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
6- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.

الخضاب أشدّ تأكيد (32).

مسألة 2: خضاب الشيب يختلف حكمه بحسب العناوين

(مسألة 2): خضاب الشيب يختلف حكمه بحسب العناوين الخارجية، فقد يستحب إن انطبق عليه عنوان راجح (33)، و قد

______________________________

(32) قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «نفقة درهم في الخضاب أفضل من نفقة درهم في سبيل اللّه، إنّ فيه أربع عشرة خصلة: يطرد الريح من الأذنين، و يجلو الغشاء عن البصر، و يليّن الخياشيم، و يطيب النكهة، و يشد اللثة، و يذهب بالغشيان، و يقلّ وسوسة الشيطان، و تفرح به الملائكة، و يستبشر به المؤمن، و يغيظ به الكفار، و هو زينة، و هو طيب، و براءة في قبره و يستحي منه منكر و نكير» (1).

و يمكن حمله على مراتب الإيمان و مقامات المؤمنين، و قال أبو جعفر عليه السّلام: «كان رسول اللّه يختضب و هذا شعره عندنا» (2).

و عن الصادق عليه السّلام: «خضب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لم يمنع عليّا عليه السّلام إلّا قول رسول اللّه: تخضب هذه من هذه و قد خضب الحسين و أبو جعفر عليهما السّلام» (3).

(33) لقول الصادق عليه السّلام: «جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فنظر إلى الشيب في لحيته، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نور، ثمَّ قال: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة، قال: فخضب الرجل بالحناء ثمَّ جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فلما رأى الخضاب قال: نور و إسلام، فخضب الرجل بالسواد، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نور و إسلام و إيمان، و محبة إلى نسائكم و رهبة في قلوب عدوكم»(4).

ص: 476


1- الوسائل باب: 42 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب آداب الحمام حديث: 7.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

لا يستحب إن لم تكن جهة راجحة في البين (34).

مسألة 3: يستحب للرجل التهيئة لزوجته بالخضاب و غيره

(مسألة 3): يستحب للرجل التهيئة لزوجته بالخضاب و غيره كما يستحب العكس، بل قد يجب (35).

______________________________

(34) لظهور ما تقدم في قول الصادق عليه السّلام: «الشيب نور إنّه مطلوب، و اختلاف التخضيب باختلاف المقاصد و الجهات الخارجية، بل و يختلف باختلاف الأزمنة أيضا، ففي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «أنّه سئل عن قول رسول اللّه: غيّروا الشيب و لا تشبهوا باليهود، فقال: إنّما قال ذلك و الدّين قلّ، و أما الآن فقد اتسع نطاقه و ضرب بجرانه (1)، فامرؤ و ما اختار» (2).

و قيل له: «لو غيّرت شيبك يا أمير المؤمنين، فقال: الخضاب زينة و نحن قوم في مصيبة- يريد برسول اللّه-» (3).

(35) لخبر الوراق، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «دخل قوم على أبي جعفر عليه السّلام، فرأوه مختضبا بالسواد، فسألوه فقال: إنّي رجل أحبّ النساء فأنا أتصنّع لهنّ» (4).

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «في الخضاب ثلاثة خصال: مهيبة في الحرب، و محبة إلى النساء، و يزيد في الباه» (5).

و عنه عليه السّلام أيضا: «إنّ في الخضاب أجرا، و الخضاب و التهيئة مما يزيد اللّه عزّ و جلّ به عفة النساء، و لقد ترك نساء العفة بترك أزواجهنّ لهنّ التهيئة قال: قلت: بلغنا أنّ الحناء يزيد في الشيب قال: أيّ شي ء يزيد في الشيب، الشيب يزيد في كلّ يوم» (6).

ص: 477


1- أي ثبت و استقر الإسلام.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب آداب الحمام حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.
4- الوسائل باب: 41 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
5- الوسائل باب: 41 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.
6- الوسائل باب: 46 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
مسألة 4: أفضل الخضاب السواد

(مسألة 4): أفضل الخضاب السواد، ثمَّ الحمرة، ثمَّ الصفرة (36).

مسألة 5: يكره ترك المرأة للحليّ و خضاب اليد و إن كانت مسنة

(مسألة 5): يكره ترك المرأة للحليّ و خضاب اليد و إن كانت مسنة و إن كانت غير ذات بعل (37).

مسألة 6: يستحب الكحل للرجل و المرأة بكلّ ما يسمّى كحلا عرفا

(مسألة 6): يستحب الكحل للرجل و المرأة بكلّ ما يسمّى كحلا عرفا (38)، ..

______________________________

و يأتي في كتاب النكاح إن شاء اللّه تتمة الكلام.

(36) لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أحبّ خضابكم إلى اللّه الحالك» (1) و عن الصدوق قال: «إنّ رجلا دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قد صفر لحيته، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما أحسن هذا؟ ثمَّ دخل عليه بعد هذا و قد أقنى بالحناء، فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قال:

هذا أحسن من ذاك، ثمَّ دخل عليه بعد ذلك و قد خضب بالسواد فضحك إليه و قال: هذا أحسن من ذاك و ذاك»(2).

(37) لقول الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي للمرأة أن تعطل نفسها و لو أن تعلّق في عنقها قلادة، و لا ينبغي لها أن تدع يدها من الخضاب و لو أن تمسحها بالحناء مسحا، و إن كانت مسنة» (3).

و عنه عليه السّلام قال: «و أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله النساء بالخضاب ذات البعل و غير ذات البعل، أما ذات البعل فتزين لزوجها و أما غير ذات البعل، فلا تشبه يدها يد الرجال» (4).

(38) لإطلاق قول الصادق عليه السّلام: «الكحل ينبت الشعر، و يحد

ص: 478


1- الوسائل باب: 46 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 52 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
4- الوسائل باب: 52 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

و يستحب أن يكون في الليل أيضا (39).

مسألة 7: يستحب حلق الرأس للرّجل

(مسألة 7): يستحب حلق الرأس للرّجل (40)، و يكره إطالته (41).

______________________________

البصر، و يعين على طول السجود» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا: «الكحل يزيد في المباضعة» (2).

و عنه عليه السّلام- في حديث-: «و يجفف الدمعة و يعذب الريق، و يجلو البصر» (3).

و عن الرضا عليه السّلام: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليكتحل» (4).

(39) لقول الصادق عليه السّلام: «الكحل بالليل ينفع البدن و هو بالنهار زينة» (5).

و عنه عليه السّلام أيضا: «إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يكتحل قبل أن ينام أربعا في اليمنى، و ثلاثا في اليسرى» (6).

(40) لقول الصادق عليه السّلام: «أربع من أخلاق الأنبياء: التطيب، و التنظيف بالموسى، و حلق الجسد بالنورة، و كثرة الطروقة» (7).

و قال عليه السّلام أيضا: «إنّي لأحلق في كلّ جمعة فيما بين الطلية إلى الطلية» (8).

(41) لقول أبي الحسن الأول عليه السّلام: «إنّ الشعر على الرأس إذا طال ضعف البصر، و ذهب بضوء نوره، و طم الشعر يجلو البصر و يزيد في ضوء نوره- الحديث-» (9).

و أما ما ورد من أنّ حلق الشعر مثلة (10)، فمحمول على التقية.

ص: 479


1- الوسائل باب: 54 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
4- الوسائل باب: 54 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
5- الوسائل باب: 57 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
6- الوسائل باب: 57 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
7- الوسائل باب: 60 من أبواب آداب الحمام حديث: 8.
8- الوسائل باب: 60 من أبواب آداب الحمام حديث: 7.
9- الوسائل باب: 60 من أبواب آداب الحمام حديث: 9.
10- الوسائل باب: 60 من أبواب آداب الحمام حديث: 10.
مسألة 8: يحرم حلق اللحية

(مسألة 8): يحرم حلق اللحية (42) و يستحب تخفيفها (43)، و يكره ما زاد عن القبضة (44)، كما يكره كثرة وضع اليد على

______________________________

(42) أرسلت الحرمة إرسال المسلّمات- كما يظهر من صاحب الجواهر في بحث التقصير من كتاب الحج- و استدل عليها بصحيح البزنطي صاحب الرضا عليه السّلام قال: «و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يأخذ من لحيته؟ قال: أما من عارضيه فلا بأس و أما من مقدمها فلا» (1).

و بأنّه من فعل المجوس و جند بني مروان- كما في رواية ابن الخثعمي عن أمير المؤمنين عليه السّلام- (2).

و نوقش فيها بقصور الدلالة، أو بقصور السند، فالحرمة محلّ تردد.

و لكن المناقشة مردودة، فإنّ صحيح البزنطي تام سندا و دلالة، و البقية منجبرة بالعمل، و استنكار المتشرعة خلفا عن سلف، فلا يقصر المقام عن جملة من المحرمات التي حكموا فيها بالحرمة بمثل هذه الأدلة. و يأتي بعض الكلام في المكاسب المحرمة إن شاء اللّه تعالى.

(43) لصحيح الزيّات قال: «رأيت أبا جعفر عليه السّلام قد خفف لحيته» (3).

(44) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما زاد على القبضة ففي النار- يعني اللحية» (4)، و عنه عليه السّلام أيضا في قدر اللحية: «تقبض بيدك على اللحية و تجز ما فضل» (5).

و هذه المسألة بحسب الأصل من موارد الأقل و الأكثر، فما صدق عليه الجز

ص: 480


1- الوسائل باب: 63 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
2- الوسائل باب: 68 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
3- الوسائل باب: 63 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
4- الوسائل باب: 65 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
5- الوسائل باب: 65 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.

اللحية (45).

مسألة 9: يستحب الأخذ من الشارب

(مسألة 9): يستحب الأخذ من الشارب (46) ..

______________________________

و الحلق يكون حراما، و ما لا يصدق عليه، أو يشك فيه لا حرمة فيه، للأصل.

و القبض عليها يحتمل معان ثلاثة:

الأول: أن يقبض بتمام قبضته على ما دون الشفة السفلى و هو أصل منبت اللحية و يقطع ما زاد على ذلك و حينئذ يصير مقدار طول اللحية بقدر عرض إصبع أو أكثر قليلا.

الثاني: أن يقبض عليها من منتهى الذقن و يقطع الزائد و حينئذ يصير مقدار طولها من منتهى الذقن بمقدار عرض أربع أصابع.

الثالث: أن يقبض بإصبعيه على اللحية من أيّ جانبها شاء و أراد بحيث يصدق مسمّى القبض- كما يقبض على أشفار عينيه مثلا- و يقطع الزائد من جميع الجوانب فيصير تقريبا بقدر ما تأخذه الماكنة المتوسطة (نمرتها ثلاثة). و المتيقن هذا الاحتمال الأخير و تعيّن أحد الأولين يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

(45) لقول الصادق عليه السّلام: «لا تكثر وضع يدك في لحيتك فإنّ ذلك يشين الوجه»(1).

(46) لقول الصادق عليه السّلام في حنيفية إبراهيم الخليل: «و هي عشرة أشياء: خمسة منها في الرأس، و خمسة منها في البدن، فأما التي في الرأس فأخذ الشارب، و إعفاء اللّحى، و طمّ الشعر، و السواك، و الخلال. و أما التي في البدن فحلق الشعر من البدن، و الختان، و تقليم الأظفار، و الغسل من الجنابة، و الطهور بالماء، فهذه الحنيفية الظاهرة التي جاء بها إبراهيم عليه السّلام، فلم تنسخ و لا تنسخ إلى يوم القيامة و هو قوله وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً (2).

ص: 481


1- الوسائل باب: 64 من أبواب آداب الحمام.
2- الوسائل باب: 67 و باب 23 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.

و المبالغة فيه (47).

مسألة 10: يستحب تسريح شعر الرأس إذا طال و التمشط عند كلّ صلاة فرضا و نفلا

(مسألة 10): يستحب تسريح شعر الرأس إذا طال و التمشط عند كلّ صلاة فرضا و نفلا (48) و يكره عن قيام (49).

مسألة 11: يستحب دفن الشعر

(مسألة 11): يستحب دفن الشعر و الظفر (50).

______________________________

(47) لقول الصادق عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من السنّة أن تأخذ الشارب حتّى يبلغ الإطار» (1).

و هو طرف الشفة العليا الذي يحول بين منابت الشعر و الشفة و كلّ شي ء أحاط بشي ء فهو إطار.

(48) لخبر سفيان بن السمط قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث: المشط للرأس يذهب بالوباء قال: قلت: و ما الوباء؟ قال: الحمّى و المشط للّحية يشد الأضراس» (2).

و عن أبي الحسن عليه السّلام: «في قول اللّه خذوا زينتكم عند كلّ مسجد، قال: من ذلك التمشط عند كلّ صلاة» (3).

و في خبر أبي بصير عنه عليه السّلام أيضا: «عند كلّ صلاة فريضة و نافلة» (4).

(49) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من امتشط قائما ركبه الدّين» (5).

و عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: «لا تمشط من قيام فإنّه يورث الضعف في القلب، و امتشط و أنت جالس فإنّه يقوّي القلب و يمخخ الجلد»(6).

و إطلاقه يشمل مشط الرأس و اللحية.

(50) لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «كان يأمر بدفن سبعة أشياء من

ص: 482


1- الوسائل باب: 66 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 69 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 71 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
4- الوسائل باب: 71 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
5- الوسائل باب: 74 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
6- الوسائل باب: 74 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.
مسألة 12: يستحب إكرام الشعر و تحسينه

(مسألة 12): يستحب إكرام الشعر و تحسينه (51).

مسألة 13: يستحب تقليم الأظفار

(مسألة 13): يستحب تقليم الأظفار و يكره تركه (52)، و لا يتأكد للنساء (53)، ..

______________________________

الإنسان: الشعر، و الظفر، و الدم، و الحيض، و المشيمة، و السنّ، و العلقة» (1).

(51) لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزّه» (2).

و قال الصادق عليه السّلام: «الشعر الحسن من كسوة اللّه فأكرموه» (3).

(52) لقول الصادق عليه السّلام: «من السنّة تقليم الأظفار» (4).

و عنه عليه السّلام أيضا: «إنّ أستر و أخفى ما يسلّط الشيطان من ابن آدم أن صار يسكن تحت الأظافير» (5).

و عنه عليه السّلام: «احتبس الوحي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقيل له:

احتبس الوحي عنك، فقال: و كيف لا يحتبس و أنتم لا تقلّمون أظفاركم و لا تنقون رواجبكم؟!» (6).

و الرّواجب: أصول الأصابع.

أقول: إذا احتبس الوحي و حرم الناس عن المعارف بعدم تقليم الأظفار فما ذا يصنع بهم بارتكاب المنكرات و المحرّمات؟!! قال اللّه تعالى وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (7).

(53) لقول الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

ص: 483


1- الوسائل باب: 77 من أبواب آداب الحمام حديث: 6.
2- الوسائل باب: 78 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 78 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
4- الوسائل باب: 80 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
5- الوسائل باب: 80 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.
6- الوسائل باب: 80 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
7- البقرة: 282.

و يكره تقليم الأظفار بالأسنان (54)، و تؤدى السنّة بالتقليم في أيّ يوم شاء (55) و إن كان الأولى يوم الجمعة (56) كما أنّه تؤدى السنّة بتقليمها بأيّ نحو كان إلّا أنّ الأولى الابتداء بخنصر الأيسر

______________________________

للرجال قصوا أظافيركم و للنساء اتركن من أظفاركنّ فإنّه أزين لكنّ» (1).

لكن مع التحفظ على نظافة ما تحتها.

(54) لما رواه الصادق عن آبائه عليهم السّلام- في حديث المناهي- عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «نهى رسول اللّه عن تقليم الأظفار بالأسنان، و نهى عن الحجامة يوم الأربعاء و الجمعة»(2).

و عنه عليه السّلام أيضا- في وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام- قال: «يا عليّ ثلاثة من الوسواس أكل الطين، و تقليم الأظفار بالأسنان، و أكل اللحية» (3).

هذا إذا لم يتضرّر به و إلّا فيحرم كما سيجي ء في كتاب الأطعمة المحرمة إن شاء اللّه تعالى.

(55) لخبر موسى بن بكر أنّه قال للصادق: «إنّ أصحابنا يقولون: إنّما أخذ الشارب و الأظفار يوم الجمعة، فقال: سبحان اللّه خذها إن شئت في يوم الجمعة و إن شئت في سائر الأيام» (4).

(56) لخبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أخذ شاربه و قلّم من أظفاره، و غسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة كان كمن أعتق نسمة» (5).

و عنه عليه السّلام أيضا: «تقليم الأظفار، و قصّ الشارب، و غسل الرأس بالخطمي كلّ جمعة ينفي الفقر و يزيد في الرزق» (6).

ص: 484


1- الوسائل باب: 81 من أبواب آداب الحمام.
2- الوسائل باب: 82 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 82 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
4- الوسائل باب: 80 من أبواب آداب الحمام حديث: 6.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 2.
6- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 3.

ثمَّ الختم بالأيمن (57).

الرابع: التطيب، و التدهين

اشارة

(الرابع): التطيب، و التدهين.

مسألة 1: يستحب التطيب خصوصا أول النهار

(مسألة 1): يستحب التطيب خصوصا أول النهار، و خصوصا للصلاة، و لدخول المساجد (58)، و خصوصا استعماله في

______________________________

(57) لمرسلة ابن أبي عمير في قص الأظافير: «تبدأ بخنصرك الأيسر ثمَّ تختم باليمين» (1).

و في مرسلة الصدوق: «أنّه من يقلّم أظفاره يوم الجمعة يبدأ بخنصره من اليد اليسرى، و يختم بخنصره من اليد اليمنى» (2).

(58) لقول الرضا عليه السّلام: «ثلاث من سنن المرسلين: العطر، و أخذ الشعر، و كثرة الطروقة» (3).

و عنه عليه السّلام أيضا: «لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كلّ يوم» (4).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «حبب إليّ من دنياكم النساء، و الطيب، و جعل قرة عيني في الصلاة» (5).

أقول: الصلاة و إن لم تكن من الدنيا، و لكن من حيث يؤتى بها في الدنيا قال صلّى اللّه عليه و آله ذلك، و قال الصادق عليه السّلام: «من تطيب أول النّهار لم يزل عقله معه إلى الليل» (6).

و يأتي في كتاب الصلاة و دخول المساجد ما ينفع المقام.

ص: 485


1- الوسائل باب: 83 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 83 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
3- الوسائل باب: 89 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
4- الوسائل باب: 89 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
5- الوسائل باب: 89 من أبواب آداب الحمام حديث: 12.
6- الوسائل باب: 91 من أبواب آداب الحمام.

الشارب (59)، كما يستحب كثرة الإنفاق في الطيب (60).

مسألة 2: لا فرق في التطيب بين الرجال و النساء إذا تطيبت لزوجها فقط

(مسألة 2): لا فرق في التطيب بين الرجال و النساء إذا تطيبت لزوجها فقط (61)، و مع قطع النظر عن ذلك، فلا بدّ و أن يكون مما خفي ريحه (62).

مسألة 3: لا فرق بين أنواع الطيب

(مسألة 3): لا فرق بين أنواع الطيب (63) و يكره رده (64).

مسألة 4: يستحب التدهين بالأدهان المعدة

(مسألة 4): يستحب التدهين بالأدهان المعدة لاستعمالها في

______________________________

(59) لقول الصادق عليه السّلام: «الطيب في الشارب من أخلاق الأنبياء و كرامة للكاتبين» (1).

(60) لقول الصادق عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ينفق في الطيب أكثر مما ينفق في الطعام» (2).

(61) للعمومات، و الإطلاقات، و ما دل على تزيينها لزوجها (3).

(62) لقول الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

طيب النساء ما ظهر لونه و خفي ريحه، و طيب الرجال ما ظهر ريحه و خفي لونه» (4). بل قد يحرم عليها استعمال ما ظهر ريحه إذا ترتبت عليه مفسدة.

(63) للإطلاقات الشاملة للجميع. نعم، ذكر بعضها في الأخبار (5) و الظاهر كونه من باب الغالب في تلك الأزمان.

(64) لموثق سماعة عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يرد الطيب قال: لا ينبغي له أن يرد الكرامة» (6).

ص: 486


1- الوسائل باب: 90 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 92 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 79 من أبواب النكاح حديث: 2 و باب: 80 منها.
4- الوسائل باب: 93 من أبواب آداب الحمام.
5- الوسائل باب: 98 و 99 من أبواب آداب الحمام.
6- مستدرك الوسائل باب: 94 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

البدن (65).

مسألة 5: العطور و الأدهان التي تجلب إلى بلاد الإسلام من خارجها طاهرة

(مسألة 5): العطور و الأدهان التي تجلب إلى بلاد الإسلام من خارجها طاهرة، و يجوز استعمالها ما لم يعلم بالنجاسة (66).

______________________________

و إطلاقه يشمل رد كلّ كرامة.

(65) لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يحب الدهن و يكره الشعث، و يقول: إنّ الدهن يذهب البؤس، و كان يدهن بأصناف من الدهن، و كان إذا ادهن بدأ برأسه و لحيته و يقول: إنّ الرأس قبل اللحية و كان صلّى اللّه عليه و آله يدهن بالبنفسج، و يقول: هو أفضل الأدهان، و كان إذا ادهن بدأ بحاجبيه، ثمَّ شاربيه، ثمَّ يدخل في أنفه و يشمه، ثمَّ يدهن رأسه، و كان يدهن حاجبيه من الصداع، و يدهن شاربيه بدهن سوى دهن لحيته» (1).

(66) لأصالة الطهارة و الإباحة إلّا مع العلم بالخلاف، و يأتي في أحكام الملابس ما ينفع المقام.

(67) لقول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه كان يتطيب بالمسك حتّى يرى وبيصه في مفارقه» (2).

و الوبيص اللمعان، و سئل عن المسك: «هل يجوز إشمامه؟ فقال: إنّا لنشمه» (3).

و في صحيح ابن جعفر قال: «سألته عن المسك و العنبر و غيره يجعل في الطعام قال: لا بأس»(4).

و قد وقع ختام كتاب الطهارة بالمسك تفاؤلا بحسن طيبه و انتشار عطره و رؤية وبيصه في مفرق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تيمنا بقوله عزّ و جلّ خِتامُهُ مِسْكٌ

ص: 487


1- الوسائل باب: 102 من أبواب آداب الحمام حديث: 6.
2- الوسائل باب: 95 من أبواب آداب الحمام حديث: 9.
3- الوسائل باب: 95 من أبواب آداب الحمام حديث: 9.
4- الوسائل باب: 95 من أبواب آداب الحمام حديث: 15.
مسألة 6: لا بأس بالتطيب بالمسك و شمه

(مسألة 6): لا بأس بالتطيب بالمسك و شمه، و يجوز جعله في الطعام (67).

و الحمد للّه ربّ العالمين. تمَّ كتاب الطهارة.

______________________________

وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (1). و الحمد للّه رب العالمين. و قد وقع الفراغ في النجف الأشرف على من شرّفها آلاف التحية و أفضل الصلاة و السلام في شهر ذي الحجة الحرام من سنة ألف و ثلاثمائة و تسع و سبعين و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العليّ العظيم و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين.

و الحمد للّه ربّ العالمين.

و يبدأ الجزء الخامس من أول الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

14- 4- 1397 محمد الموسوي السبزواري

ص: 488


1- سورة المطففين (83) الآية: 26.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.